العنوان أوغندا لؤلؤة إفريقيا سقطت في أيدي النهب والمجاعة
الكاتب عبدالله أبو حميد
تاريخ النشر الثلاثاء 26-أغسطس-1980
مشاهدات 12
نشر في العدد 494
نشر في الصفحة 36
الثلاثاء 26-أغسطس-1980
عاصمة أوغندا صارت مسرحًا للنهب والسلب والدعارة!
-عيدي أمين الملاكم طبق قواعد اللعبة على السياسة!
-عهد أمين -على ما فيه- كان خيرًا من عهد يُسرق فيه الناس في الطرقات ويُقتلون كالذباب!
-مأساة أوغندا في وقوفها ضد أطماع الاستعمار العالمي ومؤامراته!
في البداية هذه اللقطات:
- وصف موظف أوغندي كبير منطقة «كاراموجا» بأوغندا بأنها أصبحت مسرحًا لأشياء فظيعة؛ حيث لا يوجد بها غذاء، وينتشر فيها المجرمون، ويموت الناس فيها كالذباب بعد الانقلاب!
- اثنان من الصحافيين الفرنسيين قطعا المسافة بين كمبالا والحدود الكينية، وكانا يدفعان الرشاوَى عند كل نقطة تفتيش لكي يتركوهما يمران.
-طالب أوغندي كان يدرس الزراعة في ألمانيا الغربية، استولت الجمارك على كل ما كان معه من أغراض عندما عاد، والعجيب أنه كان مسرورا بذلك! لأنهم تركوه على قيد الحياة!
- أمام بعض المنازل ينزل رجال من السيارات ويأخذون ما فيها ويشحنونها، سواء وجدوا السكان فيها أم لا.
- العصابات من بقايا الجيش السابق تسرق قطعان الماشية وتنقلها إلى الصومال؛ حيث تبيعها بثلاثة أضعاف ثمنها!
- أحيانًا يأكل سكان كاراموجا الفواكه البرية والأعشاب وجذوع النباتات، ولأن فيها مواد سامة فإنهم يسقطون ضحايا كالذباب!
- يموت يوميًّا أكثر من ٥٠٠ ضحية للجوع في الوقت الذي يتاجر فيه أعضاء الحكومات بالمساعدات الدولية للجياع!
- الفنادق صارت مباءة للدعارة والشرب، لأنها أصبحت مأوى للجيش الأوغندي ورجال الأعمال الذين يعملون في التهريب، والتجار الهنود الذين طردوا من قبل على أيدي عيدي أمين، والجنود التنزانيين المحتلين.
-أكثر من ٥٠٠ ضحية للجوع يوميًا!؟ في أوغندة !؟
العودة إلى عيدي أمين:
كانت الفقرات السابقة بعض جوانب الصورة المعتمة في أوغندا اليوم، التي يسيطر عليها خليط من بقايا الجيش الأوغندي ومؤيدي الرئيس الأسبق ميلتون أوبوتي وعناصر الجيش التنزاني المحتل.
ولمعرفة الدوافع الخفية للأعمال البشعة والعمليات العنيفة التي تعم أوغندا وخاصة العاصمة، والجوع الذي يضرب «كاراموجا»، علينا:
العودة إلى البداية، مع عيدي أمين دادا الذي ارتبط اسمه وما زال بأوغندا، هذا الرجل الذي وصفه أحد الدبلوماسيين بقوله: «إنه رجل بسيط جدًّا، يجد حلولًا بسيطة للمشكلات المعقدة التي تعترض إدارة دولة عصرية، إن وضعه أشبه بوضع رئيس قبيلة انتُزع من غابته ودُعِي إلى إدارة دولة عصرية».
كان لعيدي أمين شهرة سابقة لكنها محدودة، فقد كان بطل أوغندا في الملاكمة فيما بين عامي ١٩٥١ و١٩٦٠م، وتبدأ شهرته العالمية منذ استولى على السلطة في كانون الثاني سنة ۱۹۷۱م بتأييد من جنوده الذين قتلوا ضباطهم وحملوه إلى الرئاسة في الوقت الذي كان فيه رئيس الدولة «ميلتون أوبوتي» خارج البلاد.
ومن هنا تبدأ الملحمة الطويلة في الصراع على أوغندا، فما أسبابه ودوافعه؟
عناصر الملحمة:
عيدي أمين الملاكم أراد أن يطبق قواعد اللعبة على السياسة، فوجه ضربات مباشرة إلى خصومِه، وكانت ضربات قوية لكنها لم تكن القاضية، لذا استعدى عليه بعض خصومه العالم كله.
وخاصة أنهم يملكون وسائل إعلام ضخمة. وأول هؤلاء الخصوم:
الغرب الاستعماري:
أول ما تحرش الملاكم ببريطانيا الدولة الاستعمارية العجوز، فهاجم حكومتها وطرد جميع الرعايا البريطانيين من بلاده.
وكان قد طرَد الآسيويين الذين كانت تدعمهم ويسيطرون على معظم اقتصاديات أوغندا، وقد اضطروا إلى الهجرة لبريطانيا فسببوا لها أزمة كبرى، وقد احتجز أمين أكثر من ۲۰۰ بريطاني واشترط بعد ذلك للمصالحة أن «يحمله البريطانيون على أكتافهم لعدة كيلومترات» وبالفعل، فقد طاف أمين في شوارع العاصمة على محفظة يحملها ٤ بريطانيين، وحذر سكان كامبالا من التعرض لرعايا بريطانيا لأنهم تحت حمايته.
ولكن الإنجليز الذين قبلوا مرغمين بهذا الحل عن دهاء، لم ينسوا لأمين هذا الإذلال المرير فتابعوا حملة الدسائس عليه، إضافة إلى الولايات المتحدة التي غضبت لاحتجاز رعاياها حتى يقابلهم أمين ويشكرهم على عملهم في بلاده.
إلى درجة أنها استنفرت قواتها البحرية على ساحل إفريقيا الشرقية، وسلطت عليه الصحافة حملة عنيفة مركزة على تصرفاته الشخصية بطريقة لا تخلو من سخرية فكاهية.
2- إسرائيل:
من الغريب أن يكون أمين الذي أجرى بعض التدريبات العسكرية في إسرائيل نفسها، أن يكون أول زعيم إفريقي يقف بجرأة ضد إسرائيل ويندد علنًا بظلمها الواقع على العرب، ويدعو العالم إلى وضع حد للعدوان الإسرائيلي الذي يهدد السلام الإفريقي والعالمي بالخطر.
وكان بذلك أول من طرد الخبراء الإسرائيليين من بلاده، ثم قطع علاقاته معها، فكان لذلك وقعٌ شديد في إسرائيل لأنه شجع من جهة أخرى بقية الدول الإفريقية على قطع العلاقات مع إسرائيل. ومن اقتراحاته نقل جميع الإسرائيليين من فلسطين إلى بريطانيا لأنها هي المسؤولة عن إقامتهم فيها. وهذا الموقف شدد من الحملات الإعلامية ضده بتأثير من الصهيونية العالمية! وزاد في حركة الدسائس والمؤامرات عليه، وازداد التوتر بعد حادث مطار عنتيبي المشهور الذي نفذه الكوماندوس الإسرائيلي.
3- الجيران الأعداء:
فرَّ الرئيس السابق أوبوتي إلى تنزانيا مع ۲۰۰۰ من جنوده الفارين، ومن هناك وبمساعدة نيريري الصليبي المتعصب ذي الميول اليسارية، بدأت المؤامرات تتخذ شكل غارات على الحدود المشتركة.
وعلى سبيل المثال الغارة القوية لأنصار أوبوتي عام ۱۹۷۲ وردَّ أمين بقصف جوي لبعض المدن التانزانية، ولكن التآمر لم يقف حتى وصل ذروته بالهجوم العسكري المدعم بالقوات التانزانية على أوغندا، فسقط حكم عيدي أمين في مطلع عام ۱۹۷۹.
وكذلك فإن لدولة كينيا المجاورة يدًا في التآمر على أمين، ولكنه يبقى دورًا محدودًا، كما أن أمين اتهم زامبيا بالتخطيط لاجتياح أوغندا.
حقيقة المأساة:
من المؤلم أن يستعين بعض الناس بجيش غريب يحتل بلادهم ليتخلصوا من أعدائهم السياسيين.
وهذا ما حصل في أوغندا، فقد سيطرت القوات التانزانية على الوضع بحكم عددها وتنظيمها، وراح العملاء الصغار يتقاتلون فيما بينهم، ولم تمضِ فترة حتى أُقيل يوسف لولي أول رئيس بعد الغزو، وجاء جود فري بن عيسى ثم أُقيل بانقلاب عسكري.
وهكذا عادت الفوضى والانقسامات وجرت الأحداث العنيفة التي أتينا بأمثلة صغيرة عنها في بداية المقال.
فلماذا جرى ما جرى! لقد كان عيدي أمين ظاهرة جديدة في السياسة الإفريقية؛ فقد كان شجاعًا وجريئًا، ولكن خطأه الوحيد الذي لم يُغفر له أنه وقف ضد الاستعمار العالمي والصليبية والصهيونية، وحتى ضد الشيوعية العالمية، وكان إلى ذلك رجل مؤمن.
وقد صرح مرة بقوله: «أنا لا أخاف إلا الله». وقد شجع المسلمين ودفعهم إلى أخذ حقوقهم، ومن هنا كانت خطيئته المميتة حسب رأي الاستعمارية العالمية، ومع ذلك استمر في حكمه ثماني سنوات كانت أفضل -مهما قيل- من الوضع المخزي الذي تهوِي فيه أوغندا اليوم تحت سيطرة العملاء والمحتلين!!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل