; منهج ضد الإفراط والتفريط (٢ من ٣).. وسطية الإسلام وبناء حركة إسلامية فاعلة | مجلة المجتمع

العنوان منهج ضد الإفراط والتفريط (٢ من ٣).. وسطية الإسلام وبناء حركة إسلامية فاعلة

الكاتب أ.د. حلمي محمد القاعود

تاريخ النشر السبت 18-أغسطس-2007

مشاهدات 19

نشر في العدد 1765

نشر في الصفحة 52

السبت 18-أغسطس-2007

 خدام الغرب الصليبي واليهود يتخذون من المتشددين ذريعة لإدانة المسلمين جميعًا.

 التفريط والإفراط عدوان للدعوة الإسلامية وخطر عليها ووسطية الإسلام هي الطريق إلى بناء حركة إسلامية فاعلة.

 إنهم يمارسون نمطًا غربيًا في الفكر والسلوك حين يتصورون أنهم الأصح إسلامًا.

عندما نسمع المقولة المأثورة عن الإمام الشافعي -رضي الله عنه-: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب»، ندرك على الفور أن أمتنا هي أمة العقل بامتياز، فضلًا عن كونها أمة الوحي وهى الأمة الأكثر سماحة ورحابة من غيرها من الأمم.

ولكن إصرار البعض على صواب رأيه وخطأ رأي الآخرين ينبع من ضيق الأفق الذي رسخته محدودية العلم والاطلاع.

 فالذين لم يحصلوا ثروة كبيرة من العلم وعاشوا في شقاق مع القراءة والمعرفة واكتفوا بالسماع والمشافهة المحدودة، لا يحتملون آراء الغير ولا أفكارهم.

هدم للإسلام 

هذا النمط من المنتسبين إلى الإسلام يتخذهم خدام الغرب الصليبي الاستعماري واليهود الغزاة دليلًا عامًا يدين المسلمين جميعًا، ويرتبون عليه اتهاماتهم للإسلام وأبرزها: رفض الآخر، التعصب، العنف، التخلف الجهل، قهر المرأة.. إلى آخر هذه الاتهامات الباطلة.

وكان الإمام الشهيد حسن البنا -يرحمه الله- يردد مقولة قريبة المضمون من مقولة الإمام الشافعي -رضي الله عنه-: «فلنتعاون فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه».

فالتعصب للرأي ينتج فرقة وتناحرًا وخصومة لم تكن في يوم من الأيام غاية إسلامية أو مقصدًا تشريعيًا وما أحوجنا في عصر الهزيمة والانبطاح أن نجتمع تحت راية الإسلام الوسطي الذي تفضل به رب العالمين، وجعله يسرًا لا عسرًا.

 ولا ريب أن العواطف المشبوبة والمشاعر الفياضة، قد تكون من وراء التعصب الذي نراه لدى البعض، واستمساكه ببعض الآراء والأفكار، وإذا كانت العواطف والمشاعر مطلوبة للذود عن حمى الدين وحمى المسلمين، فإن توظيفها في غير مجالها يصبح عبثًا يجب التخلص منه، خاصة والمسألة تحتاج إلى وعى جاد، بالظروف الخارجية والداخلية التي يمر بها الإسلام والمسلمون.

 إن أكثر ما تعمل فيه العواطف والمشاعر هو مجال الحركة والدعوة ولا ريب أن هذا المجال يجب دعمه ومؤازرته بكل الوسائل وفي مقدمتها العواطف والمشاعر، ولكن أن تتحول إلى مستوى يُحبذ الصدام والتناحر والفرقة، فهذا أمر مرفوض.

 الحركة الإسلامية

من الطبيعي أن تكون في مجال الحركة والدعوة جماعات أو جمعيات تعمل وفق طاقاتها لنشر الإسلام والتعريف به ومعاونة المسلمين على أمور دينهم ودنياهم ولا ريب أن كل جماعة أو جمعية تسلك منهجًا يتفق مع ظروفها، وإمكاناتها، وفي كل الأحوال فإنها جميعًا تصب في بحر واحد هو خدمة الإسلام والمسلمين.

قد تخطئ هذه الجماعة أو تلك فالسلوك البشري عرضة للصواب والخطأ ومن ثم فإن واجب الآخرين الذين يرون الخطأ أن يعملوا على تقويمه بالحسنى، وتصويبه باللين وتوجيهه بالرحمة أما أساليب الاتهام والهجاء والتحريض والغلظة والفظاظة، فلا تتفق مع منهج الإسلام في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة أو المجادلة بالتي هي أحسن، وفى الوقت ذاته لا تحقق غايتها في التوجيه والتصويب والتقويم، لأن من نتهمه وتهجوه وتحرض عليه ونغلظ له ونمارس الفظاظة معه لن يتقبل منا نقدا ولا توجيهًا.. فضلًا عن كونه يسيء إلى أخوة لنا في الله والإسلام.

ذات يوم أصدر أحد علماء الدين المرموقين كتابًا يتناول بعض القضايا الإسلامية فإذا ببعض الأطراف التي لم تعجبها آراء الداعية المعروف تتناوله بالهجاء، وصدرت بعض الكتب تحمل صورة بشعة للخلاف في الرأي بين الإسلاميين، ولولا تدخل بعض العقلاء من الدعاة لحدث ما لا تحمد عقباه.

 إن هذه النوعية من المنتسبين إلى الحقل الإسلامي تمثل نمطًا سلبيًا يعوق حركة الدعوة ويقلص تمدّدها، ويشوه صورة الإسلام والمسلمين، ويعطى خصوم الإسلام والمتربصين به فرصة النيل منه ومن الدعوة جميعًا.

ثم إن بعض أطراف «الإفراط» يمارسون نمطًا غريبًا في الفكر والسلوك حين يتصورون أنهم الأصح إسلامًا والأقرب إلى الله، فيقعون في فخ العنصرية البغيضة ويرون أن قومًا هنا أو هناك ليسوا على مستوى الإسلام الصحيح، لأن بلدانهم لا تطبق الشريعة أو لا تهتم بها، وبالتالي فهم أقل درجة أو منزلة من سواهم.

 ولا شك أن ظاهرة «العنصرية»، حين يرعاها بعض المنتسبين إلى الإسلام تمسي وصمة عار في جبين المسلمين والدعوة والإسلام جميعًا، وهي ظاهرة نشأت عن قصور في الفهم، وعدم وعي بروح الإسلام في التسامح والمودة والتعاطف، نتيجة لظروف مختلفة جعلت بعض الناس يتورطون في تكريس هذه الظاهرة البغيضة، لأن العنصرية تنتمي إلى التراث الجاهلي بتجلياته المتخلفة.. ثم إن الانتماء إلى الإسلام مقدم على بقية الانتماءات.

«التفريط» و«الإفراط»، كلاهما عدو للدعوة الإسلامية وخطر عليها، ووسطية الإسلام هي الطريق إلى بناء حركة إسلامية فاعلة تسهم في زيادة الوعي الإسلامي، وشرح المفاهيم وتصحيح الأخطاء وتفنيد الأباطيل والوسطية وعاء يتسع لجميع العاملين في ميدان الدعوة بالتسامح والمودة والمناصحة بالحسني.

الرابط المختصر :