; أرباب من دون الله! كيف نخرج الناس من عبادتهم الى عبادة الله؟ | مجلة المجتمع

العنوان أرباب من دون الله! كيف نخرج الناس من عبادتهم الى عبادة الله؟

الكاتب د.أبو بكر أحمد السيد

تاريخ النشر الثلاثاء 10-يونيو-1980

مشاهدات 18

نشر في العدد 484

نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 10-يونيو-1980

في عالمنا الإسلامي اليوم، أرباب مزيفون وآلهة كثيرة تعبد وتتبع من دون الله تعالى، ومن أهم هذه الآلهة والأوثان:

الطواغيت الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، يحرمون الحلال ويحلون الحرام، فيتبعهم الناس فذلك عبادتهم إياهم.﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ﴾ ( النساء60:) ورغم هذا التعدي لحدود الله فإنك تجد هؤلاء الأرباب يلحقون بأسمائهم ألقاب تعظيم ما أنزل الله بها من سلطان.

ألقاب مملكة في غير موضعها ***** كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد

وأما ألقابهم الحقيقية فتجدها في سورة المائدة فهم: «الكافرون، الظالمون، الفاسقون».

وانتشر النفاق بتملقهم، وأصبح ممكنًا أن يتهجم البعض على الله- عز وجل- وشريعته وينشر الفاحشة في المجتمع بحجة حرية الرأي وحرية الصحافة. وأما إذا وجهت إلى أحدهم نصحًا أو كلامًا رأوا أنه لا يليق بمقامهم فلكم الويل مما تصفون.

الفن الذي أصبح تجسيدًا للشهوات المحرمة التي تتبع من دون الله ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ (الجاثية: 23) وما حقيقة هذا الفن الذي يعبده كثير من الناس اليوم إلا هذه الأغاني الفاحشة والرقصات الخليعة والصور العارية والتمثيليات الهابطة التي تشغل الناس وتصرفهم عن ذكر الله وعن الصلاة مع ما فيها أيضًا من مخالفة لآداب الإسلام، ورغم كل هذا فقد جعلوا من الصعاليك المسمين بالفنانين والفنانات المخنثين منهم والمترجلات أبطالًا وعظماء تقيم لهم الدولة حفلات التكريم لأنها ترى فيهم أطباء هذا المجتمع المريض الذي يعاني آلامًا كثيرة وهم يقدمون له الدواء سمًا ناقعًا يقضي عليه، وضحكوا على كثير من الناس فسموا الحركات الماجنة التي تخدش الحياء فنونًا قومية وفنونا شعبية، وإذا مات بعض هؤلاء الصعاليك فهم شهداء الفن الذين ضحوا بحياتهم في سبيل إشباع شهوات قطيع الأمة الذي امتلأت بيوته بالأشرطة الفاسقة والمجلات والأفلام الجنسية والأغاني التافهة التي أغرم الناس بها فيسهرون عليها ولا يستطيعون عنها فطامًا.

* هذه القومية التي أصبحت تمتلك قلوب كثير من الناس يهتفون بحياتها ويقسمون بها ويموتون في سبيلها، وجعلوها الرابطة الأساسية بين الناس وتفاخروا بها وفضلوها على رابطة العقيدة، بينما القرآن يقرر ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: 10) ويعلن ﴿لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ (سورة المجادلة: 22) ولكنهم أثاروا النعرات القومية بين المسلمين وصنعوا لها أبطالًا، ثم النعرات الوطنية داخل القومية الواحدة ثم النعرات القبلية داخل الوطن الواحد فهذا من قبيلة كذا وهذا من عائلة كذا، والشخص الذي ينتمي إلى عائلة ما يتمتع بلقب خاص يفتخر به على بقية خلق الله، وتردد في جنبات أمتنا الإسلامية هتافات الجاهلية والعصبية: تحيا القومية العربية، نحن أبناء العروبة، العزة للعرب..  بينما القرآن يعلنها صريحة: «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين».

الغرب الذي يعبده المتفرنجون الذين يحملون أسماء إسلامية وعقولًا غربية، ويرون كل ما يجيء من الغرب حقًا وصوابًا، والإيمان به واجب والعمل بمقتضاه تقدمية والإعراض عنه رجعية يؤمنون بفلسفة الغرب للحياة ويولعون بثقافته ويعتبرون التحدث بلغته مفخرة، وبعض القانتين في عبادتهم للغرب يفتخر بمروقه عن الإسلام ويكيل للتقاليد الإسلامية كل سبة، وغالبية هؤلاء ممن تتلمذوا على أيدي الغربيين في المدارس والجامعات الأجنبية أو ممن سافروا في بعثات إلى الغرب فنهلوا حتى الثمالة من سموم أفكاره المادية والإلحادية، ومارسوا طرق حياته، ولذلك لما عادوا إلى بلادهم نشطوا لتعويد شعوبهم على الحياة الغربية كتعميم الإباحية والاختلاط بين الشباب والفتيات في المعاهد والجامعات رغم معارضة الشعب المسلم ومعارضة الأغلبية الكبيرة من الطلبة أنفسهم، وحاربوا من عرف بسمته الإسلامي من الأساتذة ورحبوا بمن يكنون العداء للمسلمين سواء من عباد البقر أو من الأساتذة الأوربيين وكثير من هؤلاء له أدوار مشبوهة ومنهم من يثير الشبهات حول الإسلام بين الطلاب.

* العادات والتقاليد التي يتمسك بها أناس كثيرون ويعضون عليها بالنواجذ رغم معارضتها لمبادئ الإسلام ويقولون: «كذلك وجدنا آباءنا يفعلون»،﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ (سورة البقرة: 170) ومن ذلك مثلًا ما اعتاد بعض الناس فعله في مناسبات الوفيات والمواليد، وعادة الاختلاط والمصافحة بين الرجال والنساء، وعادة تبرج النساء، وإن كان الكثير من أخواتنا وبناتنا قد عدن والحمد لله- تعالى- وبأعداد كبيرة إلى لباس الفضيلة..  الحجاب، إلا أن مناظر العري والتبرج التي تشمئز منها النفوس السوية لا زالت تلوث البيئة في الأسواق والشوارع والوزارات والمعاهد.

الألعاب الرياضية التي أصبحت تستخدم لإلهاء الشباب عن الأمور الهامة من العقيدة كالصلاة وسياسة الدولة مثلًا حتى يفعل الحكام ما يشاؤون لأن الناس عنهم غافلون يضيعون وقتهم في لهو ولعب بسبب هذه المبالغة في تشجيع الألعاب وخاصة كرة القدم، وتبالغ الصحف في العناية بها، حتى أصبحت شغل الشباب الشاغل وحديثهم في النوادي والمحافل وموضوع كتاباتهم على الجدران، ودخل هذا الحماس الفارغ بعض البيوت فأشعل فيها نار الفتن، وانتقلت عدوى التعصب إلى الطالبات بعد الطلاب، وإذا حصل فريق على الكأس رأيت الجموع الهائلة تجوب الشوارع راقصة مهللة وكأننا استرددنا بلادنا السليبة، وانشغل الطلاب عن الاجتهاد في مذاكرتهم بهذا السيل من مباريات كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة: مباريات الدوري والكأس ومباريات ودية وتجريبية ودولية ودورات عربية وآسيوية ومباريات تكريمية..  إلخ، وباختصار أصبحت الألعاب الرياضية غاية في حد ذاتها لا وسيلة تربوية، ووصل الهوس إلى حد إنفاق الأموال في نقل بعض المباريات الأوربية على الهواء مباشرة بينما الكثير من المسلمين يموت جوعًا في أماكن كثيرة من العالم، والكثير من المجاهدين لا يجد المال الذي يشترى به السلاح الذي يقاتل به عدو الله وعدونا.

*الدينار والدرهم اللذان أشار إليهما الرسول- صلى الله عليه وسلم- في قوله «تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخمصة إن أعطى رضي وإن لم يعط لم يرض» «البخاري» وعبيد الدينار اليوم كثيرون يجمعونه بأية وسيلة ويبذرونه تبذيرًا، حتى أصبحت مظاهر الترف والثراء الفاحش تشبه روايات ألف ليلة وليلة، وقد سبب هذا الترف واعتبار الثراء المثل الأعلى في المجتمع أزمة الزواج فأصبحت من المشكلات الكبرى للتغالي في المهور وإصرار بعض الناس على إقامة حفل الزفاف في فندق كبير تتكلف الليلة الواحدة فيه أجرًا خياليًا، يكفي أن تعيش عليه قرية كاملة لعدة أسابيع، ثم الإسراف في جهاز العروس، ثم المطالب التي لا تنتهي والتي تحول الحياة الزوجية من نعيم إلى جحيم، وهذا كله بسبب عبادة المال والمظاهر. 

لار يب أنه من الواجب على المسلم أن يجاهد ليخرج نفسه وغيره من عبادة الأرباب المزيفين ﴿أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (يوسف: 39) ومما لا شك فيه أن الإنسان لا يستطيع أن يتصدى بمفرده لتكاليف إزالة هذه الأوثان وإقامة الصرح الإسلامي الشامخ الذي يبدأ بالفرد المسلم ثم الأسرة المسلمة والمجتمع المسلم والدولة المسلمة التي يكون الحكم فيها لله فتطبق الإسلام شريعة ومنهاجًا في كافة نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وترفع راية الجهاد لاسترداد الأراضي المسلوبة، وتنشر الإسلام في كافة أرجاء الأرض حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله..  

وإن هذه التكاليف لتنوء بالعصبة أولي القوة، ولذلك فلا بد من العمل الجماعي الحركي المنظم القائم على أساس الكتاب والسنة والذي يبدأ بتحقيق قوة العقيدة والإيمان وفهم الإسلام الصحيح أولًا ثم الجهاد الشامل في شتى الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ثم الجهاد العسكري إذا لزم الأمر- فاهتمام الجماعة يجب ألا يكون مقصورًا على التربية الروحية فحسب أو التربية الثقافية أو المشروعات الخيرية أو العمل السياسي فقط تحت الشعارات الإسلامية، وإنما لا بد من ممارسة العمل الإسلامي المتكامل بكافة جوانبه لإنقاذ المجتمع الإسلامي ثم المجتمع البشري كله ورد الحاكمية فيه إلى الله- عز وجل- ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (المائدة: 50). ولا شك أن العمل من أجل استئناف الحياة الإسلامية هو من أفضل صور البر والتقوى التي تستلزم من الأيدي للتعاون ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ﴾ (المائدة: 2)

وهكذا فإن الطريق الوحيد لاستئناف الحياة الإسلامية هو الجهاد من أجل تحقيق الغاية الأصيلة لهذا الدين وهي تعبيد الناس لربهم أفرادًا ومجتمعات في كل شأن من شؤون الدين والدنيا. ولتحقيق هذه الغاية يجب إحلال المناهج الإسلامية محل النظم الوضعية الجاهلية فإن هذه النظم هي التي أوجدت هذه المشكلات، وليس الحل هو عمليات ترقيع وترميم وإنما الحل هو عملية استئصال لهذه النظم الجائزة وأن نستبدل بها حكم الله وشريعته ومناهجه.

ومن الواجب على المسلم ألا يحارب الجماعات الإسلامية الأخرى فهي وإن يراها قاصرة في بعض النواحي إلا أنها تؤدي خدمات للإسلام، بالإضافة إلى أن الناس يختلفون من حيث مستوى الثقافة والفهم والظروف المحيطة فطالما أن نيات الآخرين خالصة لله في العمل للإسلام فلا يجوز مهاجمتهم وإنما نتعاون معهم في نقط الاتفاق ويعذر بعضنا بعضًا في نقط الاختلاف طالما أن هذا الاختلاف ليس في جوهر العقيدة.

إنه لا بد لكل مسلم مخلص في رغبته لإعادة الإسلام إلى مركز التوجيه والقيادة من معرفة دقيقة بالإسلام بدراسة كتاب الله والسنة النبوية وأمور الفقه والسيرة والعقيدة والأخلاق وغيرها ما تيسر له وليكون على علم بكيفية تسيير شؤون الحياة وفق أحكام الإسلام.

ولا بد له من الاهتمام بأسرته لتكون أسرة مسلمة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ (التحريم: 6) 

ولابد له من بذل كل ما يستطيع من قوة أودعها الله إياه في سبيل دعوة الناس إلى الله قولًا وعملًا، منتقدًا الأمراض الخطيرة لمجتمعاتنا وأسس الحضارة الغربية حتى تتحرر قلوب المسلمين وعقولهم من التبعية للغرب، وفي نفس الوقت يعرض الإسلام عرضًا طيبًا يقنع الناس بأن الإسلام هو سبيل تقدمنا بل وتفوقنا على الآخرين.

وواجب الدعوة هذا لا يقتصر على الإخوة فقط دون الأخوات ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ (التوبة: 71) فعلي أخواتنا الاهتمام بإصلاح أسرهن وتربية أبنائهن على الأخلاق الإسلامية ونشر الدعوة بين النساء والوقوف في وجه تيار الانحلال الذي تنشره الجمعيات النسائية المنحرفة، ونحن نشاهد والحمد لله أن اليقظة الإسلامية الحالية ليست مقصورة على الشباب والرجال فحسب، وإنما نرى أيضًا أن عدد الأخوات المتصفات بالتقوى والعمل في سبيل الله في تزايد مستمر، وبثبات المؤمنين والمؤمنات على الجهاد والتضحية وتقديم النفس والمال والصبر والمصابرة يتحقق لنا- بإذن الله- وعد الله بالنصر والغلبة ﴿وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (الصافات: 173)

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 8

45

الثلاثاء 05-مايو-1970

نشر في العدد 837

23

الثلاثاء 06-أكتوبر-1987