العنوان بريد القراء.. عدد 1177
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 28-نوفمبر-1995
مشاهدات 16
نشر في العدد 1177
نشر في الصفحة 4
الثلاثاء 28-نوفمبر-1995
رؤيتان مختلفتان لموضوع «مستقبل أفغانستان»:
رؤية نقدية لما نشرته «المجتمع».
رسالتي هذه أكتبها لكم عطفًا على مقال الأستاذ أحمد منصور عن القضية الأفغانية في العدد «١١٦٨»، وعلى التعقيبات التي وردت عليه، ولا سيما منها تعقيب الأستاذ الدكتور توفيق الشاوي.
وإذا كان مقال «مستقبل أفغانستان وجذور الصراع بين المجاهدين الأفغان» قد نال الكثير من التقدير والإعجاب والثناء وهو جدير بذلك، فأنا أعلق عليه بدافع مختلف سيظهر في ثنايا الأسطر القادمة.
لقد أثار انتباهي وحفيظتي كون المقال سار منأوله إلى آخره على طريقتين اثنتين:
الأولى: تأييد مطلق للبروفيسور الرئيس برهان الدين رباني وقائده وحزبه وحكومته وسياسته.
الثانية: تشويه مطلق لقلب الدين حكمتيار في «تهوره وغروره وعمالته وديكتاتوريته، ودمويته، وأنانيته...».
وأنا لا أمانع في أن يكون رباني من أحسن القادة الأفغانيين بلاء وصلاحًا، وأن يكون حكمتيار من أكثرهم تعنتًا وأنانية. ولكن الذي يؤسفني ويؤلمني هو التعامل مع الرجلين -ومع غيرهما- بعقلية الملاكوالشيطان.
إن التحيز المطلق إلى فئة وإبراز محاسنها وحسناتها وجلائل أعمالها وتضخيم ذلك والاقتصار عليه حتى يغطي مثالبها ومساوئها، لن يزيد الطين إلا بلة، ولن يزيد الكارثة إلا تعميقًا. وكذلك التحيز المطلق ضد فئة أو شخص.
تمنيت لو جاء المقال بريئًا من التحيز والتحزب والتأثر بالروابط والعلاقات، وإذًا لكان أدعى إلى التقدير والتفاؤل.
حدثنا المقال عن العلاقات «المريبة» لحكمتيار مع الاستخبارات الباكستانية، ومع الأمريكان، ومع الروس، ولكن الذين سبقوه -من خصومه- إلى مثل هذه العلاقات لا تثريب عليهم ولا تشكيك في سلامة تصرفهم، بل ذلك معدود من تعقلهم وحسن تدبيرهم!!
وحدثنا المقال عن تحالف حكمتيار مع قدماء الشيوعيين أثناء فترة الحكم الشيوعي وبعدها، ولكنه تغافل -أو أول تأويلًا حسنًا- ما فعله مسعود الذي يرجع إليه الفضل في حقن دماء فلول الشيوعيين ومجرمي النظام الشيوعي، حتى أصبحوا اليوم طرفًا أساسيًّا في حرب المجاهدين! وحدثنا المقال عن تعطش حكمتيار للسلطة والحكم وسعيه إليها بأي ثمن، ولكنه غض الطرف عن الذين سبقوه إليها، ويعضون عليها بالنواجذ بأي ثمن.
وحدثنا المقال عن هرولة حكمتيار إلى كابول وتهديده بدخول قواته إليها قبل أن تتفاهم الفصائل على توزيع السلطة، ولكن الذي نفذ ذلك بالفعل، وفرض الأمر الواقع وقنع -لأجل ذلك- بنصف انتصار مع التنازل عن النصف الآخر للشيوعيين، الذي فعل هذا اعتُبر حاقنًا للدماء وفاتحًا لكابول، وبئس الفتح كان.
لقد أصيب الطرفان معًا بما أصيب به أصحاب الجبل يوم أحد، مع فوارق بين المشبه والمشبه به لا تخفى.
وإذا كان حكمتيار هو المسؤول الأول عن إجهاض انتصار المجاهدين وتخريب مشروعهم، بحرصه على أن يكون له موقعه اللائق، ونصيبه الوافر من السلطة والحكم، فهل قدم لنا -قولًا أو فعلًا- رياني ومسعود حلولًا عملية عادلة، يتنازلان فيها عن إمارتهما وسلطتهما؟ أم أن الطرفين معًا في هوى اللقب والمنصب سواء؟
لماذا تأخرتم في الحديث عن مستقبل أفغانستان لهذا الوقت؟
من حقكم عليَّ -كقارئ- أن أهنئكم على موضوع مستقبل أفغانستان الذي نشر في العدد ١١٦٨ من المجتمع، هذا التحقيق القوي الدقيق الذي كان وما زال -بموضوعه وطريقة معالجته- مجالًا لطروحات نقاشية في جلساتنا الخاصة والعامة بين الأساتذة والعلماء والطلاب والمثقفين.
وبلا مجاملة أشهد أنه من أدق وأوعى المباحث السياسية الصحفية التي قرأتها في السنوات العشر الأخيرة؛ فقد شد الأنظار والإعجاب والتعجب في وقت واحد بكثير من مضامينه التي مثلت عند كثير من القراء «مفاجآت معلوماتية» إن صح هذا التعبير، وخصوصًا بالنسبة لحكمتيار وأبعاده النفسية والفكرية وأدواره العلنية والخفية. وعالج الكاتب موضوعه بتوثيق علمي وافٍ، متبعًا الطريقتين الاستقرائية والقياسية، فهو يقدم الأخبار والمعلومات ويخلص منها إلى النتائج المنشورة في
مجال الشخصية والمجالات السياسية والعسكرية، وأحيانا يقدم الحكم، الذي قد يمثل «رؤية خاصة» ثم يدعمها ويوثقها بالأخبار والأقوال والإحصائيات. والانتقال بين الوجهين يمثل تنويعًا وتلوينًا يدفع السآمة، ويبعث في الموضوع حيوية تحقق الهادفية المنشورة دون افتعال أو تعمّل.
وفي الموضوع غزارة من المعلومات والإحصاءات السياسية والعسكرية والشخصية، ويتمتع بعمق الاستقصاء، كما يُبين عن قدرة فائقة على الربط بين الجزئيات في ماض وحاضر واستشراف مستقبلي بصير، والقارئ لا يحس لكل أولئك بوطأة أو ثقل؛ لأن الكاتب استخدم -بطريقة عفوية جذابة- الأسلوب القصصي بدرامية موقفه، تعانق فيها المنطق الواقعي الصادق والأسلوب الروائي البارع في العرض والسرد، مما لا يتسع المقام لشرحه.
وقد كان انطباعي هذا هو نفس انطباع كثير من زملائي، حتى وصف أحدهم الموضوع بأنه يحقق المتعة والإفادة، وإن أثار في أعماقنا مزيدًا من الحزن الباكي لما أصاب أفغانستان الوطن المسلم الذبيح.
وأراني -اعتمادًا على قراءتي للموضوع ومتابعاتي المتواضعة للقضية الأفغانية وما أعرفه -من بعيد- عن بعض أشخاصها، أقدر أنه من الظلم الفادح محاسبة برهان الدين رباني وتقييمه بمعيار ما يقيم به الرؤساء من إنجازات اقتصادية وتعليمية واجتماعية... إلخ. فالرجل لم يعرف للنوم طعمًا من أول يوم في حكمه، بل عاش ليدفع عن كابول وما حولها ضراوة إرهاب مدمر فُرض عليه من جهات متعددة منها الظاهر، ومنها الخفي، وقد دلت الأحداث على أن الرجل -بل عاش مدة حكمه بين فكي الموت- لا يمكن أن يكون من طلاب حكم ودنيا. كما أن الحقائق عرت حکمتیار، فشخصيته هي شخصية الديكتاتور السيكوباتي الذي لا يرى إلا نفسه، ولا يوثن إلا ذاته، ولو حُكمت أفغانستان بحكومة سلامية تعيد إلى الأذهان صورة حكم الخلفاء الراشدين لحاربها حكمتيار بكل ما أوتي من قوة إن لميكن على رأسها. واستيفاءً لملاحظاتي حول الموضوع أقول إن إحساسًا لازمني من أول الموضوع إلى آخره، وهو شعوري الحاد بغياب صوت الفارس الشهيد عبد الله عزام، فالرجل -رحمه الله- عايش الجهاد الأفغاني في منشطه ومكرهه، وسبر غور القادة الأفغان جميعًا. ولو شهادات شفوية ترسم ملامحهم، وصاحب المقال -إن لم يعرفها- يعرف من يعرفها من أساتذة كبار مشهود لهم بالعلم والمصداقية، كما كنت أتمنى -زيادة في التوثيق- أن تتسع دائرة الشهادات من شخصيات أخرى غير عبد الله عزام -رحمه الله.
وأخيرًا.. أعتب على أخي الأستاذ أحمد منصور الذي يعلم أن زمن النشر يكون أحيانًا جزءًا مهمًّا جدًّا من جوهر الموضوع. أعتب عليه أنه اثَّاقل إلى درجة التأخر الطويل في نشر هذا الموضوع بمعالجته الحية الرائعة. ومع تقديري وإعجابي أقول وفقكم الله ونفع بكم الإسلام والمسلمين.
دكتور جابر قميحة
أستاذ الأدب العربي- جامعة الملك فهد- الظهران- السعودية
رأي القارئ
ردود خاصة
الأخ: صفوت حسن خفر- المجمعة- السعودية
عنوان د. القرضاوي: ص. ب: ۲۷۱۳
الدوحة – قطر
الأخ: مطر المنصور U.S.A
يرجى الاتصال بالدكتور سمير بافقيه
على عنوان مستشفى الحمادي ص. ب ٥٥٠.٤ الرياض ۱۱٥٣٤ السعودية
تليفون ٤٦٢٢٠٠٠ مع تمنياتنا لذويك بالشفاء العاجل.
الأخ: خالد محمد خليل- الرياض- السعودية
إرسال مقالتك إلى المجلة التي تريد الرد على ما جاء فيها أولى، لأن الذين قدموا ما نشرته تلك الصحيفة يجب أن يطلعوا على الرأي الآخر. أما نحن فنعتذر لأننا لا ننشر ردودًا على موضوعات تنشر في صحف أخرى.
الأخ: علي نار- اسطنبول- تركيا
رأيك بالمجلة وخصوصًا الصفحة الثقافية شهادة نعتز بها. وصلتنا الكتب التي تود التعريف بها وعلى أمل أن يدوم التواصل فيما بيننا، نتمنى لك التوفيق والسداد.
تنويه
نلفت نظر الإخوة القراء أن تكون الرسائل موقعة بالكامل ومكتوبة بخط واضح على وجه واحد من الورقة، ونفضل أن تكون الرسائل مناقشة أو تعليقًا لما ينشر في المجلة، وتحتفظ المجلة بحق اختصار الرسائل، كما تحتفظ بحق عدم الالتفات إلى أي رسالة غير مذيلة باسم صاحبها واضحًا.
«مستقبل أفغانستان»
إن طبيعة الأمور وما آلت إليه على أيدي الفريقين معًا تفرض علينا قناعة صعبة المنال، ولكنها تمثل ممرًّا لا محيد عن سلوكه إن أردنا أن نشرع شروعًا حقيقيًّا في حل المشكلة، ألا وهي إزاحة جميع الذين اشتركوا -من داخل كابول أو من خارجها- في تقتيل الشعب الأفغاني المقهور، وفي تقتيل آماله ومصالحه، جميع الذين كانت لهم أدوار قيادية في حرب الفصائل أو حرب القبائل، هذه هي المقدمة الأولى لأي حل حقيقي، جميع أولئك استولت عليهم الأهواء والعصبيات، حكموها وحكموا البلاد والعباد بها، وجميعهم أثبتوا ما لا يدع مجالًا للشك عدم أهليتهم وعدم صلاحيتهم للحكم، فمن كان في قلبه بقية إخلاص لدينه ولأمته فنعم، فليتنحَّ بنفسه وليمض إلى حال سبيله، وليبك على ما اقترفت يداه وعلى ما وصل إليه شعبه وأمته. لابد أن يكون الحل والبحث عن الحل مع الأيدي النظيفة، الأيدي التي لم تقتل الأبرياء، ولا أمرت بقتلهم، الأيدي التي لم تقاتل المسلمين، ولم تأمر بقتالهم لا ابتداءً ولا ردًّا، لا هجومًا ولا دفاعًا.
أما حكاية الحكومة الإسلامية، والدولةالإسلامية التي يرأسها رباني، فهي أشبه ما تكون بدولة غزة وأريحا التي أقامتها منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيدة للشعب الفلسطيني برئاسة عرفات.
ليس هناك لا حكومة إسلامية،ولا دولة إسلامية ولا ممثل شرعي ولا وحيد للشعب الأفغاني، وإنما -يجب أن نعترف وننصف- هناك تكتلات حزبية وزعامات شخصية، وعصبيات عرقية وأيادٍ أجنبية، وهذه الأوصاف تصدق على جميع المتقاتلين، وأنا لا أنكر على أي واحد إسلامه ولا جهاده، ولا سابق فضله، ولا آماله إلى الآن من محامد وفضائل، ولكن الذي يتحكم في الأمور هو ما ذكرته من أوصاف. ولا يخفى على أحد أن تولية رباني كانت اضطرارية مؤقتة، وقد انتهى زمنها وانفرط عقدها وتلاشت مصداقيتها، ومجرد سيطرة أصحابه على العاصمة كابول لا يعطيه شرعية أكثر من غيره، فالشرعية لا تستمد لا من التاريخ، ولا من الجغرافية، وإنما تُستمد من تولية كافة -أو أغلبية- أهل الحل والعقد في البلد، تولية حرة نزيهة اختيارية، أو من التولية الانتخابية المباشرة من جمهور الأمة «الشعب الأفغاني في حالتنا». كما أن الشرعية تستمر بالتزام شروط التولية وتنفيذ التزاماتها ومقتضياتها، وتنخرمبانخرامها.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
الدكتور أحمد الريسوني
الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية
الرباط- المغرب
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل