; سياحة مع.. وليد الأعظمي في.. ديوانه الشعاع | مجلة المجتمع

العنوان سياحة مع.. وليد الأعظمي في.. ديوانه الشعاع

الكاتب أحمد محمد عبد الله

تاريخ النشر الثلاثاء 26-مارس-1974

مشاهدات 16

نشر في العدد 193

نشر في الصفحة 32

الثلاثاء 26-مارس-1974

الأدب

إعداد وتقديم: أحمد محمد عبد الله

سياحة مع.. وليد الأعظمي في.. ديوانه الشعاع

تعريف بالديوان:

الشعاع ديوان شعر للأخ الشاعر المؤمن وليد الأعظمي، ولهذا الديوان كما يقول مقدمه الأستاذ القرضاوي: «من الشعاع وضوحه وإشراقه، وله منه ضوؤه وحرارته، وله منه طهره واستقامته، استطاع فيه وليد الأعظمي أن يبلور إيمانه شعرًا هاديًا، يواجه الحياة، ويعالج واقعها في ضوء الإيمان وتحت رأيته.

ولقد حوى الديوان بين ضفتيه واحدًا وثلاثين نصًّا من الشعر تفاوتت في عدة أبياتها؛ فمنها القليلة العدد مثل «إلى اليهود» ستة أبيات، ومنها الطوال التي تجاوز عدد أبياتها التسعين كتحية الجزائر.

والمتجول بين ضفتي هذا الديوان يلمس تجربة شعرية صادقة منبعها القلب المشتعل بجذوة الإيمان، وأقول القلب لأنه مركز الصلاح والفلاح.

رحلة الديوان:

نرى وليدًا في الشعاع مثال المؤمن الصادق، فهو لا يرى زعيمًا له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يشدو باسمه فتصيخ آذان الزمان له وتسمع، وذكره يدعو الأنام إلى السلام فتصدع، ونوره يمحو الدجون ويقشع الظلمات، وهديه ينفي الذنوب عن القلوب، فيقول في قصيدته يوم الزعيم:

أنا يا رسول الله أشدو باسمكم                 فتصيخ آذان الزمان وتسمع

ويشع في الآفاق نورك ساطعًا                يمحو الدجون عن العيون ويقشع

ويدور في الآفاق هديك طاهرًا                ينفي الذنوب عن القلوب ويقرع

وزعيمه مشعل الأحرار ونبراسهم، والمقتدون به هم الذين حطموا القيود وقضوا على الظالمين، ومسحوا شقاء الفقراء، وطهروا البلاد من فساد المجرمين، ومن كزعيمه؟ لقد أقام أمة من العدم بهديه، فنشرت لواء المجد والعدل والمساواة.

بك يا رسول الله قامت أمة                              كانت بأذيال العمى تتلفع

نشرت لواء المجد فوق سمائها                      ومضت إلى عليائها تتسرع

الواقع المؤلم والصرخة المتمردة:

إن الأمة التي ينتسب إليها وليد واقعها بالغ السوء، فكأنها لم تكن وريثة خير أمة، لذلك نراه يصرخ صرخة شعرية تفتت الجوي، فلو رآها زعيمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عرفها، أو لعزف عنها، أمة أسودها تخاف الفئران، فيستثير الهمم ويبث روح العزيمة والمضاء ويقول:

ألستم بني القوم الذين بذكرهم                      تزين هام المكرمات وجيدها

فما بالكم زغتم عن الخير والهدى            كما زاغ «عاد» قبلكم و«ثمودها»

فلو أن «طه» اليوم أبصر حالنا               لقال -وهذي حالنا- لا أريدها

وحاشاه أن يرضى نبيًّا لأمة                   تخاف من الفيران أسودها

وشاعرنا صاحب فلسفة شعرية تقوم على دليل ومنهج ومعرفة؛ فدليله رسول الله عليه السلام، ومنهجه الكتاب والسنة، ومعرفته قائمة على تشخيص الداء واستلهام الدواء من الكتاب المنير والهدي النبوي الكريم.

أخي نحن رغم القيود الثقال                    سنمضي مع الموكب الطاهر

ونمشي بروح الكتاب المنير                   نضيف الطريف إلى الغابر

ونرعى الذمار ونحمي الديار                  ونعلي المنار إلى الحائر

وهدي الرسول يهز النفوس                    ويحيي المشاعر في السادر

ما الداء؟ وما الدواء؟ أمة يسومها الطغاة، ويعمها الفساد، وينهبها اللصوص، سنتها الشقاق، هذا هو الداء، أما الدواء فثورة إصلاحية، يزحف فيها الناس متكاتفين حول هدف بديع:

زحفوا على أعدائهم                     زحف الجراد على الزروع

متكاتفين يسودهم                          ويقودهم هدف بديع

هدف القضاء على الفساد                 قد استبد بکل دیع

هدف القضاء على الطغاة                وعلى كل مأفون صنيع

هدف القضاء على اللصوص             وكل سمسار خليع

هدف القضاء على الشقاق                   فإنه شر فظيع

وصلاح الأمة لا يكون إلا بما صلح به أولها: أخوة في الله، ومساواة، وغيرة على الإسلام:

فلسنا نرى الإصلاح إلا أخوة                     بها يستوي بيض الشكول وسودها

ورابطة في الله تجمع بيننا                        على نصرة الإسلام قام عمودها

ما أعظم الشبه بين وليد الأعظمي وحسان بن ثابت شاعر رسول الله في أسلوب التقريع للمنحرفين المارقين، فمهجووه معرضون عن الهداية، عباد نابليون، تاركون للدين، جاهلون كالأنعام:

المعرضون عن الهداية عنوة                         عباد نابليون والأصنام

التاركون الدين لا عن حجة                            الجاهلون جهالة الأنعام

الناطقون بحمد «شرشل» مثلما                 نطقوا بحمد «ترومن» الحاخام

وثورة وليد الأعظمي شاملة للأمة بجميع فئاتها، فنراه يتجه إلى النخبة المثقفة من الحقوقيين، فيدعوهم إلى فهم حق الله، وإرشاد الناس ليسيروا في ركاب المصلحين، ويحثهم على دراسة النظم عن كتاب اللــــه؛ لا عن كتب المستشرقين: يا حقوقيون، هذي نظم الإسلام فيها للورى عدل وإنصاف، فلا تستنكروها قد درستم نظم الغرب جميعًا فادرسوها عن كتاب الله لا عن كتب المستشرقين.

إن كتاب الله دستورنا ومنهجنا، ومحمد رسول الله زعيمنا، إذًا لا داعي لنقل القوانين الوضعية، والله الذي هدانا هو أعرف بنا قد وضع لنا دستورًا لن نضل ما تمسكنا به.

إنا لنهتف والرسول زعيمنـــــا                      وكتاب ربك عندنا دستور

والله أعرف بالعباد وشأنهم                           ولكل شيء عنده تقدير

علم، هدى، نور به وسياسة                         لم يأت إنجیل به وزبور

وما زال القرآن دستورنا، والرسول قدوتنا، فلكل حقه كما فرض الله، وأخص بالذكر المرأة فهو يدافع عنها؛ لأنها سبب وجودنا، وتدخل السعادة إلى قلوبنا، لولا النساء لما أتيت إلى الوجود تسير بينهن.

ولقد أقر الله في نص الكتاب حقوقهن، وكذاك أوصانا بحب الأمهات ولو عصينه.

وشاعر الإسلام وليد الأعظمي -كما يطلق عليه الأستاذ القرضاوي- يعلن النفير على الضعف والكسل، ويدعو للقوة ونصرة الإسلام.

فليس من الإسلام في شيء أننا                    کسالی بأطراف المساجد نقبع

فيا قومنا هبوا لنصرة دينكم                       وثوروا فلا يجدي بكاء وأدمع

ولا ينفع الحق المجرد أهله                    إذا لم يكن يحميه جيش ومدفع

لقد كان وليد في ديوانه الشعاع مجاهدًا في فلسطين والجزائر ومراكش، أذاب روحه شعرًا، وأشعل أوار الكفاح والجهاد، ولا يسعني ذكر أمثلة لذلك، فديوانه سجل لأحداث العرب في العصر الحديث.

ومما يجدر ذكره أن شاعرنا قد أدرك خطورة التربية وأثرها في الناشئة، ونسب إلى المدارس والمناهج سر تخلفنا وتفرقنا:

وقد أمست مدارسنا قيودًا                   لكيما يسكن المتحركونا

مناهجها تزيد الجهل جهلًا                وتملأ عقلنا كدرًا وطينا

يروح لها الشباب كريم نفس           فترجعه لنا غرا ضنينا

وندخلها بحب وائتلاف                 فنتركها ونحن مغرقينا

ولما كانت الحكمة وليدة التجربة والمعاناة الصادقة، نجد أن شاعرنا قد اتصف بها، ومن أحق بالحكمة من أتباع محمد عليه السلام.

وإن كان اللئيم زعيم قوم                            فماذا تأملن بأن يكونا

أتأمل أن يسود الناس عدل                         بوارف ظله يتنعمونا

وليد في شعره:

وأحسن ما أصف ولیدًا به هو قوله: بأنه ليس بالشاعر الرخو الذي يقنع بالهمس، وشعره كان صريح الغاية كالشمس، استولى على أحاسيسه حب إخوانه وشعبه وأمته.

هذه سياحة سريعة مع وليد في ديوانه الشعاع، فكان بحق شاعر الإسلام، وأرجو أن أكون قد وفقت في نقل جزء من الصورة الكلية التي رسمها في ديوانه، فالجزء ينوب عن الكل في أساليب العربية.

همسة -وإن كان وليد لا يقنع بالهمس-:

وأهمس في نهاية حديثي في أذن كل شاب مسلم أن يطلع على هذا الديوان، فسيجد أنه أحق بالاهتمام من شعراء النهود والانحراف الذين لم يفهموا مهمة الشاعر في الحياة إلا أنها عبث ولهو، وإني لأهيب بالدارسين والنقاد المخلصين أن يعطوا شعر الشعاع عناية تنشر نوره وتبث عبيره.

خليل محمد أبو ملال

الرابط المختصر :