; لبنان إلى أين؟.. الحلقة الثالثة | مجلة المجتمع

العنوان لبنان إلى أين؟.. الحلقة الثالثة

الكاتب عبد الرحمن الناصر

تاريخ النشر الثلاثاء 13-مارس-1984

مشاهدات 25

نشر في العدد 662

نشر في الصفحة 28

الثلاثاء 13-مارس-1984

• مسألة الوجود الفلسطيني في بيروت الغربية يجب أن يقرره المسلمون السنة.

• حكومة العدو سهلت انضمام الدروز الإسرائيليين العاملين في الجيش الإسرائيلي إلى الميليشيات الدرزية في لبنان.

تعرضنا في الحلقة الأولى للتضليل الإعلامي الذي مارسته وما زالت تمارسه وسائل الإعلام المختلفة تجاه الرأي العام العربي والإسلامي فيما يتعلق بالقضية اللبنانية، وأشرنا إلى أن الطرح الإسلامي هو الطرح الذي يلقي الضوء على حقيقة الأحداث لاعتماده على الحقائق القرآنية والوقائع التاريخية... إلخ.

وفي الحلقة الثانية تعرضنا لموقف النصارى من خلال الأحداث والوثائق، كما تعرضنا إلى موقف الدروز، وانتهينا في تلك الحلقة إلى ماهية الثمن الذي سيُدفع مقابل الحصول على الكيان الدرزي، واليوم نتابع مواقف الدروز من خلال الأحداث والوثائق.

  • ثمن الكيان الدرزي

إن وقوع جنبلاط وطائفته ضمن الاستراتيجية الصهيونية الخاصة بتفتيت لبنان وإنشاء الكيانات الطائفية، لا يمكن أن ينفيه التمسح بالتقدمية والاشتراكية تارة أو بالانتماء العربي تارة أخرى. 

ففي حديث لجنبلاط مع راديو مونت كارلو يذكر أنه مع كونه يعارض الاتفاق اللبناني الإسرائيلي، إلا أنه يرى أن من حق إسرائيل ضمان حدودها الشمالية.

وخلال الأحداث الأخيرة ورغم التقدم العسكري لمليشياته فإنه يعلن رفضه وعدم سماحه للمقاومة الفلسطينية أو بالأحرى ما تبقى من المقاومة الفلسطينية، بالوجود في المناطق التي تسيطر عليها مليشياته.

إن تصريحات جنبلاط المتعددة بشأن المقاومة الفلسطينية وعدم السماح لها باستخدام الأراضي اللبنانية للهجوم على إسرائيل، وقناعته بضرورة ضمان حدود إسرائيل الشمالية... إلى آخر ما هنالك من تصريحات، تؤكد نوعية الثمن الواجب دفعه لقاء الحصول على الكيان الدرزي.

وتأكيدًا لهذا الاتجاه، فقد نقلت وكالة فرانس براس في أوائل الشهر الماضي عن صحيفة هارتس الصهيونية قولها إن اقتراحًا برلمانيًّا من تكتل ليكود عرض على رئيس وزراء العدو شامير يتضمن العمل على إنشاء مقاطعة درزية تكون حليفة لإسرائيل في لبنان، وذكر النائبان اليهوديان مناحم سافيدور ودان بيشون أنهما اجتمعا مؤخرًا مع بعض الشخصيات الدرزية في لبنان، واتفقا خلال هذه المباحثات على صياغة مشروع لإنشاء مقاطعة درزية وتشكيل منطقة عازلة بالنسبة لإسرائيل تمنع أي تسلل فلسطيني إلى جنوب لبنان والحدود الإسرائيلية.

وذكر النائبان اليهوديان أن الدروز تربطهم أفضل العلاقات مع إسرائيل!!

وقد كشف الكتاب الوثائقي «حرب الظلال» الذي تنشر محتوياته مجلة الوطن العربي التي تصدر في باريس، والذي قام بتأليفه الصحفيان الصهيونيان زئيف شيف وأهود يصاري؛ النقاب عن الاتصالات التي جرت بين الدروز والصهاينة، فذكر أن مسؤول الميليشيات الدرزية أنور الفطايري أجرى محادثات مع قائد القوات الإسرائيلية وبحث معه أسس التعاون بين الدروز وقوات الاحتلال، كما جاء في الكتاب أن هشام ناصر الدين الذي عُين قائد للميليشيات الدرزية قام بزيارة فلسطين المحتلة واجتمع إلى عدد من المسؤولين الصهاينة؛ لإقناعهم بضرورة زيادة التعاون مع الدروز اللبنانيين على أساس أهميتهم لا حسب نسبتهم المئوية التي لم تصل إلى 10 بالمئة.

أما جنبلاط نفسه فقد ذكر الكتاب أنه التقى مع شخصيات صهيونية مسؤولة، حيث طلب منهم تسهيل إدخال السلاح الثقيل الذي حصل عليه الدروز من السوريين بعد الغزو الصهيوني إلى مناطقهم، إضافة إلى تسهيل عملية إدخال السلاح الذي اشترته الطائفة الدرزية، كما قام جنبلاط بإرسال وفد على مستوى عال ضمن دروز إسرائيليين لإجراء محادثات مع حكومة العدو؛ لمطالبتها بالموافقة على منح الدروز في لبنان حكمًا ذاتيًّا ضمن قانون خاص بهم مقابل منع الفدائيين من التسلل إلى المناطق الدرزية والحدود الشمالية الفلسطينية المحتلة. وأكد جنبلاط في رسالته للقادة الصهاينة على ضرورة الاهتمام بتقوية الطائفة الدرزية، لذلك فإن حكومة العدو سهلت انضمام الدروز الإسرائيليين العاملين بقواتها المسلحة إلى الميليشيات الدرزية في لبنان بعد أن تم تزويدهم بالسلاح والعتاد.

  • حركة أمل

تقف حركة أمل في منتصف الطريق بين الميليشيات اللبنانية الفاعلة كالدروز والنصارى؛ أي أنها تمسك العصا اللبنانية من منتصفها، فمن المعروف أن الميليشيات النصرانية وعلى رأسها الكتائب ذات باع طويل في مسألة التنظيم والتدريب العسكري، وكذلك الميليشيات الدرزية التي تطلق على نفسها ميليشيات الحزب التقدمي الاشتراكي، وتبقى ميليشيات أمل حديثة الإنشاء والتنظيم وحتى حديثة البناء العسكري.

والميليشيات النصرانية والدرزية على حد سواء أجرت اتصالًا مباشرًا بالعدو الصهيوني وبحثت معه الاستراتيجية الصهيونية في إقامة الكيان النصراني والكيان الدرزي.

أما حركة أمل فلم يعرف أنها على صلة بالعدو أو أنها أجرت اتصالات ما بشأن الكيان الخاص بالطائفة الشيعية، سوى ما تناقلته الأنباء عن بعض الاتصالات الفردية التي تمت بين أفراد من الطائفة الشيعية وبين العدو في الجنوب لتحقيق الرغبة الصهيونية باحتواء السكان الشيعة في الجنوب اللبناني، وتشكيل ما يسمى بالجيش الشيعي يكون تابعًا بشكل أو بآخر للعدو الصهيوني، ولكن تبقى هذه الممارسات فردية ولا تعبر عن اتجاه الطائفة.

واستكمالًا لدراستنا السياسية عن القضية اللبنانية كان لا بد لنا من إلقاء الضوء على العنصر المؤثر الثالث في القضية اللبنانية، ألا وهو العنصر الشيعي.

لم يكن للطائفة الشيعية أي وجود مؤثر في الحياة السياسية اللبنانية، باستثناء التمثيل اللازم للطائفة في بعض الوظائف حسب ما حدده الدستور وميثاق 43، وكان هذا التمثيل ينحصر في العائلات الإقطاعية المهيمنة على الطائفة كعائلات الأسعد وحمادة والخليل والزين... إلخ. واستمر الوضع على هذا المنوال إلى أن جاء موسى الصدر إلى لبنان ليقوم بتحويل التوجه السياسي للطائفة وربطه بشخصه فقط مُنهيًا بذلك كل الروابط والانتماءات السياسية الأخرى، وتحول الولاء للرجل القادم من إيران. وبات موسى الصدر الرمز الوحيد للطائفة الشيعية في لبنان.

ومع أن موسى الصدر لجأ إلى لبنان في بداية الستينيات على ما يُعتقد، إلا أنه حصل على الجنسية اللبنانية وأسس المجلس الشيعي الأعلى وأصبح رئيسًا دائمًا. إلا أن الغموض كان يحيط بالصدر من جميع الجوانب؛ من حيث ظهوره في لبنان وتحركاته السريعة والمتوالية على الصعيد الطائفي والسياسي والاجتماعي... إلخ. واستمر هذا الغموض ملازمًا له حتى في اختفائه الفجائي الذي لم يكشف النقاب عنه حتى الآن! 

ومن خلال هذا التحرك السريع والواسع لموسى الصدر كان إعلانه عن إنشاء حركة أمل لتكون المليشيات العسكرية للطائفة الشيعية، وكان ذلك قبل اختفائه بأربع سنوات تقريبًا، أي أن عمر الحركة لا يتجاوز العشر سنوات.

وبعد اختفاء الصدر تحولت قيادة الحركة إلى المحامي نبيه بري الذي بدأ ينقل نشاطها إلى المناطق المحيطة بيروت، بعد أن كانت متمركزة في الجنوب! وتبقى مع ذلك قضية اختيار بري لقيادة الحركة تثير تساؤلات عديدة نظرًا لوجود العديد من الوجوه الشيعية التي تستحق هذا المركز أكثر منه!

  • مواقف أمل من خلال الأحداث والوثائق

ومع الاختفاء الغامض لموسى الصدر مؤسس أمل وتنحي حسين الحسيني عن قيادة الحركة لصالح نبيه بري المعروف بمواقفه السلبية التي تصل إلى حد الرفض للوجود الفلسطيني في الجنوب، بدأت أعداد كبيرة من أبناء الطائفة الشيعية في تنفيذ ما يشبه الهجرات المتوالية إلى بيروت الغربية وضواحيها، المعقل الأول لأهل السنة في لبنان، ثم ازدادت حركة الهجرة إثر الغزو الصهيوني عام 1982م بطريقة توحي بأن عملية التهجير تتم وفق خطط مدروسة لا يمكن أن تخفى على نبيه ورفاقه في قيادة أمل. وإذا ما أضفنا إلى هذه الهجرة الشيعية من الجنوب حقيقة أخرى تتمثل في أن غالبية الشيعة العاملين في الخارج سواء في دول الخليج العربي والسعودية أو في إفريقيا، كانوا يتوجهون لشراء العقار في منطقة الضاحية ببيروت ويتوطنون فيها، حيث تحولت المنطقة إلى غالبية شيعية وأصبحت بيروت الغربية مركز الوجود العسكري لحركة أمل، بينما انعدم هذا الوجود تقريبًا في مناطق الجنوب اللبناني، فهل تم هذا كله مصادفة؟

إن الادعاء بأن عملية التهجير وليست الهجرة تمت نتيجة ضغوط الأوضاع اللبنانية والوجود الفلسطيني ومن ثم الغزو الصهيوني للجنوب، لا يمنعنا من التساؤل عن سر اختيار بيروت الغربية بالذات، ولماذا لم يتم توجيه المهاجرين إلى المناطق الشيعية الأخرى في منطقة البقاع؛ حيث تتوفر النواحي الأمنية لوجود المنطقة ضمن دائرة الوجود السوري؟ ألم يترك هذا الوضع منطقة الجنوب اللبناني تحت رحمة الاحتلال الصهيوني المستمر؟ إن الحقيقة التي لا يمكن إغفالها تؤكد على اتجاه أمل السلبي نحو المقاومة الفلسطينية، وهذا الاتجاه لم يكن وليد الغزو الصهيوني عام 1982م وإنما كان مستقرًّا في تفكير قيادة أمل منذ إعلان موسى الصدر عن تكوين وإنشاء الحركة، فمن المعلوم أن موسى الصدر أبدى معارضته الشديدة لكثافة الوجود الفلسطيني في الجنوب، وأنه كان يؤكد دائمًا على منع التوطن الفلسطيني بحجة أن الغالبية العظمى من الفلسطينيين ينتمون لأهل السنة، وأن وجودهم وتوطنهم في الجنوب سيؤثر على الطابع الشيعي للمنطقة، علمًا بأن هذه الأمور لم يفطن إليها الجنوبيون قبل تصريحات الصدر، فهل كانت ميليشيات أمل نتيجة التخوف من الهيمنة الفلسطينية على الجنوب؟!

وإذا لم يكن هذا التساؤل صحيحًا، فكيف نفسر الموقف السلبي لأمل من المقاومة الفلسطينية قبل الغزو الصهيوني عام 1982م وأثناء الغزو وبعد الغزو؟ وكيف نفسر تصريحات نبيه بري العديدة المتضمنة عدم السماح للمقاومة الفلسطينية أو ما تبقى من هذه المقاومة بالتسلل أو حتى بالوجود في بيروت الغربية؟ مدعيًا في تصريح مشترك مع وليد جنبلاط أن أمن بيروت الغربية سيكون من مسؤولية حركة أمل بالتعاون مع الميليشيات الدرزية.

ألا يتفق هذا الاتجاه الذي ذهب إليه نبيه بري مع مطالب وأهداف العدو الصهيوني؟ إن مسألة الوجود الفلسطيني أو عدمه يجب أن يقبلها أو يرفضها المسلمون السنة سكان بيروت الغربية لأنهم هم أصحاب الرأي الأول في هذه القضية، وهذا يتفق مع المنطق اللبناني القائم على الطائفية، فكما أن النصارى لهم رأيهم فيما يخص منطقتهم والدروز كذلك، فإن الأمر في بيروت الغربية يجب أن يكون من حق سكانها السنة، إلا إذا كان مخطط التوزيع الطائفي قضى بأن ينتقل الوجود الشيعي من الجنوب إلى بيروت. وإلا فكيف استطاعت أمل الاحتفاظ بوجودها وأسلحتها في الوقت الذي فقد فيه أهل السنة كل شيء بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت وبعد مسرحية سحب الأسلحة من الميليشيات اللبنانية المختلفة؛ تمهيدًا لحل القضية اللبنانية، حيث انتهت هذه المسرحية عند الفصل الأول منها والخاص بتصفية الوجود المسلح للمسلمين السنة واستبداله بالوجود المسلح لحركة أمل؟

إن أخوف ما نتخوفه أن تعمل قيادة أمل على تثبيت وجودها واستقرارها في بيروت الغربية ومن ثم تترك الجنوب اللبناني لتبتلعه الأطماع الصهيونية، وإن تخوفنا هذا ناتج عن الممارسات والتوجهات التي أشرنا إليها آنفًا، مع الأخذ بعين الاعتبار المعلومات الصحفية التي ذكرت أن مصادر سوفيتية تؤكد على وجود اتصالات بين قيادة أمل والولايات المتحدة، إضافة إلى أن العلاقة بين نبيه بري والولايات المتحدة تتسم بالإيجابية كما كانت، فالزوجة الأولى للسيد بري ما زالت تعيش في مدينة ديترويت الأمريكية مع أولادها والسفارة الأمريكية تلبي رغبات السيد بري على وجه السرعة، وآخرها كان تجديد جواز سفر زوجته التي تحمل الجنسية الأمريكية، والسيد بري نفسه لديه إقامة دائمة صادرة عن حكومة الولايات المتحدة!

الرابط المختصر :