; المجتمع التربوي عدد 1843 | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع التربوي عدد 1843

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر السبت 14-مارس-2009

مشاهدات 34

نشر في العدد 1843

نشر في الصفحة 50

السبت 14-مارس-2009

قصة شاب مدمن ألبس والديه تاج العار.. الأب مصل والأم لم تترك فريضة صلاة قط!

لا يُسأل عما يفعل..

في لحظة ضعف تمنت أمه من قلبها أن يموت.. وكانت تدعو الله طوال اليوم ليحقق لها ذلك.. لكن تقدير الله كان في أمر آخر!

لقد تعلمت الأم درسا بليغا وهو أن تعرض شكواها في أي أمر على الله ولا تعرض هي حلا بل تترك الأمر كله له سبحانه وتعالى

تزوجت صغيرة السن، وترعرعت وهي ترتوي من مودة ورحمة، وقد جبلهما الله في قلب زوجها ، وشاركته حياته وحتى دراسته، فأنهيا معا الدكتوراه، كل في تخصصه وأصبحت أستاذة بالجامعة بفضل الله، ثم بمعونة هذا الزوج الأصيل، وهي التي زفت إليه ولم تحصل بعد على الشهادة الثانوية، وأنجبت منه ينابيع سعادته أولاداً وبنات وقد حرصت على أن تمتع نفسها بكل مرحلة عمرية يمر بها أولادها، وصبت جم اهتمامها على تعليمهم، بل تفوقهم، فكان هذا الأمر يشغل جل وقتها.

سمية رمضان أحمد

وسارت بهم سفينة الحياة وعيناها لا تريا سوى مؤشر درجات أبنائها، وحصدت ما زرعت تفوقاً دراسياً باهراً لباكورة إنجابها ، ثم لأخته التي تليه حيث سارت في فلكه، ثم .. ثم.. وآه من ثم.. ولدها الثالث انحرف عن مسار الدوران في فلك أحلامها ولم يكتف بانخفاض مؤشر درجاته، بل أحاط به أصدقاء السوء، فأحاطت به الخطيئة وأصبح من مدمني المخدرات، تعرف على أنواعها وأصنافها، وكيفية تعاطيها بدلاً من أن يتعرف على منهج دراسته وعلى كيفية بر أمه وأبيه اسودت الدنيا أمام عينيها. وتزلزلت الأرض من تحت أقدام زوجها وانشقت السفينة، وبدأت المياه الغزيرة تعمد إلى إغراقها، فانحرفت عن هدفها وبدأ من فيها يستغيثون، وأخذت الأفكار تعصف بها في كل اتجاه، وبدأت تستعين بمن وصلوا إلى أعلى الدرجات في الكثير من التخصصات التي يمكن أن تجد فيها العون للخروج بولدها من هذا المستنقع المدمر فسمعت عجباً: أحدهم قال لها : بالتأكيد ولدك لم يجد الرعاية الكافية ولا الحنان المطلوب، فكان فريسة سهلة لهذا الضياع. أخذت تضرب كفاً على كف، فقد كان أولادها هم حياتها، لم تبخل على أي منهم بحنان ولا عطاء. وآخر قال: لابد أن الوالدين بعيدان كل البعد عن الله، فكان الولد لهم مقلداً.

استعرضت حياتها وتعجبت!! فهي لم تترك فرض صلاة قط، بل كان زوجها في إمامته لها يكثر من الركوع والسجود ويطيل فيهما أحياناً كثيرة، كانت تتقي الله في أرحامها وكذلك زوجها كان مع أرحامه وكانت الصدقات تخرج منها ومن زوجها عن طيب خاطر.

لقد شعرت أنها في حاجة إلى جمجمة كبيرة تحوي كل ما خلق الله من عقول لتفهم ما ترى، وأصبحت تردد دوماً : لماذا؟.... لماذا؟ .. لماذا ولدي بالذات يصبح من المدمنين؟ لماذا يتسبب في انكسار أبيه، هذا الرجل المصلي؟

لماذا البسني وإياه تاج العار؟ ماذا فعلنا لنستحق كل ذلك؟ وانهالت أسئلتها هذه على من حولها ولكن دون إجابة، ولما أن يئست تماماً من الحصول على إجابة منهم شافية بدأت تحاول أن تجدها في حوار مع الله تعالى. فأسلمت نفسها إلى كلمات العلي القدير محاولة أن تتفهم ما تتلوه لعلها تستريح، فوجدت إجابة لسؤالها الملح مسطورة بالكتاب العظيم، وبدأت الآيات في مؤسساتها والتهدئة من روعها فكأنها لأول مرة تقرأ : ﴿وَكَيۡفَ تَصۡبِرُ عَلَىٰ مَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ خُبۡرٗا﴾(الكهف)، فقالت: إن إلهي عالم بي، وبالتأكيد ما أصابها في ولدها أمر لا تعلم هي حكمته، فهدأ روعها قليلاً، ومزقت استقالتها، فقد كانت تنوي الانسحاب من عالم الأستاذية، إذ سألت نفسها : كيف تعلم الطالبات في الجامعة وابنها - كما يقولون وصل إلى ما وصل إليه بسببها ؟! إن الآية أذابت حيرتها، وحررتها من أسر لومها لنفسها، لقد أيقنت أن هناك أموراً لا تعرف لها سبباً سوى إرادة الله وحكمته التي لابد من التسليم بها وإليها، ومن هذا المنطلق يبدأ التفكير ومحاولة الوصول إلى حل وتعاونت الآيات في إيجاد مخرج لها وهي تراها لا حول لها ولا قوة ولا تستطيع لهذا البلاء دفعاً ورفعت الآيات من عزيمتها فمع قوله تعالى: ﴿وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا﴾(الفتح)، اتجهت بكل إخلاص وصدق إلى هذه القوة المهيمنة القادرة وقالت لولدها بيقين من حديد: «إنك تستعين بالشيطان وانا استعين بالله»... 

بدأت بدعاء المضطر المستشعر قرب الله منه، وجعلت لها لقاء منتظماً مع الله والناس نیام، تدعوه بأسمائه الحسنى، وترجوه رحمته التي كتبها على نفسه أن ينقذ فلذة كيدها، وبدأت الأيام، فالشهور تمر، والولد على حاله وهي تزداد قرياً من المولى ولا تيأس أبداً من عفو الله وكرمه. 

وكانت تعد الطعام بنفسها، وتنزل إلى الفقراء لتطعمهم، وكانت تضع الفاكهة في البراد في أيام القيظ، وتقوم بنفسها بإيصالها إلى الفقراء، وهي من كانت تمتلك من الخدم الكثير، وتتلذذ عيناها وهي ترى المحتاجين سعداء شاكرين.

أخذت كذلك تكثر من الأعمال الصالحة وتسأله تعالى أن يتقبلها منها ويجعلها جسراً يتشبث بها ولدها من النار التي سقط فيها وكاد أن يصل إلى الدرك الأسفل منها. تعلمت أن ما هي فيه من الممكن أن يكون ابتلاء وليس عقاباً، ولعل الله يريد أن يرفعها إلى مرتبة المحسنين بصبرها. 

﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰبِرِينَ ﴾(محمد : ۳۱).

فگفت عن الشكوى وكفت عن ترديد ماذا وماذا واعتاد لسانها على قول: «الحمد لله على كل شيء».  وفي لحظة ضعف تمنت من قلبها أن تكون نهاية بلائها في حل تتصور هي أن فيه الإنقاذ لكل أفراد أسرتها وهي أن يموت هذا الولد، نعم فموته فيه حياة لهم جميعاً. فكانت تدعو طوال اليوم ثم تدخل على حجرة ولدها وهو في أحضان إبليس، تتمنى لو انقطع الهواء عن الوصول إلى رئتيه، ثم هداها الله أن تدعو له بالهداية، وهي لا تصدق كيف يمكن أن يهتدي هذا الضال الذي يسحب بضلاله كل أفراد الأسرة إلى هاوية لا يعلم عمقها سوى الله. 

وأخيراً وبإرادة الله وإذنه، وفي الوقت الذي أراده الله سبحانه وبالكيفية التي شاءها سبحانه بجلاله تحدث مواجهة بين مجاهدين في بلد ناء بعيد وبين معتدين غاصبين، وتتتابع الأخبار لكن ولدها مشلول الفكر غائب عن كل شيء، قد حبسوه في حجرة صغيرة معزولة ينتظرون قضاء الله فيه.

وفي صباح أحد الأيام لم يجدوه في حجرته بل ولا في المنزل برمته، لكنه ترك ورقة صغيرة تعلمهم بسفره إلى هذه البلدة المجاهدة، لعله يمحو عنهم عاره، ولعل الله أن يتقبله وصدم الجميع، فحتى الولد في طريق هدايته يأبى إلا أن يسبب لهم المشكلات، فكيف ذهب؟ ومع من ...؟ هكذا كان سؤال المحققين، ولكنها إرادة الله نفذت على الجميع، وتوالت الأيام، وهم لا يعلمون عنه شيئاً وتحت ضربات المدافع، ومع أهوال الحروب، كانت تنسج هدايته بعلم الحكيم الخبير، ومع سماع تكبيرات الله أكبر ومع انتظامه في صفوف الصلاة للعلي الكبير استطاع.. نعم استطاع أن يفك سلسال الإدمان الذي سلكه عدة سنوات، وأفاق أخيراً.

فلعل أنه قد وصل دعاء ورجاؤها واستغاثتها والدته إلى عنان السماء فكانت مظلة الله له هي الأمان، وأثلج الله قلب أمه التي أيقنت أن الله قد أحاط بكل شيء علماً، وقدرة وحكمة وارتاعت الأم حين تصورت لو كان الله استجاب لها عندما ألحت في موت ولدها، وكيف سيكون حال ولدها وقتئذ وقد توفي على معصية، وكيف سيكون حالها هي، وهي تظن أن ولدها في النار.

حمدت الله وتعلمت أن تعرض شكواها على الله ولا تفرض هي حلا تراه هي فيه الإنقاذ، بل تستودع كل شيء عند خالقها فهو المتصرف بحكمة، وتعلمت أن الغيب طالما أن الرحمن قد حجبه عنا فلابد لنا من التسليم والرضا بقضاء الله. كانت أياماً عصيبة، بل من أحلك الأيام التي مرت بها في حياتها، ولكنها صاحبت آيات الله فيها، وتيقنت أن الدنيا كلها تسير وفق ما تريد، وترسم بلا مفاجآت، بل إن الأمر كله برمته بيد الله يصرفه كيفما شاء وأراد.

أهذا ما يرضي نبينا؟..

اطلبي من «محمد » يا خاله!!

بكت بحرقة وحسرة تأثراً بما سمعت وأخذت تمسح دموعها التي تسيل على خديها، فقد كانت قراءة الشيخ لآيات الله تعالى قراءة ندية يتخللها صوت خاشع وصمت مهيب وجو روحاني، في جمع من الأخوات يحضرن الصلاة معها في ذلك المسجد، وكانت تلك الليلة الطيبة من ليالي القدر العظيمة في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، وأتبعها شيخنا الجليل بالدعاء لكل المسلمين والمستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها...

الدعاء عبادة سامية لا يجوز صرفها لغير الله عز وجل ولو كانت لرسوله ﷺ.

الأخذ بالأسباب المشروعة يجب أن يقترن بالدعاء ولا يحق لنا التواكل وانتظار المعجزة بلا سعي أو تعب

النبي يسند الأمر كله لله وحده ولا يملك الهدى أو الضلال ولو كان الأمر بيده لهدى عميه أبا طالب وأبا لهب

إيمان مغازي الشرقاوي

كان حزني لأجل أختنا كبيراً، إذ كان بكاؤها مؤثرا ومريرا، وحق لها أن تبكي فقد كانت تبكي كالكثيرات من النساء غيرها فهي تبكي زوجها الذي استشهد، وبيتها الذي هدم وأرضها التي احتلت.. تبكي الأعراض التي انتهكت والنساء اللاتي ترملن والأطفال الذين يتموا .. تبكي الأجساد التي مزقت والأشلاء التي بعثرت والدماء التي سالت وما زالت.. تبكي الحقوق التي هضمت والمواثيق التي بدلت والأماني التي ضيعت .. تبكي أولادها الذين تفرقت بهم السبل وحالت دون الوصول إليهم الحدود المفروضة والمعابر المسدودة، والعدو المتربص تبكي.. وتبكي... وتبكي.. لو جلست تعد ما تبكيه أو تحصيه النضبت الدموع، أو سالت كينبوع حاولت أن أعيش حالها في تلك اللحظات لأشد من أزرها وأقوي ضعفها ببعض كلمات الله التامات، فإذا بإحدى الحاضرات ممن حولنا قد تطوعت وانسلت إليها دوننا، ونظرت لدموعها وهي قائمة بيننا، وألقت على سمعها بضع كلمات ظنت أن فيها مما تعاني أختها خلاصها، وأن هو هذا مفتاح نصرها فقالت لها : اطلبي من محمد يا خالة!

أما أن أوان التغيير؟

وهالني ذلك الموقف من تلك الناصحة وسكت لساني عن المناصحة، وارتج قلبي وأحيط بي وأصبت بفاجعة، وتساءلت في نفسي: أهذا ما يريده محمد ﷺ أهذا ما يريده رسول الله ﷺ منا ؟! أهذا ما يسر نبينا ويجعله يفاخر بنا ويحبنا؟ لقد أصابتني تلك الكلمات بدوار في عقلي وإن لم يظهر وأعيتني وإن لم أمرض، فقد أيقنت أن الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ﴾(الرعد: ۱۱)، وقد كنت بذلك تماماً موقنة .. وتساءلت في نفسي: هل هذه هي مقومات النصر التي حثنا عليها نبينا ، وتأكدت أننا في حاجة لتغيير قلوبنا، فهل أن لنا أوان التغيير ذاك؟؟ حتى نقول للخالة الطيبة لا تبك يا خالة وكفكفي دمعك، واطلبي كشف الضر من رب محمد صلى الله عليه وسلم.

ولست الآن بصدد الحديث عن التوسل بالنبي ﷺ أو الاستغاثة به، فذلك من اختصاص أولي العلم من علمائنا الأفاضل وقد أفاضوا فيه وبينوا جزاهم الله خيرا ... لكني ألقي الضوء على بعض النقاط المهمة لهذه الأخت الفاضلة ولمن كان يظن معها أن هذا هو غاية حبنا لنبينا وسبيل استرجاع أرضنا.

أولاً : لقد ربى النبي ﷺ أصحابه في مدرسة النبوة الخالدة على أن يلجؤوا إلى الله تعالى بالدعاء، ويطلبوا كشف الضر من ربهم وحده عند البلاء، فها هو ابن عباس رضي الله عنهما يتلقى منه الدرس مشافهة ويحكي لنا ذلك فيقول : كنت رديف النبي ﷺ فقال: «يا غلام - أو يا عليم - ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟ فقلت: بلى فقال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله قد جف القلم بما هو كائن فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا» (رواه أحمد).

وها هو يقول لأسماء بنت عُميس رضي الله عنها : «أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عند الكرب - أو في الكرب - الله الله ربي لا أشرك به شيئاً» (رواه أبو داود).

لذا فلا عجب أن نجده يعلم كل فرد من أفراد أمته سؤال الله وحده واللجوء إليه سبحانه وتعالى: لأنه كاشف الضر وحده فيقول لنا : ما أصاب مسلما قط هم ولا حزن فقال: «اللهم إني عبدك وابن أمتك ناصيتي في يدك ماض في حكمك، عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وأبدله مكان حزنه فرحا (رواه الحاكم). وحين سأله أصحابه وقالوا: يا رسول الله ألا نتعلم هذه الكلمات؟ قال: بلى، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن».

ويقول أيضا : «دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت »(رواه البخاري), ونراه عليه الصلاة والسلام إذا نزل به هم أو غم يسارع فيناجي ربه قائلا: «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث»(رواه الحاكم).

ويدعو عند الكرب ويقول: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب الأرض ورب العرش الكريم»(رواه مسلم). 

ثانيا: ولأن الدعاء عبادة والعبادة لا يجوز صرفها لغير الله عز وجل فقد علمنا النبي ﷺ ذلك أيضا بأفعاله كما سبق وأن دعا إلى ذلك بأقواله، لذا فإن طريقته العملية في التعليم والتوجيه لا تقل عن سابقتها في المنزلة والأهمية، ومن ذلك:

- أن نبينا محمدا كان يطلب النصر من الله ربه ومولاه، قال الإمام أحمد كما جاء عن عمر بن الخطاب قال: «لما كان يوم بدر نظر النبي إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة فاستقبل النبي ﷺ القبلة وعليه رداؤه وإزاره، ثم قال: اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبداً، قال: فما زال يستغيث ربه ويدعوه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فرداه ثم التزمه من ورائه، ثم قال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك»، فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل: ﴿إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ﴾(الأنفال)، ﴿قُلۡ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ لَكُمۡ ضَرّٗا وَلَا رَشَدٗا﴾(الجن)..

- ونبينا محمد وهو نبي مرسل ورسول مقرب يسند الأمر كله لله وحده ... ويكرر أنه بشر لا يملك لأحد الهدى أو الضلال، ولو كان الأمر بيديه لأمن عمه أبو طالب وكذا أبو لهب .. وقد قال تعالى أمرا له أن يبين ذلك للناس ليكتمل إيمانهم وتصح عقيدتهم ويكلوا أمرهم كله لله فيما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه لا لأحد من البشر: ﴿قُلۡ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ لَكُمۡ ضَرّٗا وَلَا رَشَدٗا﴾(الجن), أي إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي، وعبد من عباد الله ليس إلي من الأمر شيء في هدايتكم ولا غوايتكم بل المرجع في ذلك كله إلى الله عز وجل. ويقول له: ﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَٱسۡتَقِيمُوٓاْ إِلَيۡهِ وَٱسۡتَغۡفِرُوهُۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡمُشۡرِكِينَ﴾(فصلت : ٦). أي وجهوا وجوهكم بالدعاء له والمسألة إليه.…ومع مقام النبوة الرفيع أدبه ربه عز وجل وعلمه ليصل إلى أعلى مقامات العبودية التي هي شرف عظيم، فأمر حبيبه أن يعلن على الملأ أنه مع كل هذا الفضل بشر لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا : ﴿قُلۡ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٞ وَلَنۡ أَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلۡتَحَدًا﴾(الجن), فأخبر عن نفسه أيضاً أنه لا يجيره من الله أحد أي لو عصيته فإنه لا يقدر أحد على إنقاذي من عذابه، ولن أجد من دونه ملتحدا ) : أي لا ملجا ولا نصير ولا ولي ولا موئل، ﴿قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي نَفۡعٗا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ وَلَوۡ كُنتُ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ لَٱسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ ٱلۡخَيۡرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوٓءُۚ إِنۡ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ وَبَشِيرٞ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ﴾(الأعراف). إذ النفع كله والضر بيد الله وحده، ونبينا ﷺ لا يفعل ولا يقول إلا ما يأمره به الله عز وجل، ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ , إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ﴾(النجم).

- ونبينا محمد هو القائل لأصحابه الأبرار ولنا من بعدهم: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده فقولوا : «عبد الله ورسوله» (رواه البخاري).

- وهو ﷺ - بأبي هو وأمي - هو القائل لأصحابه يعلمهم ويغرس فيهم العقيدة الصحيحة والتوحيد الخالص لله عز وجل: «إنه لا يستغاث بي إنما يستغاث بالله عز وجل»(رواه الطبراني). وذلك حين قال بعضهم لبعض قوموا نستغيث برسول الله ﷺ من هذا المنافق. 

ثالثاً : أن للنصر مقومات وأسباباً لا بد أن تتعانق مع الدعاء ولا تنفك عنه بحال، فلا يحق لنا أن ندعو ونجلس انتظارا لحدوث معجزة بلا سعي منا ولا كد ولا تعب، وقد قال من قبل عمر بن الخطاب و لمن فعل مثل ذلك: «إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.. فالحق لا بد له من رجال يطالبون به وينتزعونه انتزاعا ونحن مأمورون بالأخذ بأسباب النصر مادية كانت أم معنوية مع حسن التوكل والثقة ودعاء الله عز وجل أن يحققه لنا ويرزقنا إياه، وحين نعي ذلك ونفهمه سيأتي النصر كما قال عز وجل في كتابه : ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ﴾(محمد), نعم.. وسيأتي النصر متى انتصرنا على أنفسنا الأمارة بالسوء، فنصرنا دين الله وأقمناه بيننا وفي بيوتنا ومع الناس من حولنا ... ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾(الحج), ولسوف يحل بساحتنا إن صرنا من جند الله المخلصين الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، الذين يتخذون من رسول الله ﷺ المثل والقدوة، فيتأسون به في أخلاقه، ويكون كل منا مسلما بحق يحمل على عاتقه هم هذا الدين، وينافح بكل ما يستطيع من أجل إعلاء كلمته بماله وقلمه ولسانه وجهده ووقته ونفسه في سبيل هداية الناس ودلالتهم عليه، فتم النصر حينئذ والغلبة قال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ سَبَقَتۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلۡمُرۡسَلِينَ , إِنَّهُمۡ لَهُمُ ٱلۡمَنصُورُونَ , وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ﴾ (الصافات).

الرابط المختصر :