العنوان نقوش على جدار الدعوة: الأمة التي تريد أن تنتصر
الكاتب د. جاسم المهلهل آل ياسين
تاريخ النشر الثلاثاء 10-فبراير-1998
مشاهدات 14
نشر في العدد 1287
نشر في الصفحة 66
الثلاثاء 10-فبراير-1998
تود أمة الإسلام أن تحقق لها مكانًا بارزًا، بين الدول ذات الكيان الحي التي بيدها مقاليد الأمور وتصريف الأحوال، يدفع أمة الإسلام لذلك السباق وتحقيق السبق فيه على غيرها من الأمم دينها الذي أوجب عليها العمل الصالح في مجال الدنيا والآخرة، لتتمكن من الأرض فتستطيع أن تقوم بكل تعاليم الدين وشعائره ﴿ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ﴾ (الحج: 41)
وأساس التمكن يكون بإرساء قواعد الحق والعدل، التي أمر الله بها أن تكون دون تدخل الأهواء عنصرية أو نزعات عرقية، أو تحزبات مذهبية، أو تناحرات طائفية، أو غير ذلك من كل ما يغير ميزان العدل أو ينحرف عن طريق الحق ﵟ إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ ﵞ (النحل أية: ٩٠)
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ﴾ (النساء: ٥٨) ولا تقوم هذه القواعد إلا إذا تحققت أمور ثلاثة:
1- النية الحسنة أو قل نية الإصلاح التي يبتغى بها وجه الله سبحانه، بحيث تكون هذه النية هي المحرك والدافع إلى العمل توقظ الهمة إن فترت وتشعلها إن خمدت، فلا يدخر صاحبها جهداً، ولا يبالي ما قد يلحقه من أذى أو مشقة في سبيل تحقيق ما يريد، لأنه يطلب بإصلاحه لأمته مرضاة الله، ولذا يبذل أقصى ما يستطيع من جهد أو وقت أو مال، ليصلح ما فسد، ويعدل ما أعوج، ويقيم ما انحرف، ولا يتأتى ذلك إلا لرجل تعمق في قلبه الإيمان فأصلح به نفسه، ويصلح به غيره فيصدق عليه قول الله: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ﴾ (الرعد: ١١)
وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرٗا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ﴾ (الأنفال: ٥٣).
اتخاذ الوسائل اللازمة للإصلاح ومحاولة الوصول إليها بكل طريق ممكن، ووسائل الإصلاح مادية ومعنوية على السواء، وكلتاهما لا غنى عنها لتنهض الأمة المسلمة وفي يمينها تعاليم الإسلام وقيمه، وفي يسارها كل ما أفرز العصر وأبرز من تقنيات مادية مصنوعة بيد أبنائها غير مجلوبة من غيرهم وفي هذا فتح لباب العلم على مصراعيه وبذل الأموال في سبيل إيجاد مبتكراته على أرض الإسلام، وليس في هذا المطلب إعجاز أو تعجيز، فمن أراد العلم وسعى إليه بوسائله المتاحة - الآن - عند المسلمين حقق منه ما أراد أو اقترب من تحقيقه على الأقل، والأقدمون من المسلمين حين سعوا سعيهم نحو العلم حققوا منه ما كان سائداً في عصرهم وأضافوا إليه كثيرًا مما انتفع به غيرهم وبنى عليه نهضته المعاصرة، فلا أقل من أن نفعل كما فعلوا ونبني كما بنوا.
إيجاد هيئة شعبية من ذوي الاختصاصات المختلفة ترعى - بين الناس - مسيرة الإصلاح والبناء، ولا يعنينا في شيء تحديد اسم لها مادامت تقوم بمهمتها فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتشير بفعل الخير حيث تراه.
وهذه الأمور التي بيناها أمور معروفة عند أصحاب النهضات وصانعي الانتصارات أخذ بها الحصيفون من الأقدمين فحققوا نهضة استطاعت أن تكسر قيود أعدائهم، ولن نضرب لك مثلاً من عهد الخلفاء الراشدين ولا من عهد الأقوياء في الدولتين الأموية والعباسية، وإنما أنتقل معك إلى القرن السادس الهجري مع الملك العادل نور الدين محمود الذي أخذ بهذه الأمور ما استطاع فحقق لنفسه مجدًا، ولأمته عزًا.
وإليك هذا الخبر الذي سجله ابن الأثير حيث قال: « وكان - رحمه الله - لا يفعل فعلاً إلا بنية حسنة، كان بالجزيرة رجل من الصالحين كثير العبادة والورع، شديد الانقطاع عن الناس، وكان نور الدين يكاتبه ويراسله، ويرجع إلى قوله ويعتقد فيه اعتقادًا حسناً، فبلغه أن نور الدين يدمن اللعب بالكرة، فكتب إليه يقول: ما كنت أظنك تلهو وتلعب وتعذب الخيل لغير فائدة دينية، فكتب إليه نور الدين بخط يده يقول: والله ما يحملني على اللعب بالكرة اللهو والبطر، وإنما نحن في ثغر العدو قريب منا، وبينما نحن جلوس إذ يقع صوت فنركب في الطلب، ولا يمكننا أيضًا ملازمة الجهاد ليلاً ونهارًا شتاءً وصيفًا، إذ لابد من الراحة للجند، ومتى تركنا الخيل على مرابطها صارت جمامًا لا قدرة لها على إدمان السير في الطلب، ولا معرفة لها أيضا بسرعة الانعطاف والطاعة لراكبها في الحرب، فهذا والله الذي بعثني على اللعب بالكرة ». (انظر: مختصر کتاب الروضتين في أخبار الدولتين، للدكتور محمد بن حسن بن عقيل موسى).
لقد أخذ نور الدين نفسه بالأمور التي ذكرنا فاستطاع أن يحقق النصر لأمته، ومهد السبيل لصلاح الدين ليحقق النصر الأكبر على الصليبيين فيزيل خطرهم عن بلاد المسلمين.
ولقد عاد الخطر من جديد في ثياب الصهاينة ووجب على كل قادر - في موقعه - أن يعمل على زوال الخطر عن بلاد المسلمين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل