; بأقلام القراء.. مع الشيخ قرني بدوي في قصة أصحاب الفيل | مجلة المجتمع

العنوان بأقلام القراء.. مع الشيخ قرني بدوي في قصة أصحاب الفيل

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 05-سبتمبر-1972

مشاهدات 14

نشر في العدد 116

نشر في الصفحة 31

الثلاثاء 05-سبتمبر-1972

مع الشيخ قرني بدوي في قصة أصحاب الفيل
 وقع في يدي كتاب: جواهر السيرة النبوية لمؤلفه قرنی طلبة بدوی
والناشر له المكتبة التجارية الكبرى بمصر، ولقد شدني إلى قراءته ما قدم له من كلمات تصدير في ثناء عاطر، فقد قدم الكتاب محمد محي الدين عبد الحميد عميد كلية اللغة العربية بالأزهر ومحمد على السايس عضو جماعة كبار العلماء في مصر ومحمد محمد خليل من علماء الأزهر، والأستاذ محمد صلاح الدين خطاب. كانت مقدماتهم له تحية لمؤلفه وشدٍا على يديه، ودعوة لاقتنائه، وقالوا إن المؤلف قد أبدى فيه طريقة لم يسبقه إليها أحد. أخذت بقراءته صفحة متمعنًا في الطريقة التي ابتكرها المؤلف فلم أجده يختلف عن غيره شيئٍا بل إنه يختصر بعض المواضيع ويضيق نطاقها حتى يصعب على القارئ الفهم.
وحينما ذكر المؤلف قصة أصحاب الفيل في الصفحة التاسعة، تحدث في البداية كما هو معروف، وذلك حينما خرج أبرهة من اليمن في جيش عظيم يقدمه فيل كبير، وذلك بقصد هدم البيت الحرام وصد الناس إلى كنيسة بناها في صنعاء فتعرض له نفيل بن حبيب بجيش مؤلف من قبيلتي شهران وناهس، فهزمهم أبرهة وأخذ نفيلًا أسيرًا معه ليكون له دليلًا في الأرض.
• قلت: وشهران وناهس هما القبيلتان المعروفتان الآن وتقع شرق خميس مشيط في جنوب المملكة السعودية في مقاطعة عسير، وما زالتا مشهورتين بهذين الاسمين حتى الآن.
ثم ذكر المؤلف موقف عبد المطلب وإجلاء أهل مكة عنها لأنهم لا طاقة لهم بأبرهة وجيشه فقال: «وآن لأبرهة أن يوجه جيشه ليتم ما اعتزم فيهدم البيت ويعود أدراجه إلى اليمن، كان وباء الجدري تفشى في الجيش وبدأ يفتك به وكان فتكًا ذريعًا لم يُعهد من قبل قط، ولعل جراثيم الوباء جاءت مع الريح من ناحية البحر وأصابت العدوى أبرهة نفسه فأخذه الروع وأمر قومه بالعودة إلى اليمن»
إلى أن قال «وكان الوباء يزداد كل يوم شدة ورجال الجيش يموت منهم من يموت وبلغ أبرهة صنعاء وقد تناثر جسمه من المرض فلم يقم إلا قليلًا حتى لحق بمن مات من جيشه وبذلك أرخ أهل مكة بعام الفيل هذا وقدسه القرآن بذكره ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾ (سوره الفيل: 1) ثم قال المؤلف بعد هذه الآية - إلى آخر السورة» انتهى
خلاصة ما ذكره أن وباء الجدري هو الذي حال بين أبرهة ومقصده من هدم البيت الحرام وهذا هو ما أريد مناقشته فيه.
فأقول بأن مكة حين خلت من أهلها قام عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة قائلًا:
لا هم إن العبد يمنع رحله فامنع رحلًا لك
لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوًا محالك
إن كنت تاركهم وقبلتنا فأمر ما بدا لك
فحينما جاء أبرهة إلى مكة برك الفيل دونها فضربوا الفيل ليقوم فأبى فضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى فوجهوه راجعًا إلى اليمن فقام يهرول وهذه الحادثة ثابتة بقول الرسول عليه السلام يوم الحديبية حين بركت القصواء - ناقته - دون مكة فقالوا خلأت القصواء - بمعنى - حرنت - فقال عليه الصلاة والسلام «ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل» أخرجه البخاري.
وهذه أعتقد بأن الشيخ يقول بها ويوافق عليها وإن كان لم يتطرق إليها بسبب اختصاره كما أسلفت.
قال الشيخ - قرنی بدوی -: إن وباء الجدري هو الذي صد أبرهة وجيشه عن هدم البيت.
وهذا مردود من عدة أوجه
أولًا - لا بد أن نقف على التفاسير المعتمد عليها قديمًا وأقوال العلماء الأفاضل لنعرف ما قالوا في تفسير الطير - والأبابيل - الواردة في سورة الفيل - ﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ -﴾ (سوره الفيل: 3 - 5)
قال ابن هشام «فأرسل الله عليهم طيرًا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس لا تصيب أحدا إلا هلك»
قال سعيد بن جبير: «كانت طيرًا من السماء لم ير قبلها ولا بعدها»
قال قتادة: «هي طير سود جاءت من قبل البحر فوجًا فوجًا مع كل طائر ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره لا يصيب شيئًا إلا هشمه»
قال أبو عبيدة «أبابيل جماعات متفرقة»
قال الشوكاني في تفسيره - فتح القدير - والعرب تستعمل الأبابيل في الطير كما في قول الشاعر
تراهم إلى الداعي سراعًا كأنهم
         أبابيل طير تحت دجن مسجن»
قال حبر الأمة وترجمان القرآن - ابن عباس «في قوله ﴿تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ﴾ (الفيل:4) قال هي حجارة مثل البندق وبها نضح حمرة مختمة مع كل طائر ثلاثة أحجار»
هذه بعض أقوال العلماء فأين وباء الجدري من هذه التفاسير المعتمدة.
ثانيًا - ذكر المؤلف أن نفيل بن حبيب تعرض لهم وأسروه، فلماذا يا فضيلة الشيخ قررت أسره مع أبرهة ولم تقرر كلامه الذي أنشده وهو شاهد عيان معهم بمكة قال نفيل:
أين المفر والإله الطالب
           والأشرم المغلوب ليس الغالب
قال ابن إسحاق وقال نفيل أيضًا:
ألا حييت عنا يا ردينا
             نعمنا كم مع الإصباح عينا
أتانا قابس منكم عشاء
               فلم يقدر لقابسكم لدينا
ردينة لو رأيت - ولا تريه -
         لدى جنب المحصب ما رأينا
إذًا لعذرتني وحمدت أمري
               ولم تأس على ما فات بينا
حمدت الله اذ أبصرت «طيرًا»
               وخفت حجارة تلقى علينا
وكل القوم يسأل عن نفيل
                    كأن على للحبشان دينًا
إذن هو شاهد عيان يروى في قصيدته بأنه أبصر طيرًا ترمي بحجارة من السماء فما هو رأي الشيخ في وباء الجدري.
ثالثًا - المعروف أن وباء الجدري معد فكيف نجا أهل مكة واختص الوباء بهذا الجيش ثم إن المعروف أنه لا يتساقط الجسم منه أنملة أنملة بل يموت صاحبه منه من شدة ألمه.
رابعًا - لماذا لم يستشهد الشيخ بكل السورة وأعنى سورة الفيل مع قصرها واكتفى بالآية الأولى.
الجواب: لأنه علم بأنه سيقع في الشراك الذي نصبه لنفسه لأن بقية الاستشهاد بالسورة ينقض تمامًا ما قرره من أن وباء الجدري هو السبب في الهزيمة.
خامسًا - كل العلماء متفقون على أن سورة الفيل ليست من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه. إنها امتنان من الله على قريش وتذكير لهم بتلك النعمة، وعام الفيل مشهور عند العرب يقولون وقع قبل عام الفيل كذا وبعد عـام الفيل كذا.
سادسًا - إن القول بأن وباء الجدري هو الذي صد أبرهة وجيشه عن مكة معناه تعطيل لسورة كاملة في القرآن وجعل حروفها جوفاء لا معنى لها، وإذا كانت عقلية المؤلف لم تستسغ مثل ذلك وعده شيئًا يجب تأويله فكيف يتفق عقله مع وصف الجنة في القرآن فيها أنهار من لبن فيها أنهار من عسل مصفى فيها أنهار من خمر لذة للشاربين. إنه لا يجب إغفال النص القرآني وتصويراته الفنية سواءً اتفقت مع الطبيعة البشرية أم لم تتفق فإن هذا لا يغير من الواقع شيئًا.
 إن إرسال هذا الطير دليل على قدرة القادر وعلى ضعف الإنسان.
إنه لا يجوز مواجهة النصوص القرآنية بمقررات عقلية ما اتفق منها قبلناه وما اختلف أولناه أو نفيناه.
إنه لا يجوز تضييق النص القرآني على حسب معقولية الإنسان الضعيفة وجعل القرآن تابعًا للعقل، بل يجب أن يكون العقل تابعًا للقرآن.
إننا لا نقف أمام الخارقة مترددين ولا متؤولين لها سواء جرت على ما عهد عند الناس أو ما لم يعهد، بل نقبل بذلك ونسلم له بدون تردد ولا تأويل.
إنني أدرك يقينًا بأن الشيخ قرني بدوي قد عول في تفسير السورة - سورة الفيل وصد أصحاب الفيل بوباء الجدري مرجعه في ذلك تفسير جزء عم للشيخ محمد عبده -رحمه الله- وذلك بأن الشيخ محمد كان رئيس المدرسة العقلية.
وقد عاشت هذه المدرسة وسط نزعات خرافية شائعة وهي تواجه سيلًا من الأساطير والإسرائيليات التي حشيت بها، ومعروف عن هذه المدرسة تحكيم العقل وجعله المرجع الأول والأخير.
إنني أقول إن القول: بوباء الجدري هو الذي صد أبرهة وجيشه قدح في الكتاب وتعطيل لسورة بأكملها وجعلها جامدة نقرأها ولها معنى يخالف ظاهرها.
بقلم: سعيد علي العلكمي - الرياض 
 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

تفسير زئبقي للقرآن

نشر في العدد 11

39

الثلاثاء 26-مايو-1970

مِرْآة الرأي العالمي

نشر في العدد 17

19

الثلاثاء 07-يوليو-1970

من أخبار العالم الإسلامي

نشر في العدد 97

21

الثلاثاء 25-أبريل-1972