العنوان التضامن الإسلامي
الكاتب الشيخ نادر النوري
تاريخ النشر الثلاثاء 19-يناير-1993
مشاهدات 16
نشر في العدد 1034
نشر في الصفحة 36
الثلاثاء 19-يناير-1993
المسلمون تتكافأ دماؤهم وأموالهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم، والمؤمنون إخوة يفزع بعضهم لبعض ويكفل بعضهم بعضا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فالمؤمن كما يحرص على إطعام أخيه الجائع وكساء العريان وسقاء العطشان يحرص كذلك على حياته وحريته وثقافته وكرامته ومكانته الاجتماعية، يحزن لحزنه ويفرح لفرحه ويأمل لمستقبله وحاضره لو كان مستقرا ثاويا، فالتكافل والتضامن بين المسلمين في كل شيء في المشاعر والأحاسيس، وفي المطالب والحاجيات، وفي المنازل والكرامات فلا يؤمن أحدكم حتى يحب؟ لأخيه ما يحب لنفسه من الخير.
سواء كان تكافلا أدبيا حيث يشعر كل مسلم نحو إخوانه الآخرين بشعور الحب والتقدير والاحترام وحسن المعاملة والتعاون في سراء الحياة وضرائها.
أو علميا بأن لا يضن العالم بعلمه على الناس ولا يكتم ما رزق منه لكي ينفرد دون سواه بالرئاسة العلمية أو التميز العلمي في تأييد السياسة الرشيدة وإنكار الفساد والانحراف فيها، أو دفاعيا عن العقيدة وسلامة دار الإسلام والتغير إذا غار عليها عدو مغير ولا يعفيه من هذا الواجب مقام ولا منزلة إلا أن يكون به مرض، أو عمى أو عرج أو عذر من الأعذار، وإذا أسر العدو واحدا من المسلمين في المغرب وجب على آخر رجل مسلم بالمشرق أن يهب مع إخوانه لاستنقاذه وتخليصه من أيدي الأعداء.
رب «وامعتصماه» انطلقت *** ملء أفواه الصبايا اليتم
لامست أسماعهم لكنها *** لم تلامس نخوة المعتصم
أو جنائيا بأن «لا يكل دم في الإسلام» ولا تقع جريمة قتل في المجتمع الإسلامي دون أن يقتص من فاعلها، وإن لم يعرف فاعلها ألزم الشارع القسامة على أهل المكان الذي وقعت فيه الجريمة بأنهم لا يعرفون القاتل ولا يؤوونه عندهم، والدية تكون على العاقلة وإن عجزوا لزمت الدية بیت مال المسلمين.
أو أخلاقيا بمسئولية الجميع عن صيانة الأخلاق وحفظ المجتمع المسلم من الفوضى والفساد والانحلال، والإنكار على مرتكبي المنكرات الخلقية باليد أو اللسان أو القلب حتى لا تغرق سفينة المجتمع بخرق أسفلها.
أو اقتصاديا بحفظ ثروات الأمة من عادية الضياع والتبذير أو سوء استعمال الاقتصاد الوطني بالاحتكار والتلاعب بالأسعار والغش في المعاملات والحجر على السفهاء حتى يثوبوا إلى رشدهم.
أو عباديا بوجوب القيام بفروض الكفاية في العبادات كصلاة الجنازة والأذان والحث على الجمعة والجماعة.
أو حضاريا بالقيام بأي عمل مؤسسي ديني أو دنيوي، سياسي أو اقتصادي، أو خيري، زراعي أو تجاري، علمي أو أدبي هو من البر الذي يحبه الله وينبغي أن تنهض الأمة لأدائه سعيا للأفضل والأكمل.
أو معاشيا لتحقيق الرعاية المعيشية لفئات من المجتمع المسلم يتميز أكثرها بالعجز والفاقة كالمدين الذي غلبه الدين بخسارة أو جائحة أو بسبب بعض الأعمال الاجتماعية كتحمل زعيم قوم ديات القتلى من المتخاصمين لصيانة الدماء وإحلال الوئام محل النزاع أو تحمل الأموال لعمل بعض المبرات والخيرات التي يعود نفعها على المجتمع.
والقاتل إذا قتل خطأ، فإن دية القتيل لا يتحملها وحده، بل تتحملها عائلته وهم عصبته من أقربائه أو أهل ديوانه أو أهل نقابته على تفصيل يعرف في موضعه من كتب الفقه.
وابن السبيل المنقطع عن بلده ولو كان منها غنيا والضيافة فرض على كل مسلم يوم وليلة مبرة واتحاف ثم ثلاثة أيام ضيافة كما قال ابن حزم 9/174 في المحلى وأن يعطى من حضر الحصاد للثمار والحبوب شيئا منه «كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده».
﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ﴾ (النساء: 8) - أي للتركة والميراث- ﴿أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفا﴾ (النساء: 8) ومنع الماعون وهو كل ما ينتفع به من شئون البيت وغيره ويستعيره الناس فيما بينهم كالفأس والقدر والإبرة متوعدا عليه بقوله:
﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6)﴾ (الماعون: 4: 6)
وكذا الفقير الذي لا يجد ما يتزوج به يجب على قريبه الموسر تزويجه ونفقته لأن الزواج واجب على من كان في حاجة إليه ويخاف على نفسه الوقوع في الحرام وإذا جاع إنسان أو عطش أو مرض بحيث أشرف على الهلاك وجب على من يعلم بحاله أن يبادر لإنقاذه، فإن كان عنده فضل من طعام أو شراب أو دواء أو مال يشتري به ما يدفع الهلاك عن ذلك الإنسان وجب أن يدفعه إليه، فإذا امتنع كان لذلك المضطر أن يأخذه منه عنوة ويقاتله عليه، فإن قتل كان على المانع القصاص وإن قتل المانع لم يكن على قاتله المضطر شيء وعلى هذا اتفاق العلماء.
ومانع الحق باغ على أخيه الذي له الحق، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم «ما أمن بي من بات شبعان وجاره جائع». وإذا أصبح العدو يهدد سلامة البلاد، ولم يكن في خزينة الدولة ما يكفي للإنفاق على الجيش وتجهيز المقاتلين وجب أن تأخذ الدولة من أموال الناس بقدر ما يندفع به الخطر، وتأمن الأمة على أرواحها وأموالها واستقلالها، وكذا الحكم في الكوارث العامة كالفيضانات والزلازل والمجاعة، فإن من واجب الدولة أن تسعف المنكوبين لا بالخيام والدقيق فحسب بل بتمكينهم من الحياة الكريمة وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أتاه في قسمه من يومه فيعطي للآهل «المتزوج» حظين، ويعطي للأعزب حظا واحدا وكان عمر يفرض لكل مولود في الإسلام عطاءا يزاد على عطاء أبيه «مائة درهم» وكلما نما الولد زاد العطاء وجرى على ذلك الخلفاء بعده.. ومقرر أن نصيب الفارس المجاهد سهمان خلافا للراجل لما يتحمله الفارس من نفقات الفرس.. ولم يبق لحد في حاجة سكن أو أجر، فكان يعطى الرجل على قدر حاجته كما كان يعطى على قدر بلائه وخدمته للإسلام وموارد هذا الخير الذي عم الأمة هو من مصادر عدة جعلها الإسلام من تمام الإيمان كالزكاة فهي «للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب «أي الأسرى» والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل».
والنفقة على الأقارب التي تلزم الرجل على الأبوين وأصولهما والأبناء والإخوة والأعمام والعمات والأخوال والخالات وفروع هؤلاء جميعا والزوجات والمطلقات في العدة والرقيق بحق مالكه والحيوان.
والنفقة تشمل الطعام والغذاء واللباس والمأوى والأخدام للعاجز والمريض والتعليم والتزويج لمن هو بحاجة إليه والخدمات الاجتماعية المتعارف عليها.
والوقف كان ذريا أو خيريا والغنائم ﴿۞ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ (41﴾ (الأنفال: 41).
والركاز في باطن الأرض من معادن ونقود أو أعماق البحار والنذور والكفارات والأضاحي وصدقات الفطر والخراج والجزية والعشور فما من أحد من المسلمين إلا وله حق في هذا المال فهل تترك هذه الشريعة الشاملة الكاملة أحدا من المسلمين هملا أو نهيا أو ضياعا؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
هل بدأ الصراع بين البرهان والإسلاميين مع تراجع حميدتي.. أم تسعى قوى غربية للوقيعة بينهما؟
نشر في العدد 2181
32
السبت 01-يوليو-2023