العنوان قضية الحكم الذاتي الفلسطيني بين المناورة اليهودية والموقف العربي
الكاتب محمد عبد الهادي
تاريخ النشر الثلاثاء 11-مايو-1982
مشاهدات 13
نشر في العدد 570
نشر في الصفحة 30
الثلاثاء 11-مايو-1982
كان السادات وبيغن يدركان صعوبة تنفيذ الحكم الذاتي الفلسطيني، حينما بعثا برسالتهما المشتركة لكارتر، التي وقعا عليها معًا، وسجل نصها في اتفاقات كامب ديفيد. ولذلك فقد آثر الطرفان أن تكون الإشارة إلى الحكم الذاتي إشارة غامضة أو عامة، فقد ورد في النص أن الطرفين سيشرعان في المفاوضات بهدف الاتفاق على الترتيبات اللازمة «لإقامة سلطة الحكم الذاتي المنتخبة «المجلس الإداري». وورد في مكان آخر من الرسالة نص «إقامة سلطة الحكم الذاتي في الضفة الغربية وغزة من أجل تحقيق الحكم الذاتي الكامل للسكان».
ولا ريب أن إثبات العبارة التي بين قوسين «المجلس الإداري» في الرسالة دليل على أن الإسرائيليين- اللذين لا نشك في أنهم حرصوا على تلك الإضافة- كانوا يتصورون الحكم الذاتي سليبًا من أي سيادة حقيقية، وهذا أمر عبر عنه بوضوح فيما بعد وزير الخارجية الإسرائيلي «شامير» الذي صرح في الأسبوع الأول من شباط فبراير۸۲ أن إسرائيل «لم تقدم الحكم الذاتي للفلسطينيين حتى تتخلى عن يهودا والسامرة «الضفة الغربية» بل لتبقى فيهما».
وهكذا يدور جانب كبير من الخلاف بين مصر وإسرائيل حول مسالة السيادة في مفهوم الحكم الذاتي لدى كل منهما.
فالإسرائيليون يصرون بأن سلطة الحكم الذاتي يجب أن تكون هيئة تنفيذية بحتة تتكون من «۱۳» مختصًا يرأس كل منهم دائرة من دوائر المجلس الإداري، دون أن تتمتع هذه الهيئة بأية سلطة تشريعية. ويصر الإسرائيليون على أن الحكم الذاتي الممنوح «!» للفلسطينيين لا يمكن أن يتحول إلى حكم ذاتي سياسي أو إلى سيادة.
من جهة أخرى يرفض الإسرائيليون اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة للفلسطينيين في المناطق المحتلة.
وحول مسألة القدس، ما يزال بيغن متشبثًا باعتبارها عاصمة أبدية لإسرائيل، ولذلك يبدي تعنتًا شديدًا حول ما يتصل بها من قضية الحكم الذاتي، فقد رفض في مباحثاته مع «هيغ» في النصف الأول من شباط ٨٢ أن يسهم عرب القدس في انتخابات الحكم الذاتي في المناطق المحتلة..
أما الجانب المصري فيقترح أن تقوم بسلطة الحكم الذاتي هيئة تشريعية تتألف من ثمانين عضوًا، يتم انتخابها في المناطق المحتلة، وذلك بهدف أن تتمتع هذه الهيئة بممارسة بعض السلطة الفعلية، وكذلك يأمل أن يشجع هذا العدو الكثيرين من الفلسطينيين للترشيح في الانتخابات، مما يعزز من شرعيتها وقبولها.
بيد أن بيغن يرفض زيادة عدد أعضاء اللجنة القيادية للمنطقة التي يشملها الحكم الذاتي من «۲۰» إلى «۸۰»، بل رفض أن يزيد عددها إلى «٤٠»، كما اقترح عليه هيغ في زيارته الأخيرة لإسرائيل. ويهدف بيغن من ذلك الإصرار على سلب تلك الهيئة للسلطة الفعلية أو السيادة، فكثرة العدد توحي- في نظر بيغن- ببرلمان فلسطيني مصغر.
ويزيد من تعقيد الأمور بين الجانبين قضية القدس، ولعل إصرار بيغن على زيارة الرئيس المصري حسني مبارك للقدس يجد مغزاه من هذه الزاوية، بل لقد صرح بأنه لن يجري مفاوضات الحكم الذاتي إلا في القدس.
ويلقي زحف المستوطنات الإسرائيلية في المناطق المحتلة ظلالاً عميقة على مسألة الحكم الذاتي، ذلك بأن إصرار إسرائيل على بناء المستوطنات وبقائها مرتبط بموضوع السيادة نفسها. فواقع الأمر أن سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني لن تكون مبسوطة على المستوطنات القائمة في المنطقة المحتلة، مما يحول بين الفلسطينيين وبين كامل سيادتهم، وهكذا يفقد الفلسطينيون عمليًا السيطرة على شؤونهم ما داموا لا يملكون سيطرة ما على المستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون بينهم، يضاف إلى ذلك أن تعزيز المستوطنات له تأثير كبير في المفاوضات التي يفترض أن تتم في أعقاب المرحلة الانتقالية «التي تمتد خمس سنوات» تلك المفاوضات المتعلقة بمستقبل الأراضي المستقلة ذاتيًا، لتحديد الوضع النهائي لهذه الأراضي.
أما الفلسطينيون- وهم أصحاب الحق الأول في القضية- يدركون بوضوح أبعاد هذه المؤامرة وهم يرفضون- سواء منهم من كان في الأراضي المحتلة أم خارجها- مفهومات الحكم الذاتي التي يتداولها الأطراف، دونما اعتداد بالقرار الفلسطيني. ولقد وصف ياسر عرفات الحكم الذاتي- في مقابلة له مع مجلة التايم الأمريكية في مطلع هذا العام- بأنه مجرد خدعة، وقال: إنها «حتى لو نجحت فهي لا توفر فرصة لقيام دولة فلسطينية، وهذا مطلب أساسي لمنظمة التحرير».
وبينما يصر الإسرائيليون على عدم الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا للفلسطينيين، يبدي الفلسطينيون في الأرض المحتلة إصرارًا معاكسًا، من خلال انتفاضاتهم العارمة ضد مشروع الحكم الذاتي، ورفضهم لروابط القرى، التي تعتبر خطوة من خطوات «الخدعة».
ولقد برز بوضوح دور الأردن في هذه المرحلة، بعد أن أثارت تصريحات الإسرائيليين الاستفزازية المخاوف الأردنية، خاصة تصريحات شارون الذي يرى في الأردن الدولة الفلسطينية، وهذا يعني إبقاء الضفة الغربية وغزة تحت الاحتلال الإسرائيلي نهائيا. وقد أكدت تلك المخاوف تصريحات وزارة الخارجية الأمريكية، المنسجمة مع التصريحات الإسرائيلية، وبسبب هذا كله كان رد الأردن على الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية وتشكيل روابط القرى ردًا سريعًا عزز من الموقف الفلسطيني من مسألة الحكم الذاتي. ولا ريب في أن المراقبين لاحظوا في الفترة الأخيرة نوعا من التقارب الفلسطيني الأردني.
الموقف اليهودي الأخير من القضية:
تساءلت صحيفة نوفيل أو بسرفاتور الفرنسية قائلة:
«هل هناك، أو هل ستكون هنالك لقاءات سرية أخرى بين شخصيات فلسطينية تنتمي إلى منظمة التحرير الفلسطينية وبعض الساسة الإسرائيليين؟».
وكان الصحيفة في استنباطها للإجابة من خلال طبيعة الموقف السياسي اليهودي في الضفة والقطاع أرادت أن تنفي حصول مثل هذه اللقاءات في الفترة الراهنة. ذلك أن التوجه السياسي لمنظمة التحرير لم يعلن حتى الآن عن رغبته في إجراء أي شكل من أشكال التفاوض مع الحكومة الإسرائيلية. وإذا كنا نميل إلى عكس هذا المفهوم، بحيث يمكننا الاستشهاد بما يهمس به السيد ياسر عرفات في بعض لقاءاته حيث يعتقد أن أية أيديولوجية فلسطينية لا بد وأن تفكر بصورة من صور الذاتية، ولو تحقق ذلك على قطعة أرض لا تزيد على بلدة صغيرة، وأن أية استراتيجية للتحرير لا بد وأن تحتسب في خطتها وجود الأرض التي يتمكن أن يتحرك منها الفلسطينيون بشكل يضمن صورة ما من صور الحرية.
إذا كنا نميل إلى أن هذا التوجه كان أساسًا من العمل الفلسطيني «السياسي» فإننا نعتقد أن الجانب الآخر «الحكومة اليهودية» لها حسابات أخرى مع قضية الشعب الفلسطيني وأرضه، فضلًا عن مسألة الحكم الذاتي، فاليهود اليوم أعلنوا مرارًا أن مفهومهم للحكم الذاتي غير المفهوم العربي. وغير المفهوم الفلسطيني.. بل وهو مختلف عن النفور المصري في بعض نقاطه- كان هذا يبرز في الجدل من وراء كواليس الانسحاب الإسرائيلي من سيناء- واليوم.. حيث عادت سيناء لمصر، هل ظل الموقف اليهودي أشبه بموقف المناور من القضية، أم أن شيئا ما قد جد وبان في الأفق؟
لقد لاحظ العالم بأسره أن رئيس الوزارة الإسرائيلية مناحيم بيغن يشدد إجراءاته القمعية ضد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا يكتفي بيغن بذلك، وإنما يتخذ المزيد من الإجراءات التي تستهدف تشديد القبضة الإسرائيلية على هذه الأراضي، فقد أعلن أخيرًا أنه يعتزم الإسراع في «استعمار» منطقتي «يهودا والسامرة» على حد تعبيره، وذلك عهد إقامة المزيد من المستوطنات اليهودية لاستيعاب «١٥٠» ألف مهاجر يهودي جديد حتى عام ١٩٨٥.
على أن المعارضة الإسرائيلية التي يحسب لها حساب من قبل حكومة بيغن إزاء المواقف اليهودية المصيرية تألف الحكومة الحالية التي تمهد بإحداث بعض إجراءات الاستيطان والضم. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن بعض أجنحة المعارضة اليهودية تقدمت بمشاريع «الحكم الذاتي للحكومة» من خلال النظرية الأمنية لدولة إسرائيل. ويعد أشهر تلك المشاريع مشروع اليهودي اليساري «يوسي ساريد» الذي تضمن «الاعتراف المتبادل والمتزامن بين الفلسطينيين وإسرائيل كنقطة أساسية». وأما عن مستقبل الأراضي العربية المحتلة فيميز ساريد في خطته السلمية بين السيادة الفلسطينية ومتطلبات أمن الدولة اليهودية.
ووجهة نظره تتلخص في ضرورة إقدام إسرائيل على الجلاء عن الأراضي العربية المحتلة إلى حدود يونيو عام ١٩٦٧ بشرط أن يحتفظ الجيش الإسرائيلي ببعض النقاط الاستراتيجية.
على أن المدافعين عن هذه الخطة السلمية لا يستبعدون أيضا احتمال إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة، إلا أن بعضهم يفضل أن تكون هذه الدولة في حال قيامها مرتبطة فيدراليًا بالمملكة الأردنية الهاشمية.
وإذا كان تحقيق هذا المشروع أو جزء منه يبدو مستحيلًا في مثل هذا الظرف، فإنه لا بد وأن تبحث عن دقائق التصور الحكومي في الوزارة الإسرائيلية.
لقد كتبت التايم الأمريكية مقالا حول «أربيل- أريك- شارون» وزير الدفاع الإسرائيلي كشف فيه عن بعض خطوط اللعبة اليهودية بالنسبة للأراضي العربية المحتلة. فقد أشارت إلى أن شارون أدهش في البداية الجميع بتصريحاته التي كانت تبدو معتدلة، حيث أقام إدارة مدنية في الضفة الغربية، وبدت هذه السياسة محيرة بالنسبة لمهيج عسكري تضمنت حملته الدبلوماسية. لكن في الشهر الماضي اتضح أن سياسة شارون المدنية كانت عباءة تختفي تحتها السياسة الأكثر تشددًا، والتي لم يسبق لإسرائيل أن مارستها في الأراضي المحتلة.
لم تنخدع إلا قلة من أهالي الضفة الغربية، وتذكروا أن شارون نفسه هو الذي ضاعف عدد المستوطنات التي أقامتها الحكومات اليهودية السابقة خلال عقد من الزمن بصفته وزيرًا للزراعة من سنة ١٩٧٧ إلى سنة ۱۹۸۱ في عهد حكومة مناحيم بيغن الأولى، وقد أعلن شارون قبل شهر ونيف عن نيته بسحق أي تأييد لمنظمة التحرير الفلسطينية عندما عزل في الشهر الماضي ثلاثة من رؤساء البلديات في الضفة الغربية المنتخبين من قبل الفلسطينيين وقتل العديد من الشباب في المظاهرات التي أعقبت ذلك.
ومما سبق إذا أردنا الوقوف على عناصر التصور الإسرائيلي للحكم الذاتي الفلسطيني، فإن حكومة بيغن تصر على أن تكون سلطة الحكم الذاتي «هيئة تنفيذية» بحتة تتكون من ۱۳ مختصًا يرأس كل منهم دائرة من الدوائر، دون أن تتمتع بأية سلطة تشريعية.
وتنص وثيقة الحكم الذاتي الإسرائيلية على خمس سنوات فترة انتقالية، تبدأ بعد تشكيل سلطة الحكم الذاتي الإداري الفلسطيني، ويتم في أعقابها التفاوض بشأن مستقبل الأراضي المستقلة ذاتيًا بين الأطراف لتحديد الوضع النهائي لهذه الأراضي.
وعلى الصعيد العملي يعمد الإسرائيليون إلى خطة تبدأ بإلغاء الحكومة العسكرية والإدارة المدنية الإسرائيلية، ويتم انتشار القوات الإسرائيلية، وتنسحب القوات الباقية في قطاعات وصفتها إسرائيل بأنها «قطاعات أمن» لضمان ما أسمته أمن إسرائيل وأمن المواطنين العرب وأمن اليهود. وقطاعات الأمن هذه تمتد في المنطقة الوسطى من شمال قرية عين بير في قضاء رام الله حتى قرية بيت نجار بمنطقة بيت لحم، واعتبرتها إسرائيل منطقة مغلقة.
وواقع الأمر أن هذا يعني أن إسرائيل ستتمكن بذلك أن تستولي على ما تبقى من المدن والقرى في هاتين المنطقتين، إضافة إلى قرى محافظة القدس، ثم تقوم بربطها ربطًا نهائيًّا بالأراضي المحتلة.
يتبع
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالصهاينــة يتجهـــون لحســـم الصــــراع ديموغرافيـــاً فــي الضفـــــة الغربيـــــة
نشر في العدد 2180
106
الخميس 01-يونيو-2023