; المظلومون في تاريخنا (٦).. ابن النفيس.. مؤلفاته (٢ من ٣) | مجلة المجتمع

العنوان المظلومون في تاريخنا (٦).. ابن النفيس.. مؤلفاته (٢ من ٣)

الكاتب عبدالرحمن علي الحجي

تاريخ النشر السبت 17-مارس-2007

مشاهدات 16

نشر في العدد 1743

نشر في الصفحة 66

السبت 17-مارس-2007

شرح ابن النفيس عدة كتب طبية لمن سبقه مثل: كتاب «القانون» لابن سينا (٤٢٨هـ ١٠٣٧م) في عشرين جزءًا، وموجز القانون «اختصر به قانون ابن سينا»، وهو كتاب كبير في الطب.

كما كتب ابن النفيس في الفلسفة والمنطق، فله كتاب فاضل بن ناطق، بمنحى متميز, معارضًا أو على نسق كتاب ابن طفيل الأندلسي أبو بكر محمد بن عبد الملك ( ٥٨١ هـ - ١١٨٥م) في كتابه حي بن يقظان، أو لابن سينا بالعنوان نفسه، كذلك نجده صنف في أصول الفقه والفقه والحديث والعربية والتاريخ، وله كتاب: المختصر في علم الحديث، والرسالة الكاملية في السيرة النبوية, ولذلك أفرد له السبكي ترجمة في طبقاته الشافعية الكبرى، باعتباره أحد فقهائهم (5/ 129- انظر كذلك شذرات الذهب 5/401، دول الإسلام للذهبي 2/143، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ابن أبي أصيبعة, ٤١٤ وما بعدها, مقدمة محقق كتاب الشامل, الدكتور يوسف زيدان, 1/3-45، والدكتور يوسف مهتم بابن النفيس، فله كتاب عنه: علاء الدين «ابن النفيس» القرشي إعادة اكتشاف الأعلام، الزركلي, 4/270-271, تلخيص مجمع الآداب, ابن الفوطي 2/117- 118، النجوم الزاهرة, ابن تغري بردي 7/373, مسالك الأبصار، ابن فضل الله العمري 9/615-620, تحقيق بسام محمد بارود, حضارة الإسلام وأثرها في الترقي العالمي, جلال مظهر 349-364».

كان ابن النفيس إمامًا متقدمًا في علم الطب راسخًا فيه، فاق به كثيرًا غيره، ولعله يعتبر أول أو أكبر من درس وعرف علم وظائف الأعضاء «Physiology»

وكان من عاداته أنه «لا يصف دواء ما أمكنه أن يصف غذاء، ولا مركبًا ما أمكنه الاستغناء بمفرد», وهذا دليل على فهمه وإدراكه الجيد وبراعته في العلاج.

كما يعتبر بحق أول من عرف ووصف الدورة الدموية الصغرى «الدورة الرئوية»، وأول من أشار إلى الحويصلات الرئوية والشرايين التاجية، وربما كذلك يعتبر مكتشف الدورة الدموية الكبرى!! حيث لا يجوز توقيف جهوده عند هذه الحدود - رغم ريادتها – بل إن هذا كله بعض مساهماته، في ميدان مهنته التي أغناها بالمبتدعات المتنوعة.

ثم تأكيده على الجدية في العمق وتبني المنهجية الأمينة الرصينة وقواعد العلم المتينة، والمنهج العلمي التجريبي الجاد المتجدد، وعلى قواعد البحث العلمي المترقية, إلى اعتماده التجربة «الدرية». 

إن أبكر من كتب عن الدورة الرئوية من الأطباء الأوروبيين، كان بعد ابن النفيس بنحو ثلاثة قرون، رغم أنه لم يكن كشفًا حقيقيًا من قبلهم، بل اعتمادًا كليًا على ما ترجم لهم من العربية إلى اللاتينية مما كتبه ابن النفيس وغيره اِبتداء ممن سبقه أو لحقه.

 لقد تناول ابن النفيس الحديث عن الدورة الرئوية في أكثر من مكان في مؤلفاته، لا سيما في شرحه لقانون ابن سيناء: شرح تشريح القانون، وهذا قد يشير إلى أن ابن النفيس كتب عن ذلك في بواكير سني نضوجه في العلوم الطبية، وظهر تقدمه فيه، مع أن أولئك الأوروبيين لم يشيروا إلى ذلك أو يعترفوا به!! وإنما نسبوه لأنفسهم.

 أليس بذلك يصح قول من قال: «إن الحضارة الإسلامية سابقة للحضارة الأوروبية بخمسة قرون أو تزيد بمقدار كبير، باعتراف بعض أهلها «حضارة العرب ٥٦٨ – حضارة الإسلام ٥٢٥»؟

وفارق آخر هو أن الحضارة الإسلامية قدمت ما قدمته ابتداءً، ومن رکام دراسات سابقة في هذا الأمر، لا تسمن ولا تغني من جوع، كانت في ادعاء مكان الإمامة التي لا تخالف, ولقد اعتمدت الحضارة الأوروبية كل الاعتماد على ما ترجم إليها من الحضارة الإسلامية، ولو أخذتها كلها بمبناها ومعناها وفحواها، لاكتملت أركانها وقيمها وإنسانيتها، وما أخذته مما عداها, خربت به بنيانها الإنساني وذهبت بها الرياح يمنة ويسرة. وللعلم فإن كلمة أو مصطلح التكنولوجيا، هو من الكلمة العربية: التقانة أو التقنية «Technology».

إن العديد من الكتب العلمية التي نقلت إلى الغرب – لا سيما الطبية – بقيت هي نفسها تدرسها الجامعات الأوروبية لنحو ستة قرون، لا سيما جامعة مونبلييه الفرنسية, التي كانت معقلًا لتدريس كتب الطب الإسلامية والأندلسية «Montpellier» وحتى عهد قريب, إلى حد أن بعض أساتذتها كان من الأندلسيين, علمًا أن المسلمين لم يحتاجوا إلى نصف هذه المدة ليبدعوها ابتداء. 

حديث ابن النفيس المتكرر –لمرات عدة – عن الدورة الرئوية «الدورة الدموية الصغرى»، يدل على فهمه لها ووثوقه من اكتشافه العلمي الرائد هذا، ومعرفته الواضحة لوظيفتها وطريقة عملها، ناقدًا ومفندًا ومعارضًا، حتى آراء ابن سينا - الذي تابع جالينوس واعتمد عليه – رغم أن ابن النفيس هو الذي شرح العديد من كتبه, فعل ذلك مبينًا: أن أطباء «اليونان لم يفهموا وظائف الرئتين والأوعية التي بين القلب والرئتين، وأنه فهم وظيفتها وأوعيتها وتركيب الرئة والأوعية الشعرية, التي بين الشرايين والأوردة الرئوية, وشرح الفرج الرئوية شرحًا واضحًا كما فهم أيضًا وظائف الأوعية الإكليلية «التاجية»، وأنها تنقل الدم ليتغذى القلب به, ونفى التعميم القائل: إن القلب يتغذى من الدم الموجود في البطين الأيمن».

الرابط المختصر :