العنوان مكافأة المحسن
الكاتب د. ناجي عبدالله الخرس
تاريخ النشر الثلاثاء 15-يونيو-1993
مشاهدات 18
نشر في العدد 1053
نشر في الصفحة 51
الثلاثاء 15-يونيو-1993
رحم الله تعالى الإمام الصنعاني حيث قال في «إرشاد النقاد» ولا تكن من كفار النعم وأشباه النعم: وإنما يعرف الفضل لأولي الفضل من هو منهم وإليه أشار من قال:
إذا أفادك إنسان بفائدة من العلوم فأكثر شكره أبدًا
وقل فلان جزاه الله صالحة أفادنيها وخلِّ اللؤم والحسدا
*الفضل للمتقدم
ما زال الفضل للمتقدم معروفًا وما برح السابق بالتفضيل موصوفا:
ولو قبل مبكاها بكيت صبابة بعدي شفيت بعد التندم
ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا بكاها فقلت الفضل للمتقدم
ولكن ليس من الإنصاف أن يهضم حق المصيب لكونه حديثًا.. ولله در من قال:
لا تقل ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل
قال الإمام الشافعي للإمام أحمد بن حنبل، رحمهما الله تعالى «أنتم: أعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث صحيحًا، فأعلموني كوفيًّا كان أو بصريًا أو شاميًّا، حتى أذهب إليه إذا كان صحيحًا».(1)
ذكر يوسف بن يعقوب بن الماجشون: إنه كان هو وأخ له وابن عم يطلبون العلم عند ابن شهاب الزهري فقال لهم: لا تحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل، دعا الفتيان فاستشارهم، يبتغي حدة عقولهم».([2])
أبواب المناقب في الصحاح
والمناقب: جمع منقبة بمعنى الشرف والفضيلة: وفي القاموس: المنقبة المفخرة والمناقب المكارم، واحدها منقبة، كأنها تنقب الصخر لقوتها وتثقب قلب الحسود لشدة وقعها عليه.
يقول د. يوسف القرضاوي حفظه الله:
ومن قرأ كتاب المناقب، أو الفضائل في صحيح البخاري، أو صحيح مسلم، أو غيرهما من كتب الحديث يجد نصوصًا تحمل الثناء على واحد، أو جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن يلقي النبي صلى الله عليه وسلم ما يقوله من كلمات الثناء اعتباطًا، أو مجاملة، بل كانت تقديرًا لمن يستحق التقدير وتكريمًا لمن هو أهل للتكريم، كما أثنى على أبي بكر وعمر وعثمان وعلِي وغيرهم من كبار الصحابة في مواقف شتَّی.
وقال لسعد بن أبي وقاص يوم أحد: «ارم فداك أبي وأمي»!
وقدم أهل اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالو «ابعث معنا رجلًا يعلمنا السنة والإسلام قال فأخذ بيد أبي عبيدة، فقال: «هذا أمين هذه الأمة».
وقال صلى الله عليه وسلم: خذوا القرآن من أربعة: من ابن أم عبد، يعني ابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة، وأثنى على أبي هريرة لما سأله: من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ وفي حديث اشتهر عنه، ذكر عددًا من أصحابه كل بأبرز ما يميزه من الفضائل، فقال: «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر.. وأشدهم في الله عمر، وفيه: إن أقضاهم علِيّ، وأفرضهم «أي: أعلمهم بالفرائض وهي المواريث» زيد وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وهكذا كان صلى الله عليه وسلم ينوِّه بأقدار الفضلاء من أصحابه، وبذوي المواهب المتميزة منهم ليعرف الناس ذلك لهم ويأخذوا عنهم وينتفعوا بهم».([3])
وإنه لمن القبيح أن ينتظر المحسن من الناس جزاء أو شكورًا، وأقبح منه اللئيم الكنود الذي لا يستشعر فضل المحسن إليه، ولا يقابله بالحسنى وأشد قبحًا من قابل الإحسان بالإساءة والإكرام بالجحود.
وإن مكافأة المحسن خُلق فطري ينشأ من خلق الوفاء إذ إن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، وليس غريبًا على فاسد الفطرة أن نجد منه الجحود والكفران، أما المسلم فإنه لا يكون شاكرًا لله حقًا حتى يكون معترفًا بالفضل لأهل الفضل، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: لا يشكر الله من لا يشكر الناس» (أخرجه أحمد، والترمذي حسن صحيح)
نفحة من الإحسان كافية
وليس المسلم بالجشع الذي لا يهزه إلا فيض الإكرام ومزيد الإنعام، بل إن نفحة من الإحسان كافية لأن تثير فيه دواعي الشكر والمكافأة وقد وضح رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله: «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير» (أخرجه أحمد)، وأقل درجات المكافأة الشكر باللسان وقد ورد بهذا المعنى أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: ومن أتى عليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه» (أخرجه أحمد والنسائي وأبو داود) فمن صور المكافأة المقابلة بالمثل أو الدعاء لصاحب المعروف أو الثناء على فعله «.. ومن لم يجد فليثن فإن من أثني فقد شكر ومن كتم فقد كفر» (أخرجه الترمذي).
وحين ظن المهاجرون أن الأنصار ذهبوا بالأجر كله لما جادت به نفوسهم من الإنفاق على المهاجرين بين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بابًا من الخير يقربهم من أجر الأنصار طالما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم» (أخرجه أبو داود) «وقد كان من خلق الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل الهدية ويثيب عليها» (أخرجه الترمذي) وحين اقترض من عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي قبل حنين رد إليه القرض بعد الغزوة وقال له «بارك الله لك في أهلك ومالك إنما جزاء السلف الوفاء والحمد» (أخرجه أحمد وابن ماجه).
وإن سيدنا موسى عليه السلام حين سقى للمرأتين ثم تولَّى إلى الظل جاءه حسن المكافأة عاجلًا: ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ (القصص:25) وإن عروة بن مسعود رغم شِركه حين أغلظ له أبو بكر بكلمة قاسية في مفاوضات صلح الحديبية لم يزد في تعليقه على كلمة أبي بكر أكثر من قوله: «أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها، ولكن هذه بها» (أخرجه البخاري) واعتبر إساءة أبي بكر إليه مغفورة بسباق إحسانه عليه».
ولقد كانت المكافأة بالسوء مستنكرة حتى مع البهائم إذ حينما فرت امرأة من المسلمين من العدو على ناقة مسلوبة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نذرت إن وصلت إلى المدينة ناجية أن تنحرها فلما ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بئسما جزيتِها» (أخرجه أحمد وأبو داود) ومنعت من نحرها لهذا المعنى ولعدم جواز نذرها بما لا تملك([4])
(1) الإنصاف: أبي الحسن ساعد بن عمر بن غازي صفحة 67.
(2) جامع بيان العلم جــ 1 / 102.
(3) الرسول والعلم صفحة 129.
(4) الجهاد – العدد 54، 55
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل