; من أعلام الحركة الإسلامية المعاصرة: خادم العلم الشيخ عبدالله الأنصاري | مجلة المجتمع

العنوان من أعلام الحركة الإسلامية المعاصرة: خادم العلم الشيخ عبدالله الأنصاري

الكاتب المستشار عبدالله العقيل

تاريخ النشر الثلاثاء 03-مارس-1998

مشاهدات 16

نشر في العدد 1291

نشر في الصفحة 50

الثلاثاء 03-مارس-1998

هو الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري ولد في مدينة «الخور» بقطر ١٣٤٠هـ، وكان أبوه قاضيًا، وقد تلقى العلم على يد والده، حيث حفظ القرآن الكريم ولما يتجاوز الثانية عشرة، ودرس كتب الفقه الشافعي، والحديث النبوي وعلم النحو واللغة وعلوم الميراث، ثم رحل إلى الإحساء للدراسة على يد علمائها أمثال الشيخ عبد العزيز المبارك، والشيخ أبو بكر الملا، والشيخ عبد العزيز بن صالح، والشيخ عبد الله بن عمير، والشيخ عبد الله الخطيب وغيرهم.

حيث تعمق في دراسة الفقه والمواريث والتجويد والحديث والنحو والتفسير، ثم عاد إلى قطر، حيث درس لمدة سنة على والده ثم سافر إلى الحج وهناك بقي بمكة المكرمة للدراسة بالمدرسة الصولتية التي أنشأها العلامة الدهلوي حيث درس على مشايخ مكة المكرمة أمثال الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، والشيخ محمد بن مانع، والشيخ علوي المالكي وغيرهم، وبعد خمس سنوات من الإقامة بمكة المكرمة للدراسة والتفقه في علوم الدين  عاد إلى قطر.

ولم يطل بقاؤه في قطر، حيث سافر بعد سنوات إلى المملكة العربية السعودية، وعمل إمامًا وخطيبًا ومدرسًا في قرية «دارين» بالمنطقة الشرقية وبعد سنة استدعاه قاضي القطيف ليكون مساعدًا له في عمله القضائي، ثم انتقل كمدرس ومدير المدرسة الرسمية التي أنشأتها وزارة المعارف السعودية حيث قضى فيها ثلاث سنوات.

وفي سنة ١٣٧٤ هـ ورد خطاب من حاكم قطر الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني إلى الملك سعود بن عبد العزيز يطلب فيه السماح للشيخ الأنصاري بالعودة إلى وطنه الأول قطر، وبعد عودته أنشأ معهدًا تولى إدارته، ثم تقلب في مناصب متعددة كان آخرها مدير إدارة الشؤون الدينية، حيث انطلق يؤسس مراكز تحفيظ القرآن الكريم في قطر وخارجها، ويطبع كتب التراث الإسلامي بعد تحقيقها ومراجعتها، ويقوم بتوزيعها على طلبة العلم والمساجد والمراكز والمؤسسات الإسلامية في أنحاء العالم، وقد جاوز المطبوع منها المائة وخمسين كتابًا، كما اهتم بنشر الدعوة الإسلامية وتفريغ الدعاة والأئمة والمدرسين وتقديم المساعدات المالية للمحتاجين من المسلمين في كل مكان وإقامة المدارس والمعاهد والمساجد والمراكز واستمرار الدعم لها ورفدها لتنهض في أداء رسالتها الإسلامية.

 وقد شارك في العديد من المؤتمرات والندوات واللقاءات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، كما كان عضوًا في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.

 وقد زارنا أكثر من مرة في الكويت وحضر الندوة الأسبوعية مساء الجمعة وشارك فيها مع الإخوة الحاضرين بكلمة طيبة أثنى من خلالها على الصحوة الإسلامية المباركة، ودعا لمن كان السبب في جمع الشباب المسلم على المنهج الصحيح والعمل لخدمة الإسلام والمسلمين والتصدي لتيارات الكفر المستوردة التي تريد إبعاد الأمة عن دينها، وربطها بعجلة الغرب الصليبي، الذي يطمع  في خيرات الأمة الإسلامية ويريد استغلالها لمصالحه المادية وأطماعه الاستعمارية.

لقاء في اليابان

كما سعدت باللقاء به في طوكيو حيث كان افتتاح المركز الإسلامي الياباني الذي قدم له الدعم السخي، كما سعدت باللقاء به في زيارتنا إلى پاکستان مع العلماء والدعاة من إخواننا فقد كان  له دور بالغ الأهمية في جمع كلمة المجاهدين و الأفغان، وتكوين الاتحاد الإسلامي للمجاهدين الذي انتخب عبد الرسول سياف أميرًا له حيث أقام  الأنصاري وليمة كبرى لجميع الوفود المشاركة فرحًت بقيام هذا الاتحاد الذي كانت الآمال معلقة عليه في أن يسدل الستار على الخلافات التي كان يذكي أوارها عملاء الشرق والغرب على حد سواء.

 كان الشيخ عبد الله الأنصاري العلامة المشرقة المضيئة لقطر، حيث كان الناس في أنحاء العالم الإسلامي يذكرون جهوده المشكورة في المجال الدعوي والعلمي والثقافي والمالي والإغاثي، ويدعون من يقفون إلى جانبه في أداء رسالته  السامية في خدمة الإسلام والمسلمين في كل مكان.

يقول القاضي الفاضل عبد القادر العماري في مجلة المجتمع: «إن الحزن على الشيخ عبد الله الأنصاري حزن على ثروة من الخلق والعلم والفضائل والتجارب، فقد كان بالأمس بيننا ملء السمع والبصر، يفيض علينا من روح السماحة والمحبة ودماثة الأخلاق وكريم السجايا ونور العلم، فقد حرص على أن يكون كل ذلك وأن يكون واسطة خير، وأن يستخدم مكانته وجاهه ونفوذه من أجل نشر العلم، وفعل الخير، وقد وجد التجاوب من الدولة وأميرها وولي عهده لتحقيق الهدف السامي في نشر الثقافة الإسلامية وتعميم الكتاب الإسلامي، إذ لا تكاد تجد مدينة في العالم الإسلامي إلا وفيها هدايا دولة قطر من الكتب النافعة».

إن الشيخ الأنصاري كان جماعة في واحد أمة في فرد، همة عالية ونشاطًا متواصلًا، كبرت همته فأثقلت على جسمه وشيخوخته.

إن الجماهير الغفيرة التي احتشدت للصلاة عليه في المسجد الكبير بالدوحة ضاق بها المسجد على سعته، وإن الجموع الحاشدة التي خرجت تودعه إلى مثواه، لم تشهد قطر لها مثيلًا في تاريخها، انتهى.

 ولقد كان رئيسًا لبعثة الحج القطرية لسنوات في مكة المكرمة، بنى مسجدًا جامعًا كما أنشأ مكتبة إسلامية عامرة تقوم بتوزيع كتب التراث الإسلامي.

 وكان يشرف على تحفيظ القرآن الكريم في جميع المساجد والمدارس بدولة قطر، كما كان يشرف على الوعظ والإرشاد ويوجه الدعوات لعدد من العلماء والوعاظ في مصر وبلاد الشام للوعظ في شهر رمضان المبارك.

 ومساعداته إلى البلدان من مختلف أنحاء العالم الإسلامي أكثر من أن تحصى وهي معروفة لدى الخاص والعام، وكان له نشاط اجتماعي ملموس في عمل الخير والإصلاح بين الناس داخل قطر وخارجها.

كما كان له اهتمام كبير بعلم الفلك وحساباته وهو الذي كان يصدر التقويم القطري في كل عام فالشيخ الأنصاري يرحمه الله كان شعلة من النشاط في شتى الميادين التي تعود بالنفع على الإسلام والمسلمين فهو خادم للعلم، ساع في الخير عامل في حقل الدعوة الإسلامية باذل المعروف مصلح بين الخصوم، جامع القلوب محب للعلماء، معين للفقراء، مؤيد لأصحاب الحق مشجع لطلبة العلم ناصح لولاة الأمر.

وكان الشيخ الأنصاري رقيق الحاشية جياش العاطفة تستثيره أوضاع المسلمين، فيبكي لحالهم، ويتألم لأوضاعهم، ويبذل قصارى جهده للتخفيف من آلامهم وتقديم العون لهم.

فلسفته في العمل

ومن فلسفته في الحياة التقرب إلى ولاة الأمر وتقديم النصيحة لهم بالحكمة والموعظة الحسنة، والاستفادة من جاههم وسلطانهم وأموالهم لخدمة المسلمين والصبر على ما يصدر منهم من هفوات وعدم التشهير بهم، لئلا يستغل ذلك بطانة السوء الذين يريدون عزل الراعي عن الرعية وإقامة الحجاب بين الحاكم والمحكومين، وعدم اطلاع ولي الأمر على حقيقة ما يجري لتزداد الهوة بين الشعوب والقادة فيصطاد المفسدون في الماء العكر. 

وفي آخر زيارة لي إلى قطر، بدعوة رسمية لإلقاء بعض المحاضرات الإسلامية بوزارة الأوقاف وجامعة قطر، سعدت به حيث جمع حشدًا كبيرًا من العلماء والدعاة في منزله وشدد في حديثه على ضرورة تكاتف الدعاة والعاملين في حفل الدعوة الإسلامية للعمل صفًا واحدًا، أمام هذه الهجمة الضروس التي يتولى كبرها أعداء الإسلام في الشرق والغرب على حد سواء يريدون إخراج المسلمين من دينهم، وإحداث الفتن في صفوفهم وبذر الشقاق بين دولهم، وتسليط اليهود عليهم.

 وإن الواجب على العلماء والدعاة المعاصرين أن تتوحد كلمتهم، وتتضافر جهودهم في كل أنحاء العالم الإسلامي لينطلقوا في الدعوة إلى الله يدًا واحدةً وجسدًا واحدًا يشد بعضه بعضًا، وإن الشعوب المسلمة إذا وجدت العلماء المسلمين يدًا واحدة سارت وراهم واستجابت لدعوتهم، كما أن الحكام سيحترمون هؤلاء العلماء ويعرفون قدرهم ويحسبون حسابهم.

وإن هذه الصحوة الإسلامية التي تعم ديار المسلمين هي تباشير خير لعودة شباب الأمة إلى دين الإسلام، فيجب الاستفادة من طاقاتهم، والعمل الجاد المتواصل لتوجيههم في المسار الصحيح ليؤدوا دورهم في خدمة دينهم وأمتهم، وبناء حاضرهم والاستشراف لمستقبلهم وفق التصور الإسلامي الصحيح المستقى من الكتاب والسنة وما اجتمع عليه سلف الأمة.

يقول الإمام الشهيد حسن البنا في رسالة «إلى أي شيء تدعو الناس»:

«إن تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ، تحتاج من الأمة التي تحاول هذا، أو من الفئة التي تدعو إليه على الأقل إلى قوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة أمور: إرادة  قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره».

وإن نهضات الأمم جميعًا، إنما بدأت على حال من الضعف يخيل للناظر إليها، أن وصولها إلى ما تبتغي ضرب من المحال.

 ومع هذا الخيال، فقد حدثنا التاريخ أن الصبر والثبات والحكمة والأناة وصلت بهذه النهضات الضعيفة النشأة القليلة الوسائل إلى ذروة ما يرجوه القائمون بها، من توفيق ونجاح، ومن ذا الذي كان يصدق أن الجزيرة العربية وهي تلك الصحراء الجافة المجدبة تنبت النور والعرفان وتسيطر بنفوذ أبنائها الروحي والسياسي على أعظم دول العالم، ومن ذا الذي كان يظن أن أبا بكر صاحب القلب الرقيق اللين، وقد انتفض الناس عليه، وحار أنصاره في أمرهم، يستطيع أن يخرج في يوم واحد أحد عشر جيشًا، تقمع العصاة وتقوم المعوج، وتؤدب الطاغي وتنتقم من المرتدين وتستخلص حق الله في الزكاة من المانعين، ومن ذا الذي كان يظن أن صلاح الدين الأيوبي يقف الأعوام الطوال فيرد ملوك أوروبا على أعقابهم مدحورين مع توافر عددهم وتظاهر جيوشهم حتى اجتمع عليه خمسة وعشرون ملكًا من ملوكهم الأكابر.

ذلك في التاريخ القديم، وفي التاريخ الحديث أروع المثل على ذلك، فمن كان يظن أن الملك عبد العزيز آل سعود، وقد نفيت أسرته وشرد أهله وسلب ملكه يسترد هذا الملك ببضعة وعشرين رجلًا، ثم يكون بعد ذلك أملًا من آمال العالم الإسلامي في إعادة مجده وإحياء وحدته، انتهى.

إن العارفين للشيخ عبد الله الأنصاري سيظلون يذكرون له مواقفه ومآثره، وإن المؤسسات والمراكز الإسلامية ودور القرآن الكريم والأيتام والأرامل في جميع أنحاء العالم الإسلامي الذين وصلتهم مساعداته لن ينسوا هذا الرجل العالم العامل والداعية المجاهد، وسيدعون له جزاء ما قدم من خير، وإنني لأدعو تلامذته وإخوانه وأبناءه وفي مقدمتهم الأخ محمد عبدالله الأنصاري، أن يواصلوا السير في الطريق الذي سار عليه شيخنا وأستاذنا الجليل لأنه الطريق الموصل إلى مرضاة الله تعالى.

 ولقد اختار الله الشيخ الجليل إلى جواره بعد مرض  ألم به حيث غادر دنيانا إلى الدار الآخرة  يوم ١٤/٢/١٤١٠ه‍  (الموافق ١٥/١٠/١٩٨٩م)  نسأل المولى الكريم أن يغفر لنا وله وأن يتغمده برحمته ويدخله في جنته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

تنبيه

هذه الحلقات خواطر من الذاكرة قد يعروها النقص والنسيان، لذا أرجو من إخواني القراء إعدادي بأي إضافة أو تعديل لتداركه قبل نشرها في: کتاب مستقل، وعنواني ص ب ٩٣٦٥٠ – الرياض ١١٦٨٣.

الرابط المختصر :