; روجيه جارودي المسلم يواجه الأخطبوط وحده | مجلة المجتمع

العنوان روجيه جارودي المسلم يواجه الأخطبوط وحده

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر الثلاثاء 19-نوفمبر-1996

مشاهدات 724

نشر في العدد 1226

نشر في الصفحة 51

الثلاثاء 19-نوفمبر-1996

قلت في مواطن كثيرة، وتحدثت في أماكن عديدة، وكتبت في مقالات لا تحصى، إننا في حاجة إلى رجال صدق وعزائم جد، وهمم إيمان، لإحياء الموات النفسي، وبعث الهمود الحركي في الأمة، ولكسر حاجز الهلع وتدمير أغلال الخوف والجزع في الشعوب المسلمة وهذه الأمة لا ينقصها عدد أو مال أو سلاح أو مبادئ حافزة، أو تعاليم دافعة بقدر ما ينقصها الثقة بالنفس، والاعتداد بالذات والإقدام إلى الغاية، وصدق الله حيث داوى أمثالهم بالعزيمة أولًا، فقال في شأن قوم موسى الهلعين: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (المائدة:23) وهذا شأن الأمم التي تساس بالذلة رِدحًا كبيرًا من الزمان، وتُحكم بالقهر سنين عددًا في كثير من الأحيان، والإيمان من خصائصه إنه لا يتفاعل مع ضعاف النفوس إلا إذا ارتفعوا إليه وصعدوا إلى مستواه ويتفاعل مع النفوس القوية من أول برهة ويتناغم معها من أول لقاء، وصدق رسول الله حين قال: «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا وتجدون خير الناس في هذا الأمر أشدهم له كراهية حتى يقع فيه وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه» (متفق عليه).

 وقد عجبت لحديث جارودي عن اليهود وفضحه لأساليبهم وعنصريتهم وإبرازه لوحشيتهم وتأصيل ذلك بالوثائق والأسانيد، وقد قامت دنيا الهياج اليهودي ولم تقعد، ووقف الرجل ضد اليهود والصحافة الفرنسية وضد أتباعهم ودعايتهم وتهديداتهم كالجبل الأشم، وأخذ يدافع عن الإسلام ودعوته ورسالته دفاع الأبطال في ميادين النزال، وقد تناقلت صحافة الأمة العربية بعضًا من أحاديث الرجل حول الإسلام وحول الصهيونية، وطارت كتبه اللاذعة وشرقت وغربت وأحدثت دويَّها بما عجزت عنه أمة مجتمعة ومجامع علمية إسلامية محسوبة على الإسلام آكلة شاربة متربعة لا تهش ولا تنش ولا أدري لماذا؟، ولا أجد له تفسيرًا إلا الوهن والضعف والخور.

ويحسن بنا أن ننقل بعضًا من أحاديث الرجل عن الإسلام، أولا وعن الصهيونية ثانيًا، فقد سئل الرجل لماذا اعتنقت الإسلام وأنت المشهور بحجم ثقافاتك المتعددة والكثيرة وكنت صاحب مدرسة فلسفية متميزة وذائع الصيت؟ فقال: لست من الذين يسهل إقناعهم بمبدأ معين أو بفكرة محددة، لكنني وبعد أن قرأت كل الأديان، وكل العقائد السماوية والأرضية، لم أجد ما يقنعني إلا القرآن، لقد وجدت في هذا القرآن فلسفة الكون كله، بل إن كل نظرية آمنت بها وعاندت بها دهري وجدتها في القرآن هذا القرآن يحتوي على كنز عظيم هو الشريعة.. التي تنظم سلوك الإنسان وصلته بالله، ومع ذلك فإن هناك كثيرين من المسلمين لا يعرفون سر القرآن وقيمته، وبذلك فهم لا يعرفون قيمة الله ﴿وما قدروا الله حق قدره﴾، ولو عرف هؤلاء الله حق المعرفة ما عبدوا المال ولا الملذات، ثم إن أعظم مبادئ الكون يجد لها ملخصًا في القرآن لأنه يحتوي على مبادئ عظيمة ونظريات علمية مبهرة لم ولن يصل لها عقل بشر.. إن كل الفلاسفة القدامَى والمعاصرين أيضًا ابتكروا فلسفة الكلمة، لكنني أؤمن بفلسفة العمل، والقرآن يحث الناس على العمل ويجعل القول بدون عمل جريمة ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة: 105)، ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ (الصف: 2)، «إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا» وفي نفس الوقت فإن القرآن يحث الناس على التفكير والتدبر والتذكر، فالعقل كنز الإنسان.. وبهذا العقل يسخر الله الكون للإنسان، وبه خلاصه وسعادته وشقاؤه مع هذا فهو لم يخرج عن أمر الله سبحانه.

ثم سئل جارودي، وكيف ترى الإسلام حاليًا فقال: الإسلام دائمًا بخير، لكن الذين ليسوا بخير في هذه الأيام هم المسلمون فالقرآن باق بقاء الحياة، وسوف يبقى الإسلام على وجه الأرض حتى لو لم يوجد على وجه المعمورة كلها سوى مسلم واحد، إن المسلم يفتقر إلى اعتزازه بإسلامه والعمل له وبه وصدقني لن يجد المسلم ذاته إلا في القرآن ولن يجد متعة حقيقية بعد سياحة في كل المذاهب والأديان إلا في القرآن، ولا بد للمسلم أن يتعايش باجتهاده في إسلامه مع عصره وزمانه ويكون له فقه يتفق مع طبيعته وبيئته وأحواله وزمانه.

ثم سئل الرجل عن كتابه الذي أصدره وهز إسرائيل الخرافات المؤسسة للسياسة الإسرائيلية، فقال الرجل: ظلم إسرائيل وبغيها هو الذي دعاني إلى إصدار هذا الكتاب إسرائيل تنتهك كل شيء وتفعل أي شيء وتحميها الأعراف الدولية الخاطئة، لقد حصلت إسرائيل على ۳۲ فيتو أمريكي منذ عام ۱۹۷۲م حتى اليوم، وأمريكا فيها لوبي صهيوني يحدد بشكل مباشر سياسة أمريكا وأنا أعتبر الصهيونية خطرًا على العالم كله وليس خطرًا على الشرق الأوسط فقط الصهيونية خطر حقيقي ولا بد من بتر كل أذرعه، والذي يدهشني أن كتابي استند إلى التاريخ السياسي باعتباره أعظم وثيقة، ومع ذلك تعرضت لحرب مريرة، وهذا معناه أنهم يحاربون التاريخ، ويحاربون كل شريف ولا أحد ينسى ما فعله اليهود بديجول، فحينما هاجم اليهود، انقلبت كل الموازين واهتزت صورته في الإعلام وهاجمه الرأي العام واعترضت عليه الكنيسة فقال كلمته المأثورة لم أكن أعرف قبل الآن أن فرنسا يهودية وحينما هاجمتني الصحافة بسبب هذا الكتاب لم أجد صحيفة واحدة توافق على نشر ردِّي على الذين هاجموني، هل تعرف معنى ذلك؟ معناه أن اليهودية تفشت في فرنسا كالسرطان، وأنا أعرف أن الصهيونية موجودة في فرنسا، ولكنني ما كنت أتصور أنها بهذا التأثير الهائل.

ثم سئل هل تشعر بالخوف من الصهيونية فرد بثقة وشجاعة أنا لا أخاف إلا الله، إنني لا أخاف الموت، وأعرف من يقيني الإسلامي أن لكل أجل كتاب، ولقد نصحني بعض الأصدقاء باستئجار حراسة لحمايتي فرفضت وأنا أتعرض ليلًا ونهارًا لتهديدات متكررة لدرجة أن أحد المذيعين قال على الهواء يجب أن يعد جارودي قبره من الآن أنا رجل مؤمن ومقتنع بكل ما أفعل، ورغم تجاوزي ٨٦ عامًا فإنني لا أحب الخضوع للظلم أو التهديد والوعيد، وسأظل أكافح ما حييت وسيكون كفاحي هذا هو الشرارة لبداية حرب عالمية ضد الصهيونية والمعول الذي سيهدم تلك الخرافة التي تسمى بإسرائيل.

فأقول نعم يا فارس القلم، ومحارب الرأي وهادم الظلم لكل أجل كتاب وستموت يومًا على سريرك، وتقول كما قال خالد بن الوليد بعد جهاده الطويل في حرب الأعداء: لقد خضت زهاء مائة معركة وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه طعنة برمح، أو ضربة بسيف وأنا اليوم أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء، فلا نامت أعين أمم تجبن عن الحق وتخضع للظلم والبغي وتعيش كالحمير وتموت كالبعير..

الرابط المختصر :