; الحكومة تمسك بالميزان الطائفي: مقايضة الطفيلي بـسمير جعجع.. كيف؟ | مجلة المجتمع

العنوان الحكومة تمسك بالميزان الطائفي: مقايضة الطفيلي بـسمير جعجع.. كيف؟

الكاتب هشام عليوان

تاريخ النشر الثلاثاء 03-مارس-1998

مشاهدات 40

نشر في العدد 1291

نشر في الصفحة 32

الثلاثاء 03-مارس-1998

هل انتهت «ثورة الجياع» في البقاع اللبناني؟ هل توقف الانشقاق داخل «حزب الله»؟ ماذا بقي من الشيخ صبحي الطفيلي، قائد ما يسمى بـ «ثورة الجياع» والمتمرد الأخطر على قيادة «حزب الله»؟  إذا كانت هذه أسئلة مشروعة عقب الصدام الدموي الذي وقع بين قوات الجيش ومسلحي الطفيلي في الحوزة العلمية الشيعية، بمنطقة بعلبك أواخر يناير الماضي، وما تبعه من ملاحقات أمنية وقضائية بحق الطفيلي ورجاله، فإن السؤال الأبرز الذي لم يجد الجواب حتى الآن هو ما الثمن؟ ومتى السداد؟ وهل الثمن المطلوب أقل قيمة من الأضرار الواقعة على مستوى ذلك الحزب، وعلى صعيد المطالب الاجتماعية، وفي حيثيات العمل المقاوم، وعلى الحياة السياسية عمومًا؟

 من البديهي أن الشيخ صبحي الطفيلي الأمين العام السابق «لحزب الله» لم ينطلق من فراغ عندما أطلق ثورته ضد الحكومة والنظام، بل ضد «حزب الله» ضمنًا، فالطفيلي ملاحظاته كثيرة على النظام السياسي اللبناني، وقد اعترض بشدة على اندراج حزب الله في سباق السياسة اللبنانية، حين دخل للمرة الأولى إلى البرلمان عام ١٩٩٢م، وعاد إليه في انتخابات عام ١٩٩٦م، والاعتراض مبني على أطروحة بسيطة تقول ما يلي: «إن حزب الله هو حركة إسلامية ثورية جهادية، وليس من المعقول أن يصبح حزب الله جزءًا من النظام السياسي الفاسد الظالم» باعتبار أن الدخول إلى المجلس النيابي هو اعتراف ضمني بشرعية النظام، وكان الرد يأتي من قادة حزب الله بأن مقاومة العدو الصهيوني لها الأولوية على ما سواها من قضايا، والحزب بمساهمته الفعالة في الحياة السياسية يؤمن ظهر المقاومة بما يستجلب من تأييد معنوي ومادي للمقاومين والسكان الصامدين في محاذاة الشريط الجنوبي المحتل من إسرائيل، كما أن مجتمع المقاومة أو البيئة الاجتماعية التي يستمد منها الحزب نفوذه الواسع، في حاجة إلى خدمات البنية التحتية من طرقات وكهرباء ومياه وتمديدات صحية، ولا يمكن ضمان تلك الخدمات دون الدخول إلى صلب النظام لتحصيلها، وهنا يتوقف الشيخ الطفيلي ليتساءل: «وأين هي تلك الخدمات التي حصلتم عليها»؟

 وبنظر الطفيلي لا يكفي التوسل على أعتاب الحكم للحصول على مطالب الناس، وقد ثبت خلاف ذلك ويقول الطفيلي إن حزب الله هو أقوى حزب جماهيري في لبنان، لكنه يعطل قدراته الواسعة ويكتفي بالعمل البيروقراطي الأنيق بعيدًا عن هموم الناس ومتاعبهم.

عناد وشدة مراس

بالطبع ليس كل ما يقوله الطفيلي دقيقًا، ولا كل ما يفعله نواب حزب الله في المجلس النيابي بكاف لتحقيق المطالب الكثيرة، لكن الشيخ الطفيلي احتوى إلى جانبه بعض الرموز المعروفة في المنطقة، والتي تطاردها العدالة بجرائم منصوصة ارتكبها أصحابها ثم تواروا عن الأنظار، كما أن تحركات ثورة الجياع لم تكن جماهيرية بالقدر الذي توهمه صاحبها، ولم تتمكن من حشد الأعداد الغفيرة التي وعدت بها، وأضحت تهديداته مع الوقت، مجرد شعارات فارغة إلا من الشتائم المقذعة التي طالت القيادات السياسية حتى رئيس الجمهورية إلياس الهراوي، وقد هدد الطفيلي في الآونة الأخيرة بمنع النواب والوزراء من دخول محافظة البقاع الأكبر بين محافظات لبنان الخمس، وتغافلت الحكومة عن الطفيلي وثورته إلى حين مخافة الاصطدام بـحزب الله وقاعدته الشعبية العريضة، وانتظرت نتائج المفاوضات العقيمة بين قيادة حزب الله الممثلة بالسيد حسن نصر الله، والشيخ الطفيلي، وتعددت الوساطات المحلية والإقليمية ولم تؤد إلى أي نتيجة ليس فقط لأن الطفيلي شديد المراس في مواقفه ولا يتزحزح عما يراه حقًا، بل لأنه تحول من قائد ثورة جياع إلى منشق عن حزب الله أو متمرد على قيادة الحزب بتعبير أصدق فإذا به يدعي لنفسه قيادته لحزب ويصادر الأرض التي يقف عليها حزب الله.

ولما وصل الأمر إلى حد التهديد بفسخ الحزب وتشطيره، مما يعني تهديد المقاومة نفسها، إضافة إلى تجاوزه المرجعية السياسية والدينية في إيران، صدر القرار الفاصل بفصل الطفيلي من عضوية الحزب.

القرار الفاصل

ولم يكن هينًا على قيادة الحزب اتخاذ مثل هذا القرار والطفيلي من مؤسسيه ورواده الأوائل، وله شعبية لافتة في منطقة البقاع، كما أن أثر القرار ليس هينًا بالنسبة للطفيلي، إذ يقضي بوقف المخصصات المالية الموضوعة تحت تصرفه ومنعه من استخدام أي من مراكز الحزب العلمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية .

هذا القرار منح الشيخ الطفيلي قضية إضافية إلى جانب المطالب الاجتماعية التي يرفع رايتها، ولم يكن بإمكانه الوقوف متفرجًا ومنتظرًا الضربة، وهو كمن استدرج إلى فخ فخرج بنفسه من ملجئه في قرية بريتال، ضمن خطة مرسومة لاقتحام مراكز الحزب في منطقة البقاع واحتلالها سلمًا أو بالقوة ، وفرض نفسه كأمر واقع كما فرض المفاوضات على الطرف الآخر وعلى إيران، توصلًا إلى حفظ مكانته وموقعه في حزب الله، ومن المؤكد أن حزب الله الذي علم مسبقًا بخطة الطفيلي لم يكن بمقدوره السكوت وترك الحزب يتشرذم بين مؤيد ومعارض ومحايد، وعندما دخل الطفيلي عنوة الحوزة العلمية، وهو عضو فيها ومدرس من مدرسيها احتشد المئات من أنصار الطرفين داخلها وخارجها، وبلغ التدخل والتلاحم أشدهما، وكادت تقع مجزرة لولا أن الجيش اللبناني والقوى الأمنية الرسمية تداركت الوضع وأمرت الجميع بالانسحاب من الحوزة وخارجها في مهلة محددة، وبانتهاء الموعد المضروب كان أنصار حزب الله قد انسحبوا، فيما أصر الطفيلي على البقاء باعتبار أن المشكلة علمانية بحتة يحلها العلماء وحدهم، ولا علاقة للجيش ولا لقوى الأمن بها.

وجرت مفاوضات بين قوة صغيرة من الجيش وبين الرجل الثاني في ثورة الجياع النائب السابق الشيخ خضر طليس انتهى بتلاسن وتوتر وتفاعل الجو المشحون إلى إطلاق نار عفوي فسقط الضابط وسقط معه النائب السابق، ومر وقت قليل حتى جاءت التعزيزات العسكرية للجيش، وكان الشيخ صبحي الطفيلي ورجاله قد رحلوا.

واستمرت المناوشات وإطلاق النار ساعات طويلة قبل أن يسدل الستار على المشهد الدامي بعدة قتلى وجرحى وبعض المعتقلين، ومذكرات توقيف وملاحقة بحق الطفيلي، وبعض رجاله، كما أحيلت القضية إلى المجلس العدلي، وهو صاحب الصلاحية في النظر بالقضايا الخطيرة التي تهدد السلام العام.

وكل ما جرى سهل بالنسبة إلى ما بعد الحدث، وكيفية لم ما تناثر من شظايا الدم والاختناق، فهناك أسئلة كثيرة فجرتها الأحداث الدامية عن دور حزب الله وعن مشروعية لجوئه إلى السلطة لحل مشكلة حزبية خاصة، وعن تعريض رجال الدين إلى القتل والمهانة، وقد وقعت حوادث محددة بهذا الخصوص من اعتقال وملاحقة بعد قتل الشيخ طليس.

مساومة ومقايضة

ولاحظت المصادر السياسية إصرار الحكومة على توجيه الضربات المؤلمة ومتابعتها إلى حين اقتحام قرية بريتال واعتقال الشيخ الطفيلي ومحاكمته، ورأت في هذا الإصرار، محاولة شكلية للتوازن الطائفي، حيث يحاكم سمير جعجع قائد المليشيات النصرانية المحظورة المعروفة بـ القوات اللبنانية، وقد صدرت بحقه عدة أحكام بالسجن المؤبد، ولا يزال يحاكم بقضايا أخرى، كقضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رشيد كرامي، وكان النيل من الشيخ الطفيلي، وهو من رموز الحركة الشيعية، يفتح الباب على مصراعيه لاحتمال العفو عن سمير جعجع إرضاءً للنصاري، وتذويب معارضتهم الصلبة للنظام، أو لتمرير أحكام قاسية قد تصدر على جعجع قريبًا، وفي الحالين يصبح رأس الطفيلي موضع مساومة ومقايضة.

ومن الجدير ذكره في هذا السياق، أن حملة مدروسة من جانب السلطة تشن بدأب على موقع الدين ورجاله في المجتمع، لا فرق في ذلك بين معتدلين وحركيين ثوريين، وما إلغاء مادة الدين في المدارس وتركها اختيارية لمن يشاء في أوقات العطلة ومحاولة سن القانون المدني الاختياري للأحوال الشخصية والدعوة إلى دمج القضاء الشرعي السني والشيعي بالمحاكم المدنية، وحظر الإعلام الديني أو محاولة ترويضه والتشهير برجال الدين علنًا، عبر الإعلام وسواه، واتهامهم بالتدخل في شؤون السياسة إلا تفصيل خطير وفي سياق واحد، لذلك من الطبيعي أن تستغل السلطة أي خطأ للضرب بقوة تحقيقًا للخطة المرسومة.

 

بين كوسوفا وتركستان

بقلم: محمد صلاح الدين[1]

هاتان قضيتان منسيتان إن لم تكونا مجهولتين بالنسبة لكثير من المسلمين، وذلك لسبب بسيط هو إهمال القوى الكبرى لهما وإعراض الإعلام الدولي

بالتالي عنهما.

 بدأت قضية كوسوفا الألبانية عام ١٩١٨م حين اجتاحتها القوات الصربية بمساعدة الجيوش الفرنسية ثم أعقب هذا الاحتلال ضم هذه المقاطعة الإسلامية نهائيًا إلى صربيا عام ۱۹۱۹م، ومنذ بداية الاحتلال بدأت مقاومة السكان الألبان المسلمين الضارية، والذين يشكلون اليوم ٩٠% من سكان كوسوفا في حين لا يشكل الصرب أكثر من٥ % ولم تتوقف هذه المقاومة خلال فترة الملكية اليوغسلافية، ثم خلال الحكم الشيوعي بقيادة جوزيف تيتو، لكن مأساة كوسوفا دخلت مرحلة خطيرة بعد وصول سلوبودان ميلوسيفيتش إلى سدة الحكم في بلجراد حيث قام عام ١٩٨٩م بإلغاء نظام الحكم الذاتي الذي كانت تتمتع به المقاطعة طبقًا للدستور اليوغسلافي منذ عام ١٩٧٤م، كما أغلق كافة المدارس والجامعات الألبانية وفرض التعليم باللغة الصربية والأخطر من ذلك أن الدكتاتور الصربي بدأ مخططًا قوميًا لتهجير الصرب إلى كوسوفا في محاولة لمحو القومية الألبانية المسلمة، مع حملة قمع إجرامية قام الصرب خلالها بسجن وتعذيب المئات.

بالنسبة لمأساة تركستان الشرقية فقد كانت بدايتها متأخرة حين اجتاحتها جيوش ماوتسي تونج الشيوعية عام ١٩٤٩م ثم ألحقتها بالأراضي الصينية وأسمتها مقاطعة سنكيانج، ويبدو أن الشيوعيين الصينيين كانوا أنجح من الصرب إذ أفلحوا في تهجير ملايين المستوطنين الصينيين إلى ترکستان الشرقية التي تعادل مساحتها أوروبا كلها حتى أصبح المسلمون اليوم لا يشكلون أكثر من ٦٠٪

ورغم أن السلطات الشيوعية قد أبقت تركستان في مستوى متدن من التطور والتنمية الاقتصادية واستغلت أراضيها الشاسعة كموقع للتجارب النووية الصينية مما خلف آثارًا خطيرة على صحة السكان وأحوال

المعيشة في تركستان، فإن ما أثار المسلمين هو إقدام السلطات الشيوعية قبل أكثر من عام على إغلاق المدارس الإسلامية والاحتفالات الدينية التي كانت قائمة حتى عام ۱۹۹۳ م كما اعتقلت السلطات الصينية أكثرمن٤٠٠٠ إمام ومعلم وواعظ وبدأت سلسلة محاكمات وإعدامات علنية كما سجن وعذب الكثيرون.

وكما تضم كوسوفا ثروات كبيرة من مناجم الذهب والفضة والنحاس والحديد، فإن تركستان الشرقية تحتوي أكثر من ٩٠٪ من مناجم اليورانيوم في الصين، كما توجد مكامن هائلة للنفط والغاز بالإضافة إلى أن تركستان في الممر البري الذي يصل الصين بحقول النفط والغاز في قزاقستان وآسيا الوسطى. 

ورغم مطالبة البعض باستقلال تركستان الشرقية وكوسوفا باعتبار أنهما لم يكونا يومًا ما جزءً من الصين أو يوغوسلافيا وأنه جرى احتلالهما بالقوة الجبرية خلال الخمسين عامًا الماضية، فإن القضية الأكثر إلحاحًا اليوم في حرمان المسلمين في هذين البلدين من أبسط حقوقهما الإنسانية في الحفاظ على هويتهم الدينية والثقافية ولغتهم الوطنية وحرية العبادة والتعليم، وكذلك إنكار حقهم في حكم ذاتي يحافظون من خلاله على مصالحهم ويطورون بلادهم وحياتهم.

لكن أمريكا وإعلامها وحلفاءها مشغولون بإنقاذ الأقلية النصرانية، في مصر والسودان واليهود في روسيا، أما المسلمون ومآسيهم ومظالمهم فليس لهم في الموازين الأمريكية من نصيب .

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 12

185

الثلاثاء 02-يونيو-1970

نشر في العدد 18

114

الثلاثاء 14-يوليو-1970