; حرب العطش ضد مصر.. هل نسينا؟! | مجلة المجتمع

العنوان حرب العطش ضد مصر.. هل نسينا؟!

الكاتب شعبان عبد الرحمن

تاريخ النشر السبت 07-مايو-2011

مشاهدات 38

نشر في العدد 1951

نشر في الصفحة 13

السبت 07-مايو-2011

لو أنصف الشعب المصري اليوم مع نفسه؛ لوضع قضية حقوق مصرفي مياه النيل على رأس أولوياته، أسوة بالإصلاح السياسي ومحاكمة القتلة وأساطين الفساد و توحدت القوى الوطنية على اختلاف مشاربها على وضع السبل الكفيلة بالحفاظ على تلك الحقوق المهددة بالانتقاص من قبل دول منابع النيل.

فكما اصطفت مصر بمختلف قواها السياسية وأفكارها وطبقاتها وأعمارها في ميدان التحرير حتى نجحت الثورة فهي مدعوة - بإلحاح للاصطفاف على موقف واحد بشأن تهديد حقوقها في مياه النيل. المسألة ليست هينة؛ لأنها تتعلق بالحياة، فالمياه هي الحياة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، والدول التي تنظر لبناء المستقبل بصورة صحيحة تضع في اعتبارها قضية المياه كقضية إستراتيجية، ومنذ عقود طويلة لم يُجمع الخبراء على سبب لنشوب حرب قادمة في المنطقة قدر ما أجمعوا على المياه.. لكن الملاحظ أن تعاملنا مع هذا الملف بعد ثورة ٢٥ يناير، مازال يسير بوتيرة شديدة في البطء، وذلك راجع - للأسف - لغياب الاهتمام بالقضايا الإستراتيجية الكبرى، وهي سمة عربية وليست مصرية على أي حال.

نعم، تفضل د. عصام شرف رئيس الوزراء بزيارة للسودان (شماله وجنوبه في 2011/3/27م) على رأس وفد وزاري كبير، وكان على رأس جدول أعماله إعادة طرح ملف مياه النيل المتعثر، كما أن زيارة الوفد الشعبي المصري الكبير الذي توجه منذ أيام للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا التي تحصل مصر من بحيرتها، تانا، على ٨٥% من حصتها في مياه النيل هذه الزيارة تمثل بادرة مهمة ولافتة، وتعد مثالا يحتذى في الدبلوماسية الشعبية، وإمكانية إسهامها في حل القضايا العالقة بين الدول، وتخفيف حدة الاحتقان بين الشعوب وحتى الآن، مازالت إثيوبيا ماضية في مشاريعها المائية على نهر النيل والتي يمكن أن تحرم مصر من حصة كبيرة من حقها في المياه، كما تمضي دول منابع النيل الأفريقية السبع (إثيوبيا، وأوغندا، ورواندا وتنزانيا والكونغو الديمقراطية، وبوروندي، وكينيا ) في إصرارها على نفض يدها من اتفاقية عام ۱۹۲۹م، التي صدرت من قبل بريطانيا باسم مستعمراتها في شرق أفريقيا آنذاك.. وتحصل مصر بمقتضاها على ٥٥٫٥ مليار متر مكعب سنوياً، كما أعطت لمصر حق النقض (الفيتو) على أي مشروعات مائية من شأنها التأثير على منسوب مياه النيل التي تصل إليها، ثم استكملت تلك الاتفاقية باتفاقية مصرية سودانية عام ١٩٥٩م تؤكد حصة مصر في مياه النهر، وتعطي السودان الحق في ۱۸ مليار متر مكعب من المياه. وحسب إحصاءات رسمية، فإن مصر بحاجة اليوم إلى ٧٣ مليار متر مكعب من المياه لمشاريعها الزراعية، أي أنها تحتاج إلى حوالي ١٨ مليار متر مكعب إضافة إلى حصتها الحالية.

وبينما تتزايد حاجة مصر إلى أكثر من حصتها، تحركت دول منابع النيل السبع، ووقعت أربع منها اتفاقية إطارية من أجل تقاسم أفضل لمياه النهر - من وجهة نظرها - وتبعتها بقية الدول بعد ذلك.

والخطورة في الخلاف بين مصر ودول منابع النيل تكمن في الأصابع الأجنبية التي تساند الدول الأفريقية في مطالبها؛ بهدف الضغط على مصر - المطلوب تركيعها تماما - بالتجويع والتعطيش، فقد اندلعت أزمة مشابهة أكثر عنفاً في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، فجرتها إثيوبيا في وجه مصر، وحملت نفس المطالب، وثبت أن مفجر تلك الأزمة كانت الأصابع الصهيونية والأمريكية ضغطاً على مصر لتوصيل مياه النيل للكيان الصهيوني عبر سيناء، وقد نجحت مصر في إنهاء تلك الأزمة التي عاودت الظهور مرة أخرى وبقوة قبيل ثورة الخامس والعشرين من يناير. إذاً، نحن أمام أزمة تشتعل وتخبو بين الحين والآخر، مهددة الأمن القومي للشعب المصري، بل وحياته، ولا ينبغي أن تترك القضية نائمة دون حل جذري. ومن هنا، فإن التحرك المصري ينبغي أن يسير على عدة محاور الأول: تتشكل هيئة علمية وفنية تضم كل الخبراء والمختصين، وكل ذوي العلاقة بقضية مياه النيل، وتقود هذه الهيئة حملة شعبية مدعمة بتحرك إعلامي وعبر دور العبادة والمؤسسات التعليمية وغيرها لنشر ثقافة الحفاظ على قطرة المياه .. والعمل على وقف كل صور التعدي على مجرى النهر ومياهه، وترسيخ قيمة قطرة المياه في حياتنا، وهو ما يولد قناعة لدى جماهير الشعب المصري للعمل على توفير أكبر قدر من المياه المهدرة، إذ يكفي أن نعلم أن مصر تهدر ۱۰۰ مليون متر مكعب سنويا بسبب ما يُسمى ورد النيل»، وهي كافية لزراعة ١٦٠ ألف فدان .

الثاني: صياغة إستراتيجية مصرية سودانية (شمال السودان وجنوبه) موحدة للتعامل مع الملف في المفاوضات مع بقية دول الحوض والإسراع في بدء مشاريع تنمية مياه النيل بين الدولتين وبخاصة مشروع قناة جونجلي..

الثالث: الحيلولة دون خروج النقاش مع دول الحوض عن دائرة المفاوضات، وتقديم مشاريع بديلة لتنمية الثروة المائية وترشيد استخدامها، ومساعدة هذه الدول في ذلك لحل مشكلاتها، فالذي يبدو أن هناك أصابع - كما أسلفنا - تحاول إخراج الأزمة إلى دائرة صراع أوسع بما يفسح المجال للطرف الأجنبي للدخول إلى الحلبة، وفرض شروطه على كل الأطراف، هناك أطماع أجنبية ترنو لتحويل النيل إلى مشروع تجاري كبير يتم فيه بيع مياهه مترا مترا، وغني عن البيان هنا، فقد أدرك القائمون على التخطيط للمشروع الصهيوني جيدا خطورة أزمة المياه التي يمكن أن تحرق الكيان على من فيه إذا تفاقمت ولذلك احتل بند سرقة المياه العربية من الدول المجاورة جانباً كبيراً في الفكر الصهيوني، وكانت مقايضة الصهاينة الطرف العربي على مياهه حاضرة على موائد مفاوضات ما يسمى بـ السلام.

(1) حمدي أبو كيلة: مشكلة المياه في مصر

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 2

64

الثلاثاء 24-مارس-1970

نشر في العدد 11

51

الثلاثاء 26-مايو-1970