العنوان غزة: زراعة أسطح المنازل.. اكتفاء ذاتي ومنافع أخرى
الكاتب ميرفت عوف
تاريخ النشر الأحد 01-يناير-2017
مشاهدات 734
نشر في العدد 2103
نشر في الصفحة 46

الأحد 01-يناير-2017
لم يُدرك جيران المهندس أحمد صالح ما الذي بدأ جارهم بفعله على سطح منزله، اعتقدوا في البداية أنه ينقل عينات من التربة والمزروعات ليمارس عمله كمهندس زراعي، لكن بعد أيام تفاجؤوا بأن سطح المنزل القائم في منطقة «التوام» شمال قطاع غزة أصبح حديقة مزروع فيها العديد من الأصناف، مثل الطماطم، والباذنجان، والكرفس، والبصل، والبقدونس.
تلك التجربة كانت من أوائل نماذج زراعة أسطح المنازل في قطاع غزة، فقد أصبحت هذه الزراعة ملاذاً للعديد من الأسر الفلسطينية بسبب الوضع الاقتصادي السيئ وانحسار الأراضي الزراعية، أرادت هذه الأسر توفير الاكتفاء الذاتي بهذا النوع من الزراعة الخالية من الأسمدة الكيميائية، زرعوا المزروعات الشتوية والصيفية كالبصل والجرجير والثوم والفلفل، واليقطين، والخيار.
وتمكن صالح من استخدام إطارات السيارات بعد إعادة تدويرها؛ حيث زينها بالطلاء الملون وخصص أجملها لزراعة نباتات الزينة، لكن توفير الخضراوات اليومية لأسرة صالح كان إنجازه الأهم الذي ركز عليه، يقول صالح: بسبب عدم وجود دراسات قابلتني مشكلات عدة، أهمها الرياح التي أضرت بالزراعة على سطح منزلي، المفروض أن يكون هناك غطاء بلاستيكي، لحماية الخضراوات من الرياح وزيادة الإنتاج، المشكلة الثانية كانت المياه وملوحتها.
ويوضح صالح أنه في الموسم الثاني تلاشت المشكلة الأولى، فكان الإنتاج مميزاً في الكمية والنوعية، كما أدخل وحدة تربية الأسماك «استزراع سمكي».
تحقيق إنتاج ذاتي
تُظهر إحصاءات مركز الإحصاء الفلسطيني أن 52% من سكان القطاع غير آمنين غذائياً، و13% معرضون لانعدام الأمن الغذائي، فهناك نقص المساحات المزروعة التي بلغت نسبتها 20.6% من مساحة قطاع غزة.
تقول المهندسة سوزان عطا الله التي تدير مشروع Green Makeover لتصميم وتنسيق الحدائق المنزلية والعامة, وزراعة الأسطح المنزلية: إن هدف مشروعهم تحقيق إنتاج ذاتي صحي لكل بيـت، وهواء نقي ومكان جميل بزراعة الخضراوات ذات الجذر الصغير على أسطح المنازل، وتضيف: مع مرور الوقت وأمام رؤية الناس للنماذج الفعلية بدؤوا يتقبلون الفكرة، وأصبحوا يخوضون التجربة، وينبهرون من نتائجها، يُقْدمون على زراعة الأسطح والحدائق الأمامية والخلفية، كما استخدمنا الزراعة المائية، وهي تكنولوجيا جديدة قائمة على الزراعة بدون تربة.
فيما يتعلق بتكلفة زراعة الأسطح، أقدمت المؤسسات والأشخاص على إعادة التدوير لتحقيق تكلفة منخفضة قدر الإمكان.
وتوضح عطا الله أن قطاع غزة بسبب تكرار العدوان «الإسرائيلي» عليه يعاني من فقدان الأماكن الترفيهية، لذلك كانت فكرة زراعة الأسطح أيضاً لحل أزمة إيجاد مكان صحي وجميل تهون أيضاً أزمة الكهرباء التي تجبر الناس خاصة في فصل الصيف على ترك المنازل.
وتضيف لـ «المجتمع»: أردنا استغلال السطح بعمل مكان جميل تجلس فيه العائلة وتستفيد من المكان، كما بإمكانها الحصول في الوقت ذاته على زرع خالٍ من المبيدات الضارة، وبهذا تحقق الأمن الغذائي، وتتفادى أمراض التربة.
ثقافة زراعة الأسطح
كما سبق أن أسلفنا، تمكّن زراعة أسطح المنازل الأسر من الحصول على غذاء طازج وآمن، وتسهم في توليد فرص عمل بعد أن وصلت نسبة الفقر في قطاع غزة إلى نحو 70%، ورغم ذلك ما زالت ثقافة هذه الزراعة غير منتشرة بشكل كاف، ويعود ذلك إلى التخوف من أثر الزراعة على المبنى، وأيضاً من التكلفة العالية وقلة رعاية هذه المشاريع.
تقول المهندسة شذا زيدان: إنهم منذ بضع سنوات بدؤوا بنشر ثقافة زراعة الأسطح بين الناس من خلال الحديث عن أهميتها في المعارض وورش العمل، وتضيف: ثقافة زراعة الأسطح جديدة وتحتاج لتوعية مكثفة حتى تدرك أهميتها، لذلك قمنا في نقابة المهندسين بورش عمل، موضحة أن من أفضل طرق الزراعة هي زراعة الهيدروبونك التي لا تحتاج لماء كثير ولا تربة، فهي عبارة عن أسطوانات توضع على ارتفاع معين حتى لا تلامس أرض السطح، وتعتمد على مواد تغذية سهلة.
وتؤكد زيدان خلال حديثها لـ «المجتمع» أن هذه الزراعة تحقق اكتفاء ذاتياً يرفع مستوى الأمن الغذائي؛ لأنها تلبي حاجة الأسر محدودة الدخل من الخضراوات اليومية، وهي تضمن وقاية من المبيدات الحشرية والمواد المسرطنة التي تستخدم في الزراعة، فهي لا تستخدم فيها إلا المواد الطبيعية ولا تحتاج لمساحة كبيرة، كما أن هناك فائدة على الصعيد الاجتماعي تتمثّل في تحقيق ألفة بين أفراد الأسرة الذين يقومون بالتعاون في رعاية هذه الزراعة.
مطلوب دعم أكثر
أهمية التوجه نحو زراعة أسطح المنازل تعتمد على دعم إنشاء هذه المزارع بعد تدريب المواطنين على طرق زراعتها عن طريق عمل ورشات تدريبية قبل البدء في الزراعة، بالإضافة إلى أهمية استمرار دعمهم ومتابعتهم في المنازل لحل أي مشكلات تواجههم.
ويؤكد الأستاذ بكلية الزراعة جامعة الأزهر د. أحمد صالح أنه لا يوجد بحوث على هذا النمط من الزراعة لمعرفة عوامل النجاح والفشل وتقديم حلول لها، وذلك رغم أهميتها في إنتاج غذاء آمن وسليم، وتوفير جزء من السلة الغذائية التي تحتاجها الأسرة بشكل يومي، ويضيف لـ «المجتمع»: الجمعيات والهيئات الدولية تقوم بتنفيذ المشروع والأنشطة، أي تنفذ فيزيائياً وليس مهنياً، فتقدم دعماً آنياً ينتهي بعدم استدامة المشروع؛ لأن المواطن في الغالب لا يستطيع الاعتماد على نفسه في تدبير أموره فيما بعد.
ويدعو صالح إلى توفير وحدة بحث علمي من قبل وزارة الزراعة بغزة تعالج مشكلات وظروف نجاح زراعة الأسطح، منتقداً عدم استكمال تبنّي المؤسسات الدولية لمثل هذه المشاريع، ويوضح: زراعة الأسطح تعمل على استغلال الطاقة لدى الفتية والمراهقين، ومن المهم أن يستغل المواطن مساحة سطحه حتى لو كانت 100 متر فقط، فهو سيقضي وقتاً جميلاً في رعاية هذه المزروعات إذا كان عاطلاً عن العمل هو أو أحد أبنائه.>
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالصهاينــة يتجهـــون لحســـم الصــــراع ديموغرافيـــاً فــي الضفـــــة الغربيـــــة
نشر في العدد 2180
95
الخميس 01-يونيو-2023


