العنوان معالم على الطريق: إستراتيجية الهجرة
الكاتب د. توفيق الواعي
تاريخ النشر السبت 09-يناير-2010
مشاهدات 14
نشر في العدد 1884
نشر في الصفحة 41
السبت 09-يناير-2010
كان من إستراتيجية الهجرة التي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم:
- الحفاظ على اللبنات جسديًا ونفسيًا.
- البحث عن قاعدة آمنة.
- سرعة الحركة واستيعاب حوادث التاريخ ومعرفة الواقع المعاش.
- قدرة على معرفة توجهات الخصم ومقدرة على حساب تلك التوجهات.
الإستراتيجية التنفيذية للهجرة
لمعرفة الرسول صلى الله عليه وسلم بتوجهات المجتمع الجاهلي وبترجمته الرياح الصراع العاصف الذي يجري على الساحة المكية عزم على اتباع إستراتيجية محسوبة وبدقة لانتشال الطاقات المؤمنة من حلبة الصراع الدامي - إلى حيث القاعدة التي أعدت لاحتضان الرسالة الجديدة وإقامة الدولة القادمة وانطلاق الدعوة المرتقبة بأقل خسائر ممكنة، وتمثلت هذه الإستراتيجية في:
1- تأمين القاعدة الجديدة تأمينًا محسوبًا لا يدع مجالًا للمفارقات:
استغرق سنتين حتى سرى الإسلام في المدينة، وأرسلت طلائع الدعاة إليها وجاءت بنتائج طيبة ومبشرة وبوفود كثيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ عليهم العهد والميثاق على المنعة والجهاد في سبيل هذه العقيدة، ولاقت وفود المهاجرين كل ترحاب وإيثار وحب، وتشوق الكل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- عدم المجازفة في أي أمر من الأمور وحساب كل أمر وبحثه ومعرفة جوانبه ومدخله ومخرجه:
فقد علمنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأذن لأحد بالذهاب إلى المدينة إلا بعد تأمينها وأخذ العهد على أوسها وخزرجها، وسرت فيهم معاني الأخوة الحقة، حتى أنه لم ينزل مهاجري على أنصاري إلا بقرعة لحبهم وإيثارهم لإخوانهم المهاجرين، ويظهر ذلك في خطوات الهجرة التي ظهرت بعد ذلك.
3- عدم التعرض إلى مواجهات:
فقد عرضت الوفود الأنصارية على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تميل على أهل منى بالسيوف، فأمرهم الرسول بالكف عن ذلك قائلًا: لم نؤمر بهذا بعد .. وكانت خطة الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة كلها تسير على هذا المنوال.
4- السرية التامة في كل حركة وتناغم تلك السرية مع عدم المواجهة فتكون ستارًا من دخان الخداع النفسي والعملي حتى تتم عملية الهجرة بسلام:
فكانت اجتماعات الرسول صلى الله عليه وسلم بالوفود سرية، وكان حضه لأصحابه على الهجرة مقرونًا بالسرية وفي جوف الليل وتحت جنح الظلام.
5- التخطيط والترتيب والاستعداد المسبق والوقت المحسوب:
فما كانت الهجرة ضربًا من المصادفات، أو عملًا جزافيًا أو وقتيًا، وإنما كانت نتاج جهد وزمن وبحث وتقص، وعمل دؤوب ومبرمج أدار عقول جهابذة قريش، حتى فتح القرشيون يومًا أعينهم على مكة وقد أقفرت من المسلمين.
6- الخداع والمكر الذي يبنى على حسابات دقيقة ومخططات متناغمة مع عوامل النصر:
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (الأنفال: ٣٠).
مجتمع هائج يمكر كله ويمعن في الحيل للقضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اجتماع الندوة: يجتمع المشركون في دار الندوة ليضعوا اللمسات الأخيرة - وفي سرية تامة - لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم بأيدي كل قبائل قريش وبمشاورتهم كلهم حتى يتفرق دمه في القبائل ويكون هدرًا ، ويضع بني عبد مناف أمام أمر واقع وتفرغ قريش إلى الأبد من الرسالة وصاحبها، فيعلم الرسول بالأمر.
قراءة في العقل المشرك: وكان دائمًا على ستوى الأحداث ومستعدًا لها من زمن لأنه يقرأ دائما في عقلية المجتمع الجاهلي، ويواكب تسلسل خططه، ويتفاعل مع مؤامراته ويمكر لها خيرًا من مكرهم ويعد لها أفضل من إعدادهم، وأتصور لو لم يكن هناك إعداد مسبق من الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا كان سيجدي علمه بليلة تنفيذ حكم الإعدام؟ وأين المفر والدنيا كلها مستنفرة؟ وهكذا كان شأن الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأسباب المعتادة، يقوم بها ويعد لها إعدادًا كأنها كل شيء في عوامل النجاح - ثم يتوكل على الله بعد ذلك - ولم يدع في حسبانه شيئًا.
تكتيكة الحركة للخطوط العمياء: ومن ثم فإنه صلى الله عليه وسلم وضع خطته في سرية تامة، وأعد ناقتين شديدتين وعلقهما وأراحهما حتى تقدرا على القيام بالمهمة، واستأجر خبيرًا بطرق الصحراء، ليستعين بخبرته على مغالبة المطاردين، واختار مكان الاختباء بعيدًا ومموهًا على المشركين، ثم نظم من يأتيه بالأخبار، ومن يأتيه بالطعام، ومن يراقب الطريق ويعفي على آثار الأقدام، واختار من ينام مكانه ومن يؤدي الأمانات، ومن سيصحبه في الرحلة، وحدد الوقت الذي تبدأ فيه ساعة الصفر لتنفيذ المهمة، ثم وضعت الخطة بعد ذلك على بساط البحث مع أبي بكر رضي الله عنه، وخرج رسول الله صلي الله عليه وسلم متسللًا جنوبًا على طريق اليمن ولجأ إلى جبل ثور ثم توقف عن المسير ثلاثة أيام ريثما هدأت ثورة قريش وينسوا بعد بحث مستميت ثم خرج يسير في طريق غير معتادة أو معبدة للسير يسير ليلًا ويكمن نهارًا، إلى أن وصل يثرب، خطة محكمة واستراتيجية ناجحة تنزل عليها نصر الله سبحانه وتعالى.
نصر ونجاح: ونجح الإسلام في تأسيس دولة له وسط صحراء تموج بالعداوة والكفر والجهالة، وتنادى المسلمون إليها من كل حدب وصوب، وتعاون الكل في تشييد مجتمع ترقبه الدنيا وتتعشقه الحياة وتلحظه عناية الله سبحانه، وهبت نسمات الزمان مرددة قدر الله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور: ٥٥)، صدق الله العظيم.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل