العنوان أيها المسئولون في إيران وإندونيسيا لا يؤتين الإسلام من قبلكم في هذه المعركة. شعوبكم تتحرق لعون إخوانها.. فلا تكفوا أيديها. امنعوا النفط عن أعداء المسلمين.. ولا تضربوا ظهورنا.
الكاتب محمد المجذوب
تاريخ النشر الثلاثاء 20-نوفمبر-1973
مشاهدات 15
نشر في العدد 176
نشر في الصفحة 32
الثلاثاء 20-نوفمبر-1973
العالم الإسلامي
أيها المسئولون في إيران وإندونيسيا
لا يؤتين الإسلام من قبلكم في هذه المعركة.
شعوبكم تتحرق لعون إخوانها.. فلا تكفوا أيديها.
امنعوا النفط عن أعداء المسلمين.. ولا تضربوا ظهورنا.
بقلم الأستاذ محمد المجذوب
الأستاذ في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
في مثل هذه الظروف التي تمتحن فيها صلاحية الأمة الإسلامية كلها، للحياة أو الموت، تصبح كلمة الحق والتذكير بالواجب فرض عين على كل ذي علم ودين، لا يسقط عنه إلا بأدائه ولو كلفه ذلك حياته.
وأنتم تعلمون أن أشقاءكم من الشعوب العربية التي شاء الله أن يجعل منها الحارس الدائم لمقدساتكم الروحية في مكة المكرمة والمدينة المنورة وبيت المقدس، تخوض منذ نصف قرن وحتى الساعة معارك متصلة لدفع الطغيان عن أرض النبوات، ولاستبقاء نور الإسلام متقدًا يصل حاضر أمتكم كلها بماضيها العظيم، الذي يريد الحاقدون من أعداء الله محوه بكل ما أوتوا من قوة في الحيلة، ومكر في السياسة، وخبرة في وسائل الفتك والتدمير، وقد بلغت تلك المعارك ذروتها هذه الأيام من ضفاف القناة إلى قلب الديار الشامية، حيث ألقى العرب بكل ما يستطيعون وما يملكون وقودًا لجحيم هذه الحرب، التي عليها يتوقف مصير مقدساتكم جميعًا، ودفع العدو الأميركي وأمامه لقيطته الغادرة وريثة الضغائن اليهودية على العالم كله، وعلى ورثة هذا الإسلام بوجه خاص، ما توصل إليه التطور الجهنمي في فن القتل، من أدوات حربية لا تبقي ولا تذر. ومع ذلك فإن أخوتكم من أهل الإيمان وحماة الإسلام صامدون في وجه السيل الجارف، قد آلوا على أنفسهم هذه الكرة ألا يهنوا ولا يتراجعوا دون هدفهم الأسمى، من تحرير الأرض المغتصبة، وأنصاف الجموع المستلبة، وإنقاذ القدس المعذبة، وتهديم أحلام الطواغيت في التسلل إلى البيت الحرام والمسجد النبوي المفدى.
ولقد صدقوا ما عاهدوا الله عليه، واندفعوا يسدون بأجسادهم كل ثغرة يتوقعون منها تدفق الخطر على وطن الأنبياء، ويهدمون على البغاة، ومن خلفهم من أمة البطر والأشر والعدوان ما تترسوا به من معاقل، وما طالما هددوا به من وسائل، وهم يعلمون علم اليقين أنهم بذلك يغامرون بأرواحهم، ويعرضون حواضرهم وقراهم ومرافق حياتهم، فضلًا عن أهليهم وأبنائهم، لكل ضروب البلاء والفناء، لأنهم واثقون أنهم يقاتلون عدوًا لا يقيم وزنًا للقوانين، ولا يقر بحق للإنسان، ولا يتورع عن أن يجرب أحدث أدوات الهلاك في مئات ألوف العزل والمرضى والأطفال، الذين هم وراء خطوط القتال، كما صنع في هيروشيما وناجاساكي، يوم جرب فيهما قنبلتيه الذريتين، فأحال عمرانهما خرابًا، وسكانهما ترابًا، ولكنهــم أقدموا على ذلك بعد أن يئسوا من عدالة البشر، وأيقنوا أن مؤامرات الشرق والغرب على أمتهم وتراثها ومقدساتها لن تقف عند حدود سيناء والجولان بل إنها لتستهدف مهبط الوحي في مكة المكرمة وفي طيبة المباركة التي لم يكتم أعداؤكم نواياهم الشيطانية نحوها، يوم غلبتهم نشوة الظفر باقتحام بيت المقدس، فأطلقوا لحناجرهم العنان يصيحون بأعلى أصواتهم بالثارات قريظة والنضير وخيبر وليسقط محمد ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ ( الكهف: 5)
وليست الظاهرة الأولى التي تترجم مشاعر العدو الطاغي نحو مأرز الإيمان - مدينة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فكم من محاولة عملية نهض بها أسلافهم لتحقيق تلك الأمنيات الجهنميات، منذ كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب ومرحب حتى الصليبي أرياط، الذي دفعه الغرور إلى تسيير كتائبه من الصليبيين والعرب المرتدين - أسلاف «رفين حلاوة» - في الطريق إلى المدينة، حتى قيض لها أسود صلاح الدين فمزقتها على مشارف تيماء.
أجل أيها السادة الذين ائتمنكم الله على مئتي مليون من أمة محمد «صلى الله عليه وسلم» لينظر كيف تعملون، وكيف بوجودهم ومصالحهم تتصرفون، فيقيض لكم من الجزاء إلا وفى كفاء نواياكم وأعمالكم.
لقد علمتم ورأيتم ما يقدمه أشقاؤكم العرب، ولا سيما في مصر وسورية، للذياد عن شرف أمتكم، وتراث نبيكم، وعزة أوطانكم، من تضحيات غسلت عن جباه العرب والمسلمين عار حزيران، وردت إليهم ما فقدوه، بتقاعسهم وتشاحنهم وتغافلهم، من كرامة ضاعت معها هيبتهم، حتى أوشكوا أن يكونوا بنظر أعدائهم كغثاء السيل، لا يخيف عاديًا، ولا يرد غازيًا، وقد أثبتوا أقدامهم في مستنقع الموت، معاهدين الله ألا يولوا العدو ظهورهم، إلى أن يقضي بينه وبينهم.
وها هي ذي الأقطار العربية والإسلامية قد دعمت أولئك المجاهدين بكل طاقاتها وتأييدها حتى أصبح عدوهم في واشنطن وتل أبيب معزولًا عن العالم لا يجد من ينصره، ولا من يجرؤ على الهمس بالعطف عليه إلا قليلًا من مرتزقة الصحافة الغربية، الذين يعيشون على فتات المصارف اليهودية.
ولقد كان لسلاح النفط العربي آثاره الجبارة في معركة المصير هذه، رد لكثيرين من المغرورين بقوتهم وعيهم، فأدركوا أن القوة التي بها يتجبرون وعليها يتوكئون إنما هي ثمرة من ثروة العرب الذين طالما كادوا لهم بالتصفيق لأعدائهم، فلم يلبثوا أن خففوا من غلوائهم، وأعلنوا غير مجمجمين أن كل مصنع في بلادهم موصول بمنابع العرب والمسلمين، فما لم يعدلوا موقفهم، ويرجعوا إلى الإنصاف في معاملتهم، سقطوا في مخابرهم مخنوقين، وعادوا إلى جحورهم مقهورين مدحورين.
وكان من حق هذه النتائج الكبيرة أن تكشف لكثير من الغافلين عن مدى القوة التي يملكونها لوقف البغي واستخلاص الحق، ولـو تيسر للدول الإسلامية كلها هذا الوعي لتغير تاريخها، ولارتفعت على واقعها، ولا كرهت كل معاد على طلب مودتها، وليست أقطاركم يا قادة المسلمين، وهي التي تشتمل على مئتي مليون من القوى البشرية، وتحتوي على الكثير الكثير من الطاقات الإنتاجية، بأقل قدرة على التأثير في حياة الدول والأمم حتى روسية وأمريكية نفسيهما، وقد شاء الله أن تتضاعف إمكاناتها إلى أعلى مستوى بلغته حتى اليوم، بما هيء لها موقف البلاد العربية - منتجة النفط - من الظروف التي تجعلها صالحة لتعديل ميزان القوى في العالم الغربي بأسره.
لقد استطاعت أمريكا أن توهم العالم بقلة حاجتها إلى النفط العربي، بعد أن كانت تهدد وتوعد في الكونغرس باحتلال منابع هذا النفط، إلا أنها لم تلبث أن تعرت من هذا الغرور فاعترفت بالحرج الكبير الذي تعرضت له بحجب ذلك النفط عن آلتها، حتى اضطرت أخيرًا لتقنين السير والطيران وتعطيل راحة الشعب الأميركي، الذي اعتاد أن يعيش سعيدًا على امتصاص دماء الأقطار «المتخلفة»، وها هي ذي هولندا - أكبر مصنع للنفط في أوروبا - ترفع يديها اعتذارًا للعرب، وإعلانًا للتوبة عن ممالأة عدوهم، إذا هم رضوا أن يردوا لأوردتها إكسير الحياة المتدفق من أرضهم.
بلى، لقد اختبر العرب سلاح النفط مرة واحدة فإذا هو أمضى الأسلحة، لا يقهر العدو في المعارك فقط، بل يجمد مصانعه، ويكسر غروره ويحرمه حتى طمأنينته، فيضطر إلى التطامن مستجديًا مستخذيًا ولكن، هؤلاء العرب، من أجل من يحاربون؟ وفي سبيل أي شيء يعرضون نحورهم للقذائف، وبيوتهم للخراب، وأسواقهم للشلل؟ أمن أجل أنفسهم وحدهم؟ أم من أجل المسلمين أجمعين؟
أجل، إن المحاربين من العرب اليوم، هم الصف الأول الذي يحمل عبء المعركة، وعلى العالم الإسلامي بأسره أن يحمي ظهورهم، ويمدهم بكل متطلباتها لاستمرار الجهاد، حتى يعود الحق إلى أهله، ويرفع الخزي كله عن كل مسلم في الأرض.
وإننا لواثقون أن أخوة الإسلام التي تربط بيننا وبين شعوبكم كافية لأن تحرك دماءهم لنصرتنا حتى الغليان، بل حتى الانفجار، وطبيعي أنهم لن يضنوا علينا بأية معونة لدعم المعركة التي نخوضها لإنقاذ المسجد الأقصى، ولاسترداد حقوق أبناء الفاتحين، من الذين جعلهم البغي الكافر لاجئين.
ولقد أغنيناكم أيها الإخوة حتى اليوم عن تسيير الكتائب لمساعدتنا على عدوكم وعدونا، ولكننا لن نستغني عن ضروب من معوناتكم الأخرى التي لا يجوز أن تقتصر على الصلوات والدعوات. ولا جرم أن نفطكم بالنسبة إلينا قد أصبح بمثابة الدم للجرحى، بل أعظم قدرًا، وأبعد أثرًا وهو العون الذي نطالبكم به اليوم.
إننا بحاجة لأن تشركونا في التضييق على أميركا ولقيطتها إسرائيل بتخفيضكم إنتاج النفط، الذي وضعه الله أمانة في أيمانكم، ثم بحجبه نهائيًا عن هذين العدوين، وعن كل دولة تتواطأ على حقوق الإسلام في فلسطين، حتى تفيء إلى جادة العدالة، وتستجيب إلى نداء الشرف والحق.
إن الأسطول الجوي الذي أمد اليهود ولا يزال يمدهم بالعتاد الذي أنقذهم من الهزيمة، والذي يشدد أعصابهم للتشبث بعنادهم وغرورهم حتى الساعة، هذا الأسطول إنما يعمل بالطاقة التي تمدونه بها من ذلك النفط، فبها يطير، وعليها يتوكأ، لإنزال الدمار في ديارنا، ولصب الموت على شبابنا، ولتحريك المصانع المنتجة لرصاص دمدم الذي يتفجر في صدورنا، والقنابل الحارقة التي تصنع لتنسف وجودنا، وتشوه حياتنا.
أي والله، إن كل قطرة من نفط العرب والمسلمين تباع لأعدائهما، إنما هي في النهاية رصاصة، أو قنبلة، أو لغم، أو صاروخ يعد للقضاء علينا، نحن نوابكم في صون المقدسات، الذين نقف أبدًا من أجلها على خطوط الموت.
أفبعد هذا من عذر لمسلم يمكن لأعداء الإسلام من جنود الإسلام؟
إننا لنعترف بمواقفكم النبيلة في نصرة القضية المشتركة ولا ننسى أبدًا جهادكم المقدر في منظمة الأمم، وعلى أمواج الأثير، تأييد الحق العربي في الأرض المقدسة. ولكن التجارب المرة، التي تجرعنا علقمها طوال ربع قرن، أثبتت لنا ولكم أن كل قرار يتخذه مجلس الأمن وشريكته منظمة الأمم المتحدة لا يساوي المداد الذي كتب به، إذا لم يكن في يد صاحب الحق القنبلة التي تزلزل الأرض تحت أهل الباطل، ومن هنا كان انطلاقنا أخيرًا إلى مصارعة الأهوال، إيثارًا للكرامة على كل قيل وقال، وقد آلينا ألا رجعة إلا بالشهادة أو السيادة، وإن العالم والتاريخ والملائكة لتطلع إلى موقفكم من هذه المعركة، لتسجل لكم أو عليكم ما تعملون. ولا ريب أن أفضل ما تقدمونه بين يدي قدومكم على الله، هو الإقدام على سد الثغرات في الطوق الذي ضربه العرب على عدو الله فتمنعوا عن مصانعه وطوائره وسياراته كل قطرة من طاقة يمكن أن تعينه على الصمود طويلًا.
إن وكالات الأنباء المعادية، رغبة منها في تفكيك الصف الإسلامي، وتمزيق وشائج الأخوة القرآنية، تذيع أنكم قررتم زيادة إنتاج نفطكـم لمساعدة أمريكا وإسرائيل وهولندا على التخلص من حصارنا وتعويضها عما فقدته من نظمنا لزيادة قدرتها على تخريب بيوتنا وتقتيل أبنائنا وإيئاسنا من حقنا في وطننا وديننا ومقدساتنا إلى الأبد!
وإنها لتزعم إنكم تنتهزونها فرصة للاستزادة من الأرباح على حساب قضيتنا المشتركة قضية وجود العرب والإسلام في أرض العروبة والإسلام، وبئس ما يزعمون، وقد نسوا أن الشعوب الإسلامية الحبيبة في إندونيسيا ونيجيريا وإيران تفضل الهلاك جوعًا على أن تبيع مقدساتها بدولارات أمريكية كلها، لأنها على أتم اليقين أن لا قيمة للحياة إذا فرغت من العزة والكرامة، وأن النفط وثمن النفط لن يكونا سوى الحبال التي تشنق بها الشعوب إن هما لم يبذلا فداء لشرفها وحريتها ومقدساتها.
أيها الحاكمون في إندونيسيا وإيران ونيجيريا، قولوا لهذه الوكالات الأفاكة أن الحرة تموت ولا تأكل بثدييها، وأن ولاء المسلم لن يكون أبدًا لغير الله ورسوله والمؤمنين. وليس لقوة في الأرض أن تكرهنا على وضع نفطنا في خدمة أعدائنا، أو تغزينا بمؤازرتهم على إخواننا، لأننا لا نرضى أن نكون من ﴿الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ﴾ (المائدة:٥٢) بل سنقف بأنفسنا وأموالنا وبترولنا في صف أشقائنا، نردد معهم قول أسلافنا الصالحين: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ (آل عمران: ١٧٣)
﴿فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة: 105)، ألا هل بلغت؟
اللهم فاشهد وأنت خير الشاهدين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل