الثلاثاء 17-أكتوبر-1978
من خلال النتائج التي أسفر عنها مؤتمر كامب ديفيد، يتضح للمراقب إن إسرائيل لا تسعى إلى نيل الاعتراف المصري بحقها واستقلالها وسيادتها وأمنها فحسب، فالمفهوم الإسرائيلي للعبة السلام لا يقف عند هذه الحدود، وإنما هناك وجوه أخرى لا يتحقق السلام اليهودي إلا بتحقيقها، فالطبيعة اليهودية المرابية التي تعرف تماماً قيمة الدور الاقتصادي في هذا العصر، تعتقد أن السلام لا يتحقق إلا إذا منح إسرائيل دورًا اقتصاديًا أوليًا في المنطقة، ويبدو إن أمریکا اهتمت كثيرًا ببناء التقنية اليهودية فيما مضى، لتقوم بالدور الاقتصادي الذي يحقق لها مفهوم السلام في المستقبل، ومنذ أيام قليلة أشار بريجنسكي مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض إلي هذه الحقيقة فقال: إن قاعدة إسرائيل الممتازة في العلوم ستكون هي المصدر الرئيسي لقوتها الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وهذا قول بين الدلالة في توضيح الدور- التقني العلمي الاقتصادي- الذي يراد لإسرائيل أن تلعبه في قلب العالم الإسلامي المتخلف عنها تقنيًا وعلميًا واقتصاديًا، ومن أجل هذا تعتبر إسرائيل السلام ضرورة حيوية، وقد فسر بقوله إن إسرائيل بحاجة إلي السلام كحاجتها إلي الهواء، ووزير الاقتصاد الإسرائيلي لا يعني من ذلك السلام. إلا مفهومه الاقتصادي الذي سيفتح باب الاقتصاد والتجارة المصرية للتقنية الإسرائيلية، وهنا قد يتساءل المرء: لماذا تعلق إسرائيل أهمية كبرى على الجانب الاقتصادي في السلام مع مصر؟ ليأتي الجواب مقنعًا فيما كتبته صحيفة أورينت برس التي قالت أما الفوائد التي ستجنيها إسرائيل من جراء توقيع الصلح مع مصر فلا تعد ولا تحصى، فإسرائيل التي لا تملك سوى التقنية، إنما هي بحاجة ماسة إلي اليد العاملة الرخيصة والأموال والأسواق، وهى تستخدم حاليًا ۸۰ ألف عربي من الضفة الغربية وقطاع غزة، وتدفع لهم أجورًا أقل مما تدفعه للعمال الإسرائيليين بنسبة تتراوح بين 35- ۷۰ بالمائة وهي تطمح بعد الصلح إلي استغلال كنوز سيناء البترولية والمعدنية، ثم فتح الأسواق المصرية لسلعها الاستهلاكية، وفي الحديث عن العلاقة الاقتصادية المتصورة بين مصر وإسرائيل قالت أورینت برس- ومما لا شك فيه إن إسرائيل سوف تقدم التقنين، بينما تقدم مصر اليد العاملة الرخيصة، أما الأموال فسوف تتكفل بها الشركات اليهودية في أمريكا. وقد بدأ أنور السادات يترجم الحلم الصهيوني في الهيمنة الاقتصادية على مصر، حيث وضع حجر الأساس له منذ أيام، وذلك بالاتفاق الذي تم بين الحكومة المصرية وإسرائيل على فتح بين 35- ٧٠ بالمائة وهي تطمح بعد الصلح إلى فتح فرع لبنك- ليئومي الإسرائيلي المعروف في القاهرة وبالمفاوضات المصرية مع أكبر شركة تأمين إسرائيلية لتأليف شركة تأمين مشتركة بين مصر وإسرائيل، ويبدو أن- كارتر- يهيئ الظروف المناسبة لدخول الثقل الصناعي الإسرائيلي إلي مصر بأسرع ما يمكن، فقد صرح متحدث أمريكي أنه إذا انسحبت هيئة التصنيع العربية من مصر، فإن المخططات جاهزة لفتح فرع لمؤسسة الصناعات الجوية الإسرائيلية في مصر، ومن ناحية أخرى تردد الحديث عن إنشاء مشروع موسع يقال إن الغاية منه تعمير الشرق الأوسط والمناطق المحيطة بإسرائيل، ويقوم على تأسيس صندوق تمويل برأسمال قدره 15 مليار دولار تكون الولايات المتحدة المساهمة الأولى فيه وذلك لتمويل المشاريع المشتركة بين مصر وإسرائيل التي تشمل استغلال الثروات الطبيعية وتمويل المشاريع الزراعية، وجر مياه النيل وإقامة مشروعات نفط وغاز مشتركة، وقد ذكر الاقتصاديون اليهود أن هذه المشاريع لن تكلف إسرائيل دولارًا واحدًا، إذ ليس عليها سوى تقديم الخبراء الذي يتهافتون عليها من كل مكان، ولعل النتائج السلبية لن تقع إلا على مصر لأنها ستكون مطالبة بتقديم اليد العاملة الرخيصة وفتح أسواقها الاستهلاكية للمشاريع المشتركة.
وهنا لا بد من التأكيد إلى أن السلام الذي تطمح إليه إسرائيل إنما هو استغلال المنطقة العربية كلها والاستيلاء عليها وعلى مقدراتها بغزو اقتصادي حديث، الأمر الذي يحقق لها الهيمنة الكاملة على كامل المنطقة فيما بعد، وإذا تم لإسرائيل ابتلاع مصر فإن شهوتها للابتلاع لن تقف عند حدود مصر وإنما سوف تتحين الفرص لابتلاع دول المنطقة واحدة بعد أخرى، اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا وعندها سوف تتذكر كل دولة المثل العربي الشهير أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
الاستراتيجية الجديدة.. استغلال الإسلام.. وهذا المؤتمر نموذج!
نشر في العدد 74
20
الثلاثاء 24-أغسطس-1971