; جابر رزق رحمه الله | مجلة المجتمع

العنوان جابر رزق رحمه الله

الكاتب علي عبدالعزيز حسنين

تاريخ النشر الثلاثاء 28-يونيو-1988

مشاهدات 60

نشر في العدد 872

نشر في الصفحة 40

الثلاثاء 28-يونيو-1988

1- منذ عشرين عامًا أو يزيد، وفي مثل هذه الأيام أو قریب، جاءنا الأخ جابر مع طلائع الإيمان وكتائب الرحمن في سجن قنا؛ حيث كنا رحمة بنا وفضلًا علينا: ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ (الكهف:16).. ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ﴾ (يوسف:33).. ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ﴾ (الأحزاب:36) ﴿فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾..(النساء:19) ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ (البقرة:219)... ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ﴾.(الأنبياء:35).

2- عرفته وعايشته وخبرته، ليس بالدرهم والدينار، وليس من خلال السكن والجوار، وليس من ثنايا الضرب والأسفار باعتبارها من أهم وسائل الاختبار كما جاءت بذلك الأخبار، ولكن عرفته نفسًا تعرف الحب لا أي حب، وعايشته روحًا تعشق الإيثار لا الأثرة، وخبرته عقلًا قبل اللفظ ، وفكرًا في محيط النص فتهاوت عنده معايير الدنيا، وتوارت لديه مقدرات الحياة، وصار حبه لها مرهونًا بحب ربه لها وارتباطه بها ارتباط الإنسان بالوسائل لا الغايات.

3- عرفته سرورًا يدخله على إخوانه، وعايشته بلسم يعالج ما بإخوانه، وخبرته خدمات تؤدى إلى إخوانه يمشي في حاجة الناس ويكف غضبه عن الناس، ويقول حسنًا للناس مصغيًا لمحدثه منتبهًا لمخاطبيه، أصبر ما يكون لصاحبه، أسرع ما رأيت لمخاصمه كأن الله أقامه فينا شهيدًا وأوجده بين أيدينا حجة وقطع بحياته معنا العذر ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً.... ﴾ (الفرقان:20) ﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ.... ﴾ (الكهف:29).

4- لم أفاجأ بموته ولم أذهب إلى مذهب بوفاته لأنه غير المتوقع، والغائب المنتظر، ولأن الله لم يكتب الخلد أسبابه ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ (الأنبياء:34) ولكنه كتبه لأعدائه ﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ (ص:81:79) إلى يوم المعلوم ... وإنما تمثلت بالهدى النبوي حين حزن القلب ودمعت العين ونطق اللسان: «إنا على فراقك يا جابر لمحزونون».

5-إن عزاءنا الوحيد في رحيل الفقيد ما ترك من أثر دعوته، وما ترك لنا من خلف في أسرته، وهذا وذاك أهم ما يرجوه المسلم في حياته، بل كان ذلك من الأماني عند الرسل وبعض أولي العزم من الرسل، ﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾(الشعراء :84).. ﴿فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا﴾ (مريم:5) فالأول طلب حسن الأحدوثة والأثر الطيب، والثاني طلب النسل الطيب الذي يكون أهلًا له  الراية وأداء الأمانة.

6- إن الأثر الطيب للإنسان ينفعه في دنياه وأخراه، يقتدي به و ينتفع به فتكون النتيجة ازدياد الأجر لدنياه ووصول الأجر أيضًا إليه في الآخرة، مع استمرارية الأجر ومضاعفته في الدنيا والآخرة، كذلك جاءت بذلك الأخبار عن الصادق المصدوق صلى عليه وسلم: « مَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَن عَمِلَ بهَا بَعْدَهُ، مِن غيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِن أُجُورِهِمْ شَيءٌ »(مسلم:1017) أو كما قال صلى الله عليه وسلم..

- أما الخلف الطيب في الذرية فهو دليل الرضى وديوان المحبة وبشرى للأصول من خلال صلاح الروع قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ (الطور:21)... ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ﴾ (النجم41:39).. ثم هو أيضًا رافد صحيح من روافد الخير للإنسان بعد موته الحديث « إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ : صدقةٍ جاريةٍ ، وعلمٍ ينتفعُ به ، وولدٍ صالحٍ يدعو » (مسلم:1631).

-إذن فأي أثر تركه فينا؟ وأي أثر نذكره له؟ لا إن الآثار كثيرة والخلال أكثر، ولكن حسبنا أن السمة البارزة لفقيدنا والطابع الغالب على سلوكه، كل إنسان مهما كانت له من صفات إلا أنه يمتاز أنه لا تكاد تنفك عنه أو تبعد عنه حتى يعرف بها كون عنوانًا لها ، هكذا كان إسماعيل عليه السلام ذكر بالصدق كخلة رغم أنه رسول وأيضًا عيسى عليه السلام حين ذكر بالبر رغم أنه رسول وهكذا ذلك.

إن الأثر الطيب الذي امتاز به بيننا والذي تركه بعد رحيله، هو رجوعه للحق ونزوله عنده ثم الحرص عليه والتمسك به فقد كان على رأي يغاير الرأي السائد في جماعته، فلم يلبث عندما نوقش فيه واستبان وجه الحق فيه إن عدل عن رأيه لرأي جماعته ، وصار يدعو إليه ويعمل عليه وذلك طبيعة الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب كما كان الأمر مع سحرة فرعون، وكذلك الشأن مع النفر من الجن بل والذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، فهؤلاء ومن على شاكلتهم لهم البشرى والقربى والحظوة عند الله إن شاء الله. – 

۱۰- أما الخلف الطيب الذي تركه لنا فهو واضح وماثل بين أيدينا، فنحن لا نزكى على الله أحدًا، ولكن نقول على حسب تعبير القرآن: ﴿ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ﴾ (يوسف:81)... فإنا نراهم إن شاء الله عنوان اسمه وامتداد ذكره وتجسيد شخصيته ومقتفى أثره، الأمر الذي يجعلنا نقول ونلح في الرجاء «أن يجعلهم خير خلف لخير سلف» وأن يرزقهم الصبر والسلوان، وألا يحرمنا أجره ولا يفتنا بعده وأن يلحقنا به على أحسن حال». هذا وبالله التوفيق.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 121

33

الثلاثاء 10-أكتوبر-1972

نشر في العدد 1120

44

الثلاثاء 11-أكتوبر-1994