العنوان عالم فرنسي يقول: في الفقه الإسلامي كنز مخبوء
الكاتب د. إبراهيم البليهي
تاريخ النشر الثلاثاء 28-يوليو-1970
مشاهدات 8
نشر في العدد 20
نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 28-يوليو-1970
«الفقه الإسلامي مصدر للقانون وليس القانون مصدرًا للفقه».. ذكر الأخ عفت عباس عطية في جريدة "المجتمع" العدد الحادي عشر أن متحدثًا بتلفزيون الكويت راح يبين أحكام الإسلام في الوديعة وأنه ختم حديثه بقوله: «والقانون في الكويت قد (أقر) إسقاط الحق بعد مُضي خمسة عشر عامًا».. وقد لامه الأخ وتساءل: هل أصبح القانون الوضعي مصدرًا من مصادر فقهنا الإسلامي؟» وطلب من المجتمع أن تكتب في هذا الموضوع، وقد وجَّهت الجريدة الدعوة إلى المختصين إلى الكتابة فيه، وأنا وإن لم أكن من المختصين فإنني قد رغبت في المشاركة بجهدي المتواضع تبيينًا للحق، وتنبيهًا للأخ عفت إلى أنه ليس في الكلام الذي أورده عن المتحدث ما يدعوه إلى الوجل أو الخوف أو ما يُوجب الملامة، ودعوة له ولغيره إلى التأني قبل الاستنكار وتوجيه النقد، وليعلم هو وغيره أنه على الرغم من وجوب أخذ أسباب الوقاية واتقاء الذرائع ولزوم الحذر فإن المؤمن ينبغي له ألا يتهم أخاه ما وجد للخير وحسن النية محملًا ﴿ لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا﴾(النور:12)، وليعلم أيضًا «أن الأشياء بضدها تتميز» وانطلاقًا من هذه القاعدة وعلى هدي من نهج رجال الفكر الإسلامي، تعال نمشي معًا لنجد أن ما قاله المتحدث كان الباعث إليه: رغبته في تعريف السامعين بأن القانون استمد بعض مواده من الفقه الإسلامي وهي شهادة له وليست شهادة عليه، فقوله:
أقر: دليل على أنه أراد هذه الغاية، فهو تلويح إلى اعتراف القانون بصلاحية التشريع الإسلامي للبقاء وهو أيضًا تنويه عن تطفّل القانون على الفقه الإسلامي، ولیس المتحدث وحده في هذا، بل إن أغلب رجال الفكر الإسلامي في العصر الحديث يؤكدون «أن مقارنة الإسلام بالمذاهب والنظريات هو السبيل الأمثل لتعريف البشرية بامتياز الإسلام، واطلاع الإنسانية أنه هو الدين الوحيد القادر على منحها السعادة والأمن والحرية والسلام والاستقرار»، وإذعانًا لهذه الضرورة رأينا أكثر المهتمين بالدراسات الإسلامية يتبعون هذا المنهج، نجد ذلك واضحًا لدى أقطاب الفكر الإسلامي الحديث: فإن المتتبع لمؤلفات الأستاذ الكبير الشيخ محمد أبو زهرة، يلقي هذه النزعة بارزة كل البروز، فقد ألَّف كتبًا عن الإسلام والنصرانية واليهودية والبوذية هادفًا إلى إظهار امتياز الإسلام بما انطوى عليه من ربانية وما اشتمل عليه من إنسانية، بشمول عجیب ورصانة مذهلة، ليس هذا فحسب، بل إن هذا «الإمام» راح يقارن بكثير من مؤلفاته بين بعض أحكام الإسلام وأحكام القانون راميًا إلى هذه الغاية، وانظر مثلًا «في المجتمع الإسلامي» و«تنظيم الإسلام للمجتمع» و«أحكام التركات والمواريث» و«أحكام الأموال الشخصية» وهذا الاتجاه تجده لدى المرحوم الدكتور مصطفى السباعي، وانظر على سبيل المثال «المرأة بين الفقه والقانون»، كما نتحسّسه بوضوح لدى العلامة أبي الأعلى المودودي، وانظر على سبيل المثال «أُسس الاقتصاد بين الإسلام والنظم المعاصرة».
ويُعبّر العلامة أبو الحسن الندوي عن هذه الحاجة المُلحة بكتابه «الأركان الأربعة، على ضوء الكتاب والسنة مقارنة مع الديانات الأخرى» بقوله:
«وبدا لي بعد ذلك أن أدرس هذه العبادات في الديانات الأخرى.
وقد كانت الحاجة إلى الدراسات المقارنة شديدة لأن المسلم لا يستطيع أن يُقدّر نعمة الإسلام، وما أكرمه الله به عن طريق هذا الدين الكامل الخالد الذي «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه»، ولا أن يستوفي حق الشكر والحمد: إلا إذا قارن بين هذه العبادات في الإسلام والعبادات في الأديان الأخرى فضلًا عن العقائد والمبادئ والأُسس التي يقوم عليها صرح الإسلام العقائدي والكلامي».
والعالم القانوني الكبير المرحوم عبد القادر عودة قد كرَّس جهده على هذا الجانب الهام من جوانب معركة الحق مع الباطل: تطالع ذلك بكتابه البالغ النفاسة «التشريع الجنائي الإسلامي مقارنًا بالقانون الوضعي» وهو يؤكّد بأنه هدف «إلى إظهار محاسن الشريعة وتفوّقها على القوانين الوضعية وسبقها إلى تقرير كل المبادئ الإنسانية».
وهذه الغاية كانت من بين الدوافع النبيلة التي حفَّزت جمعية الدراسات الإسلامية إلى وضع موسوعة الفقه الإسلامي. ينوّه عن ذلك رئيس الجمعية الدكتور محمد عبد الله العربي بعض التنويه بقوله -في مقدمة الجزء الأول من الموسوعة-: «وأذكر أني في سنة ۱۹۲۳ م كنت في فرنسا أعد رسالة الدكتوراه في العلوم القانونية والاقتصادية بتوجيه من الأستاذ «إدوارد لامبير» عميد الفقه المقارن والحجة العالمية فيه وكان يقول لي ولكل الطلبة المصريين الذين يدرسون على يديه أن لديكم في الفقه الإسلامي كنزًا مخبوءًا ينتظر من يجلوه لعالمنا المعاصر».
وهذه النزعة واضحة كل الوضوح عند العلامة الكبير الأستاذ مصطفى أحمد الزرقاء واقرأ إن شئت کتابه القيّم «الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد».
وهي واضحة كذلك لدى الدكتور أحمد شلبي في مقارناته للأديان، بل وحتى في كتابه «تاريخ التربية الإسلامية»! وهذا المقدار من الجلاء تجده لدى الأستاذ أحمد فتحي بهنسي في كتاباته عن الجريمة والعقاب، إلخ.
كما أن سلسلة «نحو قانون إسلامي عادل» التي تنشرها مكتبة المنار بالكويت: قد حرصت على إبراز هذه الناحية تجد ذلك في رسائلها: «عقوبة الإعدام بين الشريعة والقانون و«نهج الشريعة والقانون في تقرير الأحكام» للأستاذ أحمد موافي «المستشار في محكمة التمييز بالكويت» «ميثاق الأمم والشعوب في الإسلام» للدكتور عبد الفتاح حسن، ونحن نبتهل الفرحة لنذكر القائمين على إصدار هذه السلسلة بأنه لا داعي لذكر كلمة «عادل» لأن هذه الصفة مفهومة ضمنًا من كونه قانونًا إسلاميًا. وليفعلوا كما فعل المرحوم سید قطب: حيث أعلن عن تأليف کتاب بعنوان: «نحو مجتمع إسلامي متحضر» ثم بدا له أن كلمة «متحضر» لغو يجب أن تُزال، وهكذا فعل فصار اسم الكتاب «نحو مجتمع إسلامي».
وبعد؛ فإن اعتراض الأخ عفت وإن كان دفعته إليه الغيرة على الإسلام: فإنه لا مكان له، ولذا أود أن أهمس في أذنه أن لا يقحم نفسه مستقبلًا في شيء لا يعرف الهدف منه، وأن لا يزج بنفسه في بحوث لا يقدر على التخلص من تبعاتها لكيلا يكون عقبة في طريق غيره من جندوا أنفسهم لإظهار محاسن الإسلام وإبراز تفوقه، وأرجوه ألا يعدني مغاليًا، وإن ارتاب في الأمر فليقرأ إن شاء «الإسلام وحاجة الإنسانية إليه» للمرحوم الدكتور محمد یوسف موسی، بل ليختصر الطريق وليطالع «الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه» للمرحوم عبد القادر عودة أو «نحو وعي إسلامي جديد» للأستاذ محمد المبارك.
وأختم هذه العجالة بما قاله الدكتور حسن الأشموني بكتابه «أثر الترجمة في حضارة العرب» حيث يقول: «ولقد كان للفقه الإسلامي من بالغ التأثير في المؤتمرات الدولية ما نال به من الإعزاز والتكريم وما أهَّله لأن يكون أساسًا لتنقيح القوانين في العالم».
هذا «وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين».
إبراهيم بن عبد الرحمن البليهي
- الرياض -
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلسن الرضا وسن الزواج.. لماذا يسمح العالم بممارسة الجنس في عُمْر مبكر ويتشدد في سن الزواج؟!
نشر في العدد 2123
6
السبت 01-سبتمبر-2018

