; أين التبادلية في اتفاق واي ريفر؟ | مجلة المجتمع

العنوان أين التبادلية في اتفاق واي ريفر؟

الكاتب محمود الخطيب

تاريخ النشر الثلاثاء 10-نوفمبر-1998

مشاهدات 29

نشر في العدد 1325

نشر في الصفحة 29

الثلاثاء 10-نوفمبر-1998

لم يلتئم شمل المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ عدة سنوات وقعت خلالها الكثير من الأحداث المصيرية بالنسبة للشعب الفلسطيني والمنطقة بشكل عام، لكنه الآن يتحفز لعقد اجتماع لمناقشة مستقبل القضية الفلسطينية المظلم في ضوء اتفاق أوسلو أو واي ريفر المعدل له، ولا لبحث حماة مستقبل القدس الذي ضاع في حـمأة التصعيد الإسرائيلي لأعمال الاستيطان فيها، كما أنه لن يدرج على جدول أعماله مستقبل أكثر من أربعة ملايين لاجئ فلسطيني تقول قرارات الأمم المتحدة المتعاقبة إن لهم الحق القانوني والشرعي في العودة إلى ديارهم أو حصولهم على تعويضات في حال اختيارهم لعدم العودة.

هذا المجلس المركزي المكون من ۱۲۰ عضوًا يمثلون تنظيمات فلسطينية عفا عليها الزمن واتحادات شعبية اختفت منذ أكثر من ١٥ عامًا ليس هو صانع القرارات الفلسطينية، لأن الرئيس الفلسطيني هو وحده طباخ هذه القرارات، لكنه سيجتمع مع ذلك شكليًّا بناء على طلب رئيس وزراء العدو نتنياهو للمصادقة على إلغاء بنود الميثاق الوطني الفلسطيني التي تفوح منها رائحة عداء لليهود، ومن أجل ذلك فرض نتنياهو على الرئيس كلينتون حضور ذلك الاجتماع وأثبت ذلك كتابة في مذكرة وأي ريفر، وسينعقد الاجتماع العتيد بحضور أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ووزراء السلطة وسدنتها، وأعضاء المجلس التشريعي ليلقي المعلم كلينتون على تلاميذ مدرسة المشاغبين دروس الفضيلة واحترام عملية السلام ويطالبهم بتوقيع تعهد بنبذ العنف والإرهاب.

 وليس لهذا الاجتماع الآن من معنى بعد كل التنازلات التي قدمتها السلطة الفلسطينية للطرف اليهودي سوى أنه يأتي ضمن سياسة بنيامين نتنياهو لإذلال الفلسطينيين والقيادة الفلسطينية لماذا يلتزم الجانب الفلسطيني وحده بنصوص اتفاق واي ريفر حرفيًا دون الإسرائيليين، بينما تحدث الاتفاق عن مبدأ التبادلية الذي يعني قيام الطرفين على قدم المساواة باتخاذ إجراءات متساوية ومتشابهة لقمع الإرهاب، ومنع التحريض ضد الطرف الآخر؟ الإجابة بسيطة وهي أن الاتفاق لم يزد في حقيقته على كونه إملاءات إسرائيلية على الجانب الفلسطيني وبمباركة أمريكية.

منذ اللحظات الأولى لتوقيع واي ريفر، بدت المفارقة مذهلة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في تنفيذ الاتفاق الجديد، فالسلطة الفلسطينية مارست كل أشكال القمع ضد قيادات حركة حماس وأنصارها، بل إنها قمعت حتى مؤيديها من أبناء فتح عندما داهمت أحد مكاتبهم في رام الله المصادرة الأسلحة التي فيه وقتلت أحد أعضائها من عائلة الطريفي، وجاءت هذه الحملة التي ما تزال مستمرة، ومن المنتظر أن تتصاعد أكثر وعلى أكثر من جبهة بعد عملية بئر السبع التي نفذها البطل سالم الصرصور وتصاعدت أكثر بعد عملية كفار داروم التي نفذها الشهيد صهيب تمراز، وربما ظن منفذا العمليتين بأن الرئيس عرفات كان جادًا في تمنيه العملية عسكرية تدعم موقفه التفاوضي، كما صرح بذلك الشهر الماضي في القاهرة سلطات الاحتلال اعتقلت البطل سالم والسلطة الفلسطينية اتهمته بالعمالة الإسرائيل، أما العملية الثانية فلم تعلن حماس عن تبنيها، لكن السلطة- وتقديرًا منها للعملية البطولية الثانية- قامت باعتقال جميع أفراد عائلة الشهيد تمراز وألحقتهم بعثات المعتقلين الآخرين من أنصار حماس وأعضائها بعد أن شيدت سجنين جديدين في الضفة استعدادًا لمرحلة جديدة ويقال إن السلطة تلقت ٤٠ مليون دولار من الحكومة الأمريكية لتشييد سجون جديدة تستوعب أفواج المعتقلين القادمة كما تحاول السلطة الفلسطينية منع أي معارضة لاتفاقاتها مع حكومة الاغتصاب الصهيوني وتضغط على الدول التي يتواجد فيها المعارضون لمنعهم من التعبير عن مواقفهم، ومنعت السلطة كل أشكال التظاهر والاحتجاج باستثناء تجمعات طلبة المدارس الذين أخرجوا من صفوفهم لتحية الرئيس العائد من وأي ريفر والتدليل على شعبية السلطة المتهاوية وبموجب الاتفاق سيعين الطرف الفلسطيني خبيرًا إعلاميًّا لمراقبة حملات التحريض ضد الصهاينة في وسائل الإعلام الفلسطينية، وخبيرًا تربويًّا التنقيح المناهج التعليمية من أي مواد تحريضية ضد اليهود.

 وفي الجانب الآخر من الصورة تعاملت الحكومة الإسرائيلية مع الجماعات اليهودية المعارضة للاتفاق بطريقة تشجعهم على معارضتهم.

وحتى قتلة العجوز الفلسطيني في إحدى مستوطنات الخليل لم يتخذ أي إجراء أمني بحقهم على الرغم من أن هويتهم معروفة لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ولم تضع الحكومة الإسرائيلية الحاخام الذي أفتى بحرمة تأييد الاتفاق ومساندته رهن الاعتقال، كما فعلت السلطة مع الشيخ حامد البيتاوي- رئيس رابطة علماء فلسطين وخطيب المسجد الأقصى- لأنه أدلى بتصريح المحطة الجزيرة القطرية حرم فيه اتفاق واي ريفر ورفضه ولا وضعته رهن الإقامة الجبرية في منزله كما فعلت السلطة مع الشيخ ياسين أما جريمة نتنياهو الجديدة بموافقته على بناء مستوطنة جديدة في رأس العامود في قلب القدس المحتلة وعلى مرمى حجر من المسجد الأقصى المبارك وقراره بناء ۲۰۰ وحدة سكنية جديدة في مستوطنة كريات أربع مركز الإجرام الصهيوني وقبل أن يجف حبر الاتفاق الجديد فهي أصدق مثال على أن واي ريفر ليس سوى حزمة من الأوامر مطلوب من الطرف الفلسطيني وحده تنفيذها.

 إن وقف الاستيطان الإسرائيلي هو أحد نصوص اتفاق أوسلو الذي اعتبرته مذكرة واي ريفر مرجعية لها، لكن من الذي يستطيع أن يفرض على الإسرائيليين الآن الالتزام ببنود اتفاق أوسلو هل تفعل ذلك الإدارة الأمريكية المشهودة بنسبة أم وزارة خارجيتها المتهودة بنسبة ١٢/١٠٠ أم أن دينيس روس اليهودي المتعصب الذي عينته الإدارة الأمريكية المراقبة تنفيذ الاتفاق الجديد يفعل ذلك؟ وهل يمكن للسلطة الفلسطينية أن تفعل ذلك وهي لا تتنفس إلا من رئة إسرائيلية ولا تأكل ولا تشرب إلا بما تجود عليها اليد الإسرائيلية إنه اتفاق القوي مع الضعيف كما أسماه الشيخ أحمد ياسين فك الله حبسه، وقد كنا محظوظين بحديثنا مع الشيخ عبر الهاتف قبل يومين من قطع هاتفه وفرض الإقامة الجبرية عليه في منزله حينها شدد الشيخ ياسين على أن حركته وقعت بين خيارين أحلاهما من إما تحمل الأذى والسجون من السلطة ومقاومة المحتل، وإما نقل الصراع إلى الساحة الفلسطينية وهو ما يريده نتنياهو وحكومته، وحتى هذه اللحظة اختارت حماس الخيار الأقل مرارة على الرغم من بيان التهديد المنسوب إلى كتائب القسام، لكن إلى متى يظل هابيل الفلسطيني قابضًا يده؟ فإن للصبر حدودًا- كما يقول الرئيس أبو عمار- أو كما تزعم تلك الأغنية العربية.

الرابط المختصر :