; السودان.. تمرد مسلح تقوده الدوائر الاستعمارية والصهيونية  في الجنوب | مجلة المجتمع

العنوان السودان.. تمرد مسلح تقوده الدوائر الاستعمارية والصهيونية  في الجنوب

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 23-فبراير-1971

مشاهدات 46

نشر في العدد 48

نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 23-فبراير-1971

·        الدعوة إلى قيام دولة «آزانیا» المسيحية.

·       حقيقة أسطورة الحــشرة السامة.

·       أسطورة «الأنيانيا» في إرهاب المواطنين.

 

«مقدمة»

شهد السودان في الآونة الأخيرة عدة صراعات مهمة بين الجيش السوداني والمتمردين والمرتزقة في جنوب السودان؛ فقد استولت القوات المسلحة السودانية على المقر العام للمتمردين، وصادرت مجموعات كبيرة من الأسلحة والذخائر والوثائق في عدد من معسكراتهم، كما ألقت القبض على «رودلف شتاينر» زعيم المرتزقة، واعتقلت عددًا كبيرًا منهم دخلوا إلى جنوب السودان عن طريق إثيوبيا وأوغندا، لمساعدة المتمردين في الجنوب، بهدف فصل جنوب السودان عن شماله.

 

دور الاستعمار الصهيوني في التمرد

ثلاث حركات متشابهة يقودها اليهود والاستعماريون

إن الوثائق المهمة التي حصلت عليها القوات المسحلة السودانية مؤخرًا، كشفت عن وجود علاقة وثيقة بين المتمردين والدوائر الاستعمارية والصهيونية والبعثات التبشيرية التي تقود حركة التمرد، وتباشر نشاطها من أراضي إثيوبيا وأوغندا، فقد استدعت الحكومة السودانية سفراء خمس دول هي الفاتيكان وألمانيا الغربية وبريطانيا والولايات المتحدة وإيطاليا، ووجهت إلى حكوماتهم تهمة تهريب الأسلحة و المواد الغذائية والأدوية الطبية، وعدد كبير من المرتزقة إلى جنوب السودان في محاولة لإثارة عصيان مسلح يستهدف فصل جنوب السودان عن شماله.
ومن المعروف أن «رودلف شتاینر» الذي ألقت القوات السودانية القبض عليه من أصل ألماني، كان يعمل في خدمة الحركة الانفصالية التي تزعمها «أوجوكو» لفصل إقليم بيافرا عن نيجيريا.
وقد كشفت التحقيقات التي أجرتها السلطات السودانية مع المتمردين المرتزقة، الذين وقعوا أسرى في أيدي القوات المسلحة في عمليات القمع الأخيرة، عن وجود ثلاث حركات انفصالية تضم عددًا كبيرًا من المرتزقة البيض، يعملون لفصل جنوب السودان عن شماله بتأييد من الدوائر الاستعمارية والصهيونية، الحركة الأولى تحت زعامة الكولونيل «لاجو» الذي تلقى تدريبه العسكري في إسرائيل، والذي جعل من منطقة «توریت» مركزًا لمباشرة نشاطه، ويرافقه بصفة دائم خبيران إسرائيليان وطبيبة إسرائيلية، كما يتلقى أنصاره السلاح والمال عبر أرضي إثيوبيا وأوغندا، وتعتبر «كمبالا» مركز تجمع خلفي لهذه القوات ومخزن السلاح والذخيرة لها.
الحركة الثانية برئاسة «أماديو تا فينج»، وكان يعاونه «رودلف شتاينر»، وتتلقى هذه الحركة مساعدات مالية وعسكرية من منظمات دينية في ألمانيا الغربية، وهي التي أوفدت «شتاينر» للعمل في جنوب السودان.

أما الحركة الثالثة فهي المعروفة باسم «حكومة النيل المؤقتة»، وكانت قد شُكلَت في شهر مارس ١٩٦٩، ويقودها مرتزق فرنسي هو الكابتن «أرمندا»، وتتلقى هذه الحركة مساعدات من إيطاليا وفرنسا والفاتيكان، وسبق لزعيمها أن اشترك في الحرب الانفصالية في نيجيريا، وألّف كتابًا بعنوان «بيافرا ستنتصر»، هذا بالإضافة إلى حكومة «آزانيا» المؤقتة التي يقودها أقري جادين، والتي تطالب بالانفصال التام، ويشاركها في هذا الطلب أيضًا وليم دنج الذي يرأس ما يسمى بحكومة الأنيوي المؤقتة، وهذه الحكومات الوهمية تتلقى مساعدات ودعمًا من جهات أجنبية مختلفة، وعلى الرغم من أن السودان يشترك بحدوده الحالية مع ثماني دول في قارة إفريقيا، إلا أن نشاط المتمردين يبرز بصورة رئيسية من إثيوبيا وأوغندا، ففي إثيوبيا قواعد عسكرية إسرائيلية وأمريكية، كما تعتبر أوغندا المركـز الرئيسي للبعثات التبشيرية الأجنبية في وسط إفريقيا.
 

مخلفات بیافرا

وقد أثبتت الوثائق أن قادة التمرد يستفيدون من خدمات المرتزقة الذين نزحوا من الكونغو وبيافرا، وأن كثيرًا من الهيئات التبشيرية تقدم العون للمتمردين على أساس إيهامهم بأن أهالي الجنوب مضطهدون عنصريًا، كما تشكلت جمعيات لجمع المعونات للمتمردين من بعض الدول الأوربية، وقد اعترف عدد كبير من الأسرى عن صلة إسرائيل بالمتمردين عن طريق سفرائها في دول شرق إفريقيا، وأن عددًا من قادتهم تلقوا تدريباتهم العسكرية داخل إسرائيل -وقد انعكست آثار المعونة الفنية والعسكرية التي تلقاها المتمردون في تطوير أساليبهم في العمل- فأقاموا معسكرات لها ملاجئ وأحاطوها بالخنادق، ومُهدَت أرض فضاء في الغابة بجوار المعسكرات لإسقاط التموينات من الطائرات، كما عُثرَ على أجهزة لاسلكي في معسكرات المتمردين تُستخدَم لإرشاد الطائرات إلى أماكن الإسقاط.
ومن الجدير بالذكر أن «وياللو تيلي» السكرتير العام لمنظمة الوحدة الإفريقية، أدان في خطابه الذي ألقاه في الخرطوم مؤخرًا تجنيد وتدريب المرتزقة الذين يمثلون الشكل الجديد للاستعمار الجديد، باعتبارهم أداة من أدواته، تستخدمه الدول الاستعمارية والدوائر الصهيونية العالمية ضد الشعوب وحركات التحرر الوطني، وأشار في خطابه المذكور إلى القرارات التي اتخذتها منظمة الوحدة الإفريقية في هذا الشأن في عامى ١٩٦٧،  ۱۹۷۰ حول إدانة النشـاط الذي يقوم به المرتزقة بتأييد من قوى الاستعمار والصهيونية.


قصة التمرد من الاحتلال إلى الاستقلال

إن أحداث التمرد التي كشفت عنها السلطات السودانية مؤخرًا ليست وليدة اليوم، وإنما تبدأ هذه الأحداث مع الاستعمار البريطاني للسودان منذ عام ۱۸۹۸، حينما اتخذت الإدارة البريطانية عدة إجراءات إدارية صارمة أدت إلى تمرد ضباط وجنود الفرقة الاستوائية، وهي الفرقة التي شكلتها السلطات البريطانية من الجنوبيين تحت قيادة ضباط بريطانيين عام ۱۹۱۸، فقد اندلعت الشرارة الأولى للتمرد بين صفوف هذه الفرقة بتحريض من حزب الأحرار الجنوبي في أغسطس عام ١٩٥٥، وأدت إلى مقتل حوالي خمسمائة من المواطنين معظمهم من أهل الشمال.
ولم يبدأ التمرد بشكل سافر إلا في نهاية عام ١٩٦٢، عند هروب بعض السياسيين من زعماء الجنوب أعضاء البرلمان المنحل إلى الدول المجاورة، حيث لقي هؤلاء السياسيون التأييد، كما تلقوا المعونات من بعض الدول الأجنبية والبعثات التبشيرية التي تمارس نشاطها من مركزها الرئيسي في أوغندا، مما مكنهم من شن حرب العصابات عام ١٩٦٣، وبصفة خاصة في مديرية أعالي النيل، وفي عام ١٩٦٤ تزايدت حرب العصابات وامتدت إلى الداخل، وقد حاول المتمردون لأول مرة احتلال مدينة «واو» إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل.
والواقع أن أعمال المتمردين تركزت دائمًا في عمليات إرهاب المواطنين في جنوب السودان، فقد لعبت أسطورة «الأنيانيا» أي «الحشرة السامة» دورها في هذا السبيل، ونشطت المنظمة الإرهابية التي تحمل ذلك الاسم في إرهاب المواطنين ونهب ممتلكاتهم وماشيتهم، لإجبارهم على هجر زراعاتهم ودفعهـم  إلى الهروب إلى الدول المجاورة، بهدف لفت النظر إلى وجود مشكلة في الجنوب ولاجئين مضطهدين، واستمرت الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، حتى رفض المتمردون كل الحلول السلمية التي عُرضَت عليهم في عام ١٩٦٤، وبصفة خاصة بعد انتخابات ١٩٦٥ حيث إن بعضهم رفعوا شعار الحكم الذاتي في عام ١٩٦٦، ومع أنه استجيب لمطالبهم في يونيه سنة ١٩٦٩ إلا أن حالة التمرد استمرت.

 

لماذا كان التمرد في جنوب سودان؟

يأتي التمرد في جنوب السودان كتعبير عن سوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية لأهل الجنوب، والتي ساهم في خلقها الاستعمار البريطاني منذ عام ١٨٩٨، حيث عمل على عزل الجنوب عن الشمال عن طريق القوانين التي وضعتها الإدارة البريطانية منذ عام ١٩٣٠، التي منعت الجنوبيين من الاتصال بالشماليين، كما منعت أهل الشمال من الذهاب إلى الجنوب، وقد صدرت هذه القوانين في أعقاب حادث مقتل السير لي ستاك حاكـم السودان عام ١٩٢٤، والذي استغلته بريطانيا في عزل الجنوب عن الشمال بطريقة مقصودة، خلقت ما يُعرف بمشكلة الجنوب، والتي استمرت طوال نصف قرن إلى أن اندلعت الشرارة الأولى للتمرد عام ١٩٥5، كما ساهمت البعثات التبشيرية في تفاقم المشكلة، حيث استطاعت أن توحي إلى شعب الجنوب الذي يبلغ عدده خمسة ملايين نسمة، يعيشون حياة قبلية متخلفة، بأن شمال السودان المسلم العربي يستعمرهم ويستثمر خيراتهم، وأنه من الواجب عليهم الانتفاضة ضد هذا الحكم، لإقامة دولة مستقلة في جنوب السودان تضم مديريات أعالي النيل وبحر الغزال والمديرية الاستوائية تحت اسم «دولة آزانيا المسيحية»  الذي دعا إلى قيامها النائب الانفصالي السابق «جوزيف ادوهو»، وزعم بأن هذه الدولة كانت قائمة فعلًا في تلك المنطقة في القرن الخامس عشر الميلادي مع أن التاريخ لم يذكر لنا شيئًا عن قيام مثل هذه الدولة في تلك المنطقة.

والواقع أن الاستراتيجية السياسية لنشاط المتمردين منذ بداية نشاطهم في عام ١٩٥٥، تتفق والسياسة الاستعمارية الصهيونية التي تعمل على عزل السودان عن جاراته الدول العربية، باعتبار أن السودان هو الجسر الذي يصل بين العالم العربي وشعوب القارة الإفريقية، ويتبين من هذه السياسة أنه كلما ازداد تقارب السودان من العالم العربي والإسلامي، ازدادت المؤامرات الاستعمارية والصهيونية تجاه السودان وشعب السودان، وبصفة خاصة في الظروف الراهنة التي يجتازها الوطن العربي.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 4

81

الثلاثاء 07-أبريل-1970

أحداث السودان

نشر في العدد 8

65

الثلاثاء 05-مايو-1970

صحافة - العدد 8