; كيف تصنع أمريكا نظامًا ثوريًّا؟ | مجلة المجتمع

العنوان كيف تصنع أمريكا نظامًا ثوريًّا؟

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 12-أكتوبر-1982

مشاهدات 14

نشر في العدد 590

نشر في الصفحة 22

الثلاثاء 12-أكتوبر-1982

تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بصنع أدوار مختلفة ومتناقضة لكثير ممن تعتمد عليهم في مناطق مصالحها ونفوذها.. فهي تصنع الشيء ونقيضه لكي لا يغيب دورها في صناعة قرار النقيض.. فهي تنشئ أحيانًا أحزابًا شيوعية تتغلغل من خلالها في المعارضة المواجهة لأحزابها اليمينية.. وهي تصنع يسارًا تمامًا كما تصنع يمينًا.. وتنشئ مثل السادات لكي تضع في مواجهته حاكمًا رافضًا..

وقد قام بعض الصحفيين الأجانب الذين عملوا مع المخابرات الأمريكية، واختلفوا معها بكشف خفايا هذه اللعبة حتى باتت من اللعب المكشوفة..

وهذا المقال يقدم النموذج الليبي كنموذج ثوري صنعته أمريكا لرعاية مصالحها، كما تصنع ما يسمى بالأنظمة الرجعية، ولعله يضع لنا إشارات في التفكير السياسي نفهم من خلالها جوانب خافية لكثير من الأنظمة الثورية في المنطقة.. وربما لكثير من الثورات السياسية المعروفة.. وقد يكون مادة صالحة لتفسير بعض الأحداث الراهنة..

لجنة عليا مكونة من جنرالات وموظفين سابقين في وزارة الدفاع يترأسها ولهام دريبر أحد كبار المستثمرين البنكيين.. اجتمعت عام 1959م لدراسة برنامج مساعدات الجيش.. وكانت خلاصة اجتماعات هذه اللجنة تقريرًا من أجزاء كثيرة ومعه مجموعة ملاحق حول مساعدات الجيش الأمريكي.. قدمتها للرئيس أيزنهاور..

ولجأت اللجنة إلى وضع الملاحق ولم تضمنها داخل التقرير؛ لأنها الجزء الذي لم يحظ بإجماع أفراد اللجنة.. لذلك أخذت طابع الملاحق أو التوصيات..

  • ماذا يوجد في ملحق «C»؟

يدرس هذا الملحق برنامج مساعدات الجيش الأمريكي في الدول المتخلفة.. أي دول العالم الثالث.. ويلخص هذا الملحق -في عمومه- مجموعة الفوائد التي تقدمها دول مثل ليبيا لمخططي الجيش الأمريكي.. وكيفية استخدام جيوش الدول المتخلفة «كحزام تحويل رئيسي» للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتغييرها وتطويرها لتصب في المصالح الغربية في النهاية.. يقول الملحق «C»: تعتبر الجيوش قوة ديناميكية للتحويل الاجتماعي والاقتصادي.. وتعتبر أقوى بديل وأكثرها تأثيرًا لمواجهة المد الشيوعي.. إن الأحزاب الشيوعية تتميز عن الأحزاب الديمقراطية بعدة نواح منها قوة التنظيم، ومنها وحدة الأهداف، ومنها الطاعة والإخلاص للقيادة.. فبإمكان الشيوعيين.. السيطرة على هذه المناطق الحرجة من العالم وتسييرها ما لم تكون هناك قوة معارضة سياسية واجتماعية تكرس نفسها لأهداف واضحة.. وطالما أنه بات واضحًا تزايد الاتجاه بين العسكريين ضد تغلغل الشيوعية.. لهذا يجب أن تلقى الدعم القوي والتشجيع المستمر من الاقتصاد الأمريكي وموجهي المساعدات العسكرية.. فالجيوش يمكن إشراكها في إيجاد حكومة مستقرة وكفوءة.. وتحسين الأمن الداخلي.. واستخدام فعال لثروات البلد ومساعدة الاقتصاد الخارجي..

  • دراسة السي. أي. إيه

تقدم «السي. أي. إيه» -في ذلك الوقت- بدراسة للجنة دريبر توضح أهمية دور الجيوش وتؤكد على فعالية استخدام المساعدات له من أجل تلك الأغراض.. دراسة السي. أي. إيه تقسم الدول إلى مجموعات.. فهناك حكومات لا تستطيع المحافظة على وجودها إلا بالمساعدات العسكرية الأمريكية.. وهذا يعزز شرعية الدور الأمريكي بطريقة أو بأخرى.

وهناك مجموعة من الدول صنفت على أنها بدون المساعدة العسكرية الأمريكية فإن توجهاتها ستتحول إلى الدول الشيوعية أو المساندة للشيوعية.. وهذان الصنفان يشملان عشرين دولة تقريبًا.. والجدير بالذكر أن هذه الدراسة أهملت تسمية الدول التي يعد فيها الجيش للقيام بمثل هذه الأدوار في دول أخرى.

  • الجزء السري انكشف

جزء من ملحق «C» لم ينشر إلا منذ وقت قريب.. لقد كان يعتبر من الأسرار ويشتمل على دراسة حالة لاثنين من الجيوش التي تدخل ضمن برنامج المساعدات العسكرية.. وهما ليبيا والبرازيل.. ويقترح هذا الجزء على أمريكا أن تكون ليبيا هي أحد البلاد التي لا بد أن يبنى فيها جيش مؤهل للقيام بدور مرسوم لقيادة البلد.. واعتمد هذا الجزء في تلخيص هذه النتيجة على عدة مقدمات.

وبالرغم من أن شمال إفريقيا منطقة نفوذ فرنسية خارجة عن النفوذ الأمريكي إلا أنه لا بد من الحذر من التقليل من الأهمية الاستراتيجية لهذه المناطق.. فعندما يفقد النفوذ الغربي -على العموم- مكانته الاستراتيجية في شمال إفريقيا سيجد أن سيطرته على البحر الأبيض مهددة. 

  • إذا أراد الروس اختراق إفريقيا فليس أمامهم إلا الطرق التي تسيطر عليها دول شمال إفريقيا. 
  • إن ليبيا هي الحاجز الجغرافي بين دول المشرق ودول المغرب.. فهي السد المنيع أمام الدعوة القومية القوية المنبعثة من القاهرة، والتي لا تريد أمريكا أن توصلها للمغرب، بل للمشرق فقط.
  • طالما ليبيا تحت النفوذ الغربي فستبقى السواحل الجنوبية وجزء من الشرقية تحت السيطرة الغربية.
  • حاجة أمريكا في أن يبقى لها مركز نفوذ في شمال إفريقيا.. فإنه مع افتراض جلاء القوات الفرنسية عن الجزائر، فإن فرنسا ستحتفظ بحق الدفاع والسيطرة على توجيه السياسة الخارجية للجزائر.
  • مشكلة ولي العهد

منذ عام 1951م والولايات المتحدة مع بريطانيا تدعمان بقوة الاقتصاد الليبي.. وحتى عام 1955م كانت الولايات المتحدة تغطي الجانب الأكبر من عجز الميزانية الليبية.. لقد كانت أمريكا تدفع للميزانية الليبية 150 مليون دولار مقابل الحقوق الممنوحة في قاعدة «ويلس».. أما الجيش الليبي فلم يكن بمقدوره مقاومة أي اعتداء خارجي لولا وجود القاعدتين الغربيتين.. وكانت هناك مشكلة للغرب في ليبيا تتمثل في استمرار الاستقرار في ليبيا، وهذا الاستقرار مرتبط بالملك إدريس وموته.. فالوريث هو شاب ابن أخت الملك وليس لديه المقدرة على المحافظة على الوحدة الوطنية بين القبائل المتنافرة.. مما قد يؤدي إلى انقسام في ليبيا، وانضمام أجزاء منها إلى مصر «الناصرية».. لذا بدأت الولايات المتحدة في البحث عن حل لمشكلة ولي العهد فوضعت لجنة دريبر في ملاحقها توصية وهي «أن محاولة تجهيز جيش قوي للقيام بدور فعال في الحكم مستقبلًا تعتبر فكرة تستحق الدراسة الوافية.. فمن أجل تسييس القوى السياسية فلا بد من خلق مؤسسة وطنية كالجيش تقوم بتوحيد جميع القوى المختلفة على المستوى الأعلى».

ولقد انكشفت بعض وثائق الإدارة الأمريكية خلال إدارة كنيدي توضح كيف يمكن تحقيق ذلك.. فعلى الولايات المتحدة أن تساعد ليبيا ماليًا لزيادة 50% في عدد أفراد القوات المسلحة الليبية.. وذلك في أواسط الخمسينات.. ثم مرة أخرى في أواسط الستينات مصحوبًا بمناورات موسعة، مع العمل على صقل ضباط الجيش صقلًا غربيًّا.

  • النفط والفساد

إذا كانت أمريكا تنظر إلى ليبيا في السابق لأهميتها الاستراتيجية من حيث الموقع والقواعد العسكرية.. فإن تدفق النفط من تحت الرمال الليبية أضاف أهمية أخرى قد تفوق الأهمية السابقة.. ولقد مهدت أمريكا بواسطة شركاتها البترولية مناخًا فاسدًا وإدارة حكومية انتهازية أوجدت أجواء صالحة لتحرك الجيش ضد الحكومة.

كتب وبر إيفلاند في كتابه «جبال من رمل»: من خلال العمل في ليبيا رأيت العوامل الأولى التي أدت إلى الانقلاب الذي أطاح بالملكية عام 1969م.. فجشع شركات النفط وشدة التنافس بينها وخضوعها للفساد كانت البذرة الأولى. فمصطفى ابن حليم ثاني رئيس وزراء أصبح ثريًّا جدًّا مباشرة بعد التفاوض حول أول امتياز للتنقيب عن النفط في ليبيا، وبعد تجديد القاعدة البحرية في منتصف الخمسينات.. لقد استطاع ابن حليم وبعض المحيطين بالملك أن يستأثروا بالغنيمة كلها.. فقد احتكر جميع الأنشطة الهندسية والمعمارية في ليبيا القادمة مع النفط..».

  • الانقلاب

لم تفاجأ أمريكا بالانقلاب؛ ذلك لأنها كانت تعد الجيش الليبي لخلافة الملكية.. أو على الأقل لجعل التحول عن الملكية سهلًا بعد موت الملك إدريس..

وقد حذرت الملك عام 1968م -أي قبل الانقلاب بأشهر- أنها لن تحمي عرشه من أية محاولة انقلابية.. وعندما قام القذافي بانقلابه تقدم أصدقاء الملكية بطلب مساعدة أمريكا، فرفضت المساعدة.. ولقد أنقذت أمريكا القذافي من انقلاب دبره أعوانه في مجلس الثورة بعد أن أخطرته «السي. أي. إيه» بتلك المحاولة، فقام باعتقال المدبرين وذلك بعد أشهر من الانقلاب.

وفي عام 1971م وقفت «السي. أي. إيه» والمخابرات البريطانية في وجه محاولات أتباع الملكية للإطاحة بالقذافي..

  • لماذا الانقلاب؟

يؤكد بعض الكتاب والصحفيين الراصدين لنشاط السي أي إيه أن انقلاب القذافي 11 أيلول «سبتمبر» 1969م كان انقلابين في انقلاب واحد.. الأول هو إطاحته بالحكم الملكي، وهو الظاهر للعيان.. أما الثاني فهو أن بريطانيا كانت تخطط لانقلاب في ليبيا لإحساسها بنفس المشكلة التي أحستها أمريكا إزاء ولي العهد.. لقد كان أعوانها في الجيش الليبي قد استقر رأيهم على الانقلاب في الخامس من أيلول 1969م، وجاء القذافي ليضرب الضربة الأمريكية قبل الضربة البريطانية.

ومما يدل على ذلك السرعة التي تم بها انسحاب أمريكا من قاعدة «ويلس» في طرابلس لمجرد أن طلب القذافي ذلك.. فهي لم تمانع.. بل لم تضع شروطًا للانسحاب.. إن أمريكا ما كانت تنسحب بهذه السرعة بدون ضغط عسكري أو شعبي، لولا أنها كانت ضامنة تحقيق مصالحها في ليبيا.. وأن العهد الجديد سيقوم بهذا الدور بكفاءة أكبر إذا ما انسحبت وعززت مكانته الوطنية وسمعته لدى الشعب.

إن آخر سفير أمريكي وهو «جوزيف بالمر» قام بنفسه بإبلاغ معلومات عن انقلاب عمر المحيشي ومحاولة إنزال الجنود عام 1970م.. وعندما قام أنور السادات بزيارة القدس وأجرى محادثات كامب ديفيد في الولايات المتحدة طرح موضوع ليبيا في مباحثاته مع الرئيس كارتر، وطلب أن تتركه أمريكا يصفي حسابه مع معمر القذافي.. إلا أن الرئيس كارتر رفض ذلك، وأوضح للسادات أن الولايات المتحدة ترى أن القذافي يقوم بدور مهم بالنسبة إليها حتى وصفه «أنه ولد ممتاز».. لقد كان كارتر يعلم أن أمريكا لا بد أن تقدم لمصر مساعدات ضخمة.. نتيجة لاتفاقيات كامب ديفيد.. ولو أن كارتر ترك مصر تصفي حسابها مع القذافي وسمح بأن تقوم حكومة موالية لمصر في ليبيا، فإن في مقدور ليبيا أن تقدم مساعدات ضخمة توفر على الخزانة الأمريكية كثيرًا مما التزمت به.. إلا أن الدور الذي يقوم به القذافي في اللعبة الدولية ولمصلحة أمريكا أكبر بكثير من تلك الملايين التي يمكن أن يوفرها ذهابه إلى الخزينة الأمريكية، ولعل هذا يفسر إحجام مصر عن تقديم العون الإيجابي لمحاولة طبرق التي وقعت في أغسطس الماضي.. فقد كانت تخشى غضب أمريكا.

وهذا ما أكدته مجلة «ناد» البريطانية وتناقلته عنها وكالات الأنباء.. وقالت: إن فكرة مشروع الانقلاب قد راودت الرئيس السادات عقب عدة مؤامرات ليبية كانت تستهدف اغتياله.. وبينت أن تدخل كارتر للحيلولة دون ذلك كان مباشرًا.

وهذا ما دفع القذافي بالإشادة بكارتر، وأشار إلى أنه يفضل كارتر على أي مرشح آخر للرئاسة الأمريكية لأن أي رئيس أمريكي يأتي سيكون تحت التأثير الصهيوني. وذلك خلال مقابلته مع الواشنطن بوست.

  • الدور الروسي

لعل تصريح القذافي في مقابلة أجراها التلفزيون الأمريكي في مايو الماضي يؤكد على حقيقة حيث قال: «إننا لن نسمح للاتحاد السوفيتي بتخزين أسلحة في بلادنا، ونحن نمتلك الأسلحة لأغراضنا الدفاعية والأمنية.. كما أنني لست شيوعيًّا، ولكن أعتبر الاتحاد السوفيتي دولة صديقة».

ولسنا هنا في معرض مناقشة تخفيف حدة الهجوم على أمريكا بقدر ما نريد أن نحدد الدور الروسي في ليبيا.. فروسيا دولة صديقة لا أكثر بالنسبة لليبيا.. وأمريكا راضية عن دور الاتحاد السوفيتي في ليبيا.. فروسيا تزود الجيش الليبي بأنواع متطورة جدًّا من الأسلحة تقبض ثمنها مئات الملايين، بل مليارات الدولارات من أموال النفط الممدود لدول الغرب.. والقذافي يشتري ما يحتاجه وما لا يحتاجه لتكدس في صحراء ليبيا الشاسعة.. كما أن روسيا تمد ليبيا بغير السلاح.. فهي توحي لحليفاتها بأن يقدمن صورًا شتى من المساعدة والدعم.. حتى أصبحت ليبيا تزخر بأعداد ضخمة من الجنود والمستشارين الكوبيين والكوريين الشماليين والألمان الشرقيين الذين يعملون على حفظ النظام ودعمه وتعزيز مكانته على الصعيد الإفريقي والعالم الثالث، والآن نتساءل عن المردود الذي تحصل عليه أمريكا من كل هذا.. إن روسيا وأمريكا لا تدعمان نظامًا مفلسًا مكروهًا يفتقر إلى الشعبية في الداخل والخارج إلا إذا كانتا تحصلان من ورائه على مردود أكبر بكثير مما تقدمانه.

  • فعلى الصعيد الاقتصادي، لا تخرج ليبيا عن كونها دولة نفطية تقدم إمدادات نفطية ولديها ثروة مالية هائلة.. أما أمريكا والغرب فقد ضمنوا استمرار تدفق النفط.. ولم يتوقف ضخ النفط قط حتى في حرب رمضان واستخدام سلاح النفط..

أما العائدات فتذهب معظمها إلى روسيا ثمنًا لصفقات السلاح.. وهذا يعني أن مصانع السلاح الروسية ستظل تعمل بكل إمكاناتها، وأن روسيا ستظل تحصل على العملة الصعبة التي تحتاجها لشراء القمح والمواد الغذائية وغيرها من أمريكا والدول الغربية.. أي أن أمريكا لم تفقد شيئًا، وأن أموالها التي تشتري بها النفط تعود من جديد إلى أمريكا وحلفائها عن الطريق الروسي.. ولعل هذا أسلوبًا من أساليب تقسيم مصالح العالم الثالث بين النفوذين، بحيث تمتص ثروات ليبيا من تحت أرضها في مقابل أكوام من الحديد المسمى الأسلحة الاستراتيجية التي تفقد مفعولها بالتطور التكنولوجي عامًا بعد عام.

هذه الدورة الاقتصادية مهمة جدًّا لكلتا الدولتين، ولعله يكفي للتدليل على أهميتها أن نقول: إن المليونير الأمريكي أرموند هامر وهو الرئيس السابق لمجلس إدارة شركة «أوكسيدنتال» للنفط الأمريكية وهو الذي قام بدور الوساطة في المفاوضة على صفقات السلاح الروسي لليبيا.. و«هامر» هو الذي توسط أيضًا في صفقة شراء 10% من أسهم شركة «فيات» الإيطالية.

  • وعلى الصعيد السياسي فصداقته للروس تؤهله لأن يكون المشاكس الأول في العالم العربي ومن خلاله تتحكم أمريكا بموجة العداء للغرب..

لقد كانت أمريكا تعد رجلًا آخر خليفة لعبد الناصر يقوم بدور عبد الناصر.. ولما كانت مصر مقبلة على تغييرات سياسية وهيكلية ولم تعد تصلح في ظل هذه التغيرات أن تكون قائدة لموجة العداء للغرب.. كان لا بد من إيجاد بديل آخر وقريب من المنطقة، وقد كان القذافي الذي جاء قبل وفاة عبد الناصر بعام واحد قد امتص كل عداء لحاكم مصر وخياناته من خلال مشاكسته.. واتجه إلى السعودية ودول الخليج.. واختلف مع منظمة التحرير.. وخاض في مشكلة البوليساريو.. وتدخل في تشاد.. وخطط لأوغندا.. وزايد على دعم قضايا التحرر العالمية.. وشوش على المفاهيم الإسلامية..

  • لماذا الغضب إذن؟

لعل القذافي تجاوز دوره المطلوب.. وأصبح شريكًا مشاكسًا ومتعبًا لحكام العرب الآخرين.. فقد قام بمحاولات اغتيال جادة للسادات.. ومحاولات ضرب الأمن الداخلي في مصر.. كما أنه بدأ بشن هجوم مباشر على السعودية ومهاجمة العائلة المالكة هجومًا صريحًا.. كما فعل الشيء نفسه في دول الخليج.. وتبنى دعوة الخميني وأيدها.. حتى بدأ الشك يراود حكام الخليج والجزيرة.

وقد كشف عن أمور خفية إذ أعلن للعالم أن هناك «علاقة قرابة» بينه وبين الإمام الخميني.. وأنه تربطه به علاقة روحية كذلك.. وأن لديه علاقات سابقة مع أعوان الخميني قبل الثورة، وكان يقوم بتقديم المساعدات المادية والمعنوية للثورة الإيرانية قبل سقوط الشاه عن طريق قطب زادة.

وقد أعلنت وكالة الجماهيرية للأنباء تصريحات القذافي عن دعم ليبيا لإيران ووقوفها ضد العراق، قال فيها: «عندما يحارب أحد إيران فإنه يحاربها بالنيابة عن أمريكا وإسرائيل، فلهذا السبب فإننا نساعد الثورة الإيرانية».

ولعل أهم أسباب قطع العلاقة الدبلوماسية ما بين العراق وليبيا هو المساعدات الليبية لإيران.

فيا ترى هل القذافي شيعي من بقايا الدولة العبيدية الشيعية التي نشأت في ليبيا؟

قرابين القذافي لأعداء الأمة

لقد قدم حاكم ليبيا على المذبح الذي نصبه -أو نصب له- القربان تلو القربان ليرضي أسياده أولًا، وليضمن البقاء حاكمًا أوحد للقطر الليبي المنكوب!

  • فبعد أن تسلم الحكم كانت المهمة الأولى له خنق الحركة الإسلامية قبل أن تصل إلى المرحلة التي تشكل عليه وعلى القوى التي جاءت به أي خطر. ولم يأت عام 1973م حتى ضرب رجال الدعوة في ليبيا بكل ما يملك من قوة في محاولة جذرية منه لاستئصال العصب الحي الذي يمكن أن يقلب عليه شعب ليبيا المسلم.. ذلك الشعب الذي يمكن أن يوجد فيه عمر المختار من جديد.
  • أما النظرية الثالثة التي حاول فيها القذافي أن يستخلص عقيدة جديدة لشعبه ولمسلمي العالم، وذلك من مزيج بين الشيوعية والقومية وبعض مبادئ العلمانية والإسلام.. فهي من أخطر محاولات القذافي في الهدم. والعجيب أن تسمح حكومات الدول الإسلامية لسفارات القذافي في عواصمها أن تروج لهذه النظرية التي شرحها حاكم ليبيا في «كتابه الأخضر». ولعل القذافي يريد من شعوب الإسلام أن تتخذ من كتابه هذا مصحفًا -والعياذ بالله- حيث إن اللجان الثورية في ليبيا أثبتت بممارساتها أن مجنون ليبيا ما زال يسعى إلى ذلك. 
  • وبين ضرب الإسلاميين وطرح نظريته قام القذافي بمحاولات كثيرة لمسخ طبيعة الشعب الليبي المسلم وتعكير فطرته وتشويه صورته، وقد وصل بمسلكه هذا إلى تجنيد النساء في الحرس العسكري واللجان الثورية، فتكون المرأة المسلمة بالتالي إحدى أدوات التخريب والإفساد الاجتماعي وسلخ وشاح المحافظة عن الشعب هناك.
  • ولم يكتف القذافي بهذا التعامل مع شعبه، فهو يريد تحقيق الأكثر للقوى التي تحركه، لذا فلا بأس عليه أن يبتدع في كل يوم فكرة، ويرسم في كل مجال خطة مع هذا القطر أو ذاك، سواء أكان عربيًّا أم غير عربي، سواء أكان مسلمًا أم على ملة أخرى.. فهو يريد الوحدة مرة مع مصر وأخرى مع مالطة.. ثم يريد الاندماج بتونس ليعدل عنها فجأة إلى تشاد.. ثم سورية.. ثم إيران. ولعل القذافي كان يوجه بمشاريعه تلك أكبر اللطمات إلى فكرة الوحدة بين العرب والمسلمين.
  • والقذافي خلال مسلكه السياسي هذا لم يأل جهدًا في تبديد أموال الشعب الليبي، فهو يدفع الأعطيات والمنح لهيلا سيلاسي، ثم لكاسترو، ثم لطغاة الصليبية الجدد في أثيوبيا، وللأصدقاء «النصيريين» في الشام! وإلى جانب أعطيات القذافي هنالك سياسة تبديدية لأموال ليبيا يتبعها القذافي. ولعل هبوط العملة الليبية خلال سنوات حكمه «هبوط تصاعديًّا» كان من نتائج تلك السياسة المقصودة!

وهكذا يقدم حاكم ليبيا في كل مناسبة للقوى المعادية لأمتنا ما تريد ليكون بالتالي واحدًا من أهم الركائز التي يعتمد عليها العدو.. ذلك الذي يقبع للمسلمين في فلسطين، وفي أفغانستان، وفي الصومال وأريتريا.. وفي واشنطن أيضًا ليكون الثمن البخس الذي يريده القذافي هو البقاء في الحكم!

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

مع الصحافة في كل مكان

نشر في العدد 1

905

الثلاثاء 17-مارس-1970

حذار من لعنة الأجيال

نشر في العدد 9

41

الثلاثاء 12-مايو-1970

كيف يسَيطر اليهَود عَلى أميركا؟

نشر في العدد 3

52

الثلاثاء 31-مارس-1970