; لماذا قالوا إن الشريعة الإسلامية مستحيلة التطبيق؟ | مجلة المجتمع

العنوان لماذا قالوا إن الشريعة الإسلامية مستحيلة التطبيق؟

الكاتب الشيخ محمد أبو زهرة

تاريخ النشر الثلاثاء 21-أبريل-1970

مشاهدات 19

نشر في العدد 6

نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 21-أبريل-1970

لماذا قالوا إن الشريعة الإسلامية مستحيلة التطبيق؟

حديث جامع للشيخ أبو زهرة

ثمة شيء «فريد» أحس بفقدانه كلما دعيت لمحاضرة.. أي محاضرة، هذا الشيء «مغلق»، وتزداد «كثافة» القلق مع اكتمال الحضور: المقاعد تمتلئ، والمحاضر يتهيأ، و«الحضور» يميلون للصمت رويدًا.

هذا تجمع من أجل «الاستماع» وبعد ساعة أو أكثر، سينصرف كل في طريق.. ماذا بعد كل هذا «التراكم»؟! وماذا يربط هؤلاء الحضور؟ وماذا يفرقهم؟

فكرت أن بعضًا من الكلمات التي قلناها والتي سنقولها، ربما هي نفسها تحركت بها شفتا الرسول الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، ولربما أبو بكر أو عمر أو عثمان أو علي -رضي الله عنهم أجمعين- وهنا عدت «للشيء الفريد» المفتقد.

 وتساءلت: ترى هل تعبر كلماتنا عن أعماقنا؟
 ها هو المقرئ يفتتح «المحاضرة» بسؤال قرآني صميمي ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ (سورة آل عمران: الآية 83)
ترى ما هي الإجابة؟ في صلب الآية نفسها يعرض سبحانه حقائق الموقف ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ (سورة آل عمران: الآية 83)

توضيح للذين يبغون دينًا غير دين الله: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ (سورة آل عمران: الآية 85).
 المحاضر: الشيخ محمد أبو زهرة

▪        أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة 

▪        المكان: قاعة المحاضرات بجمعية الإصلاح الاجتماعي، شارع المغرب العديلية الشرقية.

 

الشريعة رحمة:

 بدأ الشيخ أبو زهرة محاضرته بالآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ (سورة يونس: الآية 57)، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (سورة الأنبياء: الآية 107)  

 ورحمة رسالة محمد –صلى الله عليه وسلم- هي في شريعته، وقد سعد الذين عاصروا محمدا، وسعد الذين عاصروا صحابته. سعدوا بتنفيذ الشريعة وقد استمرت غلالة الرحمة حتى تمزقت الأمـة الإسلامية.

هبطت علينا أول الأجواء الإفرنجية في عهد السلطان سليمان القانوني، ومن ثم أخذت تتزايد حتى اشتد الوباء، وفي عهد إسماعيل في مصر كانت قمة التدخل الأوروبي وبذلك أخذ نور الشريعة يخبو مع حاجة الناس الماسة إليه.
وفي مرحلة ثانية بدأ الذين قاموا بالدراسات الأوروبية في التهجم على الشريعة، وكنت أستمع لإحدى الندوات القانونية، قال فيها المتحدث أن الشريعة الإسلامية مستحيلة التنفيذ، فقلت: ألا يكفي أننا أهملنا الشريعة وتركنا رحمة ربنا؟! والسؤال الآن هو: «لماذا قالوا إن الشريعة الإسلامية مستحيلة التطبيق؟»

▪        الأمر الأول: ادّعوا أن الشريعة مزيج من الفتاوى والأقضية مبثوثة في الكتب، ولا يمكن استخلاصها.

▪        الأمر الثاني: أن الشريعة عقيدة وعبادات، ولقد اختلطت العبادات بالمعاملات فكيف نستخلص منها قانونًا؟

▪        الأمر الثالث: أننا لو أخذنا بالحدود فقطعنا يد السارق ورجمنا الزاني، لاستنكر علينا ذلك «الضمير الإنساني!» ﴿ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ (سورة الأحزاب: الآية 4)

 فلننظر في هذه الشبهات التي لا ترقى لمستوى الأدلة:
 أولا: قولهم أن الشريعة فتاوى لا يمكن أن يُسْتَخْلَص منها قانون، دليل يحمل في داخله دلیل بطلانه.

 قالوا يكفي تطبيق قانون الأحوال الشخصية، ولكن ألم يؤخذ من فتاوى وواقعات وصلح للتطبيق، وعملت بها المحاكم الشرعية قديمًا والمحاكم الوطنية حديثًا؟!

▪        القانون الإنجليزي: ثم ألم يكن القانون الإنجليزي مجموعة من المبادئ والأقضية، وإنه لا يُدَوَّنُ منه إلا ما يقتضي تنظيمًا قانونيًا؟!

ثم ألا يمكن أن يكون قانونًا من هذه المبادئ؟ أليس ذلك أيسر من ترجمة قانون دخیل؟!
لقد مكثت مصر ثلاثة عشر عامًا وهي تضع قانونها، وتتكفف قوانين من الهند والسودان، للاتحاد السويسري للاتحاد اللاتيني.

وإذا أُعْطِيَت هذه السنوات نفسها للمجتهدين، لوصلوا لقانون مأخوذ من الشريعـة خير من هذه القوانين.

▪         مجموعة قدري باشا: لقد سبق أن دونت قوانين من الفقه مثل: مجموعة محمد قدري باشا، فقد دون من مذهب أبي حنيفة ثلاثة كتب:

 ۱ - کتاب قانون العدل والإنصاف في الأوقاف.

2- وكتاب مرشد الحيران.

3 –  وكتاب الأحوال الشخصية.
 كتب لا تقل في أحكامها عن صياغة القانون المدني القديم، ولا أبالغ فأقول والجديد أيضًا.

▪        مجلة الأحكام العدلية: قيل عن عباراتها إنها غير صالحة، مع أنها أبين من العبارات الموجودة في القانون المدني القديم والجديد.

 ولنضرب مثلا: فمجلة الأحكام تقول: إذا كان في عقد البيع تقرير يكون البيع باطلًا، وإذا كان فيه لا يكون بباطل.

▪        القانون الجديد: يقابلها في القانون المدني الجديد: إذا كان البيع تحت تأثیر هوى جامح، أو شهوة ملحة يكون العقد باطلًا.

فما مقياس الهوى الجامح؟ هل هذه رواية أم قانون؟ نص مجلة الأحكام أشد إحكامًا، أما أحكم ما ورد في القانون المدني الجديد فهو: الجزء الخاص بإساءة استعمال الحق، ووجدتها مأخوذة من كتاب الموافقات للشاطبي بالنص تقريبا!

▪        مجمع البحوث الإسلامية:

 لقد كونت لجنة من القانونيين المخلصين للشريعة ومن بعض الفقهاء والمسلمين، وكونت لكل مذهب لجنة، وبذلك أخذت المذاهب الأربعة يتكون لكل منها قانون.

 فإذا كان المذهب السائد في الكويت المذهب المالكي اختارت هذا القانون، وإن كان المذهب الحنبلي سائدًا في الحجاز قدمنا لهم قانون هذا المذهب.

 

الشريعة عقائد وأحكام عملية

يقولون الشريعة الإسلامية عقيدة ومعاملات وحدود، ونقول الشريعة الإسلامية عقائد وأحكام عملية. فالعقائد لا نقول خذوها وقننوها، أما الأحكام العملية مثلا: الزكاة. فلتكن جزءًا من القانون لأنها في الأصل قانون يعمل بها.
 ولا نتصدى للعقائد والعبادات إلا في أمرين:

 ۱ - في حماية العقيدة، فلا يتهجم أحد عليها.

 ٢ - في الحمل على أداء العبادات. فلا يُتْرَك شخص يخالف العبادة جهارا في الطرقات، كالمفطر في رمضان جهرًا، وكأن يعلن شخص أنه لن يدفع الزكاة، فهذا يُعَاقَب حتى يدفعها.

 

 تاريخ الأمة ينبعث من صدرها

 الشبهة الثالثة: يقولون لماذا نطرح الاجتهاد العملي المعاصر لاجتهاد قديم؟

والرد أنه إذا كان القانون اجتهادًا، والشريعة اجتهاد. فالاجتهاد المنبعث من تاريخنا والمختلط بمجتمعاتنا هو الأولى والأنجح في العلاج.

▪        أبو قراط:
 فكما يقول أبو قراط: كل مريض يُدَاوَى بعقاقير بلاده. وكما قال الإمام جمال الدين الأفغاني: إن تاريخ كل أمة ينبعث من صدرها. فإن كان ثمة اجتهادات إحداهما نابع من بلادنا والآخر دخيل فإنه أولى بالاتباع الاجتهاد المنبعث من أعماقنا .كما أن اجتهادهم منبعث من قانون نابليون والرومان، أما اجتهادنا فمن كتاب الله وسنة رسوله وأعمال الصحابة، فإن لم نجد اتجهنا للاجتهاد.

▪        النصوص تتناهى والحوادث لا تتناهى:
ومن ضمن الحجج التي يوردونها: أن النصوص تتناهى والحوادث لا تتناهى. وكان ينبغي أن يذكر قائل الحجة من أین اقتبسها؟ وما مناسبتها؟ لقد أخذها من كلمة الشهرستاني في كتابه الملل والنحل لإثبات القياس.

«قال: إن القياس أمر لا بد منه لأن النصوص تتناهى والحوادث لا تتناهى» فكان يسوقها لإثبات القياس، أخذها قائل الحجة ليهمل بها النص!

 والقياس هو إلحاق أمر غير منصوص على حكمه بأمر آخر منصوص على حكمه. فالإمام الغزالي لم يعتبر القياس أصيلًا فقهيًا قائمًا بذاته بل اعتبره  والذين يشرحون القانون المدني يقولون من طرق التفسير القياسي.

 والذي أود أن أقوله أن فقهاءنا ليسوا مجتهدين، هم مقلدون. فالمجتهد هو الذي يفسر مستقلا.  فمثلا: أبو حنيفة كان يجتهد لأن له أصولًا يبنى عليها، وكذلك كان الشافعي.

 أما فقهاؤنا -مع احترامي لهم- هم ناقلون مقلدون. أقصى ما أسميهم به أن أقول مجتهدين في المذهب.

▪        وزير العدل:
 رعى الله وزير العدل إذ أطلعني على هذا القول لأحد القانونيين، قال: قطع اليد، وجلد الزاني  هذا يستنكره الضمير الإنساني، ويجب أن نكون متلائمين مع الأسرة الإنسانية. فنقول لإخواننا القانونيين لأن هذا لسان حالهم، وهنا أحب أن أقول إن مناقشة الآراء لها طريقتان:

1-أن نأخذ مقدمة الدليل ونناقشها.

2- أن نأتي بالنتيجة، ونبين بطلانها.

▪        الأغلبية العالمية:
 وأنا أختار أن أناقش النتيجة، فما دام لا يرضى عنا الضمير الإنساني فيجب أن تُلْغَى العقوبات، ونلغي توحيدنا بالله؛ لأن الأغلبية العالمية لا تؤمن بالله ولا رسوله، بينما المسلمون كقطعة من النور في وسط الظلام.

فهل نترك عقيدتنا لأجل الكثرة الكاثرة؟ ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّه (سورة الأنعام: الآية 116).

 

الخلط بين العقائد والأحكام

يقولون لماذا نخلط بين العقائد والأحكام؟

▪        علة تحريم الخمر: إن العلة إن وجدت عمت، فإذا كانت العلة في ترك الحدود إرضاء الضمير العالمي، فبالتالي يجب أن نُسْقِطَ كل ما يرضي الضمير العالمي! يعرف هذا الذين يدرسون المنطق وأصول الفقه، فإذا قلت أن علة تحريم الخمر الإسكار، فيجب أن أعمم فيكون كل ما فيه إسكار فهو حرام . فإذا كان علة إلغاء الحدود لإرضاء الضمير العالمي فيجب أن نسير إلى المدى، ونقول يجب أن نبتعد عن التوحيد.

▪         الضمير: فما هو الضمير الذي نجعله مقياسًا للوجدان؟ هذا الضمير قد يمتلئ بالمفاسد ويكون ممن «زين له سوء عمله فرآه حسنا»، فهل نجعله هو المقياس وهو خاضع للشهوات والأهواء؟! الضمير الأميركي رضي بتعذيب السود تعذيبًا شديدًا، والضمير الإنجليزي والفرنسي رضي أن يكون اللاجئون في العراء!

فهل تخضع الشريعة لهذه الأوضاع وإلا خرجنا خارج الدائرة الإنسانية؟  إن الشريعة هي التي تفرض حكم الله على الأوضاع. نقول للقانونيين «أتخشون الناس والله أحق أن تخشوه؟!» الضمير الإنساني ضمير حكم عليه الشيطان واستولت عليه الأهواء !

▪        شيوخ يَدَّعون الإسلام: القانونيون تعلموا كلمات الله من شيوخ يُحْسَبُون على الإسلام . قالوا أن الحدود أمرها هين، فالنبي -ص- قال ادرأوا الحدود بالشبهات، والنبي تساهل في الحدود، فمنع إقامتها  أثناء الحرب، وعمر تساهل في الحدود في عام المجاعة.. كلام صحیح، ولكن يبنون على ذلك أن تتساهل في حدود الله في ملابسات الزمان.

 والآن لننظر فيما قاله الرسول -ص-  وما ثبت عن عمر، لكن هل يؤدي هذا إلى التساهل المطلق في الحدود؟ لا.. المقصود ألا يُقام الحد إلا إذا ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه.

▪        حكم الإعدام: إذا قال قانون ألا يصدر حكم الإعدام إلا باتفاق «الدائرة» المكونة من ثلاثة قضاة، فهل يعتبر القانون في هذه الحالة لا يريد إصدار حكم الإعدام أم أنه لا يريده إلا إذا امتنع القضاة الثلاثة؟!

▪        منع الحد في الحرب: هذا معناه تخفيف في العقوبة. فهل التخفيف يقتضي نبذ العموم؟ الجواب: لا.

▪        يُقَال أن عمر أسقط حد السرقة في عام المجاعة، والقصة أن غلمان حاطب ابن أبي بلتعة سرقوا ناقته و ذبحوها وأكلوها فجيء بهم إلى عمر -رضي الله عنه-  الذي قال فيه الرسول  -ص-: إن الله كتب الحق على لسان عمر.

سألهم فاعترفوا، فأحضر الشفرة ليقطع أيديهم، وتذكر أن حاطب يُجيع غلمانه، فغرَّمَ حاطب ضعف ثمن الناقة، وأعفى الغلمان. فهل هذا إسقاط للحد أم أن ظروف إقامة الحد غير قائمة ؟!

لقد وجد الغلمان في حالة جوع، ولا اختيار لجائع!

▪        حكم حالة الجوع: ومن  المقررات الإسلامية أن من يكون في حالة جوع شديد إذا أخذ مال غيره لا يعد سارقًا، فإذا كان اثنان في بادية و مع أحدهما زاد «يَفْضُل» عن حاجته، والآخر لا زاد معه ويُخْشَى عليه الموت له أن يأخذ الزاد من أخيه ولو بالقتال. فإذا تقاتلا فقَتَلَ الجائع  من معه المال فلا دية، وإذا قتل صاحب المال الجائع اقْتُصَّ منه (بإجماع الفقهاء).

▪        حالة المجاعة: وإذا كان المسروق قوتًا، فهناك شبهة الجوع، فلا يُقَامُ الحد.

إن الله ينادينا من وراء الغيب «تلك حدود الله فلا تعتدوها، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه»

ونكتفي في هذا العدد بهذا القدر من هذا البيان العلمي الرائع، ومع لقاء آخر العدد القادم.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

حَديث صَريح للشيخ محمد أبو زهرة

نشر في العدد 2

859

الثلاثاء 24-مارس-1970

أقوال خالدة

نشر في العدد 5

15

الثلاثاء 14-أبريل-1970

غُربَة الإسلام

نشر في العدد 50

25

الثلاثاء 09-مارس-1971