العنوان أي ريح تهب على مركب الصومال
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 28-أكتوبر-1980
مشاهدات 17
نشر في العدد 502
نشر في الصفحة 22
الثلاثاء 28-أكتوبر-1980
- مأساة الصومال لا تخرج عن مآسي العالم الثالث من حيث وقوعها في قضية العسكر
- ماذا يعني أن يتولى سياج بري كامل الصلاحيات ويعلن الأحكام العرفية؟!
أحكام عرفية!!
على الطريقة المعهودة في بلدان العالم الثالث المتخلف، حيث يقفز العسكر إلى كراسي السلطة، ويستسيغون الجلوس فوقها، ويفرضون ما يشاءون من قوانين ودساتير وأحكام، ويضطهدون المعارضة مهما كانت بسيطة، ويفرضون الأحكام العسكرية على المواطنين المدنيين، على هذه الطريقة البائسة، أعلن سياد بري رئيس الصومال الأحكام العرفية في بلاده وجمع في يده سلطات مطلقة ولأجل غير مسمى، ورد ذلك في أنباء الثلاثاء 21/10/1980م. وعيد الأضحى في يومه الثالث!!
ولقد علل لذلك بوجود اعتداءات أثيوبية مستمرة على بلاده ولأسباب تتعلق بالأمن الداخلي..
وجاء في الخبر نفسه أن البري أعاد تشكيل المجلس الأعلى للثورة الذي ألغي بعد تشكيل الحزب الثوري الصومالي في يوليو 1976م وقد هاجم الرئيس الصومالي «الانتهازيين» ومسؤولين يشغلون مناصب رسمية قال: إنهم لم يهتموا بمصالح الشعب الصومالي!!
وكل هذا الكلام له معنى وله خلفيات سنحاول في هذه المقالة بيانها بعون الله.
حكم الأقلية:
حكم بري اعتمد أساسًا على أقلية قبلية، فكان معظم أعضاء الحكومة وكبار الضباط من رجال قبيلته «مريحان» التي تتركز في «تل الحمير» ولهذا السبب سقط حكم بري في المحاذير التي يسقط فيها كل حكم يعتمد على الأقلية، فهو فضلًا عن كونه حكمًا عسكريًا أتى به الانقلاب عام 1969م بعد اغتيال عبد الرشيد شار مالكي قد جمع إلى ذلك عنصرية قبلية مقيتة، وغلف ذلك كله التبعية الكاملة للمعسكر الشيوعي واتخاذ الشيوعية عقيدة ومنهجًا في بلد سكانه مسلمون 100% ولكنه متوزع إلى عدة قبائل، ومن هنا نشأت مأساة الصومال الحديثة تحت زعامة بري!!
المعارضة:
تعتبر السنوات الثلاث الماضية من حكم بري الأكثر اضطرابًا وعدم استقرار لعدة عوامل داخلية وخارجية:
أ- داخليًا:
1- لوجود معارضة قبلية.
2- ووجود معارضة شيوعية.
3- ووجود معارضة إسلامية.
ب- خارجيًا:
1- بسبب الحروب الأثيوبية ضد الصومال.
2- بسبب المعارضات الصومالية الخارجية.
المسألة القبلية:
بسبب السياسة القبلية وتقريب الأقارب في السلطة والحزب نشأت منازعات سياسية أدت إلى تجمع معارضة قبلية تبلورت في انقلاب قام به ضباط معارضون من قبيلة «ماجرتين» ولكنه أخفق في حينه، وذلك في أبريل عام 1978م.
وقد هرب بعض الضباط إلى كينية وأثيوبية، وقبض على بعضهم حيث أعدم منهم ثلاثة عشر ضابطًا!! ومن هؤلاء الهاربين تشكلت نواة معارضة في الخارج اعتمدت القبلية أساسًا برداء شيوعي فدعمتها أثيوبية، وعاونتها روسية وأسس هؤلاء المعارضون جيشًا صوماليًا يغلب عليه أفراد قبيلة «ماجرتين» بقيادة العقيد عبد الله يوسف ومشاركة المدني مصطفى حاج نور وسمو تجمعهم «جبهة الخلاص الوطني الصومالي». وقد شاركت الجبهة في حروب أثيوبية مع الصومال.
المعارضة الشيوعية:
اشتهر سياد بري بصبغته الشيوعية، وخاصة بعد فتنته العمياء التي أودى خلالها بعشرة من علماء الصومال عام 1975م وقد ركب موجته الغبية هذه العناصر الشيوعية واستغلته مركبًا ذلولًا، فتسرب الشيوعيون من خلال الأطر الوظيفية العالية إلى مناصب هامة في الإدارة وكانت سيطرتهم تامة تقريبًا، وعندما انقلب البري على حلفائه الروس، تابع هؤلاء مهماتهم في خدمة سادتهم، فحاولوا التخريب ما وسعهم ذلك فعرقلوا تقدم المشاريع الإنمائية وعطلوا كل معاملة إدارية بأي حجة، وكان النظام يعاني منهم ولا يستطيع معهم شيئًا لأنه لا يجد البديل المناسب لهم ولسيطرتهم المحكمة على الأجهزة و يبدو من الخبر الأخير أن الكيل قد طفح بالبري وينوي عمل مجزرة لهم، فاتخذ هذه الخطوة ووجه الاتهام صراحة إلى «المسؤولين الذين يشغلون مناصب رسمية...».
المعارضة الإسلامية:
الإسلام قديم في الصومال، والسكان كلهم مسلمون ولكن المشكلة أنهم مستضعفون في بلد بالاستعمار والفقر... ثم بحكامه المتسلطين، وهكذا كانت مناسبة إعدام العلماء الشهداء في مسألة تحريف القرآن التي ابتدعها البري مناسبة قوية لإعلان ميلاد الحركة الإسلامية الواعية التي اعتمدت على الشبيبة بالدرجة الأولى، فانتشر هؤلاء في المساجد الكثيرة، والمدارس وكل مكان، ولكنهم اصطدموا -بالضرورة- مع عناصر الحكومة، فكانت المصادمات مستمرة، والاعتقالات لا تنقطع حتى في صفوف الفتيات المسلمات اللواتي ارتدين الثياب الإسلامية!!
ويعمل هؤلاء الشباب تحت اسم «وحدة الشباب الإسلامي» في شمال الصومال، وقد أغلق الحكم مكاتب الجماعة وحولها إلى مدارس لتدريس العقيدة الماركسية. وما زالت كذلك إلى الآن!!
وقد تجمعت المعارضة الإسلامية في الجنوب تحت راية «جماعة الإصلاح الإسلامية».
المعارضة الخارجية:
تركزت المعارضة الخارجية في جماعة «الخلاص الوطني» الذين استغلتهم أثيوبية لتحقيق مطامعها في إقليم أوغادين أولًا للوصول إلى الحدود مع الصومال حيث تدفع بعملائها بعدئذ للدخول إلى الصومال والاستيلاء عليه بمعونتها وبمساعدة الروس والكوبيين ويبدو أن الحكم منتبه إلى هذه الخطة ولذلك فهو يدفع بجيشه النظامي أحيانًا إلى داخل أوغادين لضرب الجيش الأثيوبي ولمنع تحقيق هذه المهمة!!
- وهناك جناح آخر للمعارضة الخارجية يتبلور في تجمع سري ويتشكل من المثقفين المطرودين والمهجرين من وطنهم وهؤلاء اتجاههم غربي ليبرالي علماني ولهم مؤيدون داخل الصومال، وتأثيرهم في الداخل يعتمد على الاتصال بهؤلاء.
- كما أن هناك جناحًا ثالثًا للمعارضة الخارجية بدأ يتشكل تحت اسم «الحزب الإسلامي» وقد أعلن عن ولادته مؤخرًا، وله تنسيق وتعاون مع الشباب المسلم في الداخل.
الحرب الأثيوبية:
لقد شكل الأوغادين نزاعًا عنيفًا بين الدولتين ومنذ الانقلاب الشيوعي في أثيوبية ومجيء هيلي مريام عام 1974م وانقلاب الروس على حليفهم البري، وأثيوبية تحاول ضم إقليم الصومال الغربي «الأوغادين» إلى أراضيها، ولكن جبهة تحرير الصومال الغربي بدعم من الصومال نفسه قاومت هذا التقدم الأثيوبي المسلح والمدعوم من الروس والكوبيين وحتى من اليمن الجنوبي!! وفي الوقت نفسه كان الأثيوبيون يدعمون جبهة الخلاص الصومالي التي لها قواعد في أثيوبية ومؤيدون في الصومال ليصلوا إلى حكومة شيوعية موالية لهم ولموسكو بطبيعة حال، ولكن هذه الحرب أفرزت مليونًا ونصف المليون من اللاجئين الذين فروا من أوغادين إلى الصومال، وهؤلاء شكلوا ويشكلون عبئًا عليها، والحكومة لا تأمن لهم كثيرًا!!
المأساة:
كل هذا، ابتداء من المعارضة الداخلية إلى المعارضة الخارجية والحرب الإثيوبية ومأساة لاجئي أوغادين، إلى السياسة الهزيلة لحكومة بري المخفقة تمامًا، إلى عمليات النهب المستمر للمساعدات المقدمة للاجئين.. إلى القحط والجفاف العنيفين... كل هذا شكل مأساة الصومال في العصر الحديث وزاد الطين بلة انقلاب سياد بري على الروس والتحاقه بالأمريكان الذين أوقعوه في حبائل معاهدة من بنودها السرية الدفاع عن الصومال ضد أثيوبية وهجوم الروس والكوبيين عليها، ويقال إن هذه المعاهدة ساعدت على إثارة المعارضة اليسارية ضد النظام !
وأخيرًا؟!
والآن نأتي إلى الخبر الأخير لنفهم حقيقته... يبدو أن هناك عمليات نهب وقتل وتخريب في داخل الصومال تقوم بها جبهة الخلاص وهي موجهة ضد عناصر قبيلة سياد بري ومؤيديه من الحزب والجيش. وقد كان هناك شبه تأكيد على وجود مواجهات مسلحة تقترب من حرب أهلية، فاضطر سياد بري إلى اتخاذ هذه الإجراءات التي لم تأت بجديد، إلا أنها عملية التفاف على الحزب الثوري الصومالي لتسرب العناصر الشيوعية إليه فيتخلص بهذه الطريقة منها ويعيد الاعتبار للمجلس الأعلى للثورة الذي حله بعد تشكيل الحزب الثوري وهو مؤلف من 25 عضوًا من ضباط الانقلاب ومن المتوقع أن يعتقل عناصر الخلاص الوطني ويضرب الشيوعيين وهكذا يتخلص الحاكم من المعارضة اليسارية ومن العناصر التي تؤيدها من داخل السلطة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل