; حكومة المحافظين البريطانية والسياسة العدائية | مجلة المجتمع

العنوان حكومة المحافظين البريطانية والسياسة العدائية

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 21-ديسمبر-1982

مشاهدات 24

نشر في العدد 600

نشر في الصفحة 34

الثلاثاء 21-ديسمبر-1982

  • بريطانيا التي أوجدت «إسرائيل» في قلب الأمة.. ما زالت تنظر بعين العطف على الدولة اليهودية

  • تصريحات تاتشر تؤكد أن نظرة بريطانيا بالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي مرتبطة بالنظرة الأمريكية.

  • الضغط على المصالح البريطانية في المنطقة هو الكفيل بتغيير سياستها.

‏السياسة البريطانية التي ارتكبت وزر الجريمة في قلب العالم الإسلامي منذ أن أصدرت وعد بلفور عام ‎١٩١٧‏ بإنشاء كيان يهودي في فلسطين.. هذه السياسة ما زالت ترتكب الوزر تلو الآخر.. حتى دعا حجم العداء البريطاني لأمتنا بعض المسؤولين العرب، وأجهزة الإعلام العربية إلى التنديد بالسياسة البريطانية والتحذير من مغباتها ومن التحذيرات العربية للساسة البريطانيين ما أدلى به وزير الإعلام السعودي محمد عبده يماني الذي ندد بموقف بريطانيا من استمرار تعاطفها مع الكيان الصهيوني على حساب العرب، ودعا الوزير كافة الدول العربية إلى اتخاذ إجراءات فعالة ضدها.

وهنا يمكن أن نطرح سؤالًا؟ 

ماذا تريد بريطانيا بهذه السياسة العدائية..؟

‏لا ينكر أحد أن لبريطانيا علاقات قديمة بالمنطقة وهي علاقات استعمارية بحتة تركت وراءها جروحًا لم تندمل وجروحًا تنخر في جسد الأمة الإسلامية، ولم يجن أحد من الجرائم والمحن والمصائب مثل ما جنت بريطانيا على عالمنا الإسلامي، وأفظع جريمة خلفتها لنا هي إنشاء الكيان الصهيوني، ولعلنا نرى أنفسنا مدفوعين للتذكير بالجريمة البريطانية بسبب الصلف البريطاني الجديد الذي تمارسه «تاتشر» ضد القضبة الفلسطينية.

‏فقبيل مغادرتها الهند في زيارتها الأخيرة لها عام ‎١٩٨١‏ صرحت في مؤتمر صحفي لها: إن سياسة حكومتها على المستوى الدولي تقوم على دعم الجهود الأمريكية القائمة على الاستعداد لمنع التوسع السوفيتي في منطقة الشرق الأوسط وعلى المساهمة في القوات الخاصة بالتدخل السريع ثم على المساهمة في حل مشكلة فلسطين بالنسبة للسياسة البريطانية في الدرجة الثالثة من حيث أولويات العمل الدولي، مع أنها هي التي أوجدتها منذ أن أصدرت وعد بلفور، وهذه الأولويات تمثل أخطاء قاتلة للسياسة البريطانية في المنطقة؛ لأن حكومة تاتشر نظرت إلى هذه الأولويات بطريقة عكسية مغايرة لأماني شعوب المنطقة. 

وتاتشر صرحت أثناء لقائها الأخير مع الرئيس الأمريكي ريجان «أن هناك حاجة ملحة إلى وضع سياسة دفاعية جديدة فيما وراء حلف الأطلسي وعلينا أن نمنع السوفيات من التدخل في المناطق الحيوية «الخليج» التي تمس مصالح الدول الأعضاء في الحلف» وهذا يشير إلى اهتمام السياسة البريطانية المتركز في حماية مصالح الحلف الأطلسي، أما آمال العرب وآلامهم فإلى الجحيم.

‏على أن الطرح البريطاني لأزمات الشرق الأوسط لا يأتي من الصراع العربي الإسرائيلي، بل يأتي كما تؤكد «تاتشر» من التهديد السوفييتي للمنطقة الحيوية في الخليج وهي بهذا تربط فكرها السياسي مع الإدارة الأمريكية، أو كما صرحت: «بأن جهودنا مكملة للجهود الأمريكية».

ومن ناحية أخرى فإن بريطانيا تتعامى وتتجاهل مطالب الشعب الفلسطيني، والسبب هو أن «إسرائيل» في نهاية المطاف ركيزة لعودة السيطرة الاستعمارية إلى المنطقة وتقسيم ثرواتها بين الثلاثي الولايات المتحدة وبريطانيا و«إسرائيل»، ولعل الصحفيين العرب نسوا المؤتمر الذي عقدته لهم تاتشر قبل زيارتها للمنطقة، ولخصت فيه موقفها حين قالت: «يجب أن نعترف جميعًا بأنكم لن تحصلوا على حل للقضية العربية - الإسرائيلية بدون الولايات المتحدة».

وإزاء هذه التصريحات.. أكملت حكومة بريطانيا سياستها لمنع دخول ممثلي منظمة التحرير أراضيها لعرض وجهة نظرهم على المسؤولين الإنكليز.

إن تاتشر منذ اعتلت سدة الحكم مع المحافظين في بريطانيا وهي تحرص:

أولًا: على ربط سياستها بالإدارة الأمريكية.. وكما قال بعض المعلقين الغربيين: «إن العلاقة بين الولايات المتحدة وبريطانيا تشهد حقبة لم يسبق لها مثيل منذ أيام روزفلت وتشرشل حتى إن الولايات المتحدة ضحت بأصدقائها في أمريكا اللاتينية مقابل تأييد بريطانيا من حرب الفوكلاند.

ثانيًا: تحاول رئيسة الوزراء البريطانية أن تعود بمملكتها إلى أحلام الإمبراطورية الاستعمارية القديمة وتحلم بتجديد دورها الذي كان لها منذ بداية هذا القرن، والذي استمر حتى أواسط الخمسينات ولعل تاتشر رأت الظروف مواتية للبحث عن دور جديد لها في ظل القوة الأمريكية خاصة، وهي ما تزال بعد نشوى من انتصارها على الأرجنتين، ولعل هذا الدور هو سر دعوتها لإنشاء قوات تدخل سريع لحماية الخليج وذلك لكي تبقي على مصالحها الحيوية في تلك المنطقة حتى يستمر نهبها للثروات العربية، واغتنام أكبر قدر ممكن بمشاركة حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية. 

ثالثًا: تحرص الحكومة البريطانية على استمرار نهجها القديم المتورط مع الصهيونية تلتقي في هذا الخط مع السياسة الأمريكية بغرض فتح جبهات مستمرة ودامية في هذه المنطقة الحيوية، ولذلك تغيب حكومة تاتشر عن أي مسعى سلمي لإنهاء حرب الخليج وهي ترسل وفودها إلى المنطقة فقط لبيع السلاح حتى تتسع دائرة النيران وتقف صامتة شامتة أمام الغزو الإسرائيلي للبنان، بل تقف معجبة بأن الشوك الذي زرعه- وعد بلفور- في منطقتنا قد أتى أكله علقمًا وحنظلًا. 

هذه ركائز السياسة البريطانية التي تمارسها مسز تاتشر ضد مصالح العرب، فماذا فعل العرب؟

لقد أهانت تاتشر العرب حين دعت لفرض قوات التدخل السريع لحمايتهم واتخذت قرارها بعدم استقبال الفلسطينيين، لشرح وجهة نظرهم واشترطت أن تصدر الجامعة بيانًا يعلن فيه معارضته للإرهاب «وتقصد بذلك منظمة التحرير» مع الاعتراف بالوجود الإسرائيلي، ونسيت أن الغزو الإسرائيلي للبنان ومذابح صبرا وشاتيلا هي‏ أكبر دليل على الإرهاب الدولي، نحن لا يعنينا أن يقال إن هذه ليست استراتيجية بريطانيا إنما هو موقف خاص بتاتشر أملاه عليها حرصها على الفوز في الانتخابات العامة في الصيف القادم في دائرة فينشلي بلندن، حيث يسيطر اليهود على الأصوات، ولكن الذي يعنينا أن تظل رغم هذه الإهانات عشرة مليار جنيه إسترليني، عربية موظفة في بنوك بريطانيا مع زحف آلاف العرب من السائحين كل عام يدعمون اقتصادها رغم ما تفعله بنا و بقضايانا.

وليت التهديد السعودي الذي حمله وزير الخارجية البريطاني السابق اللورد كارينغتون والذي يحذر رئيسة وزراء بريطانيا «بأن ضررًا كبيرًا سيلحق بمصالح رجال الأعمال البريطانيين لديها ما لم تقدم على تعديل سياستها في الشرق الأوسط». نقول ليت هذا التحذير يكون رادعًا ويتبعه كل العرب بقرارات عملية مماثلة. وساعتها يمكن أن تعدل الحكومة البريطانية ترتيب أولوياتها لصالح العرب وليس على حساب العرب، وما ينطبق على بريطانيا في هذا المجال ينطبق تمامًا على كل القوى الاستعمارية الأخرى كالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.. أولئك الذين لا يمكن أن يعدلوا من سياستهم في المنطقة العربية إلا إذا شعروا بأن حكام المنطقة وشعوبها سيلحقون الضرر بمصالحهم.

الرابط المختصر :