العنوان أيام في بيروت
الكاتب د. محمد بن موسى الشريف
تاريخ النشر السبت 01-أغسطس-2009
مشاهدات 13
نشر في العدد 1863
نشر في الصفحة 42
السبت 01-أغسطس-2009
(*) المشرف على موقع
التاريخ www.altareekh.com
زرت
المدينة لثاني مرة بعد ٤١ عامًا من الزيارة الأولى
بيروت
تعج بالديانات والمذاهب والفرق ففيها ١٧ طائفة وتنتشر فيها الفوضى
التقيت
بمفتي لبنان الشيخ محمد رشيد قباني وتحدثت معه عن أحوال أهل السنة ثم طلب مني أن
أخطب الجمعة في جامع محمد الأمين ﷺ
تحدثت
في خطبة الجمعة عن الإسراء والمعراج وقلت: إن الله تعالى ربط بين المسجدين الحرام
والأقصى وجعلهما أمانة بين أيدينا وفي أعناقنا
اصطحبني
شيخ قراء لبنان إلى جامع المنذر الذي بني منذ ٤٠٠ عام على طراز قديم جليل وهو من
المساجد التي يشعر المرء براحة حين يصلي فيها
زرت
مركز «الزيتونة» للدراسات الذي يعنى بتاريخ فلسطين وأحوالها المعاصرة وقد سررت بما
عليه المركز من تنظيم وضبط
زرت بعض
المخيمات الفلسطينية فوجدتها تعج بالمشكلات وتعاني الإهمال الكبير
مخيم
صبرا مساحته لا تزيد على كيلومتر مربع ويفتقد للخدمات الأساسية الإنسانية وبه ١٣
ألف شخص لا يكادون يرون الشمس مما أورثهم أمراضا عديدة
قد بعد عهدي
ببيروت، فقد زرتها سنة ١٣٨٩ هـ / ١٩٦٩م عندما كنت طفلاً مع الوالد، وزرتها مرة
أخرى سنة ١٤٣٠ هـ / ٢٠٠٩م فهذه إحدى وأربعون سنة، ولما رأيتها أول مرة بهرت بها،
وذلك لما كانت عليه من عمران وتقدم مقارنة ببلادي التي كانت آنذاك لم تلج عصر
الطفرة بعد، ثم قامت الحرب الأهلية في لبنان، فأكلت الأخضر واليابس.
لم أر بلدة أحق
من بيروت بقول الله تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً
مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ
بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا
كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ (۱۱۲) (النحل).
وبيروت تعج
بالديانات والمذاهب والفرق، ففيها ۱۷ طائفة، وهي إلى الفوضى في كل شيء
أقرب منها إلى الانضباط، وقد ساءني ما رأيت فيها من مظاهر الفساد، لكني أعزو هذا
إلى ذلك التعدد الطائفي الذي ليس مثله تعدد في أي بلد إسلامي، فيما أعلم.
زيارة
المخيمات
وقد استقبلني في
مطار بيروت أخ فلسطيني كريم أخذني إلى فندق، وتعب في خدمتي إلى أن ألقيت عصاي
واستقر بي المقام فجزاه الله تعالى عني خيراً ولما أراد أن يتركني لأستريح طلبت
منه أن أزور بعض المخيمات الفلسطينية في بيروت، فقد سمعت عن معاناة أهلها لكني
أريد الوقوف عليها، فوعدني خيراً، وأرسل أحد إخوانه في اليوم التالي فأخذني إلى
مخيم «صبرا» الذي اجتاحه المجرم الأثيم الصهيوني «أرييل شارون» سنة ١٤٠٢هـ /
١٩٨٢م، وقد رأيت في المخيم عجباً، فهو ذو مساحة ضيقة جداً لا تزيد على كيلومتر
مربع واحد، حشد فيه قرابة ثلاثة عشر ألف شخص، وفي وضع صعب للغاية، والناس فيه لا
يكادون يرون الشمس مما أورثهم أمراضاً عديدة، والمخيم مفتقد للخدمات الأساسية
الإنسانية، ويتنازع أهله عدة فصائل فلسطينية زادتهم ضغثاً على إبالة، وزادت طينهم
بلة، ولولا أن الله أنجد المخيم برجال من حماس يزرعون في أهله الأمل والعقيدة وحب
الجهاد لكان الأمر أسوأ بكثير، ورأيت فيه مسجدين صغيرين يضيقان عن أهل المخيم، وفي
الجملة فإن أهل المخيم يجاهدون لتحصيل أسباب العيش فيا الله للمسلمين، أين أهل
الإحسان منهم، ومن تخفيف معاناتهم؟ وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم أخذني الأخ
المرافق إلى مخيم برج البراجنة لأراه، لكني اكتفيت برؤيته من الخارج لضيق وقتي عن
ولوجه، لكني رأيت منه بعض ما رأيته من سابقه مما ينكي ويبكي.
رغبة
في التغيير
ولقد أحسن
وفادتي في بيروت شيخ قراء لبنان فضيلة الشيخ محمود عكاوي حفظه الله تعالى - وأخذني
إلى أماكن للنزهة مع أهلي، وذهب بي إلى مسجده الذي يؤم الناس فيه، وهو جامع
المنذر، وهو جامع قديم مر عليه أكثر من ٤٠٠ سنة، بني على طراز قديم جليل، وهو من
المساجد التي يشعر المرء براحة حين يصلي فيها، وجمعني بثلة من أهل الفضل في غرفة
بالجامع وتحدثنا عن أحوال المسلمين في لبنان، وما الذي ينبغي صنيعه لسد الثغرات
التي في صفوفهم، وتلافي النقص في أحوالهم، ولقد رأيت من أولئك الثلة رغبة في
التغيير، لكنها ممزوجة بشيء من القنوط ونبهتهم عليه والله المستعان؛ فإن ما يجري
في تلك البلاد يؤثر في أشد النفوس صلابة ومناعة، لكن التفاؤل والتوكل على الله
تعالى يقيان المرء عواقب اليأس.
لقاء
المفتي
وأخذني فضيلة
الشيخ محمود لألتقي مفتي الجمهورية اللبنانية فضيلة الشيخ محمد رشيد قباني، ولقد
رأيت منه تؤدة ولطفاً وأدباً، وتحدثت معه عن العناية بالعلماء، وأحوال أهل السنة
في لبنان، ثم طلب مني حفظه الله ووفقه أن أخطب الجمعة في جامع محمد الأمين وهو
أكبر جوامع لبنان وهو الجامع الذي يؤمه المسؤولون فأجبته وخطبت.
خطبة
الجمعة
وكانت الخطبة عن
الإسراء والمعراج في بعض جوانب تلك الحادثة التاريخية الفريدة الجليلة وقلت فيها:
إن الله تعالى ربط بين المسجدين الحرام والأقصى في المرحلة المكية في زمن لم يكن
فيه للمسلمين قوة ولا منعة، وكأن الله تعالى يقول لهم: إني سأفتح لكم المسجد
الأقصى، وأربط بين المسجدين إلى يوم القيامة، وأجعلهما أمانة بين أيديكم وفي
أعناقكم، فوجبت العناية اليوم باسترجاع الأقصى إلى القبضة الإسلامية، وتخليصه من
الأسر اليهودي الذي طال وأورث الوبال والنكال.
وقلت: إن النبي
ﷺ جمع له الأنبياء والمرسلون جمعاً مهيباً جليلاً في المسجد الأقصى، فصلى بهم
إماماً، فكان هذا إيذاناً بانتهاء ولاية بني إسرائيل الدينية وتسليمها لهذه الأمة
المباركة المحمدية وعرجت بعد ذلك على أسباب نزع الولاية من بني إسرائيل، وبينت
أنها لكفرهم وطغيانهم وقتلهم الأنبياء وأكلهم الربا واستمرائهم المعاصي العظام،
واليوم فإن الأمة الإسلامية هي الأمة القائدة والرائدة، وهي خير أمة أخرجت للناس
لا تفضيلاً لجنس على جنس ولا لقوم على قوم، إنما للإيمان والأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ﴾ (آل عمران ۱۱۰)، وحذرت من عاقبة المعاصي وما يمكن أن
تجر على الأمة من الإقصاء عن السيادة وغضب الله تعالى والعياذ بالله، وقرأت قول
الله تعالى: ﴿ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ
فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ۖ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ﴾ (طه:81
)، وتحدثت عن تكريم الله تعالى لنبيه الأعظم برفعه إلى مقام لم يرفعه أحد من قبل
ليلة المعراج وهذا على التحقيق - تكريم أيضاً لأمته ورفعة لها .
جمعية
الاتحاد الإسلامي
هذا وقد اجتمعت
في بيروت بالشيخ حسن قاطرجي، وهو أحد فضلاء المشايخ والقائم على جمعية الاتحاد
الإسلامي وقد عني بي جزاه الله خيراً، وطلب مني أن أتحدث في جمعيته مع بعض الشباب
العاملين، فتحدثت عن الموضوع الذي أوثر دائماً الحديث عنه، ألا وهو أثر المرء في
دنياه، وكيف السبيل لعمل شيء مؤثر في الأرض يستفيد منه الناس، وقد صدرت الحديث
بذكر فضائل بلاد الشام، وضربت مثالاً على المؤثرين في دنياهم بالشيخ أحمد ياسين
يرحمه الله تعالى وتقبله في الشهداء، وأنه غير تاريخ فلسطين الحديث وأنقذ كثيراً
من أهلها من ظلمات التنظيمات التي شاعت في فلسطين، وفرخت وباضت حتى حادت بكثير من
أهلها عن إسلامهم وإيمانهم، من شيوعية ويسارية وناصرية وبعثية وقومية وعروبة وسم
ما شئت، إلا أن يكون الإسلام العظيم الصافي الذي جاء به النبي الأعظم، وكان عدد
من علماء «مجلس علماء فلسطين» يستمع للمحاضرة فكان من بعضهم تعليق بعدها، بأن
الوضع في فلسطين كان فيه خير كثير، وأن الصورة لم تكن قائمة إلى هذا الحد، لكن هذا
الكلام لم يوافق عليه بعض الفضلاء الحاضرين والحق أن الحال في فلسطين كان سيئاً في
الستينيات والسبعينيات والثمانينيات الهجرية وأوائل التسعينيات، وهذا بالتاريخ
الميلادي يوافق الأربعينيات والخمسينيات والستينيات وأوائل السبعينيات بالتاريخ
الهجري، والقاصي والداني يعلم هذا والناظر في مذكرات بعض المشايخ والدعاة والفضلاء
يدرك هذا، فقد تحدثوا عن هذا الوضع في فلسطين آنذاك، واليهود أنفسهم قد تتبعوا ما
جرى في فلسطين من التغيير بمرارة شديدة، وذكروا أن كثيراً من الشباب قد عاد إلى
المساجد وأن اللحى ظهرت من جديد، وأن الحجاب قد انتشر، وهذا الذي ذكروه إنما هو
جزء من عمل الشيخ المبارك أحمد ياسين ورفاقه، بفضل الله ومنته.
ثم بعد المحاضرة
طلب وفد مجلس علماء فلسطين أن يتحدثوا معي عن هموم الفلسطينيين في لبنان ومشكلاتهم
وأوضاعهم فتحدثنا، وافترقنا للغداء الذي دعيت له من الجمعية جزى الله القائمين
عليها خيراً .
تنظيم
وضبط
وفي بيروت سعدت بزيارة الدكتور الفاضل محسن صالح ومركز الزيتونة» للدراسات الذي يقوم عليه، وهو مركز يعنى بتاريخ فلسطين وأحوالها المعاصرة من جميع الجوانب تقريباً، وقد سررت بما عليه المركز من تنظيم وضبط، وسمعت منه ما أثلج صدري وأسعدني، وأهداني بعض الكتب الجديدة الصادرة عن المركز، وأرى - والله أعلم - أن قضية فلسطين أصبحت في قبضة آمنة بفضل الله تعالى، ثم بهؤلاء الرجال وأمثالهم الذين يعملون بصمت وهدوء ولعملهم ثمار يانعة قريب قطافها إن شاء الله تعالى ..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلكبير علماء المجمع الفقهي العراقي لـ«المجتمع»: هدفنا توحيد المرجعية الشرعية لأهل السُّنة بالبلاد
نشر في العدد 2109
27
السبت 01-يوليو-2017