العنوان ما هي الأولويات في الإعلام المطلوب؟
الكاتب فيصل الزامل
تاريخ النشر الثلاثاء 28-أكتوبر-1980
مشاهدات 20
نشر في العدد 502
نشر في الصفحة 26
الثلاثاء 28-أكتوبر-1980
كان الاعتقاد -إلى وقت قريب- أن الإعلام سبب لكل مفسدة.
المسلمون اليوم بحاجة إلى أدوات الإعلام ليوصلوا بها فكرهم إلى كل مكان.
إيصال الفِكر الإسلامي أصل في رسالة الإعلام.
إلى عقدين من الزمان كان الناس في المجتمع المسلم يحتقرون أدوات الإعلام ويعتبرونها سببًا لكل مفسدة. وإنها خدمت تضليل الناس بالفكر المستورد أكثر مما نفعت بإشاعة الوعي بشكل عام وبقضايا الإسلام بالذات.
ولكن مع دخول القرن الخامس عشر للهجرة تبلورت صورة أدوات الإعلام في أذهاننا.. فهي ليست سِوى أداة، أو أدوات، يستعملها الناس في الشر فتُهدم الأخلاق وتُشيع الفساد، ولكن إذا استعملت في الخير فإنها تشيع العادات الطيبة وتُنير الفكر المستقيم... وتخرب ما بناه الباطل وأهله.
لقد تكشفت هذه الحقيقة للنبي- صلى الله عليه وسلم- فهو رغم تحفظه من الشعراء فقد قَرَّب بعضهم إليه ونحن نقرأ في السيرة أنه بعد غزوة أحد رأى أحد الشعراء الجاهليين يسير مارًا بالمسلمين في معسكرهم بذات الحمراء وهم يتتبعون قريشًا؛ فوعده خيرًا إن هو قال شعرًا في تعظيم قدر المسلمين أمام كفار قريش.
وكان...
فليس الإعلام ولا أدواته شرًا كلها ولا هي خيرًا، بل هي أدوات، فهي تنقل خطبة العالم المسلم والكاتب المفكر من دائرة المئة والخمسمئة إلى المئة ألف وأكثر عبر الصحافة والأثير.. والتلفزيون.
فنحن إذًا في أمس الحاجة لمن يُحسن صياغة الخبر وكتابة المقالة الفكرية والسياسية والتربوية والاجتماعية، ثم يتولى آخرون إخراجها في قلب زاهي متجانس الألوان ومستلزمات الإخراج المَطبعي بالنسبة للصحافة وبالنسبة للإذاعة الإخراج الصوتي وغير ذلك في الأشرطة المرئية، وكي يتحقق ذلك كله فإن أمام رجل الإعلام أساسيات يجب أن يضعها في حسبانه وأن يأخذ منها بقدر طاقته.
أولًا: الثقافة العامة الرصينة:
إذ إن الإعلام الإسلامي، يتمتع بميزة كونه هادفا، فهو ذو فكرة يدور حولها، والإعلامي المسلم يريد أن يقول شيئًا عبر مسرحيته أو مقالته ومن خلال الكاريكاتير أو اختياره الألوان و إخراج الصفحات.
فهو صاحب فكرة يُحققها بثقافة متنوعة تبدأ بوضوح المفهوم للعقيدة الإسلامية ومرادها وطريقة الوصول إلى تلك المبتغيات.
وهو يصل إلى عرض تلك المفاهيم من خلال مخاطبة هادئة تتسلسل بذهن القارئ أو المشاهد عبر المعلومات المتاحة من حوله عن قضاياه الاجتماعية المحسوسة، ومنها ينطلق مُتدرجًا بذهن ونفسية المشاهد والقارئ فلا تحدث -في أي مرحلة- بينه وبينهم عزلة بسبب غموض في الطرح الإعلامي والأسلوب العاجي المُتعجرف في عرض المفاهيم.. كل ذلك يخلق خندقًا بين الإعلام الإسلامي وجمهوره.
ثانيًا: اتساع دائرة الاتصال:
بكل شيء.. فالإعلامي يحتاج المعلومات الصحفية الحية إن كان صحفيًا، ويحتاج إلى معرفة مصادر المعلومات الفنية في الإخراج والتأليف والإلقاء إن كان في مجال النشاط الإذاعي والأشرطة عمومًا.
لقد صارت التكنولوجيا جزءًا لا ينفصل عن الإعلام، بل إن الإعلام هو التكنولوجيا؛ فمتى كان الإعلامي غير عليم بأدوات التسجيل والمونتاج وأحدث وسائط دمج الصورة، وتجسيم الصوت، والمؤثرات المرئية الأخرى التي أتاحتها الآلة؛ عندها سيكون هذا الإعلامي تقليديًا بحتًا في تفكيره... فقد غدت التكنولوجيا يا سادة تأخذ عملًا فنيًا متواضعًا فتنفخ فيه وتمسح عليه حتى يُبهر الألباب... وبغيرها يسقط أرقى الفنانين و تتدحرج أسمَى الأفكار في سراديب السطحية والسذاجة الإعلامية.
ثالثًا: استخدام الإدارة الفنية المتطورة:
ففي حقول الإعلام كلها تتشابك القضايا الفنية مع الفكرية مع قضايا المال والتمويل لتجعل من الإعلامي الذي «يحاول» مجرد محاولة... أن يمركز كافة هذه المهام في يده فإنها تجعله مشلولًا... ناقص الأداء في هذه المجالات كلها.
فلا بُد من تنظيم هيكل يُدير الجوانب المختلفة كل على حدة، المالية والإدارية، ثم الفنية والتقنية من جهة، ومن جهة أخرى يتفرغ رجال المادة سواء محررين أم مؤلفين ومنسق الحوار أو ما يسمونه بـ «السيناريست»
يجب أن تعمل أطراف هذه الآلة بتناسُق بحيث تنحصر مهمة كل طرف في ميدانه وعلامة الترهل والفشل أن نشاهد رئيس التحرير هو الكاتب والمشارك في الإخراج وهو نفسه يُمثل دور قسم المتابعة... إلخ... وقل مثل ذلك في المسرح أو الإذاعة وغيرها.
وأخيرًا:
فإن دور الإعلام والإعلامي يتمثل في إشاعة رواج عام لفكرة معينة على صعيد الاجتماع أو السياسة، وفي طريقه لتحقيق هذا الهدف، فإنه يضطلع بمهام الترويح والترفيه عن جمهوره لتسهيل هضم ذلك الرواج.
هكذا نفهم نحن معشر الإسلاميين أولويات الإعلام... وأما المعادلة المقلوبة التي يراها الجميع في الكواليس.. ووراءها فلا نفهمها، حيث صارت كلمة الترفيه أصلًا والتهريج سنَّة -بتشديد النون- استنها بعضهم للإعلام طريقًا، فسار القوم عليه و صاروا يعلقون على مشجب الترفيه جميع الأعذار لفشلهم في تحقيق الرواج للفكرة البنَّاءة في صعيد الاجتماع والسياسة، و لو أنهم نجحوا في إنجاز رسالتهم هذه لاكتشفوا للترفيه والترويح آفاقًا وأنماطًا أكثر إبداعًا مما يرتكبونه اليوم تحت اسم الترفيه.