الثلاثاء 13-مارس-1984
• لماذا تكرر السلطات القول «لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين»؟
• أما آن لمسلسل ملاحقة الدعاة في المغرب أن يتوقف؟
اعتقلت السلطات المغربية في مدينة الرباط يوم 27/2/1984م الداعية الإسلامي «عبد السلام ياسين» مدير تحرير مجلة «الجماعة الإسلامية» والمسؤول أيضًا عن جريدة «الصبح» التي أوقفتها السلطات المغربية منذ صدور العدد الأول منها كما تم اعتقال عدد من الشباب المسلم أثناء توزيعهم لجريدة «الخطاب» التي صدرت مؤخرًا تحت مسؤولية الداعية المسلم عبد السلام.
وكان من المقرر أن تتم محاكمته يوم الإثنين 23/1/1984م، بمحكمة سلا الابتدائية.
ومن المعروف أن الداعية المسلم «عبد السلام ياسين» يؤثر العمل الإسلامي العلني وقد أصدر سلسلة من المقالات في مجلة «الجماعة» ضمنها «المنهاج النبوي، تربية وتنظيمًا وزحفًا» كما تصوره وانطلق إلى المسجد يدعو إلى الله على بصيرة وهدى ولكن السلطات منعته، يقول في ذلك: «طلبنا حقنا في ولوج المسجد، ومخاطبة المسلمين بكلمة المعروف، فأنكروا حقنا، بل طردونا من بيوت الله».
فأصدر مجلة باسم «الجماعة» لعله يستطيع أن يكتب للناس ما منع من قوله في المساجد، فمنعت المجلة وصودرت أعدادها... يقول الداعية المسلم بهذا الصدد: «ثم ظهرت مجلة «الجماعة» فصادروا العدد الخامس، ثم جالت الشرطة على المكتبات بعد صدور العدد العاشر وهددوا أصحابها إن هم استمروا في توزيعها بعد اليوم، بل أرغموهم على إمضاء تعهد بذلك، وصادروا ما وجدوه من أعدادها».
وبعدما صادروا مجلته قدم طلبًا للجهات المختصة يطالب بحقه وحق من اتبعوه في «التجمع والتعبير والتحرك» من خلال إنشاء جمعية لهذا الغرض، فرفضت السلطات الموافقة على إنشاء هذه الجمعية بعد أن دار الحوار التالي بين أحد المسؤولين وبين الداعية المسلم:
- أهي جمعية دينية؟
• نطلب حقنا في التجمع والتعبير والتحرك بصفتنا مغاربة، نطلب كل الحريات التي تطلب للمغربي، سياسية وثقافية وحركية.
- لا ينبغي أن تدخلوا الدين في السياسة.
• لا نعرف فرقًا بين الدين والسياسة.
- من أنتم وإلى أي جماعة تنتمون؟
• نبتنا من هذه الأرض وعلى ساحتها نريد أن نتحرك.
- لا ينبغي إدخال السياسة في الدين.
وهكذا، بعد أن رفض المسؤول الموافقة على إنشاء الجمعية طلب من الداعية عبد السلام «إنشاء حزب سياسي» وهو يقصد بالحزب السياسي أن يكون بعيدًا عن الدين.
ولم يكن الداعية عبد السلام ياسين أول من حاول إنشاء جمعية إسلامية أو صحيفة إسلامية في المغرب، فهناك عدد من الجمعيات منها: جمعية تحفيظ القرآن وجماعة التبليغ الإسلامي وجمعية الدعوة إلى الله، وجمعية الدعوة الإسلامية في كل من فاس والدار البيضاء، ثم رابطة علماء المغرب وتصدر مجلة «الميثاق»، وجمعية شباب النهضة الإسلامية وتصدر مجلة «الإيمان»، وأخيرًا جمعية الشبيبة الإسلامية في الدار البيضاء.
كما أن داعيتنا المعتقل لم يكن أول من اصطدم مع السلطة في المغرب فهناك الزعيم المغربي الإسلامي المعروف «علال الفاسي» الذي قاوم الاستعمار الفرنسي في الثلاثينيات حتى ألقوا القبض عليه ونفوه إلى خارج البلاد وبعد الاستقلال عام 1956م عاد إلى المغرب وتزعم حزب الاستقلال كحزب سياسي لأن الحزب الديني محظور ورفض المشاركة في الحكم عام 1972م وانتهج نهجًا معارضًا للسلطة داعيًا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية.
وفي شهر يونيو من عام 1980م اعتقل داعية إسلامي جليل آخر في المغرب هو الشيخ «الزيتوني» بعد أن اقتحم رجال الأمن الدار التي يقيم فيها مع عدد من أنصاره وأطلقوا عليهم النار فسقط شهيدًا وجرح عشرة واعتقل عدد منهم وانطلقت أجهزة الإعلام الرسمية واليسارية تشن على الشيخ «الزيتوني» وجماعته حملة تشويه، علمًا بأن الشيخ الجليل من السلفيين الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يكتمون علمًا ولا يخافون في الله لومة لائم وهو من خريجي جامعة القرويين ومن محدثي المغرب وحفاظه المهرة، ودعوته لا تفرق بين ظلم الإنسان لنفسه بارتكاب المعاصي وظلم الحاكم لرعيته بإرهاقها أو ابتزاز أموالها أو حكمها بغير ما أنزل الله، ولم تخجل آنئذ بعض أجهزة التضليل الإعلامي من القول بأن الشيخ الجليل اعتقل «بسبب إساءته للآداب العامة وخدشه الحياء!!» هذه الأجهزة نفسها لا تعتبر التجارة بالرقيق الأبيض وانتشار نوادي العراة ونوادي الروتاري اليهودية مما يسيء للآداب العامة أو يخدش الحياء!!
وفي 25/12/1975م قتل زعيم الشيوعيين في المغرب «عمر بن جلون» ضربًا أفضى إلى الموت، وقد كان يعمل محاميًا شرعيًا في الدار البيضاء وكان يجاهر بالشيوعية ويدعو إلى تحريم الإسلام.
وعلى إثر ذلك ضربت حركة الشبيبة الإسلامية في المغرب على يد السلطة واعتقل عدد كبير من أفرادها وعلى رأسهم الأستاذ «إبراهيم كمال» نائب رئيس حركة الشبيبة الإسلامية، هذا وقد تبرع للدفاع عن الدعاة المسلمين عدد من المحامين من عدد من الأقطار العربية ولكن السلطات المغربية لم تسمح لأحد منهم من دخول المغرب لهذا الغرض.
ومع أن واقعة القتل تمت علنًا وفي وضح النهار وضربًا حتى الموت لذلك الشيوعي الذي يجاهر بعدائه للإسلام مما يدل دلالة واضحة على أنها غضبة جماهيرية إسلامية عفوية وليس عملًا مخططًا له من تنظيم له وزنه في الساحة المغربية ويهمه ألا يتعرض للملاحقة بالرغم من ذلك فإن أصابع الاتهام توجهت فورًا إلى هؤلاء الدعاة المسلمين وظلوا في المعتقلات عدة سنوات دون محاكمة مما يدل على أن حادث القتل اتخذ مبررًا لضرب هؤلاء الدعاة الإسلاميين النشطين العاملين في صفوف الشباب خاصة.
والأمر الملفت للنظر أن المغرب الشقيق يتغنى بأنه دولة ديمقراطية وبأن تعددية الأحزاب السياسية أمر مباح ولكنه في نفس الوقت يحظر أن يكون الحزب السياسي ذا صبغة إسلامية أو أن يكون الحزب الإسلامي ذا صبغة سياسية انطلاقًا من مقولة السادات سيء الذكر: «لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين».
• إن الصراع القائم في المغرب اليوم هو صراع بين الدعاة إلى الإسلام وبين السلطة ومن حق الدعاة إلى الإسلام أن يقيموا تصرفات السلطة السياسية بميزان الإسلام وأن ينصحوها من منطلق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن يجادلوها بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يتمتعوا بالطمأنينة والأمان.
ومن جهة أخرى فإن من واجب السلطة السياسية في المغرب العربي الإسلامي الشقيق أن تتقبل النقد والنصيحة والإرشاد والتوجيه من دعاة الإسلام، وأن تشجعهم على ذلك وتستمع إليهم ما داموا يصدعون بالحق ويبغون خير الأمة ويلتزمون بالقرآن الكريم والسنة النبوية، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: 159) وقال تعالى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ (آل عمران: 159)، إن ما تواجهه الحركات الإسلامية اليوم من عسف وظلم واضطهاد وملاحقة في ديار المسلمين يدل على أن المخطط واحد وإن اختلف المنفذون.