العنوان حسن الترابي للمجتمع: لا تناقض ضمن الحركات الإسلامية
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 10-أغسطس-1982
مشاهدات 34
نشر في العدد 582
نشر في الصفحة 18
الثلاثاء 10-أغسطس-1982
- الحركة الإسلامية محدودة التجارب.. ويجب أن ننفتح لمزيد من التجارب.
- لا يمكن أن ندعي صفة التكامل لمنهج الشيخ حسن البنا أو منهج الأستاذ سيد قطب.
- من العسير اليوم أن أدعي لحركة من حركات الإسلام أنها قد تأهلت تمامًا كي تقوم بحكم إسلامي مستقر رشيد، يكون نموذج دعوة للإسلام.
- قد بدا لنا من التجربة الإيرانية أن إبطال الباطل بالثورة الجهادية، أيسر بكثير من الحملات الجهادية في وجه الابتلاء المعقد للحكم.
- لا أحسب أنه من الممكن السماح لحزب شيوعي يمارس نشاطًا سياسيًا داخل الدولة الإسلامية.
- أؤيد قيام علاقات دبلوماسية بين الدولة الإسلامية وروسيا.
- يؤلمنا كثيرًا ما يجري اليوم في إيران من اضطراب واختلافات وتخبطات في وجه التحديات التي تحيط بهم.. ونسأل الله أن يهديهم.
د. حسن عبدالله الترابي
- الأمين العام للإخوان المسلمين في السودان.
- ولد بمدينة كسلا عام 1932، تلقى علومه الدينية من خلال الأساليب التقليدية المنتشرة في أرجاء السودان، وحفظ القرآن الكريم في فترة شبابه.
- تخرج من جامعة الخرطوم – كلية الحقوق عام 1955م، ونال درجة دكتوراه الدولة في القانون الدستوري عام 1964م.
- شغل منصب عميد كلية القانون، وشارك في وضع دستور الإمارات العربية المتحدة وباكستان..
- يعد الدكتور الترابي من أبرز رجالات الدعوة والتجديد، ومن المجاهدين في العالم الإسلامي على المستوى الشعبي، والمستوى الأكاديمي، والمستوى الاستشراقي.
- قاد حركة الإخوان المسلمين في السودان في مطلع الخمسينيات إلى اليوم، ودخل في صراعات متباينة مع الحكومات، والأحزاب المتعاقبة في السودان، والجدير بالذكر أن الدكتور الترابي ينهج في حركته خطًا فكريًا متميزًا في الحركة الإسلامية والواقع الإسلامي من الجمود والتحجر، ولا يكون ذلك إلا بالنظر إلى مقاصد الدين الكلية، ووضع منهج أصولي مقدر.
- وقد أثار بأفكاره الجريئة جدلًا واسعًا في أوساط الحركة الإسلامية المعاصرة بين مؤيد ومعارض ومتهم، ولذلك ومن أجل مزيد من الإيضاح لتلك الأفكار التي أثارت هذا الجدل الواسع، كان هذا اللقاء بين المجتمع والدكتور الترابي..
- والمجتمع بذلك تقوم بدور المستطلع لا أكثر.. وتعرض للقراء والمفكرين كافة آراء وأفكار دكتور حسن للنقاش والحوار، من أجل إثراء الفكر الدعوي والحركي في الإسلام...
لا نؤمن بالانعزال
- المجتمع: يتساءل البعض.. هل نهاية العمل الإسلامي الدؤوب المعني في السودان الحصول على وزارتين في الحكومة؟
- كلا، ليس ذلك هو المطلوب على الصعيد الشخصي، ولا هو المطلوب لحركة الإسلام، وإنما هو بعض الخطو على طريق الإسلام، لقد نشأت حركة الإسلام في السودان كجماعة محدودة، استيقظ ضميرها وتنبه عقلها لمعاني الإسلام وفكره في الواقع الحديث. ثم تقدمت بها الأطوار وخرجت على المجتمع بدعوتها الإسلامية وبحركتها السياسية، حتى أضحت إحدى القواعد السياسية الفاعلة في البلاد، ومن خلال سعيها رأت أن تشارك بتلك السلطة القائمة، لا إيمانًا منها بالإطار الراهن لأوضاع السلطة، ولكن مجاهدة منها لتحريك هذا الإطار نحو الإسلام.
- حركة الإسلام في السودان لا تؤمن بالانعزال عن المجتمع، ثم العودة إليه وتقويضه ثم قيادته من جديد، وإنما تؤمن بالتفاعل مع المجتمع، تدعم عنصر الخير فيه، وتدحض عنصر الشر منه.
التفاعل السياسي مع الآخرين
- المجتمع: كلامك هذا يعني أن جماعة الإخوان المسلمين في السودان لا تزال قائمة ولم تذب في الاتحاد الاشتراكي، كما نقل على لسانك في التصريحات الصحفية؟
- الاتحاد الاشتراكي لا يمكنه أن يكون تيارًا فكريًا يذوب حركة الإسلام، لقد دخلت العناصر الإسلامية إلى كل زاوية من زوايا المجتمع بما فيها الاتحاد الاشتراكي، تحاول أن تبطل الباطل وتدعم الحق. بدخول التيار المسلم في الاتحاد الاشتراكي تزعزع الأساس الفكري الذي كان يحارب الإسلام، وانتهينا بالاتحاد الاشتراكي إلى مرحلة انحل فيها، لقد كان للموقف الإيجابي المتوكل المقدام أثر أكبر من أكثر الصراع الخارجي من قبل، والسودانيون اليوم يستقبلون معادلة جديدة ستكون بإذن الله أقرب إلى الإسلام منها إلى الاتحاد الاشتراكي بشكله القديم. لقد كانت كلمة الإخوان المسلمين تشير قبل خمس سنوات إلى شبح سري لا يعرفه الناس، أما اليوم فإن كنا لا نطلق هذا الاسم على فئة متميزة ظاهرة في الحياة العامة، إلا أن هذا الاسم أصبح اليوم رمزًا لظاهرة واسعة، يمثلها أفراد يؤثرون في كل الحياة العامة وحركتها في السودان.
لا تناقض ضمن الحركات الإسلامية قديمها وحديثها
- المجتمع: يقولون إن في حركة الاخوان المسلمين مدارس فكرية أبرزها مدرسة حسن البنا الجماهيرية، ثم مدرسة سيد قطب التربوية الانتقائية المنعزلة عن المجتمع الجاهلي، واليوم يقولون إن هناك مدرسة ثالثة هي مدرسة السودانيين المتجهة إلى الجانب السياسي التخطيطي، فهل هذه المدرسة السودانية منفصلة عن مدرسة البنا وسيد في تفكيرها، أم هي امتداد طبيعي لهما؟
- إذا دققنا النظر في قديم الحركات الإسلامية وحديثها، استطعنا أن نميز مذاهب شتى لا تتناقض، ولكنها تتباين بعض الشيء، ولو حصرنا النظر في حركة الإخوان المسلمين، لوجدنا أكثر من مذهبين، فهناك مدرسة البنا، وهناك مدرسة سيد، وهناك تجارب لحركة الإخوان في البلاد العربية الأخرى. كل هذه التجارب محاولات متباينة لتكييف مقتضى أحكام الإصلاح والجهاد الإسلامي للمراحل والمجتمعات. ونحن هنا في السودان نحاول أن نأخذ العبرة من كل التجارب بعد تقويمها، ولا يمكن القول إن بعض هذه المذاهب تمثل كل مقتضى الدين في كل ظروف الحياة، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- بهدى من الوحي المنزل اتخذ منهجًا في مكة، ثم اتخذ منهجًا في المدينة، ومكة والمدينة من الإسلام. إننا في السودان نعتبر أنفسنا موصولين على وجه خاص بجماعة الإخوان المسلمين، وموصولين بوجه عام بكل حركة الإسلام الحديثة.
مرونة واسعة في التحرك
- المجتمع: هل هذا يعني أن تجربة البنا وسيد غير صالحة للممارسة في السودان، فكان لابد من إيجاد مزيج آخر؟
- لا يمكن أن ندعي صفة التكامل لمنهج الشيخ حسن البنا أو منهج الأستاذ سيد قطب، ولا يمكن أن ندعي لهذه المذاهب المنهجية في الحركة الإسلامية، صفة الثبات عبر الزمان والمكان، إنما نحصر هذه الصفة من الثبات والكمال المطلق لكلام الله -سبحانه وتعالى-. وكما مثلته سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في نموذج العهد الإسلامي الأول، وما بعد ذلك من اجتهادات من عند المسلمين في تفهم الإسلام وعرضه وتطبيقه، إنما يخاطب ظرفًا معينًا، من ابتلاء أحاط بأولئك المجتهدين فكرًا وعملًا، وينفتح أولئك المجتهدون ليطوروا ويجددوا فكرهم وعملهم، استنباطًا لأصول الإسلام الثابتة في وجه تحديات لا تثبت أبدًا. فلا بد للمسلم من الاعتصام بمقتضى الإسلام الثابت، لكن يعبر عنه في صور تناسب مقتضاه إزاء كل ابتلاء معين، ولو امتد الزمن بأي صاحب مذهب لأحدث في مذهبه تطورًا يناسب تطور الأحوال. نحن هنا في السودان نحاول أن نستعد بكل معاني الإسلام في الدعوة بالحسنى، وفي الجهاد والصراع السياسي، بل وفي القتال إذا دعت دواعيه، لتصبح حركة الإسلام عندنا مستعدة لكل ابتلاء يقدره الله عليها، وفق مرونة واسعة في التحرك إزاء كل التحديات، ولو قلت إن ما نفعله هو مدرسة سودانية، فإننا نقول بإن قدام هذه المدرسة المذهب المتفتح على كل عناصر التراث الإسلامي والتجارب الإسلامية قديمها وحديثها، ولا حجر على فكر البتة ما دام في آخر الأمر سيتفاعل بالشورى، وستتاح الفرص لشتى الآراء أن تمحصها التجربة، فيستبين منها الأوفق، وتنفتح بذلك على كل مناهج العمل السياسي والتربوي والثقافي والروحي.. وكل الظروف على الإطلاق تمثل لشمول الإسلام.
- فشمول الإسلام يعني أن يكون صالحًا لأن يناسب ويخاطب كل ظرف اجتماعي، وأن يصلح كل نوع من أنواع الفساد الذي قد يعتري المجتمع المسلم.
سعة في الانفتاح
- المجتمع: مسألة الانفتاح تلقى النقد من المدرسة التربوية السائدة في بقية العالم العربي، على أساس أن التجربة السودانية تعتمد على الجماهير، ولا تقسم المجتمع إلى جاهلية وإسلام، وستصل هذه التجربة إلى ما وصلت إليه تجربة حسن البنا، بحيث إذا اقتربت الحركة من السلطة، أجهزت عليها أجهزة المكر العالمية، وزجت بأفراد الحركة في السجون، لأنهم لم يبنوا الأفراد على قيم ومبادئ وتصورات تجعلهم مجتمعًا مستقلًا، فما صحة هذا الكلام؟
- حركة البنا نشأت شعبية وظلت كذلك، بينما الحركة الإسلامية السودانية نشأت «صفوية» في أوساط المتعلمين لعهد طويل، تبني القيادات وفق منهج محكم، لكنها لم تتصور منذ قيامها التربية قصورًا ببعض الإسلام. لقد كانت تربيتنا شاملة لا تقتصر في تربية العناصر على الذكر والشعائر، وإنما شملت أيضًا، التربية على التفاعل مع المجتمع ومجاهدته، لأن الحق لا يقوم إلا بوجه الباطل، وتتقدم الحياة إلا بهذه المضاربة بين الحق والباطل.
- ثم انفتحت الحركة الاسلامية السودانية «الصفوية» على الجمهور، بعد أن أسست قاعدة من القيادة. ومن أول يوم انفتحت فيه على المجتمع تمرست في التفاعل معه. ولا يمكن للمجتمع أبدًا أن يؤثر في تلك العناصر، التي تكونت هذا التكوين المحكم الدقيق، وتهيأت للتفاعل مع ذلك المجتمع. وتوهم المتوهمون بأن هذه العناصر الخيرة ستذوب في المجتمع، لكن العكس هو الذي حصل، لقد أفاضت هذه العناصر عل المجتمع خيرًا كثيرًا، ولم تتأثر إلا شيئًا بسيطًا عن المجتمع وما فيه من العلل.
- لقد نشأت المدرسة القطبية في ظرف معين من ظروف تطور حركة الإخوان المسلمين في مصر، وحاولت أن تستدرك بعض العيوب في التربية الجماهيرية الساذجة التي سادت أول الأمر. ووصفها «بالسذاجة» لا يعني غمطًا بحق الذين صنعوها، لأنهم كانوا يجربون لأول مرة بناء حركة إسلامية في العصر الحديث، فالحركة الإسلامية محدودة التجارب، ويجب أن ننفتح لمزيد من التجارب، لأننا في أول الطريق، ومن حيث النظر الفقهي لا ينبغي أن يقوم هذا الفصام بين الجماعة المؤمنة والمجتمع الجاهلي، ومن حيث النظر الواقعي لا ينبغي أن تدعي العناصر الإسلامية الكمال الإسلامي المحقق، ولا يمكن أن تنكر على المجتمع أن يقوم على الكثير من عناصر الإسلام. إن كثيرًا من القادة الجماهيريين -الجهاديين خاصة- خاطبوا هذا المجتمع وما فيه من بقية من الإسلام، فما لبثت أن تفجرت من هذه البقية ثورة هائلة، أكبر بكثير من الأوعية الفكرية التي أعدها أولئك القادة لاستيعابها. فلا ينبغي أن نظلم المسلمين، لقت أثبتت تجاربنا أن العناصر المسلمة لا تتضرر، بل تزداد إيمانًا بمجابهة الباطل بالتفاعل مع المجتمع، وتزداد استعدادًا لتجارب أخرى.
- من أجل ذلك اعتصمت الحركة الإسلامية في حاضر عهدها باستمرار، منهج البناء القيادي بمعاني الدين الشاملة، واعتصمت أيضًا بالانفتاح على الجماهير واستنهاضهم للرقي بحالهم، ولمناهضة قوى الشر التي تحيط بهم وتتخللهم. أقول ذلك، وما زلنا نقرأ كتابات الشهيد سيد قطب ونستفيد مما فيها من تربية للنفس على التعلق بمثالات الإسلام بقوة، وما زلنا أيضًا نقرأ تجربة الشيخ البنا في انفتاح الدعاة على الناس دعوةً ومجادلةً وتفاعلًا وجهادًا، حتى يقوم بناء الدين كما قام أول الأمر. لقد كان منهج الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الدعوة يقوم على السياسة والتحالف والتهادن والتزاوج، والتجادل والتقاتل مع المجتمع، دون مفاصلة عملية مع تربية العناصر على الاعتصام بالدين، وعدم خلط الحق بالباطل، وهذا هو معنى التدين.
لكل مرحلة في كل بلد ظروف
- المجتمع: هناك نماذج أخرى في العالم الإسلامي انتهجت المنهج التربوي، لم تأخد بالبديل السياسي، بل انتقلت مباشرة كحل ناجح للصدام العسكري المسلح كطريق سليم للوصول إلى الهدف، مثال ذلك -النموذج السوري- فأيهما أسلم الطريق العسكري أم الطريق السياسي؟ أم لكل دولة ظروفها الخاصة؟
- ليس في التباين تناقض، فإخواننا في سوريا مروا بمرحلة التربية والثقافة ثم مروا بمرحله الجهاد السياسية، وشاركوا في الانتخابات، وفي الحكم، ثم نهجوا اليوم بنهج القتال، لتوفر ظروف القتال.
- أما في أفغانستان، فقد ابتلاهم الله وهم في أول الطريق، بما لا طريق معه إلا الجهاد. فلا أقول إن لكل بلد ظروفًا، بل لكل مرحلة في كل بلد ظروف. لقد مرت علينا في السودان مرحلة لم يكن المجتمع يسمع بنا، ومرت مرحلة عرفنا الناس فيها كهيئة ضغط سياسي لا تطلب الحكم، بل تطلب من الحاكم أن يحكم بما أنزل الله.
- ومرت مرحلة قاتلنا فيها الحكومة بالسلاح، ومرت مرحلة صالحنا فيها الحكومة، ونحن متهيئون بإذن الله حيثما ابتلانا الله -سبحانه وتعالى-.
مع كل جهاد إسلامي مهما كان!
- المجتمع: هل تعتقد في حال نجاح اجتياز التجربة السورية والتجربة الأفغانية لفترة الاختبار الحالية، بنجاح إمكانية إدارة الدولة الإسلامية؟
- إن من بعض ما مَنَّ الله علينا في السودان أن أتاح لنا ضروبًا من الابتلاء مكنتنا من تربية القيادات قبل أن نخاطب المجتمع، فاكتسبنا الخبرة والأهلية لمراحل قادمة في المجتمع المسلم. وقد يبتلى أناس بالسيطرة على الدولة قبل أن يمروا بهذه الابتلاءات الدنيا، وقبل أن يتم ذلك البناء الداخلي، الذي يهيئهم للوحدة في وجه ابتلاءات السياسة وخلافتها وفتنها، وقبل أن يتهيأ لهم كسب من الاجتهاد، لا في فهم شعارات الإسلام وعمومياته، بل في حلول الإسلام لواقع المجتمع ومشكلاته الاقتصادية والاجتماعية، وتعاملهم مع القوى السياسية المحلية والعالمية، ولا سبيل إلا أن ينهض المرء بالابتلاء. حتى ولو كان أكبر من طاقته حتى يفعل ما يستطيع.
- وقد بدا لنا من التجربة الإيرانية أن إبطال الباطل بالثورة الجهادية، أيسر بكثير من الحملة الجهادية في وجه الابتلاء المعقد للحكم، ومن العسير اليوم أن أدعي لحركة من حركات الإسلام، أنها قد تأهلت تمامًا كي تقوم بحكم إسلامي مستقر رشيد يكون نموذج دعوة الإسلام، لكن لما كان الأمر يقتضينا أن نجاهد في سبيل الله حتى لا نمكن لأنظمة الشر أن تقضي على بقية الإسلام التي نعول عليها، فإنني مع كل جهاد إسلامي مهما كان.
- الحرية السياسية للأحزاب الأخرى
- المجتمع: على افتراض أنه قامت الدولة الإسلامية، فهل في تصورك سيسمح للأحزاب غير الإسلامية المشاركة في الصراع السياسي، أم ستحكمون بالحزب الواحد كما هو الحال في الأنظمة الديكتاتورية؟
- الأمر في ذلك واسع، لأن فقه السياسة الإسلامية تحكمه أصول من النصوص خاصة، وعامة، تقوم مقاصد أو مصالح يتوخاها الناس، ويحاولون ان يقاربونها ويتذرعوا إليها بالأسباب تقديرًا وترجيحًا. الأمر وقف على منهج قيام الدولة الإسلامية، فلو قامت على جهاد مثلًا بشكل كلي فوري ثوري، لكان عليها أن تتدرع في بسط الشورى والتسامح، لأن معاني الإسلام إذا طبقت فجأة تحدث بعض الفتنة، وتضر بمعانٍ أخرى من الإسلام.
- أما إذا قدر الله لدولة الإسلام أن تقوم برفق وتدرج وبسط، فبالطبع ستعتصم الدولة الإسلامية بدرجة أكثر من التسامح، لأنها لا تخشى تلك الحرية الواسعة من أن تحدث الفتنة. ونحن نتخذ هذا الاجتهاد الواسع استعدادًا لطوارئ الأمور. والأحزاب الأخرى منها ما هو قريب للإسلام، ومنها ما هو بعيد عنه.
- وعلينا أن نتحرى الأمر، ونطبق من معاني الحرية والشورى والتسامح مع المسلمين ومع غير المسلمين أو مع ما يتيسر لنا، دون تفريط في معاني الإسلام الأخرى وحدوده الواجبة.
لن يسمح للحزب الشيوعي بممارسة نشاطه السياسي
- المجتمع: هل سيسمح للحزب الشيوعي بممارسة نشاطه السياسي داخل الدولة الإسلامية؟
- ما أحسب ذلك ممكنًا، لأن الحزب الشيوعي يقوم على تناقض شبه كامل مع الإسلام، وأقول «شبه كامل» لأن الحزب الشيوعي يقوم على بعض عناصر من أبناء المسلمين فيهم شيء من التراث الإسلامي، وهم معرضون للتوبة، وهناك تناقض آخر أن الحزب الشيوعي يقوم على عقيدة تستغل الحريات والتسامح، ولا يمكن للمسلم أن يستغفل هذا الاستغلال، يضاف إليها أيضًا أن الحزب الشيوعي يعد امتدادًا لعامل خارجي.
قراءة الواقع قراءة دقيقة
- المجتمع: هل سيسمح للحزب الليبرالي العر بي أن يمارس حريته السياسية؟
- ذلك أقرب أن يكون، إذا أذنت له ظروف نشأة الدولة الإسلامية، ومدى المخاطر التي تحيط بها.
- المجتمع: الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحيانًا اعتبر أهل الكتاب أخطر من المشركين أو من الملحدين، بل ثبت تحالفه -في بعض المواقف- مع ملحدين ضد أهل الكتاب، فلماذا اعتبرت الشيوعي الملحد أكثر خطرًا من الغربي المنتمي لأهل الكتاب؟
- ينبغي أن تتخذ كل معايير الإسلام لتقدير المودة والعداوة، فمن المعايير الواردة في القرآن الكريم، أن أهل الكتاب أقرب مودة اإيك من المشركين، تلك معايير لا تقوم على وجه الإطلاق، إنما ينبغي أن يتخذها المسلم لنفسه، فعلى القائمين على أمر الإسلام أن يقرؤوا الواقع قراءة دقيقة، وينزلوا معايير الإسلام على الواقع، أليس ذلك هو الفقه؟ إن الفقه هو تنزيل الإسلام ومعاييره وأحكامه بها، على واقع الحياة، بعد العلم الدقيق به.
- الثورة الإيرانية وأمريكا
- المجتمع: هل يعني ذلك أنك تنتقد الثورة الإيرانية لأنها سمحت لحزب توده الشيوعي وحاربت بقية الأحزاب الليبرالية؟
- لأول وهلة نعم، لكن ربما كان للإيرانيين ظرف معين جعلهم يجتهدون في ذلك، ربما ظروف نشأة الثورة الإيرانية في الانقضاض على نظام الشاه الوثيق الصلة بأمريكا، وظروف الصراع مع أمريكا، جعل الإيرانيين أشد خوفًا من أمريكا ومكائدها وعملائها داخل البلاد من روسيا، قد يكون نلك التقدير خاطئًا، ولكنهم هم يقومون في البلد.
علاقات دبلوماسية مع كل دول العالم
- المجتمع: نفهم من كلامك عدم تأييدك لقيام علاقات بين الدولة الإسلامية والاتحاد السوفيتي.. أليس كذلك في مصلحة الاتجاه الغربي؟
- أؤيد قيام علاقات دبلوماسية مع كل دول العالم، عدا دولة كإسرائيل مثلًا وجنوب إفريقيا، ما دامت الحركة الإسلامية قد ربيت من أول يوم على التفاعل مع الشر، تقبل عليه.. تغالبه مهما عتا، وتغلبه بإذن الله، فنحن على الأقدام نؤسس العلاقة الدبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي، ونحاول أن تكون تلك العلاقة سببًا لمدد يصل المسلمين المستضعفين في روسيا. ونحاول أن نستفيد من تجارب روسيا وخبرتها من أخطائها ومن إصاباتها، ونحاول أيضًا أن نتقوى بتلك العلاقات في دائرة الصراع الدولي. كل هذه المعاني والمقاصد الإسلامية الثابتة في سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتعامل.
إذا استيقظ المسلمون سيولدون طاقة لن تمكن أحدًا من أن ينتكس بهم
- المجتمع: لنفترض، بعد سماحكم لجميع الفئات السياسية بممارسة الحرية السياسية، أنه في معركة الانتخابات فاز الحزب الليبرالي مثلًا بالرئاسة وبقيادة الدولة، ماذا سيكون موقفكم؟
- إننا لا نعد للصراع مع الأحزاب الليبرالية أو الاشتراكية أو الوطنية عدة جهيدة، إنما من خلال التجارب الطويلة التي ابتلينا بها سنبلغ إن شاء الله تمكين الإسلام، وأنا واثق من أن المسلمين إذا استيقظوا إلى الإسلام سيولدون طاقة لن تمكن أحدًا من أن ينتكس بهم انتكاسًا تامًا، مهما تعاضدت المكائد الخارجية والداخلية، لأنه لن يأتي بانقلاب سطحي يمكن أن تدبر له انقلابًا معاكسًا، إنما سيأتي بإذن الله ببناء اجتماعي وفكري وثقافي تمكن من عقول الناس، وببناء من القوة بكل معناها بدرجة نرجو ألا ينتكس.
مراعاة الواقع
- المجتمع: هل سيطبق مبدأ حكم الردة عن تلك الأحزاب العلمانية التي تؤمن بفصل الدين عن الدولة، بالإضافة إلى الأحزاب النصرانية؟
- مثل هذه القضايا يفضل الانتظار في الإجابة عليها، وذلك هو منهج الفقه: ألا تطرح الأغلوطات النظرية طرحًا مجردًا، وإنما ينتظر الناس حتى تقع الواقعة المعينة. ذلك لا يعني ألا نخطط لها على وجه العموم، وتاريخ العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين تقوم على كثير من المسالمة. وأحكام الإسلام إذا نزلت على واقع معين ينبغي أن تراعي ذلك الواقع المعين، لأن أحكام الإسلام فيها سعة حتى في معاملة غير المسلمين، قد تقوم المعاملة على عهد وشروط، وقد تقوم على أحكام عامة في أهل الذمة فيها كثير من السعة، وطبقت بمنهج الإسلام بدرجات معينة حسب خوف المسلمين أو اطمئنانهم من أهل الكتاب، وحسب استعداد أهل الكتاب لأن يشاركوا في الحياة الإسلامية بسخاء وبحسن نية، وعندما نشأت دعوة الدستور الإسلامي هنا في السودان جلسنا معهم، وأحطنا بكل المخاوف والأوهام الموجودة في أذهانهم بفعل الدعاية الغربية، وبددناها فاطمأنوا نسبيًا، ونحن مطمئنون من أن الله سيبتلينا بدولة مسلمة فيها طائفة غير مسلمة، لتكون نموذجًا للعالم في معاملة الدولة المسلمة لغير الإسلام، حتى نقضي على هذه الأوهام تمامًا، والأحزاب الليبرالية عندها لن تدعو إلى فصل الدين عن الدولة، وإن انطوت نفوسهم عليها فلا نستطيع عندها إلا أن نأخذ الناس بالظاهر، ولا مجال لأن نوقع على أحد حكم الردة مهما اعترت نفوسهم من ريب وشكوك.
دعوتنا تخاطب الرجل والمرأة على السواء
- المجتمع: الحركة الإسلامية السودانية قطعت مرحلة واسعة في معاملة المرأة سياسيًا، بإعطائها بعض الحقوق السياسية، وكانوا الوحيدين الذين فازوا بنائبة داخل المجلس القومي «مجلس الأمة»، هل ستتسع هذه الظاهرة في الدولة الإسلامية ليكون من المسلمات وزيرات ونائبات لرئيس الجمهورية و...؟
- قامت الحركة الإسلامية على وعي بجانبين من التحديات التي تحيط بها: التحدي الخارجي وهو الاستعمار بأشكاله المختلفة، والتحدي الداخلي وهو المجتمع التقليدي الإسلامي بكثير من أوضاعه التي تنسب إلى الإسلام، ومنها قضية المرأة خاصة.
- إن واقع المرأة التقليدي لا يمثل الإسلام، لذلك حاولنا أن نشق طريقًا آخر أقرب إلى حكم الإسلام، كما جاء في كتاب الله وكما يبدو جليًا في سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، إذ كان للمرأة دور في كل حياة المسلمين، وشيئًا فشيئًا اعتدى الناس على حدود الله على حساب المرأة بالطبع، حتى بلغت ما بلغت اليوم في مجتمعاتنا، لذلك دعونا إلى تحرير المرأة من فتنة النمط الغربي القادم، ومن أسر التقاليد للمجتمع المسلم الذي بان بتقاليده عن مثل الإسلام، ولقيت هذه الدعوة أذنًا صاغية، وأصبح أمثال الشابات التعليمات عن الإسلام يضارع، بل يتجاوز، إقبال الشباب. كانت دعوتنا في بادئ الأمر منحرفة في خطابها، كانت تخاطب النور منفعلة بالمجتمع التقليدي الذي يحسب أن إصلاح الذكور يعني إصلاع المجتمع، لكن دعوتنا اليوم أصبحت دعوة إسلامية تخاطب الرجل والمرأة كما فعل رسول الله، لقد أقبلن اليوم، لا فقط بالانفعال في التدين بالشعائر، ولكن أقبلن كذلك بدور على الحياة العامة، فخضن الانتخابات العامة، وألقين المحاضرات، وكلما تقدم المجتمع أرجو أن يتقدم دور النساء في الحياة العامة، وما أظن أبدًا أنه سيبلغ مناصفة الرجال، ولكنه عندئذ سينشأ ثقل سياسي يضبط دورًا لمرأة ومكانها، وسيبني على ما عندنا من تراث ويتجاوز خطأ التراث، ويبني على صواب ذلك التراث، ويلتزم بأحكام الإسلام، ويتوخى مصالح المجتمع المسلم رجالًا ونساء.
التيار الفقهي الإسلام يمثل هذا الانفتاح
- المجتمع: إذا كان البعض يعتبر حركة جهيمان العتيبي وحركة شكري مصطفى حركات متطرفة، فإن الآخرين أيضًا يجدون في التجربة السودانية وجهًا آخر للتطرف أي «التفريط»، فما رأيك بهذه التهمة؟
- التطرف أمر إضافي والانفتاح هو عدو التطرف. التطرف يحدث نتيجة الانغلاق، أما إذا فتحت الباب فذلك يعني أنك تصبح عرضة لأن يتناظر في إطارك المنفتح التفريط والإفراط مًعا، فإذا تناظرا تعادلا وتناسخا، وأصبحت أقرب إلى أن تقوم إلى الحق من هذا وذاك، إن «عيب» تاريخ الإسلام أن متن الحياة الإسلامية قادها المنفتحون، التيار الفقهي الإسلامي يمثل هذا الانفتاح، لم يتعلق في وجه التجارب البشرية، مذاهب كثيرة انطلقت في زعمها من أصول الإسلام وخرجت به، أما مدرسة الإسلام التي بقيت بعد أن تعددت النحل والملل المتنطعة في هذا الجانب أو ذاك وانتشرت، فهي هذا التراث المنفتح الذي لا يتعصب لشيء، والذي ينفتح على أمم العالم، لا يخشى ثقافتها، ويتفاعل معها، فيتغذى على هذا الانفتاح، ولا يضعف، إنه النظر «المتوكل المنفتح» على إخوانه المسلمين، يتجادل معهم، ولا يتعلق على مدرسة دون أخرى، ويظن أن الحق كله قد اكتشفه فلان أو فلان ومات به، فانسد باب الحق من بعد موته! كما يحسب كثير من المستمسكين بمذاهب فقهية معينة، أو مناهج حركية معينة! البحث عن الحق يجب أن يستمر حتى يأتينا اليقين. لو أن الله أراد يسد باب نظر العقل لأوحى إلى الأنبياء بكل تفاصيل الحياة، حتى خاتم الأنبياء -صلى الله عليه وسلم- لم يوح إليه بكل تفصيل، إنما ترك له ولإخوانه من المسلمين تحت قيادته أن يجتهدوا في كثير من أمور الحياة، هذا الانفتاح هو العاصم، لئلا يقوم مذهب متطرف يغلق أذهان الناس، وإن في مدرستنا المنفتحة تقربًا إلى الله زلفى وبحثًا عن مقتضى حكمة الله -سبحانه وتعالى- في الوجود، وهكذا نتحرك بحثًا عن الحق.
الإقدام والتوكل معًا
- المجتمع: ما هو برأيك الأفضل: أن تتعاون الحركة الإسلامية مع المستشرقين أو تقف منهم موقفًا عدائيًا؟
- إن لي مذهبًا في كل شئون الحياة: هو الإقدام متوكلين على الله -سبحانه وتعالى-، وأيما خطر نراه ينبغي أن نقتحمه، ونتفاعل معه، ونسأل الله أن يعيننا عليه، صحيح أن حركة الاستشراق كانت جزءًا من المد الاستعماري العدواني، ولكن بعد أن قويت شوكة المسلمين نسبيًا ضعفت شوكة هذا العدوان، وأصبح الإيمان بقيم الحضارة الغربية ضعيفًا، وأصبح الغربيون أقل تعصبًا بقيمهم وأكثر انفتاحًا باحتمال الحق في قيم الآخرين. وأصبح المستشرقون أقرب إلى الموضوعية نوعًا ما. لكن ما انفك كثير منهم ينقض على كثير من جوانب الإسلام، نتيجة معلومات ضئيلة بالإسلام، بالرغم من نلك يتجرؤون على الحكم علينا، ولا نتجرأ على الكتابة في أمرهم وتحليل مجتمعاتهم، وفيهم بالطبع بعض الصهاينة وبعض أصحاب السابقة الاستعمارية، وفيهم من استعمل منهج البحث والتقصي في وجه الإسلام، فما علينا إلا إن نستخدم هذا المنهج العلمي، فنسخره لصالح دعوة الإسلام، لا سيما في خطابهم، ولما كان المسلمون اليوم قد انفتحوا على عالم لا فصام فيه، ولا يمكن أن ننقطع عن المستشرقين أو عن الغربيين عامة، ولا بد أن نعيش معهم في عالم واحد وثيق الاتصال، فينبغي أن نأخذ منهم كل سلاح استعملوه في الصراع الحضاري، لنستعمله في وجوههم، ونهديهم إلى الإسلام. ونقوم بحملة أخرى نحو عالمية الإسلام، بعد أن توقفت الحملة بدخول عصر الانحطاط.
- أجدادنا الذين قادوا الحملة الأولى كسروا حوائط الطغيان التي تحجب الإسلام عن الناس بالسيف، ونحن أهون منهم نحمل أسلحة الفكر والثقافة، ونسخر المنهج العلمي لخدمة حملة الدعوة الإسلامية المنتشرين اليوم في كل بقاع العالم. إن انفتاحي على المستشرقين وتعرضي لتحديهم، زادني تثبتًا وأصالة وذاتية، لأن المدافعة بين الحق والباطل هي التي تزيد الحق ثباتًا ورسوخًا.
إبطال الباطل لا يعفينا من إحقاق الحق
- المجتمع: كنت من أكثر المتحمسين للثورة الإيرانية، فهل تغير موقفك الآن؟
- الثورة الإيرانية هو ذلك الحدث الذي استطاعت فيه قوى الإسلام -رغم ضعفها البادي لكل المراقبين- أن تغلب بإذن الله الفئة الكثيرة القوية، ومن هنا كان مزجي بتلك الثورة. لأنها أولًا أثبتت أن الإسلام لم ينقرض، وثانيًا أنه من الممكن وصل ما بين الإسلام، ومقاصد التي أنكرها كثير من الناس جهلًا، وحسبوا أنها مقاصة للحركة اليسارية أو القومية. وانكسفت تمامًا مزاعم القومية. ثم إن هذه الثورة أدخلت العزة في نفوس المسلمين في كل بقاع العالم، وتجاوب معها المسلمون وناصروها، وإذا كان المسلمون في مكة، قبل أن تقوم دولتهم في المدينة، قد تحمسوا للرومان الكتابيين ضد الفرس الوثنيين، كان ذلك أولى لنا أن نتجاوب اليوم مع الثورة الإيرانية. وكنا من أول يوم نقدر التحديات التي ستحيط بهذه الثورة بعد إبطالها الباطل. وكنا نعد أنها لا تعتصم بصف موحد، لذلك قامت الثورة الإيرانية مدًا إسلاميًا هائجًا لا يوحده إلا زعامة رمزية لرجل قاد الثورة، لذلك بعد أن انتهت رحلة إبطال الباطل وجاءت مرحلة إحقاق الحق، تشعبت المقاصد وأصبحت قضية الوحدة أزمة بين الإسلاميين المعاصرين وبين الإسلاميين التقليديين الذين لا نشك في نيات هؤلاء، فكانت الفوضى والاضطراب في صف الثوار.
- الأمر الآخر أن الحركة الإسلامية في إيران لم يتيسر لها المناخ الحر لتقدم الإسلام كمنهج على واقع مشكلات الحياة الاقتصادية والسياسية، لذلك اضطروا إلى تعبئة الجماهير حول شعار الإسلام، فلما انتصر هذا الشعار لم يوافهم المنهج المتكامل، لذلك لم يحولوا البنوك اليوم إلى بنوك إسلامية، ولم يبدلوا القوانين، ولم يبدلوا السياسات، ولم يبدلوا الدبلوماسية إلى منهج فقهي إسلامي مفصل، لذلك كان هذا الاضطراب، وفي ذلك كله عبره للحركة الإسلامية الأخرى، إن عليها أن تتفاعل مع المجتمع، وبغير التفاعل مع المجتمع لا يمكن أن يضطر الناس إلى برمجة الشعار الإسلامي تفصيلًا. فإبطال الباطل لا يعفينا من إحقاق الحق، وإن كان الإخوان في إيران قد حققوا لنا كسبًا هائلًا في المجال الأول، فجزاهم الله خيرًا، وحري بنا أن نشكرهم عليه، ونرجو أن يقدم لنا إخوان آخرون تجربة أخرى في الثورة ولي الحكم وفي العمل السياسي، حتى تتكامل التجارب الإسلامية.
- ويؤلمنا كثيرًا ما يجري اليوم في إيران من اضطرابات ومن اختلافات، ومن تخبطات في وجه التحديات التي تحيط بهم، ونسأل الله أن يهديهم إلى ما فيه خير، وينبغي أن يتسع نظرنا ونطلع على تجارب كل الحركات الإسلامية لأنه لا يمكن لمذهب إسلامي واحد أو تجربة واحدة، أن تحتوي الحق كله في كل الأزمات وفي كل الأمكنة.
- المجتمع: بعد هذا الحوار الفكري والسياسي الشيق، تشكر المجتمع الدكتور حسن الترابي، وتدعو قراءها الأعزاء لمناقشة الأفكار التي طرحها الدكتور حسن.. ونحن بانتظار التعليقات والردود.
الرابط المختصر :