; كلمة.. إلى عقلاء الكويت | مجلة المجتمع

العنوان كلمة.. إلى عقلاء الكويت

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 12-أكتوبر-1971

مشاهدات 21

نشر في العدد 81

نشر في الصفحة 3

الثلاثاء 12-أكتوبر-1971

كلمة.. إلى عقلاء الكويت

 

لم نقرأ في التاريخ، ولم نشهد في الواقع، أن أمة من الأمم اجتمعت في مؤتمر عام، وأجمعت أمرها على خطة «لارتكاب الأخطاء».. في سنة كذا نطبق الخطأ «ب» وفي السنة التي تليها نطبق الخطأ «ت»، وهكذا إلى أن تطبق قائمة الأخطاء المتفق عليها!

لم يحدث هذا قط، وإنما الذي حدث ويحدث، أن ينبعث رجل من أشقى القوم... أو تنبعث مجموعة من الأشقياء، فتمارس نوعًا من الأخطاء والانحرافات وبمرور الزمن -ومع قلة المصلحين والهداة والانشغال بالملذات، ومتع الحياة- يتكاثر عدد المجاهدين بالمعاصي، ولا يزال يتكاثر حتى يطغى على الحياة العامة، ويعلو صوته على صوت الفضيلة والاستقامة، وبالتدرج تجد الأمة نفسها في واقع لم تقره ابتداءً، ولم تسعد به حاضرًا.
 واتقاءً لخطر «استدراج» الكويت إلى هذا الوضع المتعب، نتوجه إلى عقلاء الكويت بهذه الكلمة.

لقد أنعم الله على الكويت بنعمة البِترول، ولذلك فهذه النعمة هي محض فضل الله عز وجل ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ (سورة النحل: 53) والنعمة تقتضي عرفانًا وشكرًا...

إن الكويتيين لو ظلوا ساجدين لله، منذ أن يولدوا، إلى أن يغادروا هذه الحياة، إلى حياة أخرى... لما استطاعوا أن يوفوا بشكر نعمة واحدة من نعم الله عليهم، لما استطاعوا أن يوفوا -مثلًا- بشكر لحظة باردة لطيفة يقضونها في «جو» المكيفات... فما بال بالنعم الأخرى التي لا حصر لها... الغذاء الجيد... والسكن الهانئ، والدواء المتوفر ذات اليد... إلخ...

نعم لو ظلوا ساجدين طول حياتهم -ما وفوا بشكر نعمة الله عليهم... ومن رحمة الله وفضله -وهذه نعمة أخرى- أنه لم يطالب الناس بأكثر مما يستطيعون.

أن يطالبهم -فحسب- بالشكر الممكن... والمتمثل في الاستقامة على أمره... والاعتراف بفضله، وألا تستعمل نعمته في معصيته. والضمير الحي هو الذي يعرف هذه المعاني ويعيشها؛ ذلك أن الرجل الفاضل صاحب المروءة والإحساس النبيل، إذا أُسدى إليه جميل -ولو سلام من غير سابق معرفة- بادر إلى الوفاء بهذا الجميل في يوم ما.

والله -سبحانه- أحق بالشكر لأنه مصدر كل نعمة وبر.
شكر الله على النعمة مطلوب ابتداءً... ومطلوب كذلك من أجل دوام هذه النعمة، فكأي رجل... كان من شعب أسبغ الله عليه نعمه ظاهرة وباطنة، فلما جحد هذه النعمة -بالتمرد على شرائع الله وآداب الإسلام- نزعها الله منه... وعاش تعسًا بائسًا.

ومن الخطأ... ومن الاستدراج -الذي نعوذ بالله منه- فهم أن صور العقاب محصورة، وأنها كلها مرئية. ومن ثم فإن الكويت -وفق الظروف المشاهدة- في منجاة منها... وفي مأمن.

نعني أنه إذا كان بعض المسرفين على أنفسهم في الكويت، ومن ظنوا أنهم قد آمنوا الاحتلال العسكري الأجنبي... وظنوا أنهم قد آمنوا أن تضيع ثروتهم -وهذا في ذاته وهم- فليس معنى ذلك أن صور العقاب الدنيوي قد انتهت ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ، أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ، أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (سورة الأعراف: 98-100)

وإذا كان توقيت البأس -بياتًا أو ضحی- غير معروف... ويأخذ الناس بغتة فكذلك «صور» العقاب غير معروفة وتفجأ الناس... وهم مستدرجون إليها بسبب ذنوبهم!

إن بلادًا جاهرت الله بالمعاصي فنزع منها النعمة... وأصبحت -بعد أن كانت مصدر خير وبركة ونفع- تفتش عن الخبز.. وتبحث عن القرض!

وهناك شعوب جحدت نعمة الله... وتمردت على شرائع الإسلام وأخلاقه، فحاقت بها الكوارث وذهبت بددًا، ومن كلمات عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» وهو يوصي سعد بن أبي وقاص- باتقاء الذنوب «ولا تقولوا: إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا، فرب قوم سُلط عليهم من هو شر منهم! كما سقط على بني إسرائيل من هو شر منهم -لما بمعاصي الله- كفار المجوس فجاسوا خلال الديار وكان وعدًا مفعولًا».

وعقلاء الكويت يمكن أن يتداركوا الأمر، قبل أن ينزع الله النعمة -في أية صورةً من الصور-

إن مظاهر جحود نعمة الله تبدت في أكثر من موقف وأكثر من سلوك وإذا كان الناس - في زحمة العمل وصخب الحياة- يغفلون عن ذلك فإن الله-سبحانه- يَحصي كل شيء ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (سورة المجادلة: 6).

فالشتائم التي تٌكال للإسلام في بعض الصحف والكاتب الذي يغرف من نعمة البترول -نعمة الله- ويملأ بطنه من هذه النعمة قوتًا وعروقه دمًا ويكسو جسده بأحسن الملابس، ويزين بيته بأحسن الأثاث، ثم يستعين بذلك كله ويُسٌخر عقله -لا في خدمة الإسلام، دين رب هذه النعمة- وإنما يُسٌخره، في الاستهزاء بهذا الدين والحط من قدره، هذا النوع من الناس، عمله مرصود، وهو من أسباب العقاب العاجل.

والذين يطالبون بإباحة الخمور -وقد حٌرمت في نص قرآني صريح- يجحدون نعمة الله، وهم سبب من أسباب العقاب العاجل.

والذين يرتشون لكي تزيد من خزائنهم وثرواتهم رطلًا أو طنًا! هؤلاء يفسدون في الأرض ولا يُصلحون، وهم سبب من أسباب العقاب العاجل.

والذين ينشرون -بكل قوة وحماس- الخلاعة والمجون في المجتمع الكويتي، وينقلون إليه «التعاسة الخلقية» من مجتمعات أتعبتها حياة الرذيلة والظلام، هؤلاء يستغلون مال الله في معصية الله... وهم سبب من أسباب العقاب العاجل.

•والذين يمسكون المال ويبخلون به، وينفقونه في المعاصي، ولا ينفقونه في سبيل الله هؤلاء لا يشكرون الله، وهم سبب من أسباب العقاب العاجل ﴿هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم (سورة محمد: 38).

وإزاء هذا كله، نرى أنه ينبغي أن يجمع عقلاء الكويت أمرهـم على خطة راشدة، تعصم الكويت من مزالق «الاستدراج» وتحفظ عليه نعمته وتقيه العقاب العاجل.

 

 

 

الرابط المختصر :