العنوان أعمدة المجتمع..
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 19-سبتمبر-1978
مشاهدات 10
نشر في العدد 412
نشر في الصفحة 31
الثلاثاء 19-سبتمبر-1978
دوائر الهموم، هكذا سماها صديقي وهو يصف لي هموم الإنسان في حياته، وقال: إنها كثيرة وكثيفة بضباب يحجب الرؤية، الدائرة الأولى هي دائرة النفس؛ فهو مع نفسه في صراع داخل دائرة ضيقة خانقة, والدائرة الثانية هي دائرة الأسرة يقصد أنها دائرة أوسع قليلًا من الدائرة الأولى, وإنه يوجد معه في الدائرة الثانية هؤلاء الأفراد الذين تتكون منهم الأسرة, ثم تأتي دائرة المجتمع الذي يعيش فيه، ويدخل في هذه الدائرة الثالثة الواسعة كل مواطنيه ومشاكلهم بشكل ما, وبعد ذلك تأتي الدائرة الرابعة وهي دائرة العالم العربي الذي يخوض معاركه ضد عدو متوحش مفترس مغتصب، وهذه المعارك تلقي ظلالها القائمة على حياته، ولا يستطيع أن ينفصل عنها؛ لأنه من المستحيل أن يخرج من الدائرة، وتأتي أخيرًا الدائرة الأوسع التي تشمل العالم بأسره، وهي دائرة لا تتركه يحيا بسلام، وتسبب له الآلام مهما كان بعيدًا عن المناطق المنكوبة في العالم، تصل أخبارها إليه في نفس الوقت الذي تحدث فيه، وهو لا يقدر أن يهرب من تلك الدائرة الخطيرة الأخيرة ما دام يسكن الكرة الأرضية، وأين يذهب؟ لا مكان له إلا فوقها.
هكذا تحدث صديقي عن هموم الدوائر وقال:
-الإنسان مسكين، فهو في دائرة صغيرة داخل دوائر كثيرة كثيفة الظلام، لا يرى بوضوح. قلت لصديقي:
- لا يكسر هذه الدوائر التي تحاول أن تشبهها بالأغلال إلا الإسلام. الدين هو الذي يحرر الإنسان من عبودية الصراع مع الذات، ومع الناس، ومع العالم، ويخلقه من جديد، ويطلقه في عالم حر لا يعبد إلا الله، ويجعله يحس بغيره من خلال إيمانه بالله، ومن خلال حبه لكل خلق الله.
قال صديقي:
- نظرية الدوائر معترف بها في العلوم الحديثة.
- ولكن الإسلام يلغي تلك النظرية؛ فالإنسان مع نفسه، ومع أسرته، ومع العالم كله، هو إنسان له وجه واحد، حر الحركة، لا يحبس نفسه داخل دوائر من الوهم؛ فيضع قيودًا حوله، يضعها بنفسه لنفسه، وإنما هو يسير على طريق نحو غاية هي النعيم يوم القيامة.
قال صديقي حزينًا:
- المشكلة العربية الإسرائيلية مثلًا، مشكلة معقده، هل لها حل؟ هي داخل دائرة الوطن العربي، والإنسان عاجز عن رؤية المستقبل. قاطعت حديثه بقولي:
- الحل أمامنا, والطريق واضح, ولكننا نبتعد عنه الحل في العودة الصادقة إلى منهج الله, وإذا عدنا إلى الله, تحقق لنا ما نريد.
المشكلة العربية الإسرائيلية هي مشكلة عالمية، هي داخل الوطن العربي من الناحية الجغرافية, وهي داخل العالم كله من الناحية السياسية، والنصر من عند الله, يعني الحل أيضًا من عنده- سبحانه-, ولا نستحق هذا الحل إلا إذا عدنا إليه- عز وجل-، ودعك من حكاية الدوائر؛ حتى لا تضطر يومًا أن تسجن نفسك داخل دائرة ضيقة حين تشعر بشيء من الياس؛ فلا يأس إطلاقًا ونحن مع الله نتحرر من قيود النفس والأسرة والمكان, وندعو الله، ونطهر أنفسنا وأسرنا ومجتمعنا؛ كي نقوى على عدونا, ولا نضعف داخل دوائر الهموم والقنوط, وإنما ننطلق بفكر إسلامي يضيء لنا الحياة, ونكون كالبنيان المرصوص، قوة غالبة بتأييد الله، وحينئذ يتغير كل شيء في الشرق الأوسط, وفي الشرق الأقصى، وفي الغرب أيضًا بإذن الله، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم؛ فهل نحن تغيرنا؟
قال صديقي فورًا:
- لا
فاستطردت:
- كيف ينصرنا الله إذن؟ عدد المسلمين لا نقص فيه، يزيد ويفيض، ومال المسلمين لا عجز فيه، يتضاعف ويتجاوز كل رقم، ومع ذلك الحال ينتقل من السيئ إلى الأسوأ؛ لأننا نعبد الحال ينتقل من السيئ إلى الأسوأ، لأننا نعبد الدنيا التي تذلنا، ولا نعبد الله منقذنا من الأعداء.
هز صديقي رأسه وصمت مفكرًا.
ابن المجتمع
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالإفراط والتشدد في القضايا الفرعية.. عبث لا يحقق مقاصد الدين
نشر في العدد 1764
88
السبت 11-أغسطس-2007
«تحرير الإسلام» على المستوى الشعبي والرسمي ضرورة لإنقاذ الأوطان وتوحيد الأمة
نشر في العدد 1766
81
السبت 25-أغسطس-2007