; هندسة التأثير ... خير الأمور أوساطها (2 من 2) | مجلة المجتمع

العنوان هندسة التأثير ... خير الأمور أوساطها (2 من 2)

الكاتب د. علي الحمادي

تاريخ النشر السبت 03-يناير-2009

مشاهدات 12

نشر في العدد 1833

نشر في الصفحة 57

السبت 03-يناير-2009

استكمالًا لما بدأناه من حديث في العدد الماضي حول أن للإسلام ميزانا يزن به الأشخاص والأفعال، وهو ميزان الحسنات والسيئات، والإيجابيات والسلبيات، فإذا رجحت الحسنات على السيئات حُمدَ صاحبها، وإذا رجحت السيئات على الحسنات، ذُم صاحبها.

يقول ابن رجب الحنبلي في كتابه القواعد (ص ۳): «والمُنصف من اغترف قليل خطأ المرء في كثير صوابه».

ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام نفيس جدًّا، يتضح فيه المنهج الصحيح في الحكم على الآخرين - وخاصة العلماء والقدوات – وإثارة الشبهات حولهم، ورميهم بالاتهامات والنقائص، حتى لو أخطؤوا في بعض مسائل الاعتقاد، فيقول يرحمه الله في معرض حديثه عن «أبي ذر عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد الله غفير الهروي الأنصاري» وهو غير «أبي ذر» الصحابي، وتوفي سنة ٤٣٤هـ، وصنف مستخرجًا على الصحيحين، وهو حافظ ثقة، فقيه مالكي، غير أنه أخذ شيئًا من المعتزلة، فيقول عنه الإمام ابن تيمية في كتابه درء تعارض العقل والنقل (2/ 101- 103) ما نصه: «قلت: «أبو ذر» فيه من العلم والدين والمعرفة بالحديث والسنة وانتصابه لرواية البخاري عن شيوخه الثلاثة وغير ذلك من المحاسن والفضائل ما هو معروف به، وقد كان قدم إلى «بغداد» من «هراة»، فأخذ طريقة «ابن الباقلاني»، وحملها إلى الحرم؛ فتكلم فيه وفي طريقته من تكلم كـ «أبي نصر السجزي»، و«أبي القاسم سعد بن علي الزنجاني»، وأمثالهما من أكابر أهل العلم والدين بما ليس هذا موضعه، وهو ممن يرجح طريقة «البغوي»، و«الثقفي» على طريقة «ابن خزيمة» وأمثاله من أهل الحديث. وأهل المغرب كانوا يحجون، فيجتمعون به، ويأخذون عنه الحديث وهذه الطريقة، ويدلهم على أصلها، فيرحل منهم من يرحل إلى المشرق، كما رحل «أبو الوليد الباجي»، فأخذ طريقة «أبي جعفر السمناني الحنفي» صاحب «القاضي أبي بكر» ورحل بعده «القاضي أبو بكر ابن العربي»، فأخذ طريقة «أبي المعالي» في الإرشاد.

ثم إنه ما من هؤلاء إلا له في الإسلام مساع مشكورة وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من الإلحاد والبدع والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم وتكلم فيهم بعلم وعدل وانصاف؛ لكن لما التبس عليهم هذا الأصل المأخوذ ابتداءً عن المعتزلة، وهم فضلاء عقلاء، احتاجوا إلى طرده والتزام لوازمه؛ فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدين، وصار الناس بسبب ذلك:

- منهم من يعظمهم؛ لما لهم من المحاسن والفضائل.

- ومنهم من يذمهم؛ لما وقع في كلامهم من البدع والباطل.

وخيار الأمور أوساطها، وهذا ليس مخصوصًا بهؤلاء، بل مثل هذا وقع لطوائف من أهل العلم والدين، والله تعالى يتقبل من جميع عباده المؤمنين الحسنات ويتجاوز لهم عن السيئات ﴿والذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَان وَلَا تَجَعَلَ فِي قُلُوبَنَا عَلَا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (الحشر:10).

ولا ريب أن من اجتهد في طلب الحق والدين من جهة الرسول ﷺ، وأخطأ في بعض ذلك، فالله يغفر له خطأه، تحقيقا للدعاء الذي استجابه الله لنبيه وللمؤمنين حيث قالوا: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِن نَسِينَا أَوْ أَخْطَأنَا (البقرة: ٢٨٦)». وقال كذلك «الذهبي» يرحمه الله تعالى في ترجمة «الفُضَيْل»: «قلت: إذا كان مثل كبراء السابقين قد تكلم فيهم الروافض والخوارج ومثل «الفُضَيْل» يُتكلم فيه، فمن الذي يسلم من ألسنة الناس؟! لكن إذا ثبتت إمامة الرجل وفضله، لم يضره ما قيل فيه، وإنما الكلام في العلماء مفتقر إلى وزن بالعدل والورع». (السير:8/ 448).

(*) المشرف العام على موقع اسلام تايم الإليكتروني 

الرابط المختصر :