العنوان سبيل الإصلاح
الكاتب محمد بن سليمان العبده
تاريخ النشر الثلاثاء 14-يناير-1975
مشاهدات 22
نشر في العدد 232
نشر في الصفحة 19
الثلاثاء 14-يناير-1975
سبيل الإصلاح
أعتقد أن أي دعوة إسلامية تريد الإصلاح وتتنكب عن منهج الكتاب والسنة سيكون مآلها إلى الفشل إن أجلاً أو عاجلاً. وهذا واضح ومعروف من كلام الرسول- صلى الله عليه وسلم- ففي حجة الوداع قال: «وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً أمراً بيناً. كتاب الله وسنة نبيه» ولكن الناس ينسون هذه الحقيقة ويذهبون إلى بينـات الطريق. وكأن طريق الاعتدال، الطريق الوسط. صعب عليهم وكأن النفوس تميل إلى التساهل أو إلى هذا العمل أو ذاك على أنه من الدين. والحقيقة أن هذا من أسباب ضلال النصارى واليهود أولئك تساهلوا وهؤلاء تشددوا ثم بدأ الانحراف يكبر. والمسلمون مطالبون دائماً بأن يكونوا أمة وسطاً يتبعون الحق والحق دائماً هو ما عليه الرسول- صلوات الله عليه- وأصحابه ولهذا أنكر الإمام مالك- رضي الله عنه- على الذي أحرم من المدينة ولم يحرم من ذي الحليفة قال: أتظن أنك أفضل من رسول الله- صلى الله عليه وسلم؟
فإذا كان الإصلاح لا يتأتى إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة فإن الأمثلة في العصر الحديث كلها رجعت إلى هذين الأصلين. ففي كتاب «تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند» يذكر المؤلف أنه بعد أن طغى الفساد وانغمس الناس في حمأة المادة وراجت الخرافات وذلك في عهد الملك «جهان كير» ١٠١٤هـ ظهر الشيخ أحمد السر هندي بدعوته الإصلاحية يقول مؤلف الكتاب: «فبايعه على متابعة السنة واجتناب البدعة خلق كثير.. حتى خف تيار الإلحاد وطفق الأعيان والأمراء يرجعون إلى الإسلام».
وفي مكان آخر من الكتاب يذكر أن الشيخ أحمد وجه همه إلى علماء السوء الذين يحرفون الكلم عن مواضعه تزلفاً إلى الحكام يقول: «فاعتزم معالجة هذا الداء العضال بالدعوة إلى الكتاب العزيز والسنة النبوية»
وكان من أثر هذه الدعوة الملك الصالح «اورنك زيب» وبعد هذا الملك رجعت الأمور كما كانت من الفساد والجهل حتى جاء الشيخ ولي الله الدهلوي ورفع شعار الرجوع إلى الكتاب والسنة وألف في ذلك كتباً كانت مناراً وضياء يجلو الأفهام.
وأعظم كتبه «حجة الله البالغة» ولكن الشيخ ولي الله لم يتسن له الإصلاح العملي فكانت كتبه هي القاعدة للإصلاح العملي الذي أتمه حفيده الشيخ إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي الذي استطاع مع الشيخ أحمد بن عرفان الشهيد أن يرفع راية الجهاد في شمالي الهند وراية الإصلاح كذلك. وانضم العلمـاء والناس إليهما ولكن استشهاد هذين الرجلين العظيمين في إحدى المعارك أثر كثيراً في هذه الدعوة المباركة. ولكن أثرها العلمي لايزال في الاهتمام الكبير بعلم الحديث.
وفي الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر أيضاً قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته أشهر من أن تعرف ولكن الشيء الذي نحب ذكره هنا هو أثر هذه الدعوة لأنها قامت على الكتاب والسنة وأكبر أثر لها هو انفتاح العقول وانعتاقها من الخرافات وكذلك الجدل الذي قام حولها مما أدى إلى تفتح الأذهان.
وفي الجزائر قام الشيخ عبد الحميد بن باديس ، وبدأ من المسجد.. وبدأ بتفسير القرآن وتعليم اللغة العربية. ومحاربة أهل الطــرق لأن كثيراً منهم كان مطية للاستعمار الفرنسي. بدأ بإرجاع الناس إلى القرآن مباشرة فلما خالطها حب القرآن ونشأ جيل جديد تربى على القرآن لم يستطع الاستعمار أن يقتلع هذه الجذور وخاصة وأن الاستعمار لم يهتم بالشيخ أول أمره.
وكلنا يعلم أثر حركة العلماء التي قادها ابن باديس على حركة التحرر من الاستعمار الفرنسي. وإن كان هذا لا يكتب في التاريخ الحديث.
وهذا كلام لابن باديس في تفسيره يرد على بعض الفرق: «وزعموا أن كمال التعظيم لله ينافيه ان تكـون العبادة معها خوف من عقابه أو طمع في ثوابه وأخطأوا فيما زعموا فإن العبادة مبناها الخضوع والذل والافتقار وهذه الآية رد عليهم ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ (الفرقان: 65-66). وهكذا نرى الفهم العميق للقرآن عند الشيخ ابن باديس وفي مصر قام الشيخ حسن البنا وكذلك دعا للرجوع إلى الكتاب والسنة. وترك التعصب المذهبي وترك الخلافات الجانبية وهذا مبثوث في أقواله ومؤلفاته يقول في رسالة التعاليم:
«والقرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام». ويقول في نفس الرسالة: «وكل واحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم- صلى الله عليه وسلم- وكل ما جاء عن السلف- رضوان الله عليهم- موافقاً للكتاب والسنة قبلناه وإلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالاتباع».
وكان من أثر دعوة الشيخ- رحمه الله- هذا الوعي والفهم للإسلام الذي شمل مساحة كبيرة من البلاد العربية خاصة. وهذا الحنين للعودة للإسلام مرة ثانية.
وهكذا نرى من هذا الاستعراض المختصر لبعض دعوات الإصلاح أنه لا بد من الرجوع إلى الكتاب والسنة فهماً وعملاً وتجرداً ولا يحيد عن هذا إلا كل متعصب لا يريد الحق أو جاهل لا يعرف طريق الحق.
الرابط المختصر :
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل