; عوائق التوبة «٢» | مجلة المجتمع

العنوان عوائق التوبة «٢»

الكاتب د.عبدالحميد البلالي

تاريخ النشر الثلاثاء 29-سبتمبر-1987

مشاهدات 28

نشر في العدد 836

نشر في الصفحة 49

الثلاثاء 29-سبتمبر-1987

واحة الإيمان 

٤- الغفلة:

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» (۱).

فهو يغفل عن رقابة الله عليه حين اقترافه لهذه المعاصي، والرقابة متى ما غابت عن مسلم ضعف سیره ومال إلى الكسل والجمود، مما يجعله لا يتحرج من القيام بأعمال مخلة بالتوبة، وهذا يؤدي به إلى عدم استحداث أعمال تعينه على التوبة، لهذا يذكر الإمام ابن القيم أن من علامات «اتهام التوبة» «جمود العين، واستمرار الغفلة وألا يستحدث بعد التوبة أعمالًا صالحة لم تكن له قبل الخطيئة» (٢).

فالأعمال الصالحة بمثابة الوقود للسيارة، لا يمكن أن تسير من غيره فلا تنفعها النظافة الخارجية وألوانها الزاهية من غير وقود، وكذلك التائب إذا غفل عن استحداث أعمال صالحة، فإنه يحكم على نفسه بالتوقف الحتمي عندما ينتهي زاده القديم الذي لم يجدده ويزيده، وهذه الأعمال لا يمكن أن تنتج دون استشعار رقابة الله الدائمة عليه في كل لحظة وخطرة وخطوة ولفظة في النوم واليقظة وفي السكون والحركة.

٥- عدم تغيير الأصحاب:

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» (۳) وهذا يعني أن الإنسان لا بد أن يتأثر بمن يلازمه ويصاحبه، إما تأثرًا إيجابيًا وإما تأثرًا سلبيًا، فإن كان الذي يخالطه صالحًا جاء التأثر إيجابيًا، وإن كان العكس جاء التأثر سلبيًا. فإذا لم يستبدل أصحاب المعصية بأصحاب الطاعة، فأنى له أن يحجز نفسه عن دائرة التأثير السلبي التي تأتيه من أصحاب السوء الذين يخالطهم، فهذا يستهزئ بالتزامه، وآخر يذكره بليالي الماضي الحمراء، وآخر يتكلم أمامه مع صديقته، ويتحدثون أمامه بمغامراتهم في بلاد الغربة، ولا يسمع منهم كلمة واحدة يذكرون الله فيها، ولا يصل إلى أذنيه إلا السب والشتيمة وسقط القول، فكم سيصمد مثل هذا التائب، ومدافع المعصية تصوب نحوه ليل نهار من أبالسة الإنس والجن، ولا يجد من يذكره بالله؟؟!

لقد رأينا من أمثال هؤلاء الكثير، الذين لم يحبوا تغيير أصحابهم بعد أن هداهم الله، ورفضوا السير مع الصالحين بسبب شبهات تربوا عليها من الإعلام المعادي للتوجه الإسلامي، فكان مصيرهم السقوط بعد أن هداهم الله بل السقوط أكثر مما كانوا عليه.

كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في ما أخرجه الإمام البخاري واصفًا جليس السوء بكير الحداد «وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك أو تجد منه ريحًا خبيثة» (٤) وقال على رضي الله عنه «لا تصحب الفاجر فإنه يزين لك فعله، ويود لو أنك مثله» (٥) وينقل المناوي قول البعض «إياك ومجالسة الأشرار فإن طبعك يسرق منهم وأنت لا تدري وليس إعداء الجليس جليسه بمقاله وفعاله فقط بل بالنظر إليه، والنظر في الصور يورث في النفوس أخلاقًا مناسبة لخلق المنظور إليه» (٦).

٦- نسيان الموت والخاتمة:

يشعر بمشقة كبيرة عندما يحاول الالتزام بتوبة نصوح فكلما التزم اشتاق إلى ماضيه وعاد إليه يغريه الأمل والعافية التي يرفل فيها، فيمني نفسه ويقنعها بالتسويف يومًا بعد يوم، ذلك لأنه ينسى الموت الذي لا يخبر بموعده أحدًا، فيفجؤه وهو غافل فيختم له بخاتمة السوء، إنه ينسى هذه اللحظات الخطيرة من حياته، وإن نسيانها من أكبر العوائق التي تعيق البعض من التوبة الصادقة.

(۱) أخرجه مسلم (۱۰۰) کتاب الإيمان.

(۲) تهذیب مدارج السالكين ص ١٢٥

(۳) (٤) (٥) (٦) فيض القدير ٥٠٧/٥

الرابط المختصر :