; هل مهمة مدرس التربية الإسلامية مستحيلة - 2 | مجلة المجتمع

العنوان هل مهمة مدرس التربية الإسلامية مستحيلة - 2

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 15-ديسمبر-1970

مشاهدات 19

نشر في العدد 39

نشر في الصفحة 8

الثلاثاء 15-ديسمبر-1970

هل مهمة مدرس التربية الإسلامية مستحيلة؟

 تحت هذا العنوان كتبنا في عدد سابق من هذه الجريدة موضوعًا تناولنا فيه منهج التربية الإسلامية، الذي يدرسه الطالب من حيث النوع والكم والكيف، ولقد أثلج صدورنا بعد ذلك وأثناءه أن رأينا وزارة التربية تقوم بتكوين لجنة لإعادة النظر في مناهج التربية الإسلامية على أسس جديدة على ضوء من كتاب الله وسنة رسوله؛ وعلى أساس من منهج النبي الرباني- صلى الله عليه وسلم- في تربية الإنسان المسلم، ولقد سرَّنا أيضًا أن الوزارة ستبدأ بتنفيذ خطة جديدة في تدريس الدين ابتداءً من العام القادم تزداد فيه عدد الحصص ويزداد فيه الاهتمام بالقرآن الكريم تلاوةً وحفظًا، حتى تُمحى تلك الظلمة التي تحجب تلميذ المدارس عن مُدارسة كتاب الله فيتألق في قلبه نور ربه وينطلق على هدى من كلماته يصوغ الحياة الإنسانية كما شاء الله لها أن تكون، ونحن في انتظار أن تسفر اجتماعات لجنة إعادة النظر في مناهج التربية الإسلامية عن خير كثير نحب أن نتابع ما سبق أن كتبنا فيه فنعرض في هذا المقال للأداة المنفذة لهذا المنهج وهي المدرس من حيث الكفاءة والقدرة على التدريس ومعها الإيمان الحقيقي والسلوك العملي والحماس المتعقل بما يُلقى على التلاميذ من دروس دينية.

من هو مدرس التربية الإسلامية المنتظر؟

في حديثنا عن هذا الموضوع لا بد أن نعود إلى جذوره ونبحثه من الأساس؛ ذلك أن إثارة موضوع تدريس التربية الإسلامية كان بسبب عدم قدرة الأداة التي تقوم بالتدريس أو عدم إخلاصها أو كونها نموذجًا مخالفًا لما تلقيه على التلاميذ من دروس دينية؛ وخصوصًا في مدارس البنات، مما جعل الحريصين من أبناء هذه الأمة ينظرون بقلق إلى مصير أبنائهم وبناتهم الذين يتعلمون في المدارس.

لقد مرت بأمتنا حقبة من التاريخ انزوى فيها المخلصون بعيدًا عن أجهزة التخطيط والتنفيذ. وبدأت مصادر الإشعاع الإسلامي يخبو نورها من واقع أمتنا شيئًا فشيئًا وبتخطيط ماكر رهيب تسنَّم تلاميذ المناهج الإلحادية أجهزة التخطيط في كل مناحي الحياة، واستبعد بطرق ملتوية كل مخلص عن هذه الأجهزة، وبدأ الاستعمار الفكري يزحف شيئًا فشيئًا على الأدمغة في كل مكان. وكانت ولادة الجامعات على هذا الفراش الفكري المستورد؛ وبدأت تدفع بخريجيها يملئون كل الفراغات التي تخلى عنها موظفو الاستعمار، وبدأ تعمد إبعادهم عن دينهم يزداد سنة بعد سنة حتى أصبح خريجو الجامعات يعرفون في كل شيء إلا في دينهم، يعرفون عن دارون وماركس وفرويد ما لا يعرفونه عن عمر وخالد وصلاح الدين.

ولما كان فاقد الشيء لا يعطيه؛ فإن من عمل منهم في التدريس لم يعط تلاميذه إلا ما احتواه دماغه من علم محشو ومعه تمجيد علماء الغرب وطرقهم ونظرياتهم وأساليبهم في الحياة.

حيرة مدرس الدين

أما مدرس التربية الإسلامية فإنه لاهث بين خضم هذه الزحوف الفكرية موزع بين حرصه على دينه ورغبته في مسايرة الركب حتى أصبح واحدًا من أربعة.

·       إما أن يكون حرصه على التعايش مع ما يحيط به يدفعه إلى أن يتشبه بالقوم في كل شيء؛ ويخنق في نفسه كل ما عرفه من أمور دينه؛ ويخجل من أن يعرف بين الناس بأنه متدين محافظ؛ ويحاول أن يغطي على هذه الوصمة بمحاولة التفرغ ومجاراة الناس في طباعهم وسلوكهم حتى يجد نفسه منجرفًا مع التيار ملزمًا بالدفاع عنه في النهاية. فمثل هذا المدرس لا يبعد أن يصدر عنه لتلاميذه تمجيد لأنظمة غير إسلامية وسخرية واستهزاء من الذين يتمسكون بدينهم ويصرون على تطبيقه في سلوكهم، وإذا اضطر للحديث عن الإسلام فسيكون حديثه جافًا فجًا لا روح فيه ولا عمق، وإذا أحرجه بعض التلاميذ بسؤال شخصي عن مدى مساوقة كلامه لفعله؛ وجدته يتلجلج معتذرًا بما لا يُعتَذر به أو يعتبر ما يقوله كلامًا نظريًا لا يتفق مع روح العصر الصاروخي الذي يعيش فيه.

·       هذا واحد. ورجل ثان يدفعه حرصه على دينه وعبادته وأخلاقه إلى أن يبتعد عن المجتمع؛ وينزوي عن الناس؛ وينظر إلى كل جديد على أنه نجس؛ ويجمد على كثير من المفهومات الخاطئة، ولا يحاول أن يفهم ما يحيط به من أحداث وما حقيقة خصوم الإسلام وما المعارك التي يخوضها هؤلاء الخصوم، فهو متذمر دائمًا ساخط دائمًا، ينفر من الشباب وينفرون منه، وعلى الرغم مما في مثل هذا المدرس من عيوب؛ إلا أن إصلاحه ممكن إذا تعهدناه بالتوعية والتوجيه وطمأناه وزرعنا في نفسه الثقة والأمل.

 «وصنف ماكر».

أما الصنف الثالث من المدرسين؛ فأناس فهموا الإسلام على أنه علاقة بين العبد وربه لتهذيب النفوس، فهو محصور في المسجد حيث تقام «الطقوس» الدينية، ولا شأن له بما يدور في هذه الدنيا من منازعات وخلافات؛ وما يعترض بني البشر من مشاكل لا يتعارض مع المذاهب التي يصنعها الإنسان، وهم يرون أن الإنسان قد يكون مسلمًا واشتراكيًا أو مسلمًا وشيوعيًا أو مسلمًا ووجوديًا في الوقت نفسه وهؤلاء إما جاهلون محرومون من المعرفة الكاملة للإسلام؛ أو ماكرون خبثاء يتعمدون حصر الإسلام في هذه الدائرة الضيقة لأغراض يخفونها في أنفسهم.

·       وأما الصنف الرابع من المدرسين فهو الصنف الذي نسعى لأن نسلمه أمانة تربية أجيالنا، وإذا وجدناه فمن واجبنا أن نعض عليه بالنواجذ؛ ذلك الصنف هو الذي فهم الإسلام كما أنزله الله سبحانه وتعالى وكما طبقه الرسول- عليه السلام- والصحابة رضوان الله عليهم، وكما نريد أن يكون واقعًا ملموسًا في نماذج من أبنائنا الذين سيقودون أمتنا إلى ما قاده إليها رسولها- صلى الله عليه وسلم- هذه الطائفة من المدرسين عرفت الإسلام من مصادره دعوة لإخراج الناس كافة من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، عرفته عبادة كما عرفته سياسة كما عرفته معاملة بين الناس؛ كما عرفته تصورًا سليمًا لله والكون والحياة، عرفته دينًا متكاملًا جاء للناس كافة منهاجًا وحيدًا لا تصلح الإنسانية إلا عليه؛ حتى تبدل الأرض غير الأرض والسماء غير السماء.

هؤلاء المدرسون عاشوا في واقع مجتمعهم وتلمسوا مشاكله ومشاكل الشباب فيه وما يعانونه من ضياع بسبب ما يحيط بهم من تناقضات وما يبث إليهم من سموم وسائل الإعلام المختلفة، ودرسوا كل هذا على ضوء كتاب الله وسنة رسوله، فهم بتلاميذهم رفقاء وعلى صداقتهم حريصون وعلى توجيههم إلى طريق الإسلام الصحيح يكرسون جهدهم كله، وهم قبل ذلك قدوة صالحة لتلاميذهم في كل ما يقولون.

هذا تقسيم من ناحية العقيدة والسلوك العملي، أما من حيث الكفاءة والقدرة على التدريس؛ فالمدرسون الذين اعتادت الوزارة أن تُسند إليهم تدريس الدين ذوو كفاءات مختلفة.

 من هو المدرس المناسب؟

فمنهم من درس الشريعة الإسلامية دراسة جامعية كافية وهم قليلون. وقد نشطت الوزارة أخيرًا في التعاقد معهم، ولعلهم أنسب المدرسين من حيث الكفاءة والقدرة على تدريس التربية الإسلامية، ومنهم من جمع بين دراسة اللغة العربية وشيء من الشريعة، وعددهم في المدارس ليس بالقليل، وهم على تفاوت في القدرة والكفاءة حسب اهتماماتهم ومتابعة دراساتهم الفردية.

وطائفة ثالثة درست اللغة العربية في كلية الآداب، فلم تهيئها هذه الدراسة إلى الإحاطة بأصول الشريعة أو الفهم الصحيح لروح الإسلام، ولم يتسنَّ لها إلا دراسة قليلة للقرآن والحديث من حيث كونها نصوصًا أدبية، وقد أسند إليهم تدريس الدين، فمنهم من كان على علم بدينه لأنه مسلم قارئ لا بد أن يعرف كل ما يستطيعه عن دينه؛ فكان له من حرصه على فهم الإسلام ونشاطه في دراسته وحماسه لتطبيقه ما يعينه على تدريس هذه المادة كما يجب، ومنهم من ينطبق عليه كلامنا حين تحدثنا عن أصناف المدرسين الأربعة، فكان واحدًا من الثلاثة الأول لا نفع ولا انتفع ومثل هذا يجب استبعاده فورًا من تدريس الدين إذا لم يكن من الممكن إصلاحه فضرره أكثر من نفعه، هذه النماذج السيئة من مدرسي الدين نجدها بعدد أكبر وبشكل أوضح في مدارس البنات؛ إذ المرأة المتعلمة في بلاد المسلمين أکثر جهلًا بالإسلام من الرجل، وأشد تعلقًا بمظاهر الانحراف والتبعية للأفكار الدخيلة، ولعل الرجل يتحمل نصيبًا وافرًا في توجيهها هذه الوجهة، فهو لم يهيئ لها فرصة للمعرفة الحقيقية لدينها ولم يشجعها على دراسته وتطبيقه.

 لا بد من الفصل الكامل

وبعد هذا نقول إن الاهتمام بتدريس الدين لن يكون كما يجب إلا بعد أن يتم الفصل الكامل بين تدريس الدين وتدريس اللغة العربية؛ وبين مدرس الدين ومدرس اللغة العربية، ومدرس الدين لم يشعر بشيء من الاهتمام الجديد أكثر من كونه يستقبل مفتشين بدلًا من مفتش واحد. ولا شك أن وزارة التربية جادة في عملية الفصل ونحن ننتظر أن يتم ذلك في العام الدراسي القادم حيث نجد مجموعة خاصة من المدرسين لتدريس الدين ومعهم مدرسهم الأول الخاص بهم.

ولا بد لإنجاح عملية الفصل هذه من أن يتم اختبار المدرس على أساس من خلقه ودينه وحماسه في تطبيق الإسلام على نفسه مثل غيره بالإضافة إلى كفاءته وقدرته على التدريس، فالأمر أمر دین لا بد فيه من التحري حتى تطمئن قلوبنا على فلذات أكبادنا في المدارس.

ولا شك أن تعديل المناهج إلى ما هو أفضل واختيار المدرس المناسب لا يكفينا لحماية أجيالنا مما يُحاك لهم من خطط لضياعهم وأساليب لإبعادهم عن مصدر عزتهم، فلا بد أن يكون ما يحيط بهؤلاء التلاميذ من وسائل الإعلام ومظاهر للحياة متفقًا مع ما يتعلمونه حتى لا نكون كمن يطرق في حديد بارد ولنا إلى هذا الموضوع عودة إن شاء الله.

 

الرابط المختصر :