العنوان رقعة الشطرنج - على هامش ما حدث في حلب: التعهر الإعلامي في الوطن العربي... إلى أين؟؟
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 03-يوليو-1979
مشاهدات 11
نشر في العدد 452
نشر في الصفحة 50
الثلاثاء 03-يوليو-1979
نعم إلى أين؟؟ فالمسالة الإعلامية مسألة شديدة الحساسية في هذا العصر وفي كل عصر، وفي هذا البلد وفي كل بلد، نعم.. إنها مسالة شديدة الحساسية:
فالإعلام- كما يفترض أن يكون- هو وجه الأمة الحقيقي.
الإعلام.. هو الفعالية الناطقة بواقع هذه الأمة.
الإعلام.. هو (عرض حال) في أصله الوظيفي- لمطالب هذه الأمة.. إلخ مما هو كثير وكثير.
لكن:
- إن تكون الإدارة الإعلامية وسيلة تزييف وبلبلة ونفاق.
- إن تكون فعالية أجهزة الإعلام ناطقة بلسان الوكالات اليهودية والاستعمارية المعروفة.
- وأن تكون الأجهزة الصحفية والإذاعية اللاقطة عملة محكورة لبعض الأجهزة الثورية المزيفة في حكومات بعض البلدان العربية.
- وأن تكون أداة للتزييف وتزوير الوقائع ونقض العهد التوظيفي في -عرضحال- هذه الأمة كما يمليه الواجب والدين والضمير.
- أن تكون أجهزة الإعلام كل هذا وذاك.. مما يخرجها من مهمتها الحقيقية.
كل هذا يجعل أجهزة الإعلام في مهمة هي أقرب إلى ما يسميه العالم المتحضر بـ (التعهر الإعلامي) منها إلى أن تكون هي الناطق والمترجم الصادق لواقع هذه الأمة وحقيقة شأنها.
هذا قد يسأل سائل وهو يطلب مثالًا للعهر.. أو للتعهر الإعلامي الحاضر.
وتأتي الإجابة في لفت النظر إلى الطريقة التي حاول الإعلام العربي أن يبرز بها مسألة مدرسة المدفعية في مدينة حلب السورية، حيث إنه برزت للمراقبين عدة أمور مخزية توحي للإنسان بأن مهمة الإعلام -في معظم- قد دخلت في باب التعهر فعلًا، كيف ذلك؟؟
أولًا- الاعتماد المفتعل على وكالة أجنبية:
فالأخبار التي نقلت عما حدث في مدينة حلب -ونسبت إلى الإخوان المسلمين- نقلت جميعها من وكالة -رويتر-.. ورويتر هذه كما هو معلوم وكالة إخبارية غربية تخضع للنفوذ اليهودي من خلال جميع رسائلها ومكاتبها المتواجدة في أمريكا وأوروبا، والذي يراجع ما نشر في الصحف العربية يومي السبت والأحد 23- 24 يونيو يجد أن المصدر الناقل هو تلك الوكالة المشبوهة، فلماذا يا ترى؟
ثانيًا: الاقتصار على الناطق الحكومي الرسمي:
فالذي يراجع جميع ما كتبته الصحف العربية عن حادث حلب، يجد أن كل الأقوال مسنودة إلى ناطقين حكوميين فقط، علمًا بأن الحكومة السورية هي واحد من خصمين كما حاولت الصحف أن تصور، وهي تفترض في الأصل أنها تقدم خدمة قومية للجانب النصيري الكافر في حكومة البعث السورية، ونقل الخبر من مصدر حكومي، مع إمكانية وجود مصادر أخرى تكشف حقيقة ما جرى يخرج لصحافة العربية عن مهمتها الحقيقية ويدخلها في حيز العبودية والنفاق للحكومات المتغطرسة، فضلًا عن أن وحدة المصدر تجعل الشك في الخبر محمولًا فيه.
ثالثًا: التخطيط والتناقض في رسم الصورة:
لقد أرادت وسائل الإعلام العربية والأجنبية أن تخدم الحكومة السورية فيما تريد فأوقعها الحماس الشيطاني في المحظور الصحافي.. وهو التناقض في القول:
فقد نسب الفعل إلى الإخوان المسلمين الموجودين في سوريا.. ثم الموجودين في أوربا ولا سيما ألمانيا الغربية، ثم نسبته وسائل الإعلام نفسها إلى تجمع إسلامي ضم الإخوان المسلمين وحزب التحرير -وتنظيم المجاهدين- وحزب الدعوة والدعاة، وحزب جند الله و... ثم خرجت إحدى الصحف لنسبه إلى فعل عالمي أكبر منسوب لمنظمة تسمى -بلدر بيرغر-، ثم أعادت تلك الصحيفة في اليوم التالي نسبة الفعل إلى شراذم صغيرة -كما عبرت- موجودة في حلب.
وخلال كل هذه النسب المتضاربة تارة والمتناقضة تارة أخرى يجد الإنسان رائحة الفعل العسكري تفوح من الأخبار نفسها فرأس العملية -على حد ما قالت أجهزة الإعلام- ضابط عسكري برتبة نقيب، وصف بأنه عنصر بعثي شريف، كان يدرس العقيدة البعثية، وبعض عناصر العملية عاملون في الجيش السوري النظامي كما نقلت رويتر وغيرها، ترى لماذا إذًا يصر الإعلام على طمس الوجه العسكري لعملية.
ترى.. أليس هذا التناقض والتخبط الإعلامي ناتج عن محاولة الأطراف الرسمية في سوريا إخفاء حقيقة ما حدث، وإن الذي حدث هو واحدة من ردات الفعل العسكرية المتمردة على الحكم النصيري الكافر.
رابعًا: مسألة ضعف الأمانة الإخبارية:
ففي مساء السبت 23- 6-1979م- أي بعد الإعلان السوري عن بيان وزير الداخلية المفتري، -أعرب دبلوماسيون عرب خبراء بالتطورات في سوريا عن الشك حول قول سوريا إن جماعة الإخوان المسلمين المكرسة لمحاربة النفوذ الغربي على الإسلام هي المسؤولة عن الحادث-.
هذا خبر التقطته في بيروت وكالة رويتر بمثابة تعليق دبلوماسي -عربي- على ما حدث في سوريا ، وقد وصل الخبر إلى جميع الصحف العربية والمحلية في الليلة نفسها... ولا ندري لماذا أصرت الصحف العربية والمحلية على حذف هذا المقطع، علمًا أنه مبثوث ضمن المسلسل الإخباري الكاذب الذي نقلته الصحف عن رويتر، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن جريدة الوطن الكويتية تفردت في عدم حذف هذا المقطع، فضلًا عن المقطع الآخر الذي حذفته كل الصحف أيضًا، والذي تتساءل فيه الوكالة قائلة:
«ولم يتوفر تفسير القيام جماعة الإخوان المسلمين المعادية عادة للغرب بالعمل كعميلة للولايات المتحدة أو إسرائيل».
إننا ندعو وسائل الإعلام العربية إلى تحري الصدق في نقل الوقائع وإلا فإن مهمتها سوف تظل مهمة للشيطان والتعهر.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل