العنوان زلزال مصر.. الواقع والخفايا
الكاتب بدر محمد بدر
تاريخ النشر الثلاثاء 27-أكتوبر-1992
مشاهدات 21
نشر في العدد 1022
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 27-أكتوبر-1992
بلغت خسائر الزلزال المدمر الذي هز مصر هزًّا عنيفًا يوم الاثنين ١٢ من أكتوبر الحالي حسب
الأرقام الرسمية شبه النهائية أكثر من ألف مليون جنيه، وأدى إلى وفاة أكثر من ٥٥٠
شخصًا، منهم ۷۲ فردًا في عمارة واحدة مكونة من أربعة عشر
طابقًا نقل معظمهم إلى المستشفيات العامة، ولم يبق منهم تحت الملاحظة -حتى كتابة
هذا التقرير- سوى ألف شخص فقط.
كما أكد الحصر
شبه النهائي انهيار وتصدع قرابة أربعة عشر ألف منزل في مختلف أنحاء المدن والقرى
المصرية، منها قرابة ٨٣٥٠ منزلًا ما بين انهيار كامل وجزئي، كما أكد الحصر تعرض
أكثر من ٣٥٠٠ منزل ريفي للتدمير الكامل بسبب هبوط التربة نتيجة الهزة الأرضية
العنيفة التي لم يحدث مثلها في تاريخ مصر الحديث.
|
* الحصر المبدئي أشار
إلى انهيار وتصدع ۱۲۰۰ مدرسة بمختلف محافظات الجمهورية. |
وعلى مستوى
المدارس أشار الحصر إلى انهيار وتصدع قرابة ۱۳۰۰
مدرسة بمختلف محافظات الجمهورية، منها ٣٥٠ مدرسة غير صالحة للدراسة. وقد اتخذت
الحكومة قرارًا بنقل طلاب هذه المدارس إلى المدارس المجاورة والخاصة حتى ينتهي
الترميم أو إعادة البناء، هذا بالإضافة إلى ٩٥٠ مدرسة تعرضت للانهيار الجزئي ويمكن
إصلاحها خلال العام الحالي، وكانت الحكومة قد اتخذت قرارًا بتعطيل الدراسة
بالمدارس والجامعات لمدة عشرة أيام انتهت يوم السبت الماضي.
كما أشار الحصر
المبدئي إلى تصدع وانهيار العديد من المساجد الأثرية القديمة خاصة في مناطق الأزهر
والسيدة زينب والقلعة ومصر القديمة، وشهدت القاهرة والجيزة أكبر قدر من الخسائر
البشرية والمادية، خاصة المناطق الشعبية الآهلة بالسكان، مثل أحياء باب الشعرية
وشبرا وبولاق أبو العلا ومصر القديمة والأزهر والجمالية والدرب الأحمر وأم
المصريين، وقتل وأصيب في القاهرة والجيزة فقط أكثر من ثلاثة آلاف شخص.
كما تعرضت قرابة
8 محافظات أخرى لخسائر جسيمة منها القليوبية والفيوم والشرقية وبني سويف والمنيا؛
وعلى سبيل المثال فاضت مياه الآبار بصورة كبيرة فأغرقت أربع قرى بأكملها في مركز
العياط التابع لمحافظة الجيزة، ولم يجد سكان هذه القرى المأوى والمأكل فتوجهوا إلى
مبنى المحافظة حيث لم يوفر المسؤولون حلًّا سريعًا، مما أصاب الجماهير بالإحباط
والغضب، ولم تكن أجهزة الحكومة على المستوى المطلوب من الناحية الإدارية والفنية
لاتخاذ مواقف سريعة وحاسمة، وهو ما دفع المئات إلى التظاهر أمام أقسام الشرطة
والمباني الحكومية، في الوقت الذي تركوا فيه عائلاتهم في الشوارع وأماكن العراء
بعد أن انهارت مساكنهم أو تصدعت.
مظاهرات
وفي منطقة بولاق
أبو العلا -وسط القاهرة- تجمع المئات من المضارين من الزلزال المدمر احتجاجًا على
عدم مقابلة المسؤولين الحكوميين لهم وحل مشكلاتهم، مما دفع أجهزة البوليس إلى
استدعاء قوات الأمن المركزي التي واجهتهم بوحشيتها المعتادة فأصابت منهم العشرات
وتم القبض على ما يقرب من ستين شخصًا، ووجهت إليهم تُهمًا عديدة من بينها التجمهر
وتكدير الأمن العام وإتلاف المرافق العامة وإهدار المال العام والهتافات المعادية
لنظام الحكم، حيث أصدرت نيابة أمن الدولة قرارها بحبس المتظاهرين لمدة خمسة عشر
يومًا على ذمة التحقيقات، بينما لا تزال آلاف الأسر لم يتم تسكينها في أماكن إقامة
دائمة أو تصلح للسكن.
وحتى كتابة هذا
التقرير -صباح الثلاثاء الماضي- مازالت البلاغات ترد إلى أقسام الشرطة والأحياء
ولجان الإغاثة الإنسانية بالنقابات المهنية عن انهيارات جديدة أو تصدعات أو حالات
جديدة أصيبت من جراء الزلزال، وقد رجح الفنيون استمرار آثار الزلزال لفترة قادمة،
وهو ما يعني أن حجم الخسائر لن يتوقف عند الأرقام المذكورة.
وإذا كان الدكتور
محمود محفوظ وزیر الصحة الأسبق ورئيس لجنة الخطة بمجلس الشورى قد أعلن أنه لا توجد
خطة حكومية لمواجهة الكوارث، وأن أمر مواجهتها متروك حسب قدرة كل جهة على حدة، فإن
الواقع أكد هذه التصريحات وأثبت العجز الحكومي والإداري عن مواجهة آثار الزلزال افتقاد
الخطة العامة، وهو الأمر الذي سبب حالة من الغليان داخل آلاف الأسر التي وجدت
نفسها فجأة في الشارع، وسبب ارتباكًا شديدًا لكافة الأجهزة الرسمية.
لقد وقع الزلزال
المدمر، والذي بلغت قوته ٥.٩ بمقياس ريختر أثناء انعقاد اجتماع مجلس الوزراء، وكان
من الطبيعي أن يظل المجلس في حالة انعقاد دائم لمواجهة آثار الزلزال واتخاذ
إجراءات فورية لحل المشكلات، إلا أن ذلك لم يحدث، بل تضاربت القرارات والتصريحات
والأرقام المعلنة تضاربًا كبيرًا أشاع حالة من الذعر في مختلف الأوساط واستياءً
عامًّا تجاه الحكومة القائمة، وهو ما دفع بعض الحكوميين إلى إعلان الرغبة في تأجيل
انتخابات المحليات المقرر إجراؤها يوم الثلاثاء القادم، ولكن الحكومة أعلنت رفضها
تأجيل الانتخابات، حيث إنها فازت بالتزكية في حوالي من (75: 80%) من مجالس
الأحياء والمدن والمراكز والمحافظات، ولا يؤثر كثيرًا أن تنال المعارضة نصيبًا من
هذه النسبة المتبقية من (20: 25%)
|
* الإسلاميون بذلوا
جهودًا خارقة لمحاصرة آثار الزلزال والتخفيف من معاناة المواطنين |
العجز الحكومي
الأداء الحكومي
الذي اتسم بالعجز والفشل تحرك في اتجاهين: الأول طمأنة الناس وتحذيرهم دون تحقيق
إجراءات حقيقية، مثل الإعلان عن تسليم المساكن لآلاف الأسر وتقديم المعونات
المادية والعينية، ومحاولة تبسيط الأزمة وأن كل شيء على ما يرام، في حين كان
الواقع الملموس أن آلاف الأسر مازالت تفترش الأرض وتلتحف السماء ولا تجد من يستمع
لها، أو على الأقل يتحدث معها بصورة كريمة، بل إن التصريحات السياسية كانت تصف هذه
الأعداد الهائلة من المتضررين بأنهم لا يستحقون ويحاولون الحصول على مغانم ليست من
حقهم، ولا تزال آلاف الأسر إلى الآن لم تحصل على مساكن أو حتى معاملة كريمة من قبل
الأجهزة التنفيذية.
أما الاتجاه
الثاني الذي تحركت في اتجاهه الحكومة فهو التضييق على الجهود الشعبية التي بدأها
الإسلاميون لمعالجة آثار الكارثة، بعد أن حرضت بعض الإذاعات الدولية- وخاصة إذاعة
لندن وإذاعة الكيان الصهيوني- حرضت الحكومة ضد الإسلاميين الذين يستغلون الموقف
لمصالح سياسية حسب زعمهم.
وقد بذل
الإسلاميون جهودًا خارقة لمحاصرة آثار الزلزال والتخفيف من معاناة المواطنين، فقد
قرر مجلس إدارة الجمعية الطبية الإسلامية (إخوان مسلمون) فور حدوث الزلزال إعلان
حالة الطوارئ في كافة فروع الجمعية (14 فرعًا) وفتح أبوابها لاستقبال جميع
المصابين من مختلف أنحاء البلاد مجانًا، ودون أن يتحملوا أية تكاليف بما فيها
إجراء العمليات الجراحية، ومازال الباب مفتوحًا، بالإضافة إلى تبرع أطباء الجمعية
ماديًّا وعينيًّا، وفي لجنة الإغاثة الإنسانية بنقابة الأطباء (إخوان مسلمون) حدث
الزلزال أثناء اجتماع اللجنة، والتي أعلنت على الفور حالة الطوارئ واستعدادها
لتلقي بلاغات انهيارات المساكن أو تصدعها وتقديم كافة الواجبات الإغاثية، وشكلت
غرفة عمليات دائمة تضمنت:
1- لجنة
الإعلام: للمتابعة الإعلامية والإخبارية، وتلقي البيانات والإجابة عن الاستفسارات
من جميع المناطق.
2- لجنة
الأطباء: للإشراف على عمليات الإسعاف ومتابعة الحالات، وتوفير الإمدادات الطبية
العاجلة للمستشفيات والأفراد.
3- لجنة
فرق الإغاثة: للتحرك السريع للمناطق المنكوبة والقيام بعمليات الإغاثة والمعاونة
وحتى الثانية من صباح الثلاثاء 13/ 10، أي
بعد أقل من 12 ساعة من وقوع الزلزال قامت اللجنة بتفقد المناطق المنكوبة ومتابعة
آثار الزلزال في محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية والفيوم وبني سويف والشرقية
والمنيا والإسكندرية، وقد تبين للجنة فداحة الخسائر في مناطق السيدة زينب
والجمالية والأزهر والجيزة ومصر الجديدة وبولاق الدكرور وبولاق أبو العلا ومصر
القديمة والمنيل وعابدين وباب الشعرية وشبرا الخيمة، وقامت اللجنة بصرف إعانات
نقدية فورية لأسر الشهداء والمصابين إلى جانب توزيع خيام وبطاطين للإيواء وبعض
الأطعمة.
كما تفقدت اللجنة
بعض المدارس التي وقعت بها إصابات، كما قامت بزيارة بعض المستشفيات منها قصر
العيني وأم المصريين وهليوبوليس ومنشية البكري ومستشفى ناصر العام ومستشفى النيل
ومستشفى قليوب، وتم توصيل أدوية ومواد علاج الكسور وإسعافات طبية، كما تمت زيارة
بنك الدم بمستشفى أبو الريش والاتفاق على فتح مركز للتبرع بالدم بمقر لجنة الإغاثة
بدار الحكمة.
وحدث استنفار في
صفوف شباب الإخوان في المناطق القريبة للتطوع ومساعدة لجنة الإغاثة التي تعمل طوال
الأربع والعشرين ساعة يوميًّا، وأعلنت اللجنة عن فتح باب التبرع النقدي والعيني
لمواجهة آثار الزلزال.
وفي نفس اليوم
الذي وقع فيه الزلزال أقامت لجنة الإغاثة قرابة 200
خيمة إيواء تسع الواحدة عشرة أفراد، بعضها مخصص للرجال والآخر مخصص للنساء، وتم
صرف مبلغ خمسين جنيهًا مصريًّا لكل أسرة بصفة مؤقتة.
جهود الإغاثة والتضييق
ويقول الدكتور
أشرف عبدالغفار عضو مجلس نقابة الأطباء والأمين العام للجنة الإغاثة الإنسانية: إن
اللجنة أُنشئت منذ نحو ست سنوات، ولها جهودها المستمرة في دول عديدة منها
أفغانستان وكشمير وبنغلاديش والأردن والبوسنة والهرسك وإفريقيا، وإذا كنا نشارك في
تخفيف آلام المسلمين في الخارج وغيرهم، فدورنا داخل الوطن أولَى وهو من صميم عمل
اللجنة، ومازالت التبرعات النقدية والعينية تنهال علينا من الداخل والخارج في مشهد
يعجز الإنسان عن وصفه وتقديره، مما أتاح للجنة إقامة العديد من المراكز الإغاثية
في مدينة السلام وفي مركز العياط، حيث نقوم بإعداد الخيام وتسليم البطاطين
والملابس وتقديم الأغذية، والإشراف الطبي والرعاية الصحية للأسر المتضررة، وهذا
واجب إنساني وواجب إسلامي في المقام الأول.
دولاب العمل
الإغاثي في نقابة الأطباء يعمل ليلًا ونهارًا يشارك فيه مئات المتطوعين من بينهم
عدد كبير من الأخوات المسلمات يشاركن بإعداد الوجبات الغذائية، وتقديم المواساة
للسيدات في الأسر المنكوبة، وقد شاهدت -أثناء وجودي في مقر النقابة لمتابعة عمل
اللجنة- السيدة إفراج الحصري «ياسمين الخيام» وهي تتابع العمل مع اللجنة، حيث أكد
لي الدكتور أيمن علِي المسؤول الإعلامي باللجنة أنها توجد يوميًّا لمتابعة العمل
في اللجنة النسائية وتذهب بنفسها إلى أسر الضحايا والمضارين، وأن غيرها من
الفنانات التائبات يشاركن أيضًا في هذا العمل.
وحول تدفق
التبرعات للجنة بعد إعلان الحكومة عن جهة واحدة «الهلال الأحمر المصري» لتلقي
التبرعات، قال أيمن علِي: إن التبرعات لم تقل، بل ازدادت لأن رجل الشارع المصري
يلمس الجهود التي نبذلها ويأتي بنفسه ليطلع عليها ويشارك معنا كذلك.
|
* سكان حي السيدة
زينب قذفوا رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشعب بالحجارة احتجاجًا على سوء الأوضاع |
تضييق على الإسلاميين
وفور تكرار
الحديث عن جهود الإخوان المسلمين في التحرك الشعبي لمعالجة آثار الزلزال على
المستوى الإعلامي الدولي، بدأت الجهات الحكومية حملة للتضييق، بدأتها أجهزة الشرطة
والأمن المركزي بإجلاء عدة مئات من الأسر المشردة في حي السيدة زينب من قرابة 20
خيمة إيواء، كانت لجنة الإغاثة قد أقامتها كإيواء عاجل لحين قيام الدولة بتوفير
مساكن لها، وعندما سألت هذه الأسر إلى أين نذهب إذن؟ قال الضابط المسؤول: عليكم أن
تتوجهوا إلى خيام الحزب الوطني في حي زينهم. وعندما سأل ممثل لجنة الإغاثة الضابط
عن أسباب رفع هذه الخيام قال: إنكم لم تتفقوا مع القيادة السياسية!
الغريب أن هذا
الموقف حدث بعد ساعات من تعرض الدكتور عاطف صدقي رئيس الوزراء والدكتور أحمد فتحي
سرور رئيس مجلس الشعب للقذف بالحجارة أثناء وجودهم في حي السيدة زينب لمتابعة
الموقف، احتجاجًا على سوء الأوضاع.
ثم بدأت بعد ذلك
المضايقات تتزايد والضغط الإعلامي يزداد والحديث عن الذين يستخدمون الإغاثة لأهداف
سياسية.
تفاعل الجماهير مع الإسلاميين
وكان الرد
الجماهيري المتفاعل مع دور النقابات المهنية، وخاصة الأطباء والمهندسين والعلميين
والمحامين، وهي نقابات يديرها الإخوان المسلمون، هو أبلغ رد على حملات الهجوم
والتجاهل المتعمد من جانب المسؤولين والإعلاميين، بل إن الكلام الذي يدور الآن في
أوساط رجل الشارع عن حجم التبرعات التي وصلت -من الخارج والداخل- إلى ما يقرب
من 800 مليون جنيه، أین ذهبت.. وأین ستذهب هذه
التبرعات، مما دفع رئيس الجمهورية للقول أمام الصحفيين في مؤتمر صحفي: إن كل متبرع
سوف يصله کشف يوضح أين ذهبت تبرعاته حتى يطمئن الجميع.
نفس الجهود
بذلتها لجنة الإغاثة في نقابة المهندسين التي شكلت لجنة علمية هندسية لتقديم
تقاريرها عن الحالات التي تقدم إليها لمعاينة المباني والعقارات، وعقدت عدة ندوات
علمية للحديث عن آثار الزلازل على المنشآت والمباني، بالإضافة إلى مشاركتها في جمع
التبرعات وإيصالها لمستحقيها.
أيضًا قامت لجنة
الإغاثة بنقابة العلميين بجهود كبيرة في هذا المجال وعقدت عدة ندوات حول طبيعة
الزلازل وهل دخلت مصر منطقة الحزام الزلزالي أم لا.
وبعد.. لقد كشفت
كارثة الزلزال الأخيرة عدم وجود خطة حكومية واضحة وفعالة لمواجهة الكوارث، وكشفت
أيضًا أن التيار الإسلامي هو أول ما تحتاجه البلاد في ساعات الخطر دون مَنٍّ أو
رياء.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل