; الحرية من خلال بيان رئيس الحكومة | مجلة المجتمع

العنوان الحرية من خلال بيان رئيس الحكومة

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 14-يوليو-1970

مشاهدات 27

نشر في العدد 18

نشر في الصفحة 7

الثلاثاء 14-يوليو-1970

الحرية من خلال بيان رئيس الحكومة

بقلم : أبو محمد

اختلف الناس في تحديد مفهوم الحرية ومضمونها، بل وفي إيجاد تعريف جامع لها.

 فهمها بعض الناس على أنها الانطلاق من كل قيد أيًا كان هذا القيد.

وقال آخرون، بل إن القانون هو الذي يحدد إطار الحرية ويرسم معالمها، ولكن للأسف الشديد لم نعالج الحرية من زاوية الدين، وكانت النتيجة أننا لم نجد ضابطًا صحيحًا سليمًا للحرية.

الفاشية و الفوضوية

الذين طالبوا بإطلاق الحرية في القول والتصرف انتهوا إلى حالة من الجنون والهوس، مثلًا في السياسة طالب الفوضويون وعلى رأسهم باكونين بإعطاء الحرية ‏ للأفراد للتصرف بلا قيد ولا شرط، وطالب بإلغاء الحكومات لأنها ليست إلا سجانًا لحرية الأفراد بقدر ما تصدره من قوانين.

ثم طالب بإلغاء الجيش والبوليس، ولما طولب بوضع بديل للحكومة والجيش والبوليس قال يمكن تشكيل مؤسسات ينظمها الأفراد من تلقاء أنفسهم، وفشل باكونين وانتهى.

وعلى النقيض من هذا الرأي تقف الفاشية والنظم العسكرية والتي ترى أن الأفراد لا يقدرون مصلحتهم، والأفضل وضع أنفسهم وحريتهم رهن إرادة حاكم فرد ترشحه الظروف وتؤهله الأحداث لخدمة أمته وبسمارك وهتلر وموسوليني هم سادة هذه النظرية.. كان بسمارك يقول إذا قدمت للشعب الخبز والزبد فلتقل الديمقراطية والشيوعية ما تشاء، ونهايتهم كانت الحكم الفاصل في مفهومهم للحرية.

فشل الديمقراطية

أما النظم الديمقراطية فكان دائمًا هتافها الحرية وقد انتشر هذا النداء من فرنسا على إثر ثورتها وفي إنجلترا في شخص مجلس العموم، واستجابت له أمريكا في مبادئ ويلسون الأربعة عشر وشاعت فكرة الحرية في ظلال الديمقراطية في أغلب المستعمرات التابعة لإنجلترا وفرنسا.

ولكن هل مضمون الحرية في ظل الديمقراطية حقق المقصود منه، الواقع يقول: إن جبروت رأس المال حطم رأس الحرية بسلاح الديمقراطية، فصارت الديمقراطية لعبة الأقوياء وأصحاب النفوذ والسلطان، وفي الدول الكبرى الآن تتصارع الأحزاب متسلقة على أكتاف المنتفعين إلى كراسي الحكم حزب المحافظين وحزب العمال الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، هذا يصعد وذلك يهبط تماما مثل (مرجيحة‎) الأطفال.

 وتبحث عن الحرية فلا تجدها إلا تحت كراسي السادة أصحاب النفوذ.

والشيوعية

أما النظم الشيوعية فقد خرجت بفلسفة أن الحرية للطبقة العاملة الكادحة (البروليتاريا) فقط، لأنها تمثل غالبية المواطنين وليس للأقلية أي حق، ويقولون إن طبقة البروليتاريا داخل إطار الشيوعية تستطيع أن تبدي رأيها بمنتهى الحرية، لها أن تناقش نظم الزراع والمزارع ولها أن تناقش الدين وترفضه، ولكن ليس لها أن تناقش الشيوعية نظرية أو تطبيقًا، وكانت النتيجة أن حكم ستالين أمته أكثر من ربع قرن ولم يستطع أحد أن يعترض على تصرف من تصرفاته اللهم إلا ما فعله خروتشوف الذي لعن ستالين بعد وفاته في سنة ‎1953 وانتقم  من جثمانه فنقله من مكانه، وبعد خروتشوف تحركت ابنة ستالين لتلعن تاريخ أبيها.

وبهذه العجالة يمكن أن نقول إن الفوضوية والديكتاتورية والديمقراطية والشيوعية لم تستطع أن تقدم تعريفًا صحيحًا للحرية، ولم تستطع أن توجد لها تطبيقًا سليمًا..

سيقال وما الحرية إذن؟

الحرية في الإسلام

من خلال الإسلام الذي لا نؤمن بغيره هديًا، ونؤمن بأن مهما تطاول البشر فلن يستطيعوا التسلق إلى قمته العادلة في تنظيم شئون الحياة.

من خلال الإسلام نسأل عن الحرية، ما هي؟

هي في التزام ما أمر الله به والامتناع عن ما نهى عنه.

الحرية في العدل، ولا حرية في الظلم.

الحرية في كلمة الحق، ولا حرية في قول الزور والإثم.

الحرية في إعلان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا حرية في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.

الحرية في أن تعلن كلمة الإسلام في كل مكان، ولا حرية في إعلان كلمة الكفر.

 الإسلام أعطى حرية الاعتقاد وحرية التفكير وحرية الكلمة، ولكن وضع على هذه قيودًا رسمها الشرع الحنيف ﴿لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ﴾ (النساء: 148)

الإسلام أمر الإنسان بالتفكير والتدبر والانطلاق، دعاهم لينتشروا بعقولهم في خلق الله ليصلوا لمعرفة الخالق جل جلاله ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ۖ أن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾  (سبأ: 46)  ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (البقرة: 269).

وينعى باللائمة على الذين لا يفكرون ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ (الأعراف: 179).

● ثم إن الشريعة الإسلامية سمحت بحرية الاعتقاد وليس للمسلم أن يُكره الناس على الاعتقاد بالإسلام؛ فللمسيحي واليهودي أن يعتقد ما يشاء وقد وجّه الله تعالى هذا الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس: 99) ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (البقرة: 259).

● ثم بعد ذلك ننتقل إلى مسئولية المسلم من قول كلمة الحق وعن التضحية في سبيلها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» وقال: «الدين النصيحة. قالوا لمن؟ قال: لله ورسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين، وعامتهم. وقال: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر».

● بعد أن أعطى الإسلام حرية الاعتقاد لغير المسلم وأعطاه الحماية، وفرض على المسلم أن يفكر ويقدر حتى يصلح إيمانه، ثم أمره أن يأمر وينهى، وجعل منه لسان صدق في مجتمعه، وحثه وشجعه على قول كلمة الحق في حرية كاملة للحاكم، بعد هذا كله وضع عليه وعلى المجتمع قيودًا أوردها على حريتهم واستهدف من هذه القيود حماية حرية الناس بصفة عامة.

● جعل للدين حرمة.

● وجعل للآداب حرمة.

● وجعل للنظام العام حرمة.

● وجعل للحكومة حرمة.

● وجعل للأعداء حرمة.

كل هذه الحرمات حماها القانون الإسلامي، وحمتها الأخلاق الإسلامية، ولنضرب

أمثلة سريعة:

● ليس لمسلم أن يرتد عن دينه بعد أن أسلم القانون يقف هنا بالمرصاد ويفرض أقسى العقوبة.

● ليس للمجتمع أن يشيع الفاحشة بأي شكل من الأشكال، إعلان المنكر في الطريق، إعلانه بالكلمة في الخطب والمحاضرات العامة وإعلانه بالصورة العارية كما نراها على صفحات المجلات، وإعلانه على الشاشة مرئيًّا كما نشاهده في السينما والتليفزيون، كل هــذه التصرفات مخالفة للآداب وليس لأحد مسلمًا كان أو غير مسلم أن يمارسها؛ لأنها تضر بمجموع الناس.

● وجعل للحكومة حرمة فلا تعصى في معروف كما لا يستجاب لها في باطل، وألزم الناس بطاعتها كما ألزمهم بالنصيحة لها، وإيقافها عند حدها إذا تجاوزت حدود الحق والعدل.

● وجعل للأعداء حرمة، منهم الشيخ والطفل الصغير، إذا نبذنا إليهم في قتال لا نقتل ولا ننتهك حرماتهم، ولا نُمثّل بقتلاهم، ونجير منهم من استجار منا ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ (التوبة: 6)، ولا نقطع لهم شجرة مثمرة أو نهدم بيعهم وصلواتهم.

هذه لمحة عن مفهوم الحرية التي نادى بها الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، ولم تكن أوروبا قد فتحت عينيها على الحياة، ولم تكن أمريكا قد ولدت بعد ولم تكن ديمقراطية ولا فاشية ولا شيوعية.

 

 

الرابط المختصر :