العنوان الإسلاميون وفقه التقويم (2 – 2) أقسام المراجعات وأهدافها
الكاتب د. عامر البو سلامة
تاريخ النشر السبت 01-سبتمبر-2018
مشاهدات 49
نشر في العدد 2123
نشر في الصفحة 48
السبت 01-سبتمبر-2018
الإسلاميون وفقه التقويم (2 – 2)
أقسام المراجعات وأهدافها
على الإسلاميين إعادة تقويم مرحلة الثورات بموضوعية وصدق حتى يصلوا إلى الإيجابيات ويحصروا السلبيات
المراجعات لا تمس الثوابت وإنما تكون في الأفكار الاجتهادية والأنظار السياسية والرؤى التي تتعلق بالوعاء
لا يمكن أن تجد فرداً بلا أخطاء ولا جماعة خالية من ذلك وإلا فإنك تجري نحو سراب
على كل فرد تقويم نفسه ووضع برامج مراجعات مستمرة حتى لا يصل إلى مرحلة التيه
بقلم: د. عامر البو سلامة
كاتب سوري
من المراجعات المهمة الضرورية للحركة الإسلامية إعادة تقويم «الربيع العربي»، حيث هو أهم مفصلية مرت على الإسلاميين في السنوات الأخيرة، ومن واجب الإسلاميين عامة، والحركة الإسلامية خاصة –وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب- أن يعملوا على إعادة تقويم مرحلة الثورات بموضوعية وصدق؛ حتى يصلوا إلى الإيجابيات، ويحصروا السلبيات، ويستوعبوا الاحتياجات، ويتحسسوا الصعوبات، ويدركوا الأزمات، ويتعرفوا إلى العقبات، وينظروا بعمق إلى المؤامرات، ثم يعملوا على ترتيب الأوراق بناء على نتائج هذه المراجعات، وذلك التقويم، وفي الختام تصنع ورقة عمل شاملة تكون خريطة طريق منقذة بتوفيق الله وعونه.
مقدمات أساسية تمثل المدخل المهم للموضوع:
1- المقدمة البدهية: هي أن كل عمل يقوم به الفرد أو الجماعة، أو الحزب أو المؤسسة، يجب أن يكون الإخلاص فيه لله تعالى، وابتغاء رضوانه، وأنه إنما نريد من هذا العمل الخير، ونهدف للوصول إلى النموذج الأمثل للعمل الإسلامي، كل ذلك لله تعالى، فلا نريد من هذا تصيد الأخطاء، أو التشهير بأحد، أو إشاعة القيل والقال، ونشر النجوى داخل الصف، وإثارة الشحناء والبغضاء، أو «نشر الغسيل» للتشفي، أو لإسعاد العدو، بل نبغي من هذه المراجعات حلَ المشكلات، ورفع المعضلات، وإزاحة العقبات، نريد البناء، ولا نبحث عن الهدم والعياذ بالله تعالى.
عن أمير المؤمنين سيدنا عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» (رواه البخاري).
لذلك ما نراه مما يسمى –أحياناً– نقداً أو مراجعات أو تقويماً، فإذا بنا أمام حالة بعيدة كل البعد عن هذا الذي يُبتغى من التقويم والنقد والمراجعات، بل نرى لهذا آثاراً سلبية ومؤسفة، وأنت تقرأ هذه المكتوبات، تسرع لتقول: هذه نصائح أم فضائح، هذا الذي أقرؤه من محب أم من عدو؟ وهكذا لأنه خرج عن المقصود الأصلي.
والتصيد في هذا الباب معلوم ومعروف، وهناك أجهزة دول تقوم بهذا الدور المشبوه، بأسماء مستعارة، أو يستغل بعض الناس الذين كانوا في الحركة أو الجماعة أو الحزب، ثم خرجوا منها ساخطين أو محبطين أو ناقمين أو غير ذلك، من أسباب كثيرة ليس موضوعنا بحثها هنا، ثم يعملون مراجعات أو يوجهون انتقادات، وهكذا، فهؤلاء لا يصلحون لعملية التقويم الذي نريد أو المراجعات التي نهدف للوصول لها.
2- نحن نحمل المنهج المعصوم، منهج كتاب الله تعالى، وصحيح سُنة نبينا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، لكننا لسنا معصومين، ولسنا مبرئين من الخطأ، ولسنا بعيدين عن الزلل، فالعاملون المخلصون يرافقهم مثل هذه الحال، الذي لا يخطئ هو الذي لا يعمل، وقاعدة العلماء في هذا: «كل أحد يؤخذ من كلامه ويرد عليه -مهما علا كعبه في العلم والمعرفة والذكاء، والصلاح والتقى، وحسن التخطيط، وروعة التدبير، فرداً كان أو جماعة، مؤسسة صغيرة أو كبيرة- إلا المعصوم نبينا ورسولنا صلى الله عليه وسلم»، ففي الحديث الحسن: «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطَّائين التوّابون» (أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والبيهقي في شعب الإيمان والدارمي وأبو يعلى).
3- الحياة من طبيعتها التغير، ومن شأنها التحول، ومن تكوينها التجدد، ومن صفتها التبدل، فلكل زمان دولة ورجال، وكل عصر له أدواته ووسائله، لذا يقول عقلاء هذا الشأن والعالمون به: إن الثابت في هذه الحياة هو التغيير، فالتغيير نشاط، ومواكبة التجدد حيوية، والإفادة الإيجابية من التحولات وعي، والتغيير حياة، والحياة تحريك للمياه الراكدة، وهو أمر مهم حتى تكون حركة الحياة قائمة على التطهر بالطاهر المطهر؛ فكل مؤسسة أو حزب أو جماعة لا بد لها من هذا العمل، بل التاجر في تجارته يحتاج إليه، وحتى أصحاب المشاريع الصغيرة لا بد أن يقوموا بهذا؛ حتى ينجحوا، وهكذا.
4- الإنسان بطبعه وأصل خلقته مبني على الضعف؛ (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً {85}) (الإسراء)، (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً {28}) (النساء)؛ لذا قالوا تعبيراً عن هذه الحقيقة: لكل جواد كبوة، ولكل سيف نبوة، ولكل عالم زلة.
5- من الضوابط المهمة للمراجعات وتقويم الأداء أن هذا الأمر لا يمس الثوابت المتفق عليها، والمجمع عليها، في أي شأن من الشؤون، أو قضية من القضايا، أو مسألة من المسائل، وهذا أمر نقوله حتى لا يفاجئنا أحد الإخوة بقول يند عن السياق المراد، والتساؤل حق، والتنبيه مهم، والاستدراك واجب، وإنما تكون المراجعات في الأفكار الاجتهادية، والأنظار السياسية، والرؤى التي تتعلق بالوعاء، وإعادة النظر في الأساليب، وطريقة الخطاب وطبيعته وتجديده، من خلال فهم سليم، وركائز دقيقة، حتى لا ننساق وراء دعاة ذلك، من الذين يصطادون بالماء العكر، من باب المجاراة التي في غير محلها، وبالضرورة يشمل مسائل ترتيب الأولويات، وهذا يختلف من زمن لزمن، ومن بلد لبلد، ولا يفوتنا أن نذكر بلزوم تقويم المسار قطعة قطعة، ومن ذلك علم الوسائل وتحديثها وتطويرها، المهم أن مجال المراجعة المستمرة والتقويم المستمر يكون في الاجتهاديات والجهد البشري، ولا يمس الثوابت.
6- للتقويم ثلاثة مقومات أساسية:
الأول: أن يكون التقويم بحب؛ لذا لا يصلح لهذا العمل مَن في نفسه على إخوانه شيء مسبق، أو يحمل ضغينة على أحد.
الثاني: أن يكون التقويم وعمل المراجعات عن علم بأصول التقويم، ومعلومات موثقة بين يديه.
الثالث: أن يكون من يقوم بهذه المهمة –في الإطار الجماعي– حكيماً، يضع الأمور في مواضعها الصحيحة، فلا يغضب ولا ينفعل ولا يتعصب، وينبغي أن يكون من أهل الرزانة والأدب ويتصف بالحلم والأناة، وسعة الصدر، وقوة التحمل، وحسن تقدير الأمور، فلا يهول ولا يهون، مع البعد عن الثرثرة.
7- وجود القصور وحدوث الخطأ لا يسقط الفرد، ولا يهدم الجماعة، فلا يمكن أن تجد فرداً بلا أخطاء، ولا جماعة خالية من ذلك، وإلا فإنك تجري نحو سراب إن أردت معصوماً، والعبرة بكثرة الفضائل، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث.
أقسام المراجعات:
1- مراجعات فردية: حيث ينبغي أن يقوم كل فرد بتقويم نفسه، وعليه أن يضع لنفسه برامج مراجعات بصورة مستمرة، فإن لم يفعل فهو على خطر عظيم، لأنه إن لم يفعل، يصبح مثله كمثل الذي يمشي شارداً، فلا يلتفت يميناً ولا شمالاً، ولا يميز الذي أمامه، ولا يعرف ما يجري خلفه، ولا يدقق في مسيره، ولا يراجع مساره، وفي النهاية يصل إلى مرحلة التيه، ومن ثم الهلكة.
2- مراجعات جماعية: وهذا هو الذي ندندن حوله، وهذا ينقسم إلى قسمين:
الأول جزئي: تقويم جزء من العمل، للجماعة أو الحركة أو الحزب أو المؤسسة، من خلال الهيكلة الإدارية المعتمدة لهذه الحركة، فيكون التقويم على مستوى مكتب عمل، أو دوائر التخصصات، أو مؤسسة فرعية، أو لجنة مختصة بجانب من الجوانب، أو مراجعة العمل في محافظة من المحافظات، وهذا له اعتباره ضمن تراتبية دقيقة داخل جسم الحركة، وله آثاره ونتائجه، التي تنعكس على هذا الجزء، ومن الخطر تعميم الجزء على الكل، وللتقويم الجزئي فوائد عظيمة، ومنافع كبيرة.
الثاني كلي أو شامل: وهو الذي يكون في الجسم العام الشامل للحركة، ولمجالس الشورى واللجان المركزية الدور الأكبر في هذا العمل، وعادة ما يكون إثر كل مرحلة من مراحل العمل كدراسة الموقف السياسي للحركة، أو مراجعة المنهج الفكري، أو رسم خطة عامة للحركة، وتفاصيل هذا كثيرة، ولكل بلد ظروفه، ولكل حركة خصوصياتها زماناً ومكاناً وإنساناً وظرفاً وبيئة، وما يكون في قُطر من الخطأ أن يعمم على كل الأمة، لما ذكرنا من فواصل تمثل حالة الخصوصية.
3- مراجعات خارجية: ويكون هذا من خلال خبراء، من خارج جسم الحركة أو المؤسسة، وتوضع بين يديه المعلومات الكافية، ويتم التعاون معه في مجال الزيارات العملية الميدانية، ذلك أن من يراقب المشهد، وهو خارج إطاره، تكون زوايا الرؤية عنده مختلفة، وربما كانت أكثر وضوحاً، بعيداً عن زحمة العمل وهمومه، ومرتاحاً من ضغط التفاصيل الحركية، وشد الأعصاب، وهذا بدوره يعطي بعداً رائقاً، للتقويم والمراجعة، كما أنه يمنحه صفة الحيادية.
لذلك تعقد الأحزاب الأوروبية ورش عمل (workshops) مهمتها النقد الذاتي، وتدعو ضيوفاً ومراقبين من خارج الحزب لممارسة ذلك.
هذه المراجعات الثلاث، تعمل مع بعض، ولا تعطل واحدة الأخرى.
أهداف المراجعات:
ليس الهدف من المراجعات تصفية الحسابات، ولي الأذرع، أو كسر عظام العاملين وإدانتهم، ومن باب أولى ألا تكون تسجيل نقاط على أحد، وإنما المراجعات لها أهداف سامية، وأغراض نبيلة، منها:
1- أن نعرف الجوانب التي أصبنا بها (معرفة الإيجابيات) لتقويتها وتنميتها وتطويرها وتحسينها، فالشرع جاء بالمصالح وتنميتها، وحث على معرفة المفاسد لتقليلها وتقليصها، من هنا كان واجباً علينا أن نعرف هذا، ونفرزه بشكل علمي، ونحصيه بصورة حسابية دقيقة.
2- معرفة الأخطاء، ومواطن القصور، ومواضع الخلل، ووضع أصابع التأشير على هذه القضايا، بشكل صريح وصادق، مع معرفة أسباب ذلك (معرفة السلبيات) حتى نتجنب هذه المعيقات، ونتجاوز هذه العثرات.
3- بعد ذلك توضع خطة عمل جديدة، وخريطة طريق حديثة، نسدد فيها المسار، ونحسن من خلالها الأداء.
4- حتى يكون التغيير والتبديل والتحويل، بناء على دراسات علمية، ومناهج منضبطة، بعيداً عن الانفعال العاطفي، وردود الأفعال؛ فنخرج من مشكلة لنقع بعد ذلك بعشرين مشكلة؛ ذلك أن التغيير لا يصح أن يكون لمجرد التغيير؛ لأن التغيير للتغيير كارثة، ويؤدي إلى عدم استقرار، وهذا يحدث إرباكاً شائناً، والتغيير يكون بناء على رؤية، وبرامج عمل، وتصور للانتقال من حالة إلى أخرى، ومن صورة إلى صورة.
وأولاً وأخيراً، وعلى كل حال، فإن رحمة الله ومعيته، سلوان خير في مواجهة هذا البلاء، والأمل واسع، ولا يأس، بل وثبة مؤمن، من خلال أمل وعمل، يرمي إلى مجد أمة، واثق بنصر الله تعالى.>
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل