العنوان تساؤلات وإجابات (600)
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 21-ديسمبر-1982
مشاهدات 46
نشر في العدد 600
نشر في الصفحة 42
الثلاثاء 21-ديسمبر-1982
وسوسة
الشيطان لعنه الله يوسوس لي بالنسبة للوضوء وخاصة في الاستبراء من البول وأنني متأكد من عدم الرشح والبلل، لهذا السبب امتنعت عن الإمامة واكتفيت بالوعظ والإرشاد حتى أتبين الحكم الشرعي لحالتي، علمًا بأنني أتحمل مسؤولية الدعوة الإسلامية بالتعاون مع عدد من الشباب المسلم.
مسلم من الأرجنتين.
وقد تفضل بالإجابة على السؤال فضيلة الشيخ معوض عوض إبراهيم.
رئيس قسم الوعظ في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
حمدًا له وصلاة وسلامًا على سيدنا محمد رسول الله وبعد:
فيقول الله تعالى ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ (سورة فاطر: 6) وقال سبحانه: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ﴾ (سورة الأعراف: 27) حتى قال ﴿إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ (سورة الأعراف: 27).
وقد حكى الله تعالى من حماقة الشيطان في رده على الرحمن، وكيده لأبي البشر وبنيه قوله ﴿لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ (سورة الحجر: 39 - 40). والأخ السائل عن وسوسة الشيطان له في تطهره من بوله ليس -والله معه- ممن يغلبهم الشيطان على أنفسهم بالظن والدس واللبس الذي يشاغب به.. لأنه يقول: «ولو أني متأكد من عدم الأثر والبلل من...».
إن الأحكام الشرعية لا تُبنى على الظن، وحين يبلغ منا اليقين والتأكد مبلغيهما من الأخ السائل، لا ينبغي أن يداخلنا في طهارتنا أو في تصرف نبتغي رضوان ربنا سبحانه..
فالشيطان يريد بوساوسه ودسائسه أن يبغض إلينا العبادة، وأن تشق طاعة الله على عباده، وما أحسب الأخ السائل في حاجة إلى مزيد من البرهنة والتدليل على أن طهارته متحققة، وأن تنزهه من بوله قام على أوثق طرائق، وهو يذكر من حاله ما تحقق ووثق منه، فالأثر لا يخفى، والبلل شيء يدرك بيسر، لكن يقين الأخ السائل أن شيئًا من هذين لم يوجد، فلم يبق إلا الظن وهو كما قال ربنا سبحانه: ﴿وإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ (سورة النجم: 28).
وتأكدك هو اليقين الذي تبني على مثله الأحكام الشرعية، إذ استمسك بالذي وهبك الله من اليقين، وعُدْ لإمامة إخوانك مع الشباب المسلم أكثر الله من أمثالك، وربط على قلوبكم في هذه الآفاق، حتى تبقوا ألسنة الصدق للإسلام، فكل منكم على ثغر من ثغوره وكل منكم مرآة لحقائقه، وشغله دالة عليه، هادية إليه.
وبعد: فإن هذا الدين بيِّن فأوغلوا فيه برفق كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم-، فيما روى أنس- رضي الله عنه- وأخرجه الإمام أحمد في مسنده، وقد أخرج الإمام البخاري والإمام النسائي عن أبي هريرة بسندهما أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ....».
وصدق الله العظيم ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾. يقول الإمام الغزالي في كتابه «إحياء علوم الدين» في «باب قضاء الحاجة»، جـ٢ ص ٢٣٣ من طبعة «كتاب الشُعَب».
ولا يكثر التفكر لي الاستبراء بتوسوس، ويشق عليه الأمر، وما يحبس به من بلل، فليقدر أنه بقية الماء، فإن كان يؤذيه ذلك، فليرش عليه الماء حتى يتيقن في نفسه ذلك، ولا يتسلط عليه الشيطان بالوسواس...».
والشيخ سيد سابق يذكر هذا في كتابه «فقه السنة» ج ١ فيقول:
«أن ينضح فرجه وسراويله بالماء إذا بال ليدفع عن نفسه الوسوسة، فمتى وجد بللًا قال: هذا أثر النضح، لحديث الحكم بن سفيان، أو سفيان بن الحكم- رضي الله عنه- قال كان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا بال توضأ وينضح» وفي رواية رأيت الرسول- صلى الله عليه وسلم- بال ثم نضح فرجه وكان ابن عمر- رضي الله عنهما- ينضح فرجه حتى يبل سراويله.
والشيخ الجزيري- رحمه الله- في كتابه «الفقه على المذاهب الأربعة»، جـ ١ص ٩٣.
فالذي يريد الاستنجاء يلزمه الاستبراء، بحيث لا يجوز له أن يتوضأ وهو يشك في انقطاع بوله، حتى قال فواجب أن يخرج ما عساه أن يكون موجودًا حتى يغلب على ظنه أنه لم يبق في المحل شيء وهذا واجب باتفاق.
ومرة أخرى فالسائل الكريم مستيقن، والوسوسة على رضى من عمل الشيطان ونعوذ بالله من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس.. والله أعلم.
الأكل في مطعم يقدم الخمر
المطاعم عندنا كلها تقدم الخمرة هل يجوز لي أن أتناول الطعام في هذه المطاعم
مع وجود الخمر على الطاولات المجاورة؟
وبعد تحويل السؤال إلى فضيلة الشيخ معوض عوض إبراهيم أجاب فضيلته بالآتي:
إن الضرورات تبيح المحظورات، والضرورات في دين الله تعالى تقدر بقدرها، والله أعلم بنياتنا من أنفسنا، فهو سبحانه: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ وهو ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾
ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم!!
ومحاسبة المؤمن نفسه أمارة صدق دينه، وعمق يقينه، وإيمانه بأن الله يرانا، ويعلم سرنا ونجوانا ﴿وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ ، ﴿وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾
والزمان مهما اختلف، والمكان وإن تعددت مواقعه قربًا وبُعدًا لا يغيب على الله من أمرها صغير ولا كبير. ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.
وما أسعد المؤمن وهو يقول ويعمل، ويشرب ويأكل ويمضي في وجوه الحياة أخذًا وتركًا. واثقًا أن الله تعالى يعلم من خلق، وأنه أحل لنا الطيبات، وحرم الخبائث، وقال سبحانه :
﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ (سورة الأعراف: 31 - 32). والمجتمع الأوروبي، وأحياء كثيرة في عواصمنا ومدننا يختلط فيها الحابل بالنابل، يلتبس الحق بالباطل، فلا يكاد المرء السوي يخشى ربه، ويخاف ذنبه يغش مطعمًا، أو يرتاد منتدى، أو يزور مؤسسة حتى وإن كانت علمية، إلا وهو يرى ويسمع ما يوجع النفس، ويزعج الحس، ويدعو إلى النكير، والشواهد على ذلك تتعدد ولا تبعد في قريب أو بعيد.
وإذا كان المضطر يركب الصعب من الأمور وصولها كاره فيعذره الله، الذي يعلم أنه أفرغ الوسع في تجاوز هذا الصعب فإن جمهور الفقهاء، ومنهم الأحناف يجيزون أخذ ما يقيم الأود ويمسك الرمق، ويُبقي على الحياة من المحرمات حيث يقول الله تعالى: «بعد أن حرم الميتة والدم ولحم الخنزير» ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (سورة المائدة: 3)، وقال سبحانه: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (سورة الأنعام: 145).
والتردد على المطاعم في الأرجنتين أو غيرها والخمر على موائدها في هذه الحدود لا إثم عليه، ما دام لا يجد بديلًا لهذه المطاعم كتلك التي يجدها الشباب المسلم في ألمانيا وغيرها، حيث يدير المغاربة والأتراك وغيرهم من المسلمين مطاعم فيها الأكلات المتعددة وكلها من الحلال المشروع.
والأخ المخلص في الأرجنتين له من دينه ما يعصمه من إغراء الخمر وتسويل شاربيها، ووساوس شيطان الجن وشياطين الإنس الذين يخدعون رفاق الدين عن أنفسهم، ويزينون لهم الخمر وما حرم الله بخبث ودهاء لو تمثل الشيطان وتكلم ما ارتكس إلى مثل ما ارتكسوا فيه من حيل وتلبيس وتدليس فتتردد على هذه المطاعم مستحضرًا علمك بأن الله يراك.. وسارع وإخوانك إلى إيجاد بديل مشروع من هذه المطاعم، والله يعصمنا وإياك على موجبات رضاه آمين.
مصافحة المرأة للأجانب
أنا فتاة مسلمة محجبة أضطر أحيانًا إلى مصافحة أقربائي من الشباب وإلا اتهموني بالتكبر.
أرجو أن تخبروني إن كان في مصافحة القريب من الشباب مانع في الإسلام أم لا.
م م – الكويت.
وقد أجاب على هذا السؤال فضيلة الشيخ توفيق الواعي الباحث في الموسوعة الفقهية.
يظهر من كلام الأخت المسلمة أنها تريد ولله الحمد أن تتحرى لنفسها وأن تعرف حكم تصرفها في أمر المصافحة للرجال، ويظهر كذلك أن الأخت المسلمة تتأثر بالعرف الفاسد الذي يملأ المجتمعات اليوم، ولكن في الحقيقة لا بد أن يقاس العرف على الشرع فعلًا وافقه قبلنا وما خالفه غيرناه ورشدناه.
أما عن مصافحة الأقرباء من الناس، فنقول: ما درجة قرابة هؤلاء الناس؟
1- إذا كانوا محارم أي ذوي محرم، يجوز أن يُصافِح المحرم وأن يُصافَح، وما حل له النظر من محرمه حل لمسه إذا أمن الشهوة على نفسه وعليها لأنه عليه الصلاة والسلام كان يقبل رأس فاطمة. وقال صلى الله عليه وسلم «من قبل رأس أمه فكأنما قبل عتبة الجنة»، أما إذا لم يأمن الشهوة أو شك فلا يحل له اللمس، وكذلك إذا فسد الزمان وكثر الفساق في المحارم ولم يعرف الصالح من الطالح.
٢- قرابة وليست محرمًا، فهي والأجنبي سواء، فلا يحل اللمس وإن أمن الشهوة، لما في ذلك من ملامسة النساء ومن الفتنة لكل ذلك. عن معقل بن يسار- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له». رواه الطبراني والبيهقي ورجال الطبراني ثقاة، رجال الصحيح.
وقد أجاز جماعة من العلماء مصافحة العجوز للعجوزة إذا أمِنَ الشهوة كما أجاز بعضهم مصافحة العجوز للشابة ومصافحة العجوزة للشاب إذا أمنت الشهوة.
وأخيرًا نقول للأخت المسلمة الشابة التي تصافح الشباب، إذا كانت المصافحة، للشباب المحارم أصحاب الدين والورع فهي جائزة إذا أمنت الشهوة أما إذا كان غير ذلك فلا تحل المصافحة إلا بحائل مثل قفاز وما شابهه، أما التذرع بالضرورة خوف الاتهام بالتكبر، فهذا ما أهيب بالأخت المسلمة أن تتعداه إلى مرحلة الثقة بالنفس وبيان حكم الله للآخرين أو لبس القفاز عند المصافحة، حتى يتبدل العرف الفاسد ونتخطى مرحلة التقليد في العادات والأعراف ويصير في مجتمعاتنا العرف الإسلامي وهو خير ونفع للإنسانية وصيانة لها ثم من يأنف من الفضيلة أو يعيبها لا بد وأن يرشد حتى يستقيم حاله ويعرف الهداية إلى الطريق المستقيم ويتكون من جيل يعتز بالفضيلة ويقتنع بها ويدافع عنها.