العنوان الداعية بين الانفتاح والانغلاق
الكاتب عادل الأنصاري
تاريخ النشر الثلاثاء 21-مارس-1995
مشاهدات 17
نشر في العدد 1142
نشر في الصفحة 50
الثلاثاء 21-مارس-1995
لا شك أن الإسلام ألزم أتباعه بقدر وافر من القيم والسلوكيات الفاضلة، والمسلم الذي أدرك قيمته في الوجود، واستيقن قلبه بقدرة الإسلام على الوصول بالبشرية إلى بر الأمان حريص كل الحرص على أن ينقل هذه القيم والسلوكيات بداية إلى حيز التنفيذ العملى على مستواه الشخصي، وذلك بأن يكون متمثلًا لهذه الصفات وتلك القيم تمثلًا واقعيًّا وأن يتحول إلى نموذج عملي لما يحمل في صدره من إيمان صادق، وما يضمه عقله من فكر واع، وإدراك سليم.
ثم تكون المرحلة الثانية بالانتقال بذلك السلوك الشخصي المتوائم مع ما تكنه الصدور إلى التأثير في الآخرين لتبني الفكر والسلوك معًا.. وبذلك يكثر سواد المسلمين المدركين لطبيعة دينهم والواقفين عند حدوده والمتمثلين لقيمه ومبادئه فنجده بين أهله الزوج الناجح القائم عليهم بما يحتاجون لا يدع واجبًا آخر ليطغى على ما لهم من حقوق حتى وإن كان عملًا دعويًّا، وبين أقاربه ورحمه الواصل غير المكافئ، وبين زملائه البشوش المبادر إلى إسداء المعروف وقضاء الحاجات.
إن هذا النموذج لا يستطيع أحد بالغًا ما بلغ أن يدعي عدم وجوده على أرض الواقع أو منافاته للحادث والملموس.
ونحسب أن أيًا منا لا بد وأن يكون قد التقى مع عدد غير قليل من البشر بهذه الصورة وعلى تلك الشاكلة.
إلا أننا نجد -رغم وجود هذه النماذج الطيبة- نماذج أخرى أدرك أصحابها ما أدركه أصحاب النموذج الأول وأيقنت نفوسهم بما أيقنوا وتخطوا مرحلة اختبار الذات فاتفقت سلوكياتهم مع أفكارهم وأفعالهم مع قناعاتهم.. إلا أنك تلحظ انكماشًا واضحًا في الوصول إلى الخلق وتبشيرهم بما يحملون لهم من خير، وحملهم عليه بالتي هي أحسن، والمتتبع للجذور والأسباب ربما لا يجد خللًا في القناعات والأفكار، بل على العكس إذا سألت هذا الإنسان وجدته مدركًا لأبعاد قضيته موقنا أن تبليغ الدعوة للناس واجب وأساس، إلا أنك إذا انطلقت إلى عالم السلوك من عالم الأفكار، وإلى عالم الأفعال من عالم النظريات تجد منطقًا آخر يعجز صاحبه عن تبريره.
ونرى أن المسلم ليخرج من دائرة الانغلاق الدعوي عليه:
• أن يدرك الثواب الجزيل الذي يغدقه رب العباد على الداعية وليتذكر في هذا قول النبي الله صلى الله عليه وسلم «لأن يهدى الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم»، «لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك مما طلعت عليه الشمس»، وهو ثواب عظيم يدفع المسلم إلى الانعتاق من الانغلاق على الذات.
• أن يدرك أن ما يقدمه من دعوة صحيحة هو إسهام مبارك في قافلة الدعوة إلى الله، وإسهام مباشر في إحياء الأمة من واقعها الذي تكالبت عليه أمم الأرض.. وأن البسمة اللطيفة واليد الحانية والكلمة الرقيقة كفيلة ببناء مجتمع إسلامي مترابط متحاب قادر على التصدي لكيد الأعداء.
• أن يجتهد في تلمس واقع الأمة والتعرف عليه من خلال قراءاته في الأحداث ومطالعته للأخبار، ونعتقد أن إحاطته بمجريات ما يحدث في بلدان الأمة الإسلامية والتحديات الهائلة التي تحتاج إلى عزائم الرجال.. نقول إن ذلك كله كفيل بتحريك الصخور الجلاميد ودفع المترددين والمنغلقين على أنفسهم من الصالحين المحبين لدينهم.
عادل الأنصاري
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل