العنوان رسالة إلى الفضائيات العربية والإسلامية .
الكاتب أ. د. عبد المنعم الطائي
تاريخ النشر السبت 19-يوليو-2008
مشاهدات 13
نشر في العدد 1811
نشر في الصفحة 66
السبت 19-يوليو-2008
على ما تقدمه الفضائيات العربية والإسلامية منها بصفة خاصة من جهد إعلامي مبرمج هادف، إلا أنها بحاجة إلى المزيد في زمن تضخم الآلة الإعلامية بشكل أسطوري، ووصول الخطاب – أيا كان – في التو واللحظة إلى كل الناس في كل مكان، إنه تحدٍ خطير قد يطوينا؛ إن لم نعرف سبل الاستجابة الناجعة له، والتعامل معه، وقد يمنحنا قدرة هائلة في إيصال خطابنا إن استطعنا توظيفه في وتائره العليا.
وأول ما يلاحظ على الفضائيات المعنية بالخطاب الإسلامي أن كلًا منها يعمل على انفراد، وكأنه جزيرة منعزلة، وأن جسور التواصل بين هذه الفضائيات مقطوعة تمامًا. هذا إلى جانب أن الفضائية الواحدة لا تكاد تملك برنامج عمل ذا عمق استراتيجي بعيد يرى بوضوح ما كان، وما هو كائن، وما يجب أن يكون، وقد ينجرُّ بعضها في العديد من برامجه إلى ردود أفعال، بالسلب أو بالإيجاب، لما يقدمه الآخر، بينما يتحتم أن نبدأ نحن أفعالنا من ذوات أنفسنا.
والعديد من القنوات يمارس نوعًا من التكديس، وعدم التوازن في المواد المقدمة، ليقود المشاهد – أحيانًا – إلى الملل الذي قد يدفعه إلى البحث عن قنوات أخرى فضلًا عن الأخذ بالجد الكامل الذي يغيب معه الترويح والترفيه، مما يدفع هو الآخر إلى الانصراف عن القناة.
ومنذ زمن ليس بقريب أصبح الإعلام علمًا له أصوله وقواعده، وأنشئت له المعاهد والكليات والأقسام، وغدا من الضروري توظيف الخبرات الحرفية في الفضائيات، وعدم استقدام كل من «هب ودب»، من أجل ترشيد مسيرة القناة، وبناء برامجها على رؤية تخصصية تعرف ماذا تأخذ وماذا تدع.
هذا إلى وجود نوع من عدم التفريق بين خطابنا لذوات أنفسنا كمسلمين، وبين التوجه بالخطاب إلى «الآخر» من غير المسلمين، الأمر الذي يحتم إعادة النظر في العديد من برامجنا، وصياغتها في ضوء هذه الثنائية، فيما يمكننا من بناء أنفسنا من جهة، وإيصال الرؤية، والمشروع الإسلامي «للآخر»، والتأثير فيه، وإقناعه، من جهة أخرى.
وإنها – والحق يقال – أمانة كبيرة في أعناقنا جميعًا، أن «نوصل» القول إلى الآخر بأكبر قدر من العمق، والوضوح، والشفافية، وإدراك البعد الفكري، والنفسي، والثقافي لهذا الآخر؛ كي نتمكن من اختراقه، وربما كسبه في نهاية المطاف.
إن المسألة لا تقف عند حدود رد التهم الموجهة إلينا، والدفاع عن أنفسنا ضد المهاجمين، وإنما أن نبادر فنقدم لهم مشروعنا الحضاري في زمن الحوار، والصراع الحضاري؛ لكي يكونوا على بينة من الأمر، ولكي يروا بأم أعينهم عناصر ومفردات هذا المشروع الذي قل نظيره – بل انعدم– بين المشاريع الوضعية والدينية المحرفة، والذي يعد بخلاص الانسان والبشرية: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (يوسف: 108).
يمكن استدعاء بعض كبار المفكرين، والباحثين، والفلاسفة، والكتاب، والأدباء، والفنانين، والساسة، والدبلوماسيين ممن أدهشهم هذا الدين في بنيته الشمولية، أو في بعض حلقاته، لتبادل الحوار معهم وتوظيف مواقفهم الإيجابية من الإسلام، وهم كثيرون، كثيرون جدًا يتجاوز عددهم العشرات والمئات بفضل الله سبحانه، ويمكن استدعاء من انتهى به الأمر من هؤلاء إلى الانتماء للإسلام؛ لكي يتحدث عن تجربته، إلى جانب تخصيص حلقات للكتب والإصدارات الأكثر أهمية عن هذا الدين، فيما يكتبه غير المسلمين، ووضعها في دائرة الضوء.
يمكن أيضًا توظيف جانب من الإنتاج الفني السينمائي أو المسرحي، أو التسجيلي، الذي عرف كيف يتعامل مع الخبرة الإسلامية، ويكشف عن عناصر القوة والتألق فيها.
بالإضافة إلى ضرورة تخصيص مساحات مناسبة للبث باللغات العالمية الأكثر انتشارًا، بل إنشاء قنوات لا تبث إلا بواحدة أو أكثر من هذه اللغات.
إنها فرصة ذهبية لتعريف العالم بأبعاد مشروعنا الإسلامي، فضلًا عن جانب ذلك، إطلاعه على ما يجري في الساحة الإسلامية من المشكلات، والأحزان، والمعاناة، والآلام، والآمال، والضغوط القاهرة، التي يسلطها الآخر على المسلمين، وصيغ الرد المناسبة لمواجهة هذه الضغوط. إن إعلامًا إسلاميًّا لا يعرف كيف يتحدث عن مسلمي العالم، لا يمكن أن يكون إسلاميًّا، وإن الأمة التي لا تعرف كيف توصل همومها ومطامحها إلى سمع العالم وبصره، لا يمكن أن تكسب عطف العالم واحترامه!!
وفي مقابل هذا كله، فإن ثمة فرصة أخرى يمكن أن يمارسها هذا الإعلام، متابعة عوار الحياة الغربية، وتضحلها الروحي، ونزوعها المادي، وانكساراتها الأخلاقية، وغياب منظومة القيم الدينية، والإنسانية في سلوكها الفردي والجماعي، وطغيان منطق القوة والاستئثار في تعاملها مع الآخر، وتصاعد وتائر الجريمة المنظمة في بلدانها، وهو بمجموعه يمثل تيارًا رماديًّا ينذر بالويل، ويعكس حالة حضارة اختارت أن تشذ عن كلمة الله، بل أن تعلن حربها عليه.
هنالك مبدأ عسكري يقول: «إن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع»، ونحن بتوظيف فضائياتنا في الكشف عن مناقص وانكسارات الحياة الغربية، يمكن أن ندافع عن أنفسنا، ونؤكد مصداقية، ونبل، وفاعلية الدين الذي ننتمي إليه.
([1]) كاتب ومفكر إسلامي - عراقي
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل