; نظرة تحليلية للواقع الفلسطيني من الداخل (3 من 3) | مجلة المجتمع

العنوان نظرة تحليلية للواقع الفلسطيني من الداخل (3 من 3)

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 21-مارس-1995

مشاهدات 16

نشر في العدد 1142

نشر في الصفحة 44

الثلاثاء 21-مارس-1995

دراسات

اتفاق أوسلو: انتخابات لإفراز سلطة محدودة لإدارة الأراضي

بقلم: الدكتور فؤاد مغربي (*)

سوف يمارس عرفات ضغوطه فقط عندما يتأكد من أن النتائج ستكون بمثابة استفتاء لتمرير سياساته، والإسرائيليون يصرون على عقد الانتخابات لمجموعة صغيرة من الناس الذين سيقومون بإدارة الأراضي، ولكن قبل أن يوافقوا على إجراء الانتخابات سيقومون بانتزاع تنازل كبير، وبالتحديد، إعادة صياغة الميثاق الوطني الفلسطيني لعام 1964م، والذي يحوي بعض الفقرات التي يعترضون عليها، وإذا أصر الإسرائيليون على هذه النقطة الصغيرة وغير الهامة فإنهم سيستمرون في إبقاء عرفات في وضع لا يستطيع فيه أن يحمي نفسه، والاحتمال الأقوى أن يكون هدف حكومة رابين هو تأجيل إثارة هذه المسألة إلى أن يضمنوا النتائج التي تؤكد استمرار سلطة عرفات، وبمرور الوقت سيجدون صيغة قد تكون مقبولة لهم.

متى يشارك الإسلاميون في الانتخابات؟ وكيف؟

إن مسألة الانتخابات تعتبر اختبارًا مصيريًّا يحدد ما إذا كانت الأراضي أمامها فرصة مناسبة للتحول من الحكم الذاتي إلى الدولة أم لا، إن منطق اتفاق أوسلو يتلخص في أن الانتخابات ستعقد بدون شك لانتخاب قيادة ذات سلطة محدودة، تنحصر في إدارة الأراضي بطريقة تشبه تلك التي كانت سائدة في أراضي السود في جنوب إفريقيا أثناء نظام سياسة الأبارتهيد (التميز العنصري)، وليس من المحتمل أن يقود مثل هذا النظام إلى قيام دولة مستقلة، وفي نفس الوقت، ومن وجهة نظر عرفات، يمكن للانتخابات أن تستخدم كاداة ضغط على المعارضة، خاصة الإسلامية منها لكي تنضم إلى التركيبة الجديدة للسلطة، ومن ثم إضفاء الشرعية على الانتخابات ثم على حكمه.

والخط الأدنى هو إذا تم تصميم الانتخابات على أساس أن أضعف الاحتمالات سيسمح للسلطة الجديدة بأن تتحول إلى طور الدولة، فإن على المعارضة في هذه الحالة أن تشارك فيها بصورة كاملة ومفتوحة، ومن ناحية أخرى، إذا كانت الانتخابات ببساطة آلية لإضفاء الشرعية للإجراءات الحالية والسلطة الجديدة، فإن المعارضة في هذه الحالة لن تكسب شيئًا من المشاركة في الانتخابات، وعلى المعارضة أن تشارك في الانتخابات البلدية وانتخابات المجالس المهنية وغيرها من أجل إحكام سيطرتها على مختلف مؤسسات المجتمع المدني والتي تعتبر أكثر أهمية بالنسبة للحياة العامة والسيطرة السياسية.

أهمية الحزب السياسي للإسلاميين

هل يجب على المعارضة الإسلامية أن تكون حزبًا سياسيًّا؟

إنني أميل إلى الرد بإيجاب للأسباب التالية:

1- أن المعارضة الإسلامية يجب أن لا ينظر إليها وهي في موقع التخريب لعملية السلام أو في موقف المعارض لأي شيء حسن قد يأتي للفلسطينيين، وهنا أعتقد أن من المهم التمييز بين عاملين مهمين في المقام الأول، تم بذل جهد كبير لمواجهة اتفاق مخز وإدارة فاسدة وعاجزة، ورغم أن هذا الأمر مهم وعاجل إلا إنني أعتقد وبنفس القدر أن على المعارضة الإسلامية أن لا تفقد تركيز نظرتها على قضية ذات أهمية إستراتيجية أكبر ألا وهي الاستجابة إلى مطالب الشعب الفلسطيني الملحة في هذا المنعطف الحرج من تاريخهم.

2- أن هناك خطرًا ما حقًّا من أن يتحول الخطاب السياسي ببساطة إلى مناظرة غير مجدية وغير مثمرة بين الإسلاميين والموالين للسلطة الجديدة، وبمعنى آخر وفي الوقت الذي تستمر فيه عملية المعارضة يجب أن تتواصل عملية بناء الدولة في نفس الوقت لذلك فإن المعارضة الإسلامية تحتاج إلى أن تعد نفسها إعدادًا إستراتيجيًّا للمستقبل، وذلك بتقديم البديل الأمثل لعرفات والقيادة الحالية.

حزب سياسي للإسلاميين.. ضرورة

إن قيام حزب سياسي سوف يمنح المعارضة الإسلامية فرصة لأن تجد القبول لدى الشعب عامة، وفي أن تبتدع برنامجًا شاملًا ومتماسكًا للحكم، وفي نفس الوقت لدى المعارضة الإسلامية فرصة ذهبية لتكون خلاقة إن هي أخذت في الاعتبار الطبيعة الفريدة والخاصة للنضال الفلسطيني والتاريخ الفلسطيني، وعلى هذا الحزب أن يلتزم بالتقاليد الديمقراطية، وأن يلتزم كذلك بميثاق للحقوق يرعى حقوق الأقليات والنساء، وبمعنى آخر، يجب على المعارضة الإسلامية أن ترد على أولئك الذين يتهمونها بالدعوة إلى إقامة دولة سلفية، وإلى أنها غير ملتزمة بالتقاليد الديمقراطية، وفي نفس الوقت يجب على المعارضة الإسلامية أن لا تتخلى عن تنظيماتها وهيكلها السري، والذي يشكل عصب قوتها ويمثل الدافع الرئيسي لاستمرارية النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي.

إن المعارضة الإسلامية لا تحتاج إلى أن تضع خطوطًا وفواصل صارمة في تحيلاتها للوضع الراهن، ويجب أن تضع في الاعتبار عاملًا هاما وهو بالتحديد الظرف الحالي الذي يتسم بالاضطراب لأنه يمثل مرحلة انتقالية، وهنا من المفيد التمييز بين التحليلات للمدى القريب والتحليلات للمدى البعيد، فبالنسبة للمدى القريب يبدو من الأهمية بمكان أن تحاول المعارضة منع الترتيبات الانتقالية من أن تصبح ترتيبات دائمة وهذا لن يتأتى إلا بمقاومة تلك الترتيبات التي تعمل لإعادة تعريف الصراع، والإبقاء على جذوة المطالب الفلسطينية حية، وعلى سبيل المثال مسألة اللاجئين تبقى مسألة محورية بالنسبة لإيجاد حل عادل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني ولم يكشف النقاب إلا عن القليل من التنازلات الكثيرة التي قدمتها منظمة التحرير الفلسطينية في هذه القضية الهامة إضافة إلى العجز الذي لازم عملية المفاوضات، ويمكن أن ينطبق نفس الشيء على قضايا كثيرة مثل قضية المستوطنات والمياه والأرض، وفي هذه الحالة يبقى من المهم بالنسبة للمعارضة أن تكشف وتفضح مدى التنازلات والشروط التي قبلت بها منظمة التحرير الفلسطينية، وهكذا وفي الوقت الذي ينهمك فيه مفاوضو منظمة التحرير الفلسطينية في مباحثاتهم مع الإسرائيليين والأمريكيين وغيرهم من الشركاء في المفاوضات، ويقدمون التنازل تلو التنازل، نجد المعارضة منهمكة في حوار حول عموميات لا طائل من ورائها.

نضال متجدد للمعارضة

وعلى المدى البعيد، يجب على المعارضة أن تستعد لنضال متجدد يتوقع أن يحدث خلال السنوات الثلاث أو الخمس القادمة وتستمر لوقت طويل، ومن بين المخاطر أن تصبح المسألة الفلسطينية شبيهة بالمسألة الإيرلندية حيث تقوم مجموعة صغيرة من المقاتلين بمواصلة الحرب بإلقاء القنابل والقتل لمدة طويلة، وهذا النموذج ليس مفيدًا بالنسبة للفلسطينيين وليس من المحتمل أن تتوفر خلال تلك الفترة أدنى متطلبات العدالة، وأنا لا أقترح هنا إذابة مركز الوحدات العسكرية أو التخلي عن إستراتيجية المواجهة العنيفة.

إن ما أقترحه في المقابل هو أن لا يكون هذا العمل على حساب الأشياء الأخرى المهمة مثل تعبئة الجماهير للعمل وتقديم الخدمات والمساعدات وطرح بديل أقوى للأوضاع الحالية.

مؤسسات تستجيب لحاجات السواد الأعظم

إن المعارضة الإسلامية تحتاج إلى أن تخلق مؤسسات قوية داخل المجتمع المدني تستجيب لمطالب السواد الأعظم من الشعب، وعلى هذه المؤسسات أن تخاطب أكبر قدر من القطاعات الشعبية، ومن المؤسسات التي تحتاج إليها المعارضة بشدة مؤسسة للمعلومات تجمع بعض كبار العقول والمفكرين المستقلين والناشطين، ومؤسسة المعلومات هذه يجب إنشاؤها في الضفة الغربية، وأن تكون لها فروع في مختلف أنحاء العالم، خاصة هنا في الولايات المتحدة، ويجب تحديد مهامها بوضوح، وأن يوجه عملها لمقابلة احتياجات ومطالب الشعب الفلسطيني، ويجب أن تكون هذه المؤسسة في وضع يسمح لها بإجراء الدراسات والبحوث حول مختلف الموضوعات والخيارات السياسية وعرضها على كل الناس.

إن المعارضة تحتاج إلى أن تستثمر في المجالات الاقتصادية التي تقابل المتطلبات الأساسية للشعب وتحقق الربح الذي يمكن أن يستفاد منه في تمويل الأنشطة الأخرى، ومع استمرار هذه المناشط يجب على المعارضة أن تدخل في أنشطة تقود إلى تدريب الشباب من الرجال والنساء وإعدادهم لتولي المواقع القيادية في مختلف أوجه الحياة العامة، هناك فرص عظيمة أمام الشباب الفلسطيني للاستفادة من التدريب والتعليم في دول عديدة من بلدان العالم مثلًا كنت دائما أقول: إن هناك فرصًا كثيرة للشباب من ذوي الاختصاصات المهنية لتعلم كيفية إجراء بحوث لاستطلاعات الرأي العام من خلال العمل مع بعض مراكز البحث المرموقة في أوروبا والولايات المتحدة، وهناك فرص مماثلة موجودة في كل المجالات العلمية تقريبًا مثل وسائل الاتصالات والرعاية الصحية والاستثمار والتمويل والتصنيع، وخلافه... ومفتاح الحل هو إيجاد مؤسسات موازية ذات فاعلية وقدرة تمكنها من الاستفادة من تلك الفرص، وأن تقيم بدائل للسيطرة البيروقراطية والهياكل التي تزمع السلطة الجديدة في إنشائها.

وهذه مجرد أفكار الهدف منها إثراء الحوار وخلق أفكار جديدة للعديد من المسائل وليس الهدف منها وضع مسطرة أو ورقة عمل، إضافة إلى أنها أفكار ليست كاملة وشاملة، ومن المؤكد أن المحللين الآخرين سوف يثيرون قضايا جديدة والبعض الآخر- بدون شك- سوف يقدم حلولًا أنسب.

خطران رئیسیان

وكما أراها، فإن هناك أمامنا خطرين رئيسيين يواجهان الفلسطينيين اليوم:

الأول هو: الخطر الذي يشكله استيطان محدود، يفتقر إلى أبسط مقومات العدالة سوف يفرض عليهم، وفي المقابل ستكون هناك سلطة فلسطينية فاسدة ومتسلطة تستجيب فقط لمطالب شريحة صغيرة من الشعب الفلسطيني وتتجاهل تطلعات ومطالب الغالبية العظمى، وعلى المدى الطويل سيعيش فلسطينيو الداخل في دولة صغيرة تحت رحمة زعماء متسلطين يتمتعون بحماية السلطات الإسرائيلية والأردنية، وستستفيد فئة صغيرة جدًّا من النظام الجديد، بينما ستزداد الغالبية العظمى فقرًا، أما من تبقى من الشعب الفلسطيني في الخارج فسوف يتركون لحالهم يدافعون عن أنفسهم، وبطبيعة الحال سيعتبر العالم أن القضية الفلسطينية قد حلت أخيرًا وأن السلام قد تحقق، وكل من يعارض هذه الترتيبات سوف ينظر إليه على أنه عدو للسلام.

والخطر الثاني هو: أن المنطقة قد وقعت أخيرًا تحت هيمنة الولايات المتحدة وإسرائيل والأنظمة المتعاونة التي تعتمد كليًّا على الحماية الأمريكية للمستقبل المنظور، في مختلف أرجاء العالم العربي، وما يعنيه هذا هو حدوث هيمنة ثقافية إضافة إلى السيطرة السياسية والاقتصادية لمجموعات معينة، لذلك فإن المقاومة في فلسطين يجب أن ينظر إليها باعتبار أنها جزء من المقاومة الشاملة ضد هذا النوع من الهيمنة.

إن دور المعارضة الفلسطينية حساس؛ لأن هذه البقعة الصغيرة المعروفة بفلسطين سوف تشكل بدون شك الجسر الذي ستمر من فوقه الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية لتغطي كل المنطقة.

التفرق يمكن الصهاينة

 ومن المؤكد أن أخطر شيء يواجه المرحلة الانتقالية الحالية من وجهة نظر فلسطينية، ينبع من خطر التفرق والتشتت فمن خلال شقوق الخلافات الفلسطينية سيتمكن الإسرائيليون وأعوانهم من الفلسطينيين التسلل ومن ثم فرض أسلوبهم الاستيطاني، وخلق حقائق جديدة على الأرض سيكون من الصعب اقتلاعها.

إن الفلسطينيين لا يمكنهم تحمل بذخ الخلافات الطائفية في وقت كانت فيه هويتهم الوطنية أن تتحطم، وفي تقديري أن المرحلة القادمة يجب أن ينظر إليها على أساس أن الخلافات الصغيرة يجب وضعها جانبًا، والعمل على ما يجمع غالبية الشعب من الأهداف الإستراتيجية التي يمكن أن توحدهم، وتبنيها بأسرع ما يمكن، وأهم هدف إستراتيجي هو الحاجة إلى إعادة تاكيد حق الفلسطينيين الذين تحت الاحتلال إضافة إلى الذين داخل مناطق الحكم الذاتي واللاجئين في تقرير مصيرهم في وطنهم، وحقهم في خلق دولة ديمقراطية ذات سيادة، تضمن الحريات الأساسية والرفاهية لكل المواطنين.

(*) أستاذ في جامعة تينسي- شانتوفا، قسم العلوم السياسية- الولايات المتحدة- وهو رئيس سابق لرابطة الخريجين الأمريكيين العرب وعضو سابق في المجلس الوطني الفلسطيني.

الرابط المختصر :