العنوان محاولة اغتيال مشعل.. المغزى والتداعيات
الكاتب عبد الرحمن فرحانة
تاريخ النشر الثلاثاء 07-أكتوبر-1997
مشاهدات 706
نشر في العدد 1270
نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 07-أكتوبر-1997
تحمل محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية في العاصمة الأردنية عمان عدة معانٍ في مضمونها وتوقيتها ومكانها. فلماذا جرت المحاولة الآن؟ ولماذا اختيرت عمان لتنفيذها؟ وما أهداف العملية؟ وأخيرًا ما تداعياتها؟
المتتبع لمسلسل الصراع الأمني والعسكري ما بين أجنحة الأمن الصهيونية وبخاصة الشاباك وكتائب عز الدين القسام يستطيع أن يلحظ جملة من الاختراقات غير المعهودة التي حققتها الكتائب في جدار الأمن الصهيوني، ويكاد المرء يصل إلى قناعة مفادها أن الصراع الاستخباراتي بين أذرعة الأمن من الطرفين في الساحة الميدانية- فلسطينيًا- أثبت مقدرة الكتائب على مقارعة أقوى أجهزة الأمن في الشرق الأوسط وما يعد من أقواها في العالم وببراعة بالغة، أضف إلى ذلك تطور العمل العسكري لدى الكتائب بدءًا من الاشتباك المسلح الفردي البسيط ومرورًا بتجاوز الدوريات المحمولة ورشقها بزخات من الأعيرة النارية، إلى خطف الجنود والمساومة عليهم وحتى عمليات تفجير الباصات إما بصدمها بسيارات مفخخة أو من قبل القنابل البشرية «الاستشهاديون» الذين انتقلوا من ارتياد الباصات إلى الأسواق ومراكز التجمعات السكانية الاستراتيجية في قلب العمق الصهيوني، ليس ذلك فحسب، بل التخطيط لنسف المباني الضخمة واختطاف الشخصيات الكبرى مثل رئيس بلدية القدس يهود أولمرت، كما كشفت عنه التحقيقات مع خلية القدس الشرقية التي تمكن جهاز الشاباك من تفكيكها مؤخرًا.
لكن التطور والتداعي النوعي الأبرز ظهر في مضمون الأداء العسكري والاستخباراتي على حد سواء في العمليتين الأخيرتين بالقدس، وتجلى ذلك باستحداث الكتائب لطرق مبتكرة ومحكمة للتمويه تمثلت في قطع كافة الخيوط التي تربط الاستشهاديين بقواعدهم، حتى إنه تم انتزاع «نِمَر» ملابسهم لكي لا يعرف مكان صناعتها، أما طريقة التمويه المباشرة للاختراق فقد كانت هي الأخرى فريدة من نوعها حيث ارتدى أحد الاستشهاديين ملابس الشذاذ جنسيًا حسبما أفاد شاهد عيان وهو شرطي صهيوني كان قد لمح هذا الاستشهادي قبيل الانفجار ولكنه لم يتعرض له، وبرر ذلك في التحقيق بأن مكان الانفجار- متنزه في شارع بن يهودا بالقدس- من المعتاد أن يرتاده أمثال الشخص الذي رآه؛ مما يؤكد عمق معلومات أجهزة الرصد لدى الكتائب واستيعابها لتفاصيل خصوصيات المجتمع الصهيوني، وبخصوص التطور النوعي على الصعيد العسكري فتجسد باستعمال أوزان خفيفة من المتفجرات ٣- ٤ كلغم وتوزيعها على عدة أفراد لتسهيل حملها وتهريبها وفي الوقت نفسه لتعظيم قدرة الانفجار من خلال الانتشار المنتظم للاستشهاديين قبيل ساعة الصفر زيادة على ذلك استخدام نوع جديد من المتفجرات لم يسبق استخدامه من قبل الكتائب.
وقد أدى التطور النوعي لأداء الكتائب فيالمضمارين إلى ما يلي:
- ضرب العمق الصهيوني بسهولة وفاعلية وفي أماكن يصعب السيطرة عليها أمنيًا «الأسواقوالمتنزهات».
- حماية القواعد اللوجستية من خلال قطع الخيوط التي تخدم قوافل الاستشهاديين وتزودهم بلوازمهم وتمكنهم من الوصول لأهدافهم.
- إشغال أجهزة الأمن الصهيونية لعدة أسابيع للبحث عن هوية منفذي التفجيرات، وهذا لم يحدث في تاريخ المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني.
ولعل العنصر الأخير هو الذي أنزل هذه الأجهزة إلى أدنى دركات الحضيض في نظر الشارع الصهيوني، وفي هذا الخصوص يقول روبي شكيد مراسل صحيفة يديعوت أحرونوت تعقيبًا على ما أعلنته أجهزة الأمن من توصلها لتحديد هوية منفذي التفجيرات الأخيرة ولأي جهة ينتمون: «إن اكتشاف خلية الانتحاريين في عصيرة الشمالية قضاء نابلس يشكل إنجازًا لجهاز المخابرات الداخلية ولكن هذا الإنجاز لا يجوز له أن يثير أي انبهار أو أوهام وأكد هذا التوجه عدد من المراقبين الأمنيين العسكريين الصهيونيين واعتبروا أن الإنجاز الأخير لا يشكل نجاحًا، لأن مهمة الشاباك من المفترض أن تكون في جمع المعلومات الاستخباراتية لإحباط هذه العمليات قبل تنفيذها وليس الانتظار عدة أسابيع لاكتشاف هوية منفذيها بعد وقوعها، ويضيف المعلق العسكري إليكس فيشمان أنه بعد تحديد هوية منفذي هذه التفجيرات فإن هناك عدة أسئلة ما زالت مفتوحة مثل: من قادة هذه العمليات في حماس؟ ومن أين يأتي التمويل؟ وما طرق الاتصال بين الخلايا؟ وكم عددها؟ وما حجم القاعدة اللوجستية الداعمة؟ وما دور قيادة حماس في الخارج في تنفيذهذه العمليات؟
ولعل المعطيات الآنفة بالإضافة إلى الأس الأمني الذي بنيت عليه عقلية نتنياهو هي التي دفعت الأخير لاتخاذ قراره باغتيال مشعل في عمان، وهي محاولة لتحسين صورته أمام الشارع الصهيوني ودعمًا لحكومته التي دعا برنامجها الانتخابي لتحقيق السلام والأمن معًا، وما يتبع ذلك من تطمين للمجتمع الصهيوني المضطرب أمنيًا، وبخاصة على المستوى الشخصي وتحسينًا لصورة الأجهزة الأمنية التي اهتزت صورتها في عين المواطن العادي ناهيك عن تقديرات الخبراء الأمنيين.
أما لماذا في عمان فلربما لعدة عوامل متضافرة في مقدمتها توافر رموز لحماس- الخارج من الصف الأول في الساحة الأردنية وقربها لسرعة التنفيذ، وعدم توافر الحماية الكافية لهذه الرموز وتحركها بسلاسة في العاصمة الأردنية، زيادة على ذلك توقع الأداء المرضي من قبل السلطات الأردنية في معالجة القضية قياسًا على قضيتي الدقامسة ومحاولة مهاجمة البعثة الدبلوماسية للكيان الصهيوني هناك، وقد عبر أكثر من مسؤول صهيوني عن ارتياحه لأداء الأردن في معالجة القضايا الأمنية بين الطرفين.
ورغم ما أشير إليه آنفًا إلا أن تخطي الكيان الصهيوني للخط الأحمر والحساس في صراعه مع حماس، يعني في طياته نقلًا لحلبة الصراع خارج النطاق الجغرافي لفلسطين المحتلة وما يعنيه من توسيع لدائرة الصراع، وفي هذه الحالة فإن كانت حماس تستطيع تجنيد عشرات الاستشهاديين داخل فلسطين فإنها بالتأكيد قادرة على تجنيد أضعاف هذا العدد خارجها من أنصارها والمتعاطفين معها من كافة البلدان الإسلامية وضد كافة الأهداف الصهيونية في العالم، فهل الكيان الصهيوني قد أعد نفسه لمثل هذا الخيار؟ أم هي ردة فعل متهورة من نتنياهو للهروب من الضغط الداخلي؟ الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة عن مثل هذا التساؤل.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
الصهاينــة يتجهـــون لحســـم الصــــراع ديموغرافيـــاً فــي الضفـــــة الغربيـــــة
نشر في العدد 2180
94
الخميس 01-يونيو-2023

د. حسن خاطر: الصهاينــة يواصلــون تغييــر المشهــد الإسلامــــــي والحضــــاري لـ«الأقصــــى»
نشر في العدد 2182
21
الثلاثاء 01-أغسطس-2023
