; مؤتمر كامب ديفيد.. بين الفشل والنجاح.. | مجلة المجتمع

العنوان مؤتمر كامب ديفيد.. بين الفشل والنجاح..

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 19-سبتمبر-1978

مشاهدات 12

نشر في العدد 412

نشر في الصفحة 8

الثلاثاء 19-سبتمبر-1978

  • هل يخفي التعتيم الأمريكي على القمة الثلاثية اتفاقًا سريًّا؟
  • الإعداد لحرب إسلامية مقدمة هو الطريق للتحرير
  • المشكلة الفلسطينية مشكلة إسلامية، وتحرير الأرض واجب ديني مقدس

كامب ديفيد.. هذا الاسم الذي لم يسمع به من قبل إلا القليل من البشر، قد عرفه الناس جميعًا بعد أن شدت إليه أبصارهم وأسماعهم، وذلك عقب وصول مبادرة الرئيس السادات إلى طريق مسدود، وبات القول بنجاحها أو السير فيها ضربًا من الوهم الذي يتطلب خيالًا خصبًا ذا أجنحة طويلة محلقة بعيدة المدى. فلم يجد كارتر بدًّا من تحريك هذه المبادرة بشكل دراماتيكي حاد، فدعا كلًّا من السادات وبيغن إلى كامب ديفيد راضيًا أن يحقق رغبة السادات فيكون شريكًا رئيسيًّا في حل هذه المشكلة المسماة بمشكلة الشرق الأوسط. ولكنه كان حذرًا جدًّا؛ وذلك لأنه يعلم علم اليقين: من هو بيغن؟ فلم يعد بنجاح أو بتقدم إنما طلب من كلا الطرفين المصري والإسرائيلي المرونة، وفضلًا عن ذلك فقد أحاط المؤتمر بحماية قوية وبتعتيم شديد قلما رأيناه في غير هذا المؤتمر.

بدأ الرجال الثلاثة مؤتمرهم هذا بصلاة لله تعالى وابتهال إليه على اختلاف تصوراتهم لذاته العلية، جلت وعلت، وعلى اختلاف نظرة كل منهم إلى معتقد الآخرين، راجين منه تعالى أن ينجح هذا المؤتمر وأن تحل هذه القضية.

  • كامب ديفيد من أطول المؤتمرات في التاريخ 

اشرأبت الأعناق واتجهت الأبصار إلى كامب ديفيد يومًا بعد يوم، فإذا الظلام شديد والتعليم كثيف، فلم يجد الصحفيون مادة يتكلمون عنها سوى لعبة شطرنج بين بيغن وبرززنسكي، أو نوعية طعام الوفود، أو كيفية قضاء أوقات الراحة، أو غير ذلك من الأمور التافهة التي لم يجدوا غيرها.

ومن خلال هذا التعتيم الشديد كان يبدو وميض من التفاؤل المشوب بالحذر حينًا، ولكن سرعان ما تبدده سحب سوداء عاتية من التشاؤم.

فكلما تناقلت وكالات الأنباء نبأ عن قبول الإسرائيليين لفكرة الانسحاب أطفأها سیل عارم من التكذيب الشديد لها.

والواقع أن هناك أمورًا كثيرة تدعو للتشاؤم من نجاح مؤتمر قمة كامب ديفيد على الرغم من أن المخاطر التي ينطوي عليها واضحة جلية، فهذه القمة ليست سوى عملية إنقاذ؛ وذلك لأن كل العمليات الأخرى باءت بالفشل، هذا وإذا فرضنا أن مؤتمر كامب ديفيد قد لا يكون آخر فرصة للسلام، إلا أن فشله سيخلق شعورًا باليأس وتدهورًا آخر نحو الحرب.

وفضلًا عن نقاط الخلاف بين وجهتي النظر العربية والإسرائيلية، فإن هناك خلافات شخصية ونفسية، وفي العادات والتقاليد بين السادات من جهة وبيغن من جهة أخرى، الأمر الذي يجعل اتفاقهما سياسيًّا من الأمور الصعبة المستعصية، فالرئيس السادات رجل سياسي خيالي يتبنى أفكارًا جريئة ويضيق ذرعًا بالتفاصيل، ويتمتع بخلق اللحظات الدراماتيكية تحت الأضواء؛ بينما بيغن على نقيضه فهو يتمتع بذاكرة قوية وعقلية حرفية واقعية يستخدمها في نصب فخاخ من التفصيلات لخصومه، حتى يستطيع تعزيز سيطرته عليهم، وهذه الفروق بين الرجلين لا بد وأن تنعكس بشكل وضح على أساليبهما التفاوضية، فقد كان السادات ينتظر منذ قيامه بمبادرته إلى زيارة القدس أن يقوم بيغن بمبادرة جريئة مثله، لكن بيغن لم يفعل هذا، بل اكتفى بإخراج خطة مفصلة بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة لم تتضمن شيئًا واحدًا مما كان يتطلع إليه السادات، وهو التزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية. بل نرى بيغن يقول: إنني قد أموت وأنا في الحكم، والذين يراهنون على موتي كثيرون جدًّا، ولكني لن أدع كتاب التاريخ اليهودي يقولون عني تنازلت عن أرض إسرائيل وأنا على كرسي المسئولية في الدولة.

وصحيح أننا نجد عند عزرا وایزمن وعند بيريز شيئًا من المرونة إلا أنها لا فائدة منها على الإطلاق أمام هذا التعنت عند مناحيم بيغن، الأمر الذي جعل الكثيرين يتوقعون فشل مؤتمر قمة كامب ديفيد حتى أن الرئيس السادات قد اعترف بصعوبة هذه المباحثات، وكذلك موسى صبري رئيس تحرير جريدة الأخبار القاهرية قد عرف أيضًا أن التقدم القليل في مؤتمر كامب ديفيد لا يمكن أن يمثل أي نجاح للمباحثات أمام نقاط الخلاف الجذرية التي لا تزال بغير حل.

  • موقف الدول العربية من كامب ديفيد 

لقد اختلف موقف الدول العربية من مؤتمر القمة في كامب ديفيد بين مؤيد ومعارض؛ فالمعارضون وهم دول ميثاق طرابلس أو دول جبهة الرفض لا يشكون لحظة في فشله إن عاجلًا أو آجلًا، ويعلنون معارضتهم له شكلًا ومضمونًا في كل مناسبة، ولا يخفى أن في فشله قوة لتيارهم وآرائهم ونظرتهم المستقبلية وأيديولوجيتهم. وأما المؤيدون له فإنهم ينظرون إليه بترقب وحذر، يريدون منه أن يحقق أي تقدم، ويطلقون التحذير تلو التحذير من فشله، وما يتلو هذا الفشل من أخطار وأحداث. ومع هذا فإنهم لا يشترون نجاحه بأي ثمن مهما بلغ، فالملك حسين قد صرح في خلال إقامته الحالية في لندن التي يزورها زيارة خاصة: أنه لا يقبل أي وجود عسكري في الضفة الغربية إلا إذا كان هذا الوجود مؤقتًا فقط، كما أن الأمير السعودي عبد الله ابن عبد العزيز قد أعلن أن إخفاق مؤتمر كامب ديفيد ذو آثار وخيمة، ليس على الدول في هذه المنطقة من العالم، بل على العالم بأسره.

  • كارتر والهوة الواسعة

وأمام هذه الهوة، والتي تزداد عمقًا واتساعًا، لم يجد الرئيس الأمريكي كارتر بدًّا من أن يبث روح الحياة في مؤتمره الذي دعا إليه، فقام باجتماعات متكررة لكل من الوفدين المصري والإسرائيلي، محاولًا أن يكسر المأزق الذي آلت إليه الأمور بعد هذه الأيام الطوال العجاف في عمر مؤتمر كامب ديفيد، مستعينًا بسلاح التعتيم والحركة السريعة الهادئة.

  • هل التعتيم للتمويه؟ 

مع كل ما تقدم فهناك من يقول: إن هذا التعتيم ليس إلا حجابًا قصد به التمويه والتعمية عن اتفاق سري قد تم فعلًا حول القضية الفلسطينية في غياب أهلها عنها، وهذا الاتفاق يهدف إلى تحقيق حل للمشكلة الفلسطينية بطريقة أخرى غير إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وفي قطاع غزة. على أن أحدًا لا يستطيع الجزم بهذا الآن على الأقل، إلا أننا لا بد من أن نضعه في الحسبان دون أي إهمال.

  • وأخيرًا..

وأخيرًا لا بد لنا قبل أن نضيع في متاهات الواقع بما فيه من أحداث التعتيم وآراء ومخططات ومؤتمرات وغير ذلك، لا بد لنا من أن لا ننسى أمورًا مهمة جدًّا هي الخطوة الأولى للمشكلة الفلسطينية، وبالتالي هي الخطوة الأولى لحلها وهي:

- أن المشكلة الفلسطينية هي مشكلة إسلامية أولًا وآخرًا، وقبل أن تكون فلسطينية أو عربية فهي تهم جميع المسلمين في مختلف أنحاء الأرض على الإطلاق. وتحرير فلسطين فرض عليهم وواجب ديني مقدس يبغون فيه وجه الله تعالى، وليس من الصحيح أن من صالحنا في حال من الأحوال تقييدها بأن نجعلها تخص الفلسطينيين أو العرب فقط.

- وأن جعل ٩٩ بالمائة من أوراق اللعبة في يد أمريكا أمر يحتاج إلى إعادة نظر، وكذلك وضع أوراق اللعبة في يد روسيا أمر لا يمكن القبول به؛ وذلك لأن أوراق اللعبة 100 بالمائة يجب أن تكون في أيدينا نحن المسلمين، ولا يكون هذا إلا بالعودة إلى ديننا؛ ننصره وننصر ربه تعالى الذي يقول في محكم تنزيله: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (محمد: 7).

الرابط المختصر :