العنوان الانتخابات التركية.. المتنافسون والتوقعات
الكاتب د. سعيد الحاج
تاريخ النشر الجمعة 01-يونيو-2018
مشاهدات 15
نشر في العدد 2120
نشر في الصفحة 48
الجمعة 01-يونيو-2018
الانتخابات التركية.. المتنافسون والتوقعات
أبرز المرشحين للرئاسة: «أردوغان» و«محرّم إينجة» و«ميرال أكشنار» و«موللا أوغلو» و«صلاح الدين دميرطاش» و«دوغو برينتشاك»
إستراتيجية المعارضة تقديم أكبر عدد ممكن من المرشحين لتضييق فرص فوز «أردوغان» من الجولة الأولى
النظام الرئاسي وتغيير قانون الانتخاب ساهما في تشكيل تحالفات انتخابية بين التيارات الواسعة
مع إعلان الرئيس التركي عن تبكير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى 24 يونيو، دخلت تركيا عملياً في أجواء الانتخابات، وهي الأجواء التي رسمت إطارَها النظري اللجنة العليا للانتخابات حين أعلنت عن تقويم الانتخابات.
وقد بدأ رسمياً في 30 أبريل الماضي فتح الباب لتقديم طلبات الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية والتحالفات الانتخابية بين الأحزاب، ويفترض أن ينتهي في 24 يونيو أي يوم الاقتراع داخل تركيا بعد فترة التصويت في المعابر الحدودية والممثليات الدبلوماسية بالخارج بين 7 - 19 من نفس الشهر.
بفعل الانتقال للنظام الرئاسي وبدء تطبيقه اعتباراً من هذه الانتخابات، تبدو الانتخابات الرئاسية أهم وأخطر وأكثر حساسية من البرلمانية.
أبرز المرشحين كما كان متوقعاً هو الرئيس الحالي «رجب طيب أردوغان»، مرشحاً عن حزبه العدالة والتنمية وعن تحالف «الشعب».
في المقابل، فشلت أحزاب المعارضة التي شكلت تحالف «الأمة» (الشعب الجهوري، والسعادة، والجيد والديمقراطي) في التوافق على مرشح مشترك لها في الانتخابات الرئاسية، الإستراتيجية البديلة كانت في تقديم أكبر عدد ممكن من المرشحين، واحد عن كل حزب، لتضييق فرص فوز «أردوغان» من الجولة الأولى وإبقاء الحسم لجولة إعادة، يمكن حينها -نظرياً على الأقل- تجميع المعارضة خلف المرشح المنافس لـ«أردوغان».
قدم حزب الشعب الجمهوريُّ القياديَّ فيه «محرّم إينجة» مرشحاً للانتخابات الرئاسية، وهو من صقور الحزب وأحد أقوى شخصياته؛ حيث نافس رئيسه «كمال كليتشدار أوغلو» مرتين على رئاسة الحزب، فضلاً عن كونه من التيار الكمالي - العلماني الرئيس في الحزب، وكان اختياره -فيما يبدو- استجابة لمطالب أنصار الحزب وقاعدته الشعبية التي لم تعجبها فكرة المرشح التوافقي الذي كان سيكون بالضرورة أحد «المحافظين».
الحزب الجيد -المؤسَّس حديثاً- رشح رئيسته «ميرال أكشنار» الملقبة بالمرأة الحديدية التي كانت وزيرة داخلية في حكومة «أربكان» (1996 – 1997م)، ثم كانت من مؤسسي العدالة والتنمية قبل أن تستقيل منه سريعاً، ويبدو أن حسابات إثبات الحضور وتدعيم فرص حزبها في الانتخابات البرلمانية كانت الدوافع الرئيسة لترشحها؛ وبالتالي مشاركتها في الحملة الرئاسية أكثر من حسابات الفوز في الرئاسية.
حزب السعادة، الإسلامي المحافظ ووريث تيار الفكر الوطني أو «ميللي غوروش» الذي أسسه الراحل «نجم الدين أربكان»، قدم أيضاً رئيسه «تمل كارا موللا أوغلو» كأحد مرشحي الانتخابات الرئاسية، كجزء من إستراتيجية المعارضة المشار إليها أعلاه ولتقوية فرص حزبه في البرلمانية.
حزب الشعوب الديمقراطي، القومي الكردي، رشح رئيسه «صلاح الدين دميرطاش» فيما بدا أنه لعب على وتر المظلومية ورسالة سياسية أكثر منه ترشحاً حقيقياً، ذلك أن «دميرطاش»، الذي شارك في الانتخابات الرئاسية السابقة وحصل على حوالي 9%، يقبع في السجن بفعل محاكمته بتهم تتعلق بدعم العمال الكردستاني والإرهاب.
المرشح الأخير هو «دوغو برينتشاك»، رئيس حزب الوطن القومي اليساري، الذي قدم أوراق ترشحه كمرشح مستقل بعد جمعه 100 ألف توقيع أو توكيل، شأنه شأن «أكشنار»، و«كارا موللا أوغلو» باعتبار أن أحزابهم لا تستطيع ترشيحهم لغيابها عن البرلمان وعدم حصولها على 5% من الأصوات في آخر انتخابات، بينما فشل رئيس حزب العدالة «وجدت أوز» في الحصول على التوكيلات المطلوبة فسحبت اللجنة العليا للانتخابات طلب ترشحه.
الانتخابات البرلمانية
فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية، أعلنت اللجنة العليا للانتخابات قائمة من 10 أحزاب يحق لها المشاركة فيها باعتبارها مستوفية للشروط القانونية، وهي أحزاب العدالة والتنمية، والشعب الجمهوري، والحركة القومية، والشعوب الديمقراطي، والجيد، والسعادة، والاتحاد الكبير، والوطن، والديمقراطي، وتركيا المستقلة، ثم أضافت لها حزب الدعوة الحرة -الكردي المحافظ- بعد إثباته استيفاءه للشروط.
لاحقاً، ولأسباب داخلية، أعلن حزب تركيا المستقلة عن عدم خوضه الانتخابات البرلمانية، بينما امتنع كل من حزبي الاتحاد الكبير والديمقراطي عن تقديم قائمة مرشحيهما بشكل مستقل، حيث سيشارك الأول على قوائم العدالة والتنمية بينما سيشارك الثاني على قوائم الشعب الجمهوري.
اعتماد النظام الرئاسي في البلاد وتغيير قانون الانتخاب بخصوص العتبة الانتخابية (10%) المطلوبة لدخول البرلمان ليشمل التحالفات وليس فقط الأحزاب ساهما في تحول حالة الأحزاب إلى تشكيل تحالفات انتخابية ونوع من التيارات الواسعة، ستكون تركيا في هذه الانتخابات أمام تحالفين رئيسين، يقود الأول (تحالف الشعب) حزب العدالة والتنمية، ويضم إلى جانبه حزبي الحركة القومية، والاتحاد الكبير، فيما يقود الثاني (تحالف الأمة) حزب الشعب الجمهوري، ويضم إلى جانبه أحزاب السعادة، والجيد، والديمقراطي.
يبدو التحالف الأول أكثر تجانساً وتناغماً، متشكلاً من أحزاب يمينية محافظة وقومية، ويجتمع على مرشح واحد للانتخابات الرئاسية، ويقوده زعيم قوي هو «أردوغان»، بينما يبدو التحالف الثاني أكثر تنوعاً؛ إذ يضم أحزاباً علمانية ومحافظة وقومية، وهو التنوع الذي تخشى أوساط هذه الأحزاب أن ينقلب إلى تناقضات داخلية تؤثر في فرصه بالفوز.
ويبقى خارج هذين التحالفين الكبيرين حزب الشعوب الديمقراطي الذي لم يناسبه الدخول في تحالف يضم أحزاباً قومية تركية للعلاقات المتوترة تاريخياً معها، كما لم يناسب أحزاب المعارضة التحالف معه لاتهامه بدعم الإرهاب خوفاً من وصمها بذلك وبالتالي تقويض فرصها، كما بقي خارج التحالفين حزبان صغيران آخران، هما الوطن، والدعوة الحرة (الأقرب للعدالة والتنمية).
التوقعات
قبل الخوض في توقعات الانتخابات المقبلة بتركيا، ينبغي الإشارة إلى أنها حساسة ومختلفة جداً عن كل سابقاتها، فهي أول انتخابات بعد إقرار النظام الرئاسي في استفتاء العام الماضي، وبعدها مباشرة سيبدأ تطبيقه، كما أنها الأولى التي تشارك فيها تحالفات انتخابية بهذه الطريقة وليس مجرد أحزاب، كما أنها انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة بما يزيد من أهميتها وحساسيتها.
كما ينبغي الإشارة أيضاً إلى ضعف شركات استطلاع الرأي التركية بشكل عام بسبب افتقار بعضها للخبرة، وتسييس بعضها الآخر، بحيث يكون ما تعلنه من نتائج محاولة للتأثير على آراء الناخبين وليس انعكاساً لها، ولذلك يصلح العدد الكبير من استطلاعات الرأي التي تعلنها هذه الشركات للاسئناس أكثر من الوثوق بها والاعتماد عليها للحكم على المشهد، ويزيد من تعقيد الأمر اختلاف هذه الانتخابات من عدة زوايا كما أسلفنا.
في التوقعات، تبدو الانتخابات الرئاسية محسومة لـ«أردوغان» لما يمتلكه من اسم وسمعة وإنجازات وكاريزما فضلاً عن تماسك حزبه وتحالف الشعب خلفه إلى حد كبير جداً، إضافة لشعبيته التي يبدو أنه ما زال محافظاً عليها، حيث كان حصل على نسبة 52% في الانتخابات الرئاسية عام 2014م التي كانت أول انتخابات يُختار فيها الرئيس بالاقتراع المباشر من الشعب.
غالب الظن أن الرجل يستطيع إذاً حسم المعركة الانتخابية من الجولة الأولى، رغم صعوبة ذلك في ظل العدد الكبير من المرشحين وخلفياتهم المتنوعة، حيث يشارك في هذه الانتخابات ستة مرشحين، بينما كانوا ثلاثة في انتخابات عام 2014م، ولكن، وبفرض بقاء الحسم لجولة إعادة، تبدو التناقضات بين مكونات تحالف المعارضة (تحالف الأمة) مانعاً من تكتلها خلف المرشح المنافس لـ«أردوغان» الذي سيكون على الأغلب مرشح الشعب الجمهوري «محرم إينجة»؛ ما سيحسم الأمر لصالح «أردوغان».
أما الانتخابات البرلمانية، فتبدو الأمور فيها أكثر تعقيداً وتشابكاً، بفعل التحالفات المنسوجة وتبدل النظام السياسي في البلاد من برلماني إلى رئاسي، فضلاً عن قانون الانتخاب الذي يشترط تخطي العتبة الانتخابية لدخول البرلمان وهي نسبة 10% من أصوات الناخبين في عموم تركيا.
بفعل هذه العوامل، سيكون من المقطوع به دخول سبعة أحزاب على الأقل للبرلمان القادم، هي أحزاب التحالفين الكبيرين، كلٌّ حسب نسبة التصويت له، بينما سيكون من الصعب جداً على حزبي الوطن، والدعوة الحرة، تخطي العتبة الانتخابية وحدهما، ويبدو المشهد غامضاً بالنسبة لحزب الشعوب الديمقراطي.
وحزب الشعوب الديمقراطي تحديداً سيكون «بيضة القبان» في الانتخابات البرلمانية المقبلة، حيث سيؤثر دخوله البرلمان من عدمه على المنافسة والتوازن بين التحالفين الكبيرين، وهو الحزب الذي فاز بنسبة 10.76% في آخر انتخابات برلمانية (2015م) ومثل حينها بـ59 نائباً، قبل أن يتراجع هذا العدد إلى 48 بعد سحب عضوية البرلمان من عدد من نوابه بسبب قضايا تتعلق بدعم الإرهاب، فضلاً عن تراجع شعبيته إلى حد ما مؤخراً بسبب سياساته القريبة من العمال الكردستاني.
سيكون من الصعب جداً توقع نتائج دقيقة لكلا التحالفين، بفعل الانشقاق الذي تعرض له حزب الحركة القومية وتأسيس الحزب الجيد من بعض قيادييه السابقين، فضلاً عن حداثة الأخير وعدم اليقين بوزنه في الشارع التركي، لكن، وبكل الأحوال، تبدو فرص تحالف الشعب أفضل في الانتخابات المقبلة لأسباب عدة، أهمها تجانسه وحسن تنظيمه وقيادته، ولكن ليس على قاعدة الأغلبية المطلقة أو الاكتساح.
المرجح هو حصول تحالف الشعب على نسبة تتراوح بين 50 و55% من الأصوات، وسيكون هذا كافياً جداً خصوصاً في ظل فرص «أردوغان» للفوز في الانتخابات الرئاسية.
لكن تحالف المعارضة يملك أيضاً، ولأول مرة، فرصة الفوز بأغلبية نسبية بسيطة في الانتخابات المقبلة إذا ما أحسن إدارة الحملة الانتخابية، وإذا ما قررت نسبة ما من أنصار العدالة والتنمية عدم التصويت له، تحفظاً أو اعتراضاً.
ولعل نسبة التصويت لحزب الشعوب الديمقراطي تحديداً ومدى قدرته على دخول البرلمان ستكون هي الفيصل بين التحالفين، باعتباره أقرب لتحالف المعارضة وإن لم ينضم رسمياً له؛ وعليه، ففشل الأخير في دخول البرلمان سيعزز فرص تحالف الشعب، بينما سيكون دخوله البرلمان إضافة مهمة لتحالف الأمة وقد يعطيه -لأول مرة- فرصة الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان.
أخيراً، وبكل الأحوال، فتركيا أمام تجربة جديدة بنظام رئاسي وبخارطة حزبية مختلفة هذه المرة، إذ سيكون عدد الأحزاب الممثلة في البرلمان 7 على الأقل، وهي تجربة متجددة في مسيرة تركيا الديمقراطية.
ويبقى القرار الأول والأخير للناخب التركي الذي سيختار يوم 24 يونيو شكل تركيا المستقبلية وقواها وخرائطها ورئيسها
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل